كلمة التقوى المجلد 2

اشارة

سرشناسه : زین الدین، محمد امین، 1914 - 1998م.

عنوان و نام پديدآور : کلمه التقوی/ المولف فتاوی المرجع الدینی محمدامین زین الدین دام ظله.

مشخصات نشر : قم: موسسه اسماعیلیان، 14ق. = 13.

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : 1500ریال (ج.3) ؛ 1500 ریال (ج. 5)

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد سوم، 1413ق. = 1371.

يادداشت : کتاب حاضر در همین سال توسط چاپخانه مهر نیز منتشر شده است.

يادداشت : عربی.

يادداشت : ج. 5 (چاپ اول: 1413ق. = 1371).

مندرجات : ج. 3. کتاب الحج. بخش دوم.- ج. 5. کتاب الشفعه

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

رده بندی کنگره : BP183/9/ز9ک 8 1371

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 71-5360

تتمة العبادات

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين، الرحمن الرحيم، و أفضل صلواته و تسليماته و رحماته المباركة الدائمة على سيد خلقه و خاتم أنبيائه محمد و آله الطيبين المطهرين المنتجبين المعصومين.

رَبَّنٰا أَتْمِمْ لَنٰا نُورَنٰا وَ اغْفِرْ لَنٰا إِنَّكَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ و بعد فهذا هو القسم «1» الأول من الجزء الثالث من رسالة كلمة التقوى و هو يحتوي على كتاب الصوم، و كتاب الاعتكاف، و كتاب الزكاة و كتاب الخمس و الأنفال و كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من كتب العبادات، و من الله سبحانه اسأل لنفسي و لجميع إخواني في ديني و أوليائي فيه أن يتم علينا نعمته، و يعمّنا بفضله و رحمته و أن يمدّنا بهداه و توفيقه، و يثبتنا على معرفته و يبلّغنا ما نرجو من خيره و برّه و رعايته و كفايته في دنيانا و آخرتنا انه ارحم الراحمين، و خير الغافرين، و أن يستجيب لعبده الضعيف المفتقر إلى فضله:

محمد أمين زين الدين

______________________________

(1) و هو الجزء

الثاني حسب تجزئتنا في طبعتنا هذه، بعد أن جمعنا الطهارة و الصلاة في الجزء الأول، و خصصنا الجزء الثالث لكتاب الحج.

الناشر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 5

كتاب الصوم

اشارة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 7

كتاب الصوم الصوم احدى الدعائم الكبرى التي بني عليها الإسلام، كما تواترت به النصوص عن الرسول، و عن أهل بيته الطّاهرين (صلوات الله و سلامه عليه و عليهم أجمعين) و هو إحدى الفرائض العظمى التي فرضها الله سبحانه على عباده، لتتهذب و تسمو بها نفوسهم، و تطهر و تطمئن بها قلوبهم، و تطيب و تزكو بها أعمالهم، و تمحى و تكفّر بها خطيئاتهم، و تتوثق و تعمق بها صلات مجتمعهم، و تعظم و تقوى و ترسخ بها في نفوسهم و قلوبهم صلتهم الكبرى بربهم، و تشع هذه الصلة الكبرى من وراء الأعماق و الابعاد على جميع الصلات و القلوب و النفوس فتملؤها ببركة الصوم بالنور و الهدى، و المزيد من الطهر و الحباء و العطاء و الفضل الذي لا يعرف الحدود.

و الصوم احدى الضروريات في الدين التي يكفر منكرها، و يعزّر تاركها، و يقتل بعد إقامة التعزير عليه من أصرّ على تركها.

و الصوم هو الجنة الواقية للعبد من النار، و الوسيلة القريبة لقبول دعائه و استغفاره و توبته، و السبب المقوم لما شذّ من أخلاقه، و ما نشز من طباعه، و ما انحرف من أعماله و سلوكه، و قد اختار الله لعبادته هذه أفضل الشهور عنده، و أكرمها عليه، فكرّم شهره هذا و عظّمه و شرّفه بإنزال الكتاب الكريم فيه، و اختصّه بليلة القدر، و جعلها خيرا من ألف شهر، و ميزه بمضاعفة الحسنات فيه لمن عمل، و قبول الدعوات ممن توسّل، و نجح

الطلبات لمن أمّل، ليكون الصوم العظيم و الشهر العظيم ربيعا للعبادة، و موسما للطاعة و القربى، و ليتسامى العباد في موسمهم هذا إلى المنازل، و يستبقوا إلى الخيرات، و يسارعوا إلى الغايات.

و في الحديث عن الرسول (ص): من صام شهر رمضان و حفظ فرجه و لسانه، و كفّ أذاه عن الناس، غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها و ما تأخر، و أعتقه من النّار، و أحلّه دار القرار.

و كتاب الصوم يشتمل على عدة فصول

كلمة التقوى، ج 2، ص: 8

الفصل الأول في النية

المسألة الأولى:

تجب النية في الصوم، و هي القصد إلى الإمساك عن جميع المفطرات متقربا به إلى الله (تعالى)، و يراد بالإمساك هنا أن يترك المكلف المفطرات المشار إليها، و سيأتي تعدادها و بيانها في الفصل الثاني- ان شاء الله تعالى-، و ان يكون تركه إياها عن عزم و تصميم نفساني، يكون به تركها اختياريا و مقصودا للإنسان، و من البيّن أن ترك الإنسان للشي ء لا يعدّ إمساكا عن فعله في نظر أهل العرف ما لم يكن تركه بعزم من الإنسان و اختيار.

و مثال ذلك: ان يترك الشخص فعل الشي ء لنوم أو غفلة عنه، أو لعدم وجود ذلك الشي ء لديه، فلا يعدّ ممسكا عنه، فإذا كان الإمساك عن المفطرات بداعي امتثال أمر اللّه و التقرب به إليه حصلت النية الواجبة في العبادة، و تحقق الصوم الواجب أو المندوب، و إذا كان الإمساك لغاية أخرى كان تابعا لتلك الغاية التي قصدها، و مثاله: أن يمسك عن فعل المفطر أو عن شي ء آخر، لوجود مرض يمنعه عن فعله، أو بقصد التوقّي من ضرر فيه، أو لبعض الدواعي الأخرى، فلا يكون صوما و لا يكون عبادة.

المسألة الثانية:

يعتبر في صحة الصوم- إذا كان واجبا أو كان مندوبا معيّنا-، ان يعين المكلف في نيته نوع ذلك الصوم الذي يريد الإتيان به، فيقصد في الصوم الواجب كونه قضاء عن شهر رمضان مثلا، أو كونه كفارة عن الإفطار، أو بدلا عن الهدي في حج التمتع، أو وفاء بنذر، أو ما سوى ذلك من أنواع الصوم الواجب، و يجب ذلك حتى في الواجب المعيّن على الأحوط، كما إذا نذر صوم يوم أو أيام معينة من الأسبوع أو من الشهر، و كما إذا أراد صيام الأيام

الثلاثة بعد الإحرام بالحج بدلا عن هدي التمتع، و إذا كان صومه لإحدى الكفارات فعليه أن يعيّن انها أي الكفارات، حتى إذا كانت الكفارة الواجبة عليه واحدة غير متعددة.

و لا فرق في وجوب تعيين الصوم في النية بين شهر رمضان و غيره، نعم، يتميز شهر رمضان عن غيره بأنه متعين في ذاته، و ان أيام هذا الشهر لا تقبل صوما

كلمة التقوى، ج 2، ص: 9

سواه، فإذا صام المكلف في شهر رمضان و قصد في نيته ليلا الإتيان بالصوم الخاص بغد صح صومه و كفاه ذلك في التعيين و ان لم يذكر في نيته ان اليوم من شهر رمضان، و كذلك إذا قصد في نيته صوم غد امتثالا للأمر الخاص به فيصح الصوم، و يكفي في التعيين.

و كذلك الصوم المندوب المعين، فلا تترتب الآثار الخاصة لذلك الصوم من ثواب خاص و أثر وضعي معيّن، و نحو ذلك، إلّا إذا عيّن الصائم في نيته نوع الصوم المقصود، فيقصد به صوم الأيام البيض مثلا، أو صوم يوم المولود أو يوم الغدير.

و إذا صام اليوم المعيّن و قصد في نيّته طبيعة الصوم المطلقة و لم يقصد الخصوصية في اليوم، كان صوما مندوبا مطلقا، و لم تترتب عليه الآثار الخاصة للصوم المعيّن، المذكورة في الأحاديث الواردة فيه.

المسألة الثالثة:

لا تصح في أيام شهر رمضان نية صوم آخر، فإذا صام المكلف بعض أيام الشهر أو صام الشهر كله، و نوى بما أتى به صوما آخر غير صيام شهر رمضان، و كان الناوي جاهلا بأنه في شهر رمضان، أو ناسيا له، أو غافلا عنه، أجزأه ما أتى به عن شهر رمضان إذا كان ذلك المكلف ممن يجب عليه صوم الشهر، فلا يجب

عليه قضاؤه بعد ذلك، و لم يكفه عن الصوم الذي نواه، سواء كان واجبا أم مندوبا.

و إذا صام في شهر رمضان و نوى صيام غيره، و هو يعلم بأنه في شهر رمضان لم يجزه ذلك عن الشهر، بل و لم يجزه عما نواه على الأحوط.

المسألة الرابعة:

إذا كان الصوم الذي يأتي به المكلف مما يفتقر في صحته إلى تعيين نوعه في النية، و هو الصوم الواجب، و الصوم المندوب المعيّن، و قد ذكرنا هذا الحكم في المسألة الثانية، كفى المكلف أن يعيّنه على وجه الإجمال، فإذا علم الشخص ان صوم يوم غد- مثلا- مما أمر اللّه به لبعض المميزات التي أوجبت الأمر بصومه كفاه في الصحة ان ينوي صوم غد امتثالا لأمر الله المتعلق به، و ان لم يعلم بالعنوان الخاص الذي تعلق به الأمر، و لا بالخصوصية المميزة التي أوجبت الأمر به، و إذا علم المكلف ان في ذمته يوما واحدا يجب عليه صيامه، كفاه في صحة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 10

الصوم أن ينوي صوم اليوم وفاء لما في ذمته من التكليف، و ان لم يتذكر ان الصوم قضاء يوم من شهر رمضان مثلا أو أداء لنذر تعلّق به أو غير ذلك، أو تذكر ذلك و لم يقصده في النية على الخصوص، و إذا علم ان في ذمته واجبات متعددة، أجزأه في صحة الصوم أن ينوي الإتيان بالواجب الأول منها.

المسألة الخامسة:

إذا أراد المكلف أن يصوم صوما مندوبا مطلقا غير معين، و كان الزمان صالحا لذلك، كفاه في صحة صومه أن ينوي طبيعة الصوم المطلقة امتثالا لأمر الله (تعالى)، فإذا نوى الصوم كذلك صح منه، و المراد بكون الزمان صالحا للصوم المندوب ان لا يكون من الأيام التي منع الشارع من الصوم فيها، كيومي العيدين، و كأيام التشريق لمن كان بمنى و نحوها من الأيام التي حرم الله صومها.

و انما يكتفى في صحة الصوم المندوب المطلق بالنية التي ذكرناها إذا لم يكن المكلف مشغول الذمة بقضاء شهر رمضان، فإذا كانت

ذمته قد اشتغلت بذلك لم يصح صومه بالنية المذكورة، بل لا يصح منه صوم مطلق النافلة بتلك النية و لا بغيرها سواء كانت من المندوب المطلق أم المندوب المعيّن.

و قد ذكرنا في هذه المسألة من الطبعة الأولى أنه يكفي في الصحة أيضا ان يقصد الصائم موضوع أمر الله المتعلق بالصوم و في ذلك خفاء يعسر تبيّنه على العامة من الناس و لأجل خفائه تركنا ذكره هنا.

المسألة السادسة:

لا يجب على المكلف أن يتعرض في نية الصوم لقصد الوجوب في الصوم الواجب و لا لقصد الندب في الصوم المندوب، بأن ينوي في نفسه: (أصوم غدا لوجوبه، أو لندبه قربة الى الله)، و لا يجب عليه ان يتعرض لقصد الأداء إذا أتى بالصوم في وقته المعين له و لقصد القضاء إذا أتى به بعد فوات وقته، إلا إذا توقف على ذلك تعيين الصوم الذي يأتي به، فيجب عليه قصده من أجل التعيين.

و لا يجب التعرض لسائر صفات الأمر أو المأمور به التي لا يفتقر إليها تعيين الصوم المنوي، و لا لسائر الأوصاف الأخرى، و مثال ذلك أن يأتي المكلف بصيامه الواجب عليه أو المستحب في أيام الصيف طلبا لمزيد الثواب بذلك، أو يأتي به في أوقات شريفة أو في أمكنة شريفة طلبا لزيادة التعبد فيها، فلا يلزمه قصد هذه الخصوصيات في نيته.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 11

المسألة السابعة:

يكفي في صحة صوم المكلف- سواء كان واجبا أم مندوبا و مطلقا أم معينا- أن ينوي الإمساك عن جميع المفطرات التي نهاه الله- سبحانه- عن تناولها و ان لم يعلم بها و بعددها على التفصيل، بل و ان أخطأ في بعض المفطرات فزعم انه غير مفطر، كالقي ء و الحقنة بالمائع، فإذا نوى الإمساك عن كل مفطر يحرم تناوله على الصائم، و ترك الجميع حتى القي ء و الاحتقان و لم يتناول منها شيئا صح صومه، و لم يضرّه توهمه المذكور الذي أخطأ في اعتقاده به.

المسألة الثامنة:

إذا أراد الإنسان أن يصوم عن غيره، فيعتبر في صحة صومه أن يقصد النيابة في صومه عن الشخص الذي يريد الصيام عنه، و لا بد و ان ينوي امتثال الأمر المتوجه الى ذلك الشخص، سواء كان المكلف مستأجرا للصيام عنه أم كان متبرعا بالصوم عنه، و إذا علم النائب أن الميت مشغول الذمة بصوم واجب عليه، و لم يدر أن الصوم من قضاء شهر رمضان أو من واجب آخر واجب القضاء، كفاه ان يقصد بصومه النيابة عن الرجل الميت في امتثال الواجب الذي اشتغلت به ذمته.

و إذا علم المكلف ان عليه صوما واجبا قد اشتغلت به ذمته، و تردد في ذلك الصوم أنه مما وجب عليه لنفسه، أو مما وجب عليه بالنيابة عن غيره، كفاه في الصحة أن ينوي ما في ذمته من الواجب.

المسألة التاسعة:

إذا وجب على المكلف صومان من نوع واحد، و كان الصومان اللذان وجبا عليه غير مختلفين في الاحكام و لا في الآثار، كفاه في الصحة و حصول الامتثال عند الإتيان بأحد الصومين، أن ينوي الإتيان بذلك النوع الواحد الواجب عليه، و لا يحتاج إلى أن يعين ان الذي يأتي به اي الفردين الواجبين عليه من النوع، و مثال ذلك: ان يجب على الرجل قضاء صيام أيام متعددة من شهر رمضان، و يكون جميع تلك الأيام من سنته الحاضرة أو يكون جميعها من سنته الماضية، فلا يجب عليه في الامتثال أن يقصد أن ما يأتي به هو اليوم الأول مثلا من أيام القضاء الواجب عليه أو اليوم الثاني منها. و نظيره في الحكم أيضا ما إذا وجب عليه نذران من الصوم و كلا النذرين للشكر على نعمة حصلت له، أو لزجر نفسه

عن الوقوع في أمر مرجوح، فلا يجب عليه عند الوفاء بالنذرين أن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 12

ينوي أن ما يأتي به من الصوم هو وفاء النذر الأول أو الثاني، و يكفيه في الصحة ان يصوم اليوم وفاء للنذر، فيفي بأحدهما ثم يصوم يوما آخر بمثل تلك النية فيحصل الوفاء بالنذرين.

و إذا وجب على الإنسان صومان يختلف أحدهما عن الآخر في بعض الأحكام أو الآثار، افتقر في صحة الصوم و حصول الامتثال الى التعيين في النية عند الإتيان بالصوم، و من أمثلة ذلك ان يجب على المكلف قضاء صيام يوم أو أكثر من شهر رمضان في السنة الحاضرة، و يجب عليه مثل ذلك من السنة الفائتة، فإذا أراد أن يأتي بأحد القضاءين، فلا بد و ان يعين في نية صومه أن ما يأتي به هو امتثال قضاء السنة الحاضرة أو قضاء السنة الماضية لأن أحدهما يختلف عن الثاني في بعض الآثار.

و من أمثلة ذلك أن يجب على الإنسان صوم يوم أو أيام لنذر شكر، و يجب عليه مثل ذلك لنذر زجر، فلا بد من التعيين عند ارادة الوفاء بأحدهما لاختلاف الآثار بينهما.

المسألة العاشرة:

إذا نذر المكلف أن يصوم يوما معينا من أسبوع، لوجود خصوصية فيه تقتضي استحباب صوم ذلك اليوم، و نذر صوم يوم معين من شهر لوجود خصوصية فيه تقتضي استحبابه أيضا، فانعقد النذران للرجحان الخاص في صوم اليومين ثم اتفق اجتماعهما في يوم واحد، و مثال ذلك: أن ينذر صوم يوم الخميس المقبل، و ينذر صوم يوم المولود من هذا العام، و اتفق أن يكون يوم الخميس الذي عيّنه في نذره الأول هو يوم المولود الذي عيّنه في نذره الثاني، فيجب عليه أن يصوم

ذلك اليوم و ان يقصد بصومه امتثال النذرين معا، و إذا صامه بهذه النية كان ما اتى به وفاء للنذرين كليهما.

و إذا صام اليوم و نوى بصومه امتثال أحد النذرين خاصة صح و كان وفاء لذلك النذر الذي نواه وحده، و الأحوط له ان يدفع الكفارة لعدم وفائه بالنذر الآخر.

و إذا نذر أن يصوم يوم الثلاثاء المقبل مثلا، لا لخصوصية فيه توجب رجحان صومه على التعيين، بل لانه يوم يستحب فيه الصيام بالاستحباب العام، و نذر أيضا أن يصوم اليوم العاشر من هذا الشهر لمثل ذلك، و اتفق حصولهما في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 13

يوم واحد، فكان يوم الثلاثاء الذي نذر صومه هو بنفسه اليوم العاشر انعقد النذر السابق من النذرين و وجب على المكلف الوفاء به خاصة، و سقط النذر اللاحق منهما فلا يجب الوفاء به و لا تلزمه الكفارة بتركه.

المسألة 11:

وقت نية الصوم في شهر رمضان و في كل صوم واجب معيّن عند طلوع الفجر الثاني المعروف بالفجر الصادق، بحيث تحصل المقارنة بين النية و أول الصوم و لا تتأخر عنه، و يجوز للمكلّف أن يقدّمها على الفجر فيأتي بها في أي جزء يشاء من أجزاء الليل.

و إذا نسي المكلف أن يأتي بنية الصوم في شهر رمضان أو في غيره من الصوم الواجب المعيّن حتى تجاوز الوقت المذكور، وجب عليه أن يأتي بالنية متى تذكرها قبل مجي ء الزوال، إذا هو لم يتناول من المفطرات شيئا في حال نسيانه، و الأحوط له لزوما أن يقضي صوم ذلك اليوم من شهر رمضان و من الصوم الواجب المعين إذا كان مما يجب قضاؤه عند فوته.

و كذلك الحكم إذا نسي ان الواجب عليه في النية هو

أن يأتي بها في الوقت المذكور، أو نسي الصوم نفسه أو جهل الحكم أو جهل الصوم، فترك النية حتى تجاوز وقتها، فعليه أن يأتي بالنية متى تذكر أو علم قبل مجي ء الزوال إذا لم يتناول مفطرا، و يلزمه الاحتياط بالقضاء كما ذكرنا.

و وقت النية في الصوم الواجب غير المعين عند طلوع الفجر الصادق أيضا، و يمتد وقتها الى زوال الشمس، فإذا كان على المكلف صوم يوم أو أكثر من قضاء شهر رمضان أو من نذر صوم غير معيّن أو سواهما من الواجبات غير المعينة، و أصبح و هو غير ناو للصوم في ذلك اليوم ثم بدا له أن يصوم فيه، فيجوز له- إذا كان قبل الزوال- أن ينوي صوم اليوم قضاء عما في ذمته من الشهر، أو وفاء لما عليه من النذر، و هذا إذا لم يكن قد تناول مفطرا بعد الفجر، و لم يطرأ عليه ما يفسد الصوم من رياء و شبهه، فإذا كان كذلك و نوى الصوم و أتم صيام اليوم أجزأه عما نواه من الواجب، و ان تضيق عليه وقت قضاء شهر رمضان الماضي بمجي ء شهر رمضان المقبل، و لا يجعله ذلك من الواجب المعين، و لا يشمله الاحتياط الذي ذكرناه في أول هذه المسألة للواجب المعين من لزوم القضاء بعد الإتمام، و يجوز للمكلف أن يقدم النية في الصوم الواجب غير المعين على الفجر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 14

فيأتي بها في أي جزء من أجزاء الليل، كما سبق في الواجب المعين.

و يمتد وقت النية في الصوم المندوب ما دام النهار، فيصح للمكلف أن ينوي هذا الصوم إذا بقي من النهار شي ء و ان كان قليلا، و لم يكن قد تناول

مفطرا أو أفسد صومه برياء و شبهه، و يصح بذلك صومه.

المسألة 12:

يجوز للمكلف إذا قدم نية الصوم في أثناء الليل أن يتناول بعض المفطرات قبل طلوع الفجر، و لا يضر ذلك بنيته إذا كان قصده للصوم في نهار ذلك اليوم لا يزال مستمرا، و لا فرق في ذلك بين الجماع و غيره من المفطرات، و لا بين الصوم الواجب و المندوب المعين منهما و غير المعين.

المسألة 13:

إذا قدّم المكلّف نية الصوم ليلا ثم نوى الإفطار بعد أن طلع الفجر و لم يتناول مفطرا، ثم بدا له فنوى الصوم قبل مجي ء الزوال، صح صومه إذا كان مندوبا أو واجبا غير معين، و وجب عليه صوم ذلك اليوم ثم قضاؤه بعد الإتمام- على الأحوط- إذا كان من شهر رمضان، أو كان واجبا معينا مما يجب قضاؤه كما تقدم.

المسألة 14:

إذا أفسد المكلف صومه بقصد رياء أو سمعة أو شبههما، ثم بدا له فجدّد نية الصوم قبل أن تزول الشمس، لم يصح بذلك صومه- على الأحوط- و ان لم يتناول من المفطرات شيئا.

و إذا صام الرجل في يوم يشك فيه انه من شعبان أو من شهر رمضان، ثم أفسد صومه بقصد الرياء أو السمعة، بطل صومه، و لم يصح إذا جدّد نيته قبل الزوال- على الأصح- و لا يكفيه صومه عن شهر رمضان إذا استبان بعد ذلك ان اليوم من شهر رمضان، و ان كان ثبوت ذلك قبل الزوال.

المسألة 15:

صوم كل يوم من أيام شهر رمضان عبادة مستقلة عن غيره من أيام الشهر، و يختلف بعضها عن بعض في الأحكام و الآثار، و لذلك فلا بد للمكلف في صيام كل يوم من نية، و الأحوط استحبابا ان يضم إلى نية كل يوم من أيامه نية صيام الشهر كلّه، و النية- على الأقوى- هي الدّاعي النفساني الّذي يحرّك الإنسان على

كلمة التقوى، ج 2، ص: 15

ان يفعل، و لذلك فهي في غاية البساطة و اليسر، و لا عسر في أمرها و لا تعقيد، و لا ينفك العاقل الملتفت عنها.

المسألة 16:

اليوم الذي يشك الإنسان فيه أنه من شهر شعبان أو من شهر رمضان محكوم شرعا بأنه من شهر شعبان، و لذلك فلا يصح للمكلف أن يصومه بنية انه من شهر رمضان، و إذا صامه بهذه النية ثم تبين أنه من شهر رمضان لم يجزه عن الواجب و لزمه قضاؤه.

و إذا صام المكلف يوم الشك بنية الندب أو صامه قضاء عما في ذمته أو وفاء بنذر و نحوه صح صومه، و إذا علم بعد ذلك انه من شهر رمضان أجزأه عنه، و إذا استبان له ذلك و هو في أثناء النهار جدّد النية عن صوم الشهر و ان كان قبل الغروب و أجزأه عنه.

المسألة 17:

إذا نوى المكلف الإفطار في يوم الشك، ثم علم في أثناء النهار ان اليوم من شهر رمضان، فان كان قد تناول بعض المفطرات فيه قبل علمه بثبوت شهر رمضان وجب عليه أن يمسك عن المفطرات في بقية النهار، و وجب عليه قضاء صومه بعد ذلك، و كذلك إذا علم بالثبوت بعد زوال الشمس من النهار، و ان لم يتناول شيئا من المفطرات فعليه الإمساك في بقية النهار ثم القضاء.

و إذا علم بثبوت شهر رمضان قبل أن تزول الشمس من يوم الشك، و لم يك قد تناول مفطرا في يومه، نوى الصوم فيه و أتم اليوم، و الأحوط لزوما أن يقضي صومه بعد ذلك، و لا فرق في جميع هذه الأحكام بين ان يكون قد عزم على الإفطار فيه من أول الأمر فلم ينو الصوم، و ان يصبح صائما بنية شهر شعبان ثم ينوي الإفطار فيه.

المسألة 18:

يشترط في صحة الصوم ان يستمر المكلف على نية الصوم الى آخر أجزاء النهار، فلا يبدل نيته بنية أخرى تنافيها، فإذا نوى المكلف في أثناء النهار أن يقطع صومه فعلا و لا يستمر بإمساكه، أو نوى أن يقطع صومه بعد فترة، أو نوى أن يتناول المفطر في وقته الحاضر أو في ما يأتي من النهار، و هو يعلم بأن ذلك الشي ء الذي نوى أن يتناوله مفطر من الصوم شرعا، بطل صومه، لعدم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 16

استمراره على نية الصوم.

و يبطل صوم المكلف أيضا إذا حصل منه تردد في أن يتم صيام يومه إلى الليل أو لا يتمه، على وجه ينافي قصد الاستمرار فيه، و إذا حصل منه التردد على نحو لا ينافي قصد الاستمرار في الصوم، و لو

برجاء أن يبقى مستمرا على الصوم إلى الليل، لم يبطل صومه بتردده.

و إذا كان المكلف صائما صياما واجبا غير معين، و عرض له بعض ما ذكرناه من منافيات الاستمرار في النية، فنوى قطع الصوم، أو نوى أن يتناول المفطر، أو تردد في أن يتم صيامه أو لا يتمه ترددا ينافي الدوام على النية و لم يتناول المفطر بالفعل، ثم جدّد نية صومه قبل ان تزول الشمس في ذلك اليوم صح صومه بتجديد نيته في وقتها.

و كذلك في الصوم المندوب إذا عرض له شي ء من ذلك و لم يتناول مفطرا، ثم جدد نية الصوم قبل غروب الشمس فيصح صومه بتجديد النية.

المسألة 19:

إذا نوى الصائم أن يتناول شيئا معينا، و كان يعتقد بأن تناول ذلك الشي ء في أثناء النهار من المفطرات شرعا للصائم، و كان مخطئا في اعتقاده فيبطل صومه لعدم استمرار نية الصوم منه، و ان كان الشي ء الذي نوى تناوله ليس من المفطرات الشرعية.

المسألة 20:

لا يشترط في صحة الصوم أن يكون المكلف الصائم ملتفتا إلى النية في آنات الصوم، فإذا نوى الرجل في الليل ان يصوم غدا متقربا إلى الله و نام في ليلته قبل أن يطلع عليه الفجر، و لم ينتبه من نومه طول نهاره حتى دخل الليل، كان صومه صحيحا سواء كان واجبا أم مندوبا، و كذلك إذا نوى الصوم في أثناء الليل ثم عرضت له غفلة عن الصوم و استمرت معه غفلته حتى انقضى النهار، أو نسي أنه صائم و لم يتذكر صومه الا بعد دخول الليل فان صومه صحيح في جميع هذه الفروض.

المسألة 21:

إذا نوى المكلف صوما خاصا، فالأحوط له ان لا يعدل في نيته بعد طلوع الفجر أو في أثناء النهار الى صيام آخر فيما عدا الفرضين الآتي ذكرهما

كلمة التقوى، ج 2، ص: 17

(الأول): إذا نوى الرجل صوما مندوبا، ثم تذكر في أثناء النهار ان في ذمته صوما واجبا غير معين كقضاء شهر رمضان، و الصوم المنذور غير المعين، فيجوز له ان يعدل عن صومه المندوب الى هذا الواجب غير المعين إذا كان عدوله اليه قبل زوال الشمس، و خصوصا إذا كان الصيام الواجب الذي تذكرة قد تضيق وقته.

(الثاني): إذا نوى الرجل صوما مندوبا مطلقا، ثم تذكر أو علم في أثناء النهار ان صوم هذا اليوم مندوب معين فيجوز له ان يعدل عن صومه المندوب المطلق الى المندوب المعين و ان كان عدوله إليه في آخر النهار.

و في التحقيق ان هذين الفرضين و أمثالهما لا تكون من باب العدول في النية، بل هي ابطال للصوم الأول و نية جديدة للصوم الثاني في وقت تصح نيته و القصد اليه.

الفصل الثاني في المفطرات

المسألة 22:

المفطرات التي يجب على الصائم أن يجتنبها و يمسك عن تناول شي ء منها عشرة أشياء:

(1) الأكل، (2) الشرب، (3) الجماع، (4) الاستمناء، (5) بقاء الصائم على الجنابة عامدا حتى يطلع عليه الفجر، (6) الكذب على الله أو على رسوله (ص) أو على الأئمة المعصومين (ع)، (7) الارتماس، (8) أن يدخل الصائم الغبار الغليظ الى جوفه عامدا، (9) أن يتقيأ عامدا، (10) ان يحتقن بالمائع.

[ (الأول و الثاني): الأكل و الشرب،]
المسألة 23:

(الأول و الثاني) من المفطرات الشرعية للصائم: الأكل و الشرب، و لا فرق في الحكم بين ما يتعارف أكله و شربه للإنسان من الأشياء و ما لا يتعارف له و لا يعتاد منها، و لا بين الكثير منه و القليل، حتى ما يخرج من بين الأسنان بتخليلها من بقايا الطعام بعد الأكل، فلا يجوز للصائم ابتلاعه سواء استخرجه بالخلال أو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 18

اللسان أم خرج بنفسه، و حتى الرطوبة التي تبقى من الريق على السواك إذا استاك به الصائم، و على الخيط إذا بلّه الخياط بريقه مثلا ليدخله في سم الإبرة فإذا أخرج الصائم السواك أو الخيط من فمه و قد ابتل من ريقه، ثم أعاده إلى فمه، فلا يجوز له ان يبتلع ما عليه من الرطوبة، و إذا ابتلعها بطل صومه، و إذا امتزج ريق الصائم بهذه الرطوبة فالأحوط له لزوما ان لا يبتلع ريقه حتى تستهلك تلك الرطوبة التي امتزج بها و تكون معدومة عرفا.

المسألة 24:

إذا علم المكلف ان ترك تخليل أسنانه بعد أكله الطعام ليلا يؤدي إلى ابتلاع بعض بقاياه العالقة ما بين الأسنان في حال الصوم، أو اطمأن بذلك أو احتمله احتمالا يعتني به العقلاء، وجب عليه أن يخلل أسنانه بعد الأكل، و إذا ترك التخليل في هذه الفروض، فوصل بعض بقايا الطعام إلى جوفه و هو صائم بطل صومه، و لا يجب عليه تخليل أسنانه إذا احتمل ذلك احتمالا ضعيفا لا يعتنى بمثله، و لا يجب عليه التخليل أيضا إذا شك في احتماله أنه مما يعتني به العقلاء أو لا يعتنون به.

المسألة 25:

يجوز للصائم أن يبتلع ريقه المجتمع في فمه و ان كثر، و حتى إذا كان اجتماع الريق في فمه باختياره و عمده، الا أن يخرج الريق في كثرته عن الحدّ المألوف، كما في الناس المبتلين ببعض الأمراض، فالأحوط لزوما أن لا يبتلع الزائد عن المقدار المألوف في هذه الفروض إذا كان صائما.

المسألة 26:

يجوز للصائم أن يبتلع النخامة، و هي الخلط الذي يخرج من الصدر، بل و يجوز له ابتلاعها و ان وصلت إلى الفم على الأقوى، و لا يضرّ ذلك بصومه، و يجوز له ابتلاع الخلط الذي ينزل من الرأس أيضا إذا هو لم يصل الى الفم، و إذا وصل الى الفم فالأحوط لزوما للصائم عدم ابتلاعه.

و إذا خرجت النخامة إلى خارج الفم حرم ابتلاعها سواء كانت مما يخرج من الصدر أم مما ينزل من الرأس، و إذا ابتلعها الصائم بعد خروجها بطل صومه.

المسألة 27:

المفطر الذي يجب على الصائم الإمساك عنه هو ما يصل الى الجوف بما يسمى

كلمة التقوى، ج 2، ص: 19

أكلا أو شربا في نظر أهل العرف، فيعمّ ما يصل الى الجوف بطريق الأنف، فلا يجوز للصائم أن يبتلع الماء أو المائع الذي يستنشقه أو يدخله إلى الجوف بطريق أنفه بانبوب و نحوه، و يعم ما يصل الى الجوف بطريق منفذ حادث يتخذه الأطباء لإيصال الغذاء الى الجوف و لو مؤقتا، و الأحوط لزوم الاجتناب عما يصل بطريق التغذية الأخرى المعروفة من إبرة أو حاقنة في الوريد و نحوها.

المسألة 28:

لا يضر بصحة الصوم ما يصل إلى جوف الصائم بطريق لا يسمى أكلا و لا شربا في نظر أهل العرف، و من أمثلة ذلك أن يقطر الصائم الدواء في عينه أو في أذنه أو في جرحه النافذ فيصل الدواء من هذه المنافذ الى جوفه، و لا يضر بصحة الصوم ان يزرق الدواء بالإبرة في بعض عضلات الصائم أو في أحد عروقه، إذا كان ذلك للعلاج من بعض الأمراض أو الآلام و لم تكن للغذاء.

المسألة 29:

يجوز للصائم أن يدخل إصبعه أو أي جسم آخر في فمه و يخرجه عامدا و ان أوصله إلى حلقومه و لا يبطل بذلك صومه، و لا يبطل صومه إذا أنفذ هو أو غيره في جسده آلة جارحة: سكينا أو خنجرا أو غيرهما، حتى بلغت الآلة إلى جوفه و ان تعمد فعل ذلك، و يجوز للصائم الاستياك، و لكنه إذا أخرج عود السواك من فمه ثم أعاده إليه فلا يسوغ له أن يبتلع ما على السواك من رطوبة الفم الموجودة عليه، و لا يبتلع ريقه إذا امتزج بتلك الرطوبة على الأحوط، كما تقدم في المسألة الثالثة و العشرين.

إذا استعمل الصائم الفرشاة المألوفة لتنظيف الأسنان فاستاك بها من غير ماء و خالية من المساحيق و المعاجين جرى فيها حكم السواك الذي بيّناه، فلا يمنع من السواك بها، و يجب عليه التوقي من رطوبات الفم التي تكون عليها، فلا يجوز له ابتلاعها و لا ابتلاع ماء الفم الذي يتجمع فيه بسبب السواك بها، فإنه أكثر من الحد المألوف فيه، و لا يجوز له ابتلاع الريق إذا امتزج به، و الأحوط للصائم لزوما ان لا يستاك بالفرشاة مع المعاجين و المساحيق، بل و لا مع

الماء الخالي منها، و يلاحظ الأمر السابع من الأمور التي تكره للصائم و سيأتي ذكرها في المسألة المائة و الثالثة عشرة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 20

المسألة 30:

انما يبطل صوم الصائم بالأكل أو الشرب أو بغيرهما من المفطرات، إذا كان المكلف الصائم عامدا مختارا في تناوله، فلا يبطل صومه إذا تناول المفطر ساهيا غير قاصد لتناوله، و لا يبطل صومه إذا تناول المفطر ناسيا للصوم، أو ناسيا لكون الشي ء الذي تناوله من المفطرات، و لا فرق في هذا الحكم بين الصوم الواجب و الصوم المندوب: المعين منهما و غير المعين.

المسألة 31:

إذا تناول الصائم بعض المفطرات و كان يجهل أن الشي ء الذي تناوله من المفطرات في حكم الشريعة، و يحسب ان تناوله مما يجوز له لم يبطل بذلك صومه، سواء كان قاصرا في جهله أم مقصرا، فلا يجب عليه القضاء و لا الكفارة. و ان كان الأحوط استحبابا له قضاء صوم ذلك اليوم، و يتأكد الاحتياط في الجاهل المقصر.

و إذا تناول الصائم المفطر و كان جاهلا مترددا في حكم الشي ء الذي تناوله: أ هو من المفطرات في حكم الإسلام أم لا، بطل صومه و وجب عليه قضاؤه، و كذلك الجاهل بالموضوع إذا تناوله و هو يعلم بوجوب الاجتناب عنه فيكون صومه باطلا بتناوله و يجب عليه قضاؤه.

المسألة 32:

لا يبطل صوم الصائم إذا قسره أحد اقتسارا، فأوقعه في المفطر من غير مباشرة منه و لا اختيار، و مثال ذلك أن يوجر أحد الماء أو الطعام في حلق الصائم فيبتلع الصائم ذلك من غير قصد، و ان يدفعه في النهر فيرتمس في الماء من دون خيرة له، فلا يبطل صومه، و يجب عليه ان يتم صوم ذلك اليوم و لا قضاء عليه.

و إذا أكره الصائم مكره على أن يتناول بعض المفطرات، فتناوله مكرها عليه بطل صومه و وجب عليه قضاؤه، و لا إثم عليه في إفطاره لأنه مكره غير مختار.

المسألة 33:

إذا تناول الصائم بعض المفطرات للتقية، فقد توجب التقية على الصائم أن يترك صيام ذلك اليوم و يفطر فيه مع من يخالفه في المذهب تقية منه، فإذا هو تناول المفطر في هذا الفرض بطل صومه و وجب عليه أن يقضي صوم ذلك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 21

اليوم، و لا إثم عليه في إفطاره للتقية، و مثال ذلك: أن يفطر الصائم من الشيعة مع الجمهور في يوم عيد الفطر عندهم، و هو غير ثابت عند الشيعة، للتقية منهم، فيترتب عليه الحكمان المذكوران، و لا يأثم بإفطاره معهم، بل يأثم إذا خالف مقتضى التقية فلم يفطر.

و قد توجب التقية على الصائم أن يجاري من يتقي منهم، فيتناول بعض الأشياء المفطرة عند الشيعة و هي لا تضر بصحة الصوم عند من خالفهم، أو يجاريهم في صحة الإفطار في ذلك الوقت فيفطر معهم بعد سقوط قرص الشمس و قبل دخول وقت المغرب عند الشيعة، فيصح صومه في كلا الفرضين و لا يجب عليه القضاء بتناول المفطر للتقية.

و هذا كله في التقية من الجمهور الذين يخالفون الصائم الشيعي

في المذهب، و إذا أفطر الصائم للتقية من غيرهم كان صومه باطلا في جميع الصور، و من أمثلة هذا ان يتقي الصائم من بعض الظالمين من الشيعة أو من غير المسلمين، فيتناول المفطر اتقاء منهم في الفروض المذكورة أو غيرها.

المسألة 34:

لا يمنع الصائم من أن يمص الخاتم أو الفص من العقيق و غيره أو يمص الحصاة الخالية من تراب و غيره، و أن يمضغ الطعام للصبي و أن يزق الطائر و يذوق المرق، شريطة أن لا يتعدى شي ء منها إلى الحلق، و إذا تحفظ عن ذلك جهده فسبق شي ء منها إلى حلقه من غير قصد و لا علم لم يفسد بذلك صومه.

و إذا علم الرجل الصائم بأنه لا يقدر على التحفظ و ان اجتهد، و أنه متى عمل هذه الأشياء سبقه شي ء منها إلى حلقه، فلا يجوز له فعلها و يكون عامدا بفعله، فإذا فعل شيئا من المذكورات في هذا الفرض و سبقه شي ء منها لزمه القضاء على الأحوط.

و لا بأس على الصائم في أن يمضغ العلك من اللبان و نحوه و ان يبتلع ريقه بعده و ان تأثر ريقه بطعم العلك أو برائحته، و لا يجوز له ذلك إذا كان تأثره بالطعم أو الرائحة لتفتت أجزاء العلك في الفم و امتزاجها بالريق فيبطل الصوم بابتلاعه، و لا بأس بأن يمصّ لسان الطفل و لسان الزوجة إذا لم تكن عليهما من رطوبة الريق أو غيرها.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 22

المسألة 35:

يجوز للصائم أن يتمضمض بالماء و أن يستنشق به، شريطة أن يتحفظ جهده فلا يتعدى شي ء من الماء الى الحلق، و يستحبان له في الوضوء و الغسل، و ينبغي له بعد أن يمج الماء من فمه في المضمضة ان لا يبتلع ريقه حتى يبصق ثلاث مرات.

و تكره له المبالغة في المضمضة و الاستنشاق و ان كانا لوضوء أو غسل.

و إذا علم الصائم بأنه لا يمكنه التحفظ في مضمضته أو استنشاقه، و انه متى تمضمض أو

استنشق سبقه الماء الى جوفه لم يجز له فعلهما و كان عامدا في فعله، فإذا تمضمض أو استنشق في هذا الفرض و سبقه شي ء من الماء الى الجوف لزمه القضاء على الأحوط.

المسألة 36:

إذا تمضمض الصائم فابتلع ماء المضمضة ناسيا لم يفسد بذلك صومه.

و إذا تمضمض فسبقة الماء الى جوفه من غير اختيار له فان كانت مضمضته لوضوء صلاة فريضة فلا شي ء عليه، سواء كانت الفريضة التي توضأ لها حاضرة أم فائتة، و يومية أم غيرها من الفرائض الواجبة، و ان كانت مضمضته لوضوء صلاة نافلة أو لغير ذلك من الوضوءات المستحبة، أو لغسل و ان كان لفريضة، أو للتداوي أو لتطهير الفم من نجاسة و ما أشبه ذلك من الضرورات، فالأحوط لزوما قضاء الصوم، و إذا كانت المضمضة لبعض الدواعي الأخرى غير الضرورية كالتبرد و تنظيف الفم و غسله و نحوها فلا بد من قضاء الصوم.

المسألة 37:

إذا تمضمض الصائم بغير الماء من المائعات فابتلعه ناسيا، أو سبقه إلى الجوف من غير قصد لم يبطل صومه بذلك و لم يجر عليه حكم المضمضة بالماء، و كذلك الحكم إذا استنشق الصائم بالماء أو بغير الماء سواء كان لوضوء أم لغيره فلا يبطل صومه إذا سبقه الماء أو المائع الذي استنشق به إلى جوفه من غير قصد أو ابتلعه ناسيا.

المسألة 38:

إذا تناول الصائم المفطّر و كان ناسيا، فظن أو اعتقد بأن صومه قد بطل بذلك، فتناول المفطر بعد ذلك عامدا أشكل الحكم بصحة صومه، و الأحوط له لزوما أن يتم صيام يومه ثم يقضيه بعد ذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 23

و إذا اعتقد بأن صومه مستحب يصح له الإفطار فيه فتناول المفطر، ثم تذكر أن صومه كان واجبا بطل صومه.

(الثالث من المفطرات: الجماع).
المسألة 39:

إذا جامع الصائم عامدا و أنزل الماء في جماعة بطل صومه، و يبطل صومه إذا جامع و قصد الإنزال بجماعة و ان لم ينزل بالفعل، لعدم استمرار نية الصوم منه، و لا فرق في الحكمين المذكورين بين أن يكون الوطء في القبل أو في الدبر، و أن يكون لأنثى أو لذكر، و أن يكون لحي أو لميت أو لبهيمة.

و يبطل صوم الصائم كذلك إذا جامع أنثى في قبلها فأدخل و ان لم ينزل الماء و لم يقصد الإنزال، و يبطل صومه أيضا على الأقوى إذا جامع الأنثى في دبرها فأدخل و لم ينزل و لم يقصد الإنزال.

و إذا وطأ غير الأنثى في الدبر و لم ينزل و لم يقصد الإنزال، ففي بطلان صومه بذلك إشكال، و لا يترك الاحتياط فيه بأن يتم الصوم و يقضيه، بل و يدفع الكفارة عنه، من غير فرق بين ان يكون الموطوء خنثى أو ذكرا أو بهيمة و حيا أو ميتا، و كذلك حكم الموطوء في الفرض المذكور إذا كان صائما.

و إذا شك في حصول الدخول و عدمه لم يبطل صومه، إلا إذا كان قد أنزل بالفعل أو قصد الإنزال، أو قصد الدخول في قبل الأنثى أو في دبرها، و لا يترك الاحتياط المتقدم إذا قصد الدخول في دبر غير

الأنثى فيتم الصوم ثم يقضيه.

المسألة 40:

إذا أولج الصائم في غير القبل و الدبر، أو لامس المرأة في أعضائهما الجنسية من غير إدخال و لم ينزل و لم يقصد بفعله الإنزال، لم يبطل صومه، و إذا قصد بفعله الإنزال فسد صومه لانه نوى المفطر فلم تستمر منه نية الصوم، و ان لم ينزل بالفعل.

المسألة 41:

إنما يبطل الصيام بالجماع إذا كان الصائم متعمدا بفعله، فإذا اتفق له أن جامع نائما أو ناسيا للصوم لم يبطل صومه، و كذلك إذا اتفق أن حصل له الدخول من غير إرادة، كما إذا قصد التفخيذ و الملامسة الخارجية فحصل الدخول من غير اختيار، و كما إذا قسره قاسر على ذلك بغير اختياره، فلا يبطل صومه في مثل هذه الفروض.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 24

المسألة 42:

إذا ارتفع العذر الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة عن الصائم في أثناء عمله، فاستيقظ من نومه أو تذكر بعد نسيانه أو انتبه من غفلته أو ارتفع عنه قسر القاسر و هو في أثناء الفعل وجب عليه الإخراج فورا، فان هو استمر في عمله بعد ارتفاع العذر بطل صومه، إلا إذا فقد الاختيار في الاستمرار.

(الرابع من المفطرات: الاستمناء)
المسألة 43:

الاستمناء: هو أن ينزل الإنسان المني من نفسه و هو عامد مختار، بان يفعل أفعالا أو حركات تؤدي إلى إنزال الماء بحسب العادة المعلومة بين الناس أو بحسب عادته هو خاصة، و ان لم يقصد بفعله الإنزال و إنما قصد الفعل المؤدي اليه، فإذا عبث الصائم بعضوه الجنسي، أو قبّل بشهوة، أو تفخذ، أو لمس أو نظر بشهوة، أو تخيل، أو فعل اي فعل يؤدي إلى الإنزال بحسب العادة التي توجب ذلك بين الناس أو بحسب عادته هو خاصة، فأنزل بطل صومه، و وجب عليه قضاء الصوم و دفع كفارته.

المسألة 44:

إذا قصد الصائم الاستمناء بفعل من الأفعال أو بحركة من الحركات و كان يعلم بان الاستمناء مفطر من الصوم، بطل صومه لانه قصد ارتكاب المفطر و لم تستمر منه نية الصوم، و وجب عليه القضاء و ان لم ينزل بالفعل، و لم يكن الفعل الذي أتى به و الحركة التي أجراها مما يؤدي إلى الإنزال.

المسألة 45:

إذا أتى الصائم بشي ء من تلك الأفعال أو الحركات عامدا، و كان يحتمل من نفسه انه ينزل المني عند ما يأتي بذلك الفعل أو الحركة، و هو يعلم بأن الإنزال مفطر من الصوم، فيبطل صومه لتردده في البقاء على نية الصوم، و ان كان غير قاصد للإنزال.

المسألة 46:

لا يبطل صوم الصائم بفعل أي شي ء من تلك الافعال أو الحركات، إذا هو لم ينزل المني بالفعل، و لم يقصد الإنزال و كان واثقا من نفسه بأنه لا ينزل، و لا يبطل صومه إذا سبقه المني من غير ان يفعل فعلا اختياريا يؤدي إليه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 25

المسألة 47:

يجوز للصائم ان ينام نهارا و ان كان يعلم من حالته انه متى نام يحتلم في نومه، و لا يعدّ ذلك من الاستمناء، سواء كان عليه حرج في ترك النوم أم لا، و لا يبطل صومه إذا نام كذلك فاحتلم، إلا إذا كان قاصدا للاستمناء.

المسألة 48:

يجوز للصائم إذا احتلم في النهار أن يستبرئ قبل غسله من الجنابة بالبول و الخرطات، و ان علم بخروج بقايا المني منه باستبرائه، و لا يعدّ ذلك من الاستمناء، و إذا احتلم في النهار و استيقظ من نومه في أثناء إنزاله لم يجب عليه أن يتحفظ من خروج المني عن المجرى.

نعم إذا استيقظ من نومه قبل أن تبتدئ حركة نزول المني في احتلامه وجب عليه في هذه الصورة ان يتحفظ من الإنزال، فلا يجوز له أن يستمر على ما يوجب ذلك من تخيل أو ضغط على بعض الأعضاء من جسده أو غير ذلك، و إذا استمر عليها عامدا حتى أنزل بطل صومه، لانه قد استمنى باختياره، بل و يبطل صومه إذا قصد الانزال باستمراره على تلك الحال و ان لم ينزل بالفعل، و شمله الحكم الذي بيناه في المسألة الرابعة و الأربعين و ما بعدها.

المسألة 49:

إذا احتلم الصائم في النهار و اغتسل من جنابته قبل أن يبول و يستبرئ، فلا يضرّ بصحة صومه أن تخرج منه بقايا المني بعد الغسل، إذا خرجت منه بنفسها من غير اختياره، نعم يبطل صومه في هذه الصورة إذا تبول أو تخرط عامدا فأخرج بقية المني منه قاصدا لإخراجها بالاستبراء، و لذلك فالأحوط له عند طروء مثل هذا الفرض، بل الأقوى ان يؤخر البول إلى الليل مع الإمكان.

(الخامس من المفطرات: أن يبقى الصائم على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر).
المسألة 50:

بقاء الصائم المجنب على جنابته عامدا الى أن يطلع عليه الفجر الصادق، من مفطراته من صومه إذا وقع ذلك له في صوم شهر رمضان و في قضائه، بل في كل صوم واجب على الأحوط، سواء كان الصوم الواجب معينا أم غير معين، و سواء كانت جنابة الصائم بجماع أم بإنزال من غير جماع، و سواء بقي المكلف

كلمة التقوى، ج 2، ص: 26

على جنابته يقظان أم نام بعد علمه بالجنابة و هو عازم على عدم الغسل.

و لا يضرّ تعمد البقاء على الجنابة بالصوم المندوب، و ان كان الأحوط استحبابا للصائم اجتناب ذلك في المندوب أيضا.

المسألة 51:

إذا تعمد الإنسان الجنابة قبل أن يطلع الفجر بزمان قصير لا يسع الغسل و لا التيمم، كان هذا المكلف متعمدا على البقاء على الجنابة، فيبطل صومه إذا كان صائما و كان صومه واجبا، و إذا وسع الوقت التيمم و لا يسع الغسل، وجب عليه ان يتيمم، فإذا تيمم عن جنابته قبل طلوع الفجر عليه كان صومه صحيحا، و إن كان آثما بتعمده إيقاع الجنابة مع علمه بضيق الوقت عن الغسل.

و إذا ترك التيمم في هذه الصورة حتى طلع الفجر بطل صومه و وجب عليه قضاؤه إذا كان الصوم مما يقضى، و لزمته الكفارة إذا كان مما تجب فيه الكفارة.

المسألة 52:

إذا أصبح الصائم فوجد نفسه جنبا من غير تعمد لذلك لم يبطل صومه بذلك إلا في قضاء شهر رمضان، فالأقوى فيه بطلان الصوم، و الأحوط استحبابا إلحاق كل صوم واجب غير معين بقضاء شهر رمضان في هذا الحكم فإذا أصبح فيه جنبا ترك صوم ذلك اليوم و أبدله بصيام يوم آخر.

و إذا تضيق الوقت في قضاء شهر رمضان بمجي ء شهر رمضان المقبل و عرضت للمكلف في صومه مثل هذه الحالة فالأحوط له الجمع فيصوم ذلك اليوم ثم يعيد قضاء اليوم بعد انتهاء شهر رمضان و يدفع عنه الفدية.

المسألة 53:

لا يبطل صوم الصائم إذا احتلم في أثناء النهار، سواء كان صومه واجبا معينا أم موسعا أم كان مندوبا معينا أم غير معين.

المسألة 54:

إذا طهرت المرأة من حيضها أو من نفاسها ليلا في شهر رمضان أو في غيره من الأزمان التي يجب عليها الصيام فيها وجب عليها أن تغتسل من حدثها قبل طلوع الفجر الصادق مع إمكان ذلك، و إذا كانت لا تستطيع الغسل لبعض الأعذار وجب عليها التيمم، و إذا تعمدت البقاء على حدثها فلم تغتسل و لم تتيمم حتى طلع عليها الفجر بطل صومها في شهر رمضان، بل و في قضائه و في كل صوم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 27

واجب، سواء كان معينا أم غير معين على الأحوط في القضاء و ما بعده.

و إذا طهرت من أحد الدمين قبل طلوع الفجر بفترة وجيزة لا تسع الغسل و لا التيمم، نوت الصوم و صح صومها، و كذلك إذا طهرت من أحدهما و لم تعلم بطهرها حتى طلع الفجر، فيكون صومها صحيحا.

المسألة 55:

إذا كانت المرأة مستحاضة كثيرة الدم فلا يصح صومها إلا إذا أتت بأغسال الاستحاضة التي تجب عليها في نهار يوم الصوم، بل و لا يصح صومها إلا إذا أتت بغسل الليلة السابقة على ذلك اليوم على الأحوط، و لا يترك الاحتياط في المستحاضة المتوسطة فتلحق بالمستحاضة الكثيرة الدم في الحكم المذكور.

فإذا تركت المستحاضة الكبرى أو المتوسطة غسل الفجر أو غسل الظهرين مع وجوبهما عليها للصلاة بطل صومها في ذلك اليوم إذا كانت صائمة، و كذلك يبطل صومها إذا تركت غسل العشاءين في الليلة الماضية إلا إذا اتفق لها ان اغتسلت في تلك الليلة قبل الفجر لصلاة الليل، فيصح صومها في ذلك اليوم لمجيئها بهذا الغسل.

و انما يعتبر الإتيان بالأغسال النهارية في صحة صوم المستحاضة كما بينا، إذا كانت هذه الأغسال قد وجبت عليها للصلاة، و

إذا لم تجب عليها أغسال النهار للصلاة في ذلك اليوم كان صومها فيه صحيحا و ان لم تغتسل، و مثال ذلك أن تصلي المرأة صلاة الفجر و هي نقية من الدم، فإذا استحاضت بعد الصلاة استحاضة متوسطة و أخرت الغسل الواجب إلى صلاة الغروب لم يبطل صومها في ذلك اليوم إذا كانت صائمة، و كذلك إذا صلت الظهرين و هي نقية من الدم، ثم استحاضت بعد ذلك استحاضة كبرى و تركت الغسل إلى صلاة العشاءين، فيصح صومها.

المسألة 56:

لا يجب على المرأة تقديم غسل الاستحاضة على الفجر للصوم، بل لا يكفي ذلك لصحة صومها إذا هي قدّمته، الا ان تعيد غسلها بعد الفجر، و لا يعتبر في صحة صوم المستحاضة أن تأتي ببقية الأعمال الواجبة عليها غير الغسل، من الوضوء لكل فريضة و تبديل القطنة و الخرقة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 28

المسألة 57:

إذا نسي المجنب غسل الجنابة في شهر رمضان و صام يوما منه أو أياما و هو جنب، بطل صوم تلك الأيام التي نسي الغسل فيها، و وجب عليه قضاء صومها و لا تجب عليه الكفارة، و الأحوط لزوما إلحاق قضاء شهر رمضان به في الحكم المذكور، فإذا نسي المكلف غسل الجنابة و صام يوما أو أياما من القضاء بطل صومها و وجبت عليه إعادتها.

و لا يلحق بشهر رمضان في الحكم المذكور غير قضائه من الصوم الواجب كالنذر المعين و شبهه، و لا يلحق بالجنابة حدث الحيض و النفاس، فإذا نسيت المرأة فلم تغتسل من حدثهما و صامت في شهر رمضان أو في قضائه لم يبطل صومها فيهما.

المسألة 58:

إذا كان المجنب من ذوي الأعذار عن الغسل للصوم وجب عليه ان يتيمم بدلا عن غسل الجنابة، فإذا ترك التيمم متعمدا بطل صومه، و قد ذكرنا هذا في المسألة الحادية و الخمسين، و كذلك الحكم إذا ترك المجنب غسل الجنابة متعمدا حتى ضاق الوقت عن أداء الغسل فإنه يجب عليه التيمم و إذا تيمم صح صومه و ان كان آثما بترك الغسل، و إذا ترك التيمم عامدا بطل صومه.

المسألة 59:

إذا كان المكلف المجنب من ذوي الأعذار عن غسل الجنابة، فتيمم قبل طلوع الفجر بدلا عن غسله جاز له أن ينام بعد تيممه حتى يصبح، و لا يجب عليه أن يبقى متيمما مستيقظا حتى الصباح و ان كان ذلك أحوط له استحبابا، و كذلك إذا تيمم من جنابته ثم أحدث بعد تيممه حدثا أصغر غير النوم، فلا يجب عليه أن يعيد التيمم بدلا عن الغسل، و ان كانت اعادة التيمم أحوط استحبابا.

المسألة 60:

إذا احتلم الصائم في النهار لم تجب عليه المبادرة إلى الغسل، فيجوز له أن يؤخر غسله من الجنابة ما لم يتضيق عليه وقت الصلاة، و لا يضر هذا التأخير بصحة صومه و ان كان الأحوط استحبابا له أن يبادر إلى الغسل.

المسألة 61:

يجوز لمن أجنب في ليل شهر رمضان أن ينام بعد جنابته و قبل أن يغتسل

كلمة التقوى، ج 2، ص: 29

إذا علم انه يستيقظ من نومه ليغتسل من جنابته قبل طلوع الفجر، و يجوز له ان ينام كذلك إذا احتمل انه يستيقظ للغسل قبل الفجر احتمالا يعتد به، و لا فرق في هذا الحكم بين النومة الأولى و الثانية و الثالثة و الأكثر من ذلك.

و إذا علم بأنه متى نام لم يستيقظ للغسل قبل الفجر، حرم عليه النوم على الأحوط، و إذا نام في هذه الصورة و لم يستيقظ للغسل حتى طلع الفجر فهو متعمد في البقاء على الجنابة، فيبطل صومه و يجب عليه القضاء و الكفارة، حتى إذا كانت نومته هي النومة الأولى.

و كذلك الحكم إذا كان يحتمل انه يستيقظ من نومه قبل الفجر احتمالا ضعيفا لا يعتني به العقلاء بحيث يعدّونه إذا نام مع هذا الاحتمال متعمدا في ترك الغسل و البقاء على الجنابة، فلا يجوز له النوم في هذه الصورة قبل الفجر، و إذا نام و لم يستيقظ حتى طلع عليه الفجر وجب عليه القضاء و الكفارة و ان كان في النومة الأولى.

المسألة 62:

إذا نام الجنب ليلا في شهر رمضان و هو عازم على ترك الغسل قبل طلوع الفجر، و استمر في نومه الى ان طلع الفجر كما عزم بطل صومه و وجب عليه القضاء و الكفارة و ان كان في نومته الأولى.

و إذا نام و هو متردد في أنه يغتسل قبل الفجر أو لا يغتسل، بحيث أوجب هذا التردد له ترددا في نية صومه، ثم استمر به النوم الى ان طلع عليه الفجر، بطل صومه و وجب عليه القضاء دون الكفارة،

و الأحوط له التكفير استحبابا.

المسألة 63:

إذا نام المجنب ليلا و هو عازم على أن يغتسل من جنابته قبل الفجر، أو كان غافلا عن ذلك، و استمر به النوم الى الفجر، فان استمرت به نومته الأولى بعد أن علم بالجنابة فلم ينتبه منها- كما قلنا- حتى أصبح، صح صومه و لم يجب عليه القضاء، و ان استمرت به نومته الثانية أو الثالثة أو الأكثر من ذلك بعد ان علم بجنابته وجب عليه القضاء دون الكفارة، و الأحوط له استحبابا دفع الكفارة في النومة الثالثة و ما بعدها.

المسألة 64:

النومة الأولى أو الثانية أو الثالثة، هي التي تكون بعد علم المكلف بجنابته

كلمة التقوى، ج 2، ص: 30

كما ذكرنا، فلا تعدّ منها النومة التي احتلم فيها، و الظاهر ان حكم النومة الرابعة و ما بعدها هو حكم النومة الثالثة، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثالثة و الستين.

المسألة 65:

لا يترك الاحتياط بإلحاق كل صوم واجب بشهر رمضان في الحكم المذكور سواء كان الصوم الواجب معينا أم غير معين، و قد ذكرنا هذا في المسألة الخمسين، و لا يترك الاحتياط بإلحاقه به في الحكم حتى في الكفارة إذا كان ذلك الصوم الواجب مما فيه الكفارة كالمنذور و شبهه.

المسألة 66:

إذا نقت المرأة الحائض و المرأة النفساء من دم الحدث ليلا و نامتا عن غسلهما قبل الفجر لم يشملهما حكم المجنب الذي تقدم ذكره في المسائل الماضية، بل يكون المدار في حكمهما على صدق التواني عن الغسل الواجب عليهما و عدم صدقه، فإذا صدق على المرأة أنها متوانية عن الغسل الواجب عليها من الحيض، أو النفاس بطل صومها و ان كان ذلك في النومة الأولى بعد علمها بنقائها من الدم، و ان لم يصدق عليها التواني لم يبطل صومها و ان تعدد نومها.

المسألة 67:

إذا نسي الصائم المجنب غسل الجنابة و صام أياما من غير غسل و شك في عدد الأيام التي صامها بين الأقل و الأكثر، فلهذا الفرض صور متعددة لا بد من مراعاتها و تطبيق أحكامها الآتية:

(الصورة الأولى): أن يعلم المكلف آخر أيام جنابته و يشك في أول حدوثها عليه، و مثال ذلك: ان يعلم الرجل بأنه قد اغتسل من الجنابة في آخر يوم من الشهر مثلا، و يشك في ان وقوع الجنابة كان في أي يوم من أيام الشهر، و الظاهر أن حكم المكلف في هذه الصورة صحة صومه في الأيام الأولى التي يحتمل حدوث الجنابة فيها و لا يتيقن وجودها، و يجب عليه قضاء المقدار الذي يعلم بوجود الجنابة فيه من الأيام و هو الأقل، فإذا شك في أنها خمسة أيام فقط أو أكثر من ذلك، وجب عليه قضاء الأيام الخمسة المتيقنة خاصة، و يصح صومه في المقدار الزائد عليها.

(الصورة الثانية): أن يعلم المكلف بأول أيام جنابته، و يشك في وقت نهايتها، و مثال ذلك ما إذا علم دون ريب بأنه قد أجنب في أول ليلة من الشهر

كلمة التقوى، ج 2، ص:

31

و شك في انه اغتسل من جنابته في نصف الشهر أو في العشرين منه، و حكم المكلف في هذه الصورة ان يقضي العدد الأكثر من الأيام التي يشك في وجود الجنابة فيها، فيجب عليه ان يقضي صوم عشرين يوما في المثال الذي ذكرناه.

(الصورة الثالثة): ان يعلم الإنسان بأيام معينة من الشهر كان ناسيا لغسل الجنابة فيها، و لكنه يشك في انه هل توجد قبل تلك الأيام المعينة أو بعدها أيام أخرى قد نسي الغسل فيها أيضا أم لا يوجد غيرها و مثال ذلك: ما إذا تيقن دون ريب انه كان مجنبا و ناسيا للغسل في اليوم العاشر من الشهر و في يومين بعده، و شك في حالته في ما قبل هذه الأيام الثلاثة و ما بعدها، و الحكم في هذه الصورة هو وجوب قضاء الصوم في تلك الأيام الثلاثة المتيقنة، و صحة الصوم في الأيام السابقة عليها، و لا يترك الاحتياط لزوما في قضاء الأيام المتأخرة من الأيام التي يحتمل وجود الجنابة فيها أيضا، بل الحكم بوجوب قضائها لا يخلو من قوة، فإذا احتمل انه قد نسي الغسل مع الأيام الثلاثة المتيقنة ثلاثة أيام أخرى لزمه قضاء ستة أيام.

(الصورة الرابعة): ان يعلم الرجل بأيام معينة من الشهر كان ناسيا لغسل الجنابة فيها، و يعلم أيضا ان معها أياما غيرها قد نسي الغسل فيها كذلك و لكنه لا يعلم بعددها على نحو القطع.

(الصورة الخامسة): ان لا يعلم المكلف شيئا عن جنابته لا عن ابتداء وقوعها و لا عن وقت نهايتها و لا عن أثنائها، و الظاهر ان الحكم في كلتا الصورتين الرابعة و الخامسة هو وجوب قضاء المقدار الذي يتيقن ببطلان الصوم فيه من الأيام

و هو العدد الأقل، و ان كان الأحوط للمكلف استحبابا قضاء العدد الأكثر.

المسألة 68:

إذا كان الصائم المجنب عالما بعدد أيام جنابته في أول الأمر ثم نسي عددها بعد ذلك و شك فيه بين الأقل و الأكثر، فالأحوط له استحبابا قضاء العدد الأكثر مما يحتمله في جميع الصور التي تقدم ذكرها، و لكن الأقوى فيها هو ما ذكرناه من التفصيل.

و كذلك الحكم في قضاء الصلوات التي صلاها في تلك الأيام التي نسي فيها غسل الجنابة، فتجري فيها الصور التي تقدم ذكرها في المسألة المتقدمة و تنطبق أحكامها في قضاء الصلوات سواء بسواء.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 32

و مثله ما إذا نسي المكلف غسل غير الجنابة من الأحداث التي يشترط في صحة الصلاة أن يغتسل منها، كغسل مس الميت و نحوه، فإذا نسي المكلف بعض هذه الأغسال و صلّى، ثم اغتسل من حدثه بعد ذلك، و شك في عدد الصلوات التي صلاها في أيام حدثه و قبل أن يغتسل منه، فتجري الصور المذكورة، و أحكامها في قضاء تلك الصلوات.

المسألة 69:

إذا علم المكلف بأنه كان جنبا، و شك في أنه اغتسل من جنابته تلك أو لم يغتسل منها، فهو مجنب يجب عليه الغسل، فإذا ترك الغسل متعمدا، و بقي على جنابته المستصحبة حتى أصبح بطل صومه إذا كان صائما و لزمه القضاء و الكفارة، و جرى فيه جميع الأحكام التي ذكرناها للجنابة المعلومة.

المسألة 70:

إذا أجنب المكلف ليلا و أراد أن يغتسل من جنابته لصوم واجب عليه، فان كان في آخر الوقت صح له أن ينوي في غسله الوجوب، و إذا أراد الغسل من الجنابة للصوم قبل آخر الوقت لم يقصد بغسله الوجوب على الأحوط، بل يأتي به بقصد القربة، و إذا أتى به بقصد القربة كفاه في صحة صومه، و كفاه للصلاة به إذا طلع عليه الفجر و دخل وقت الصلاة و لم ينقضه بحدث.

المسألة 71:

إذا كان المجنب فاقدا للماء و التراب اللذين يتطهر بهما من حدث الجنابة و كان في شهر رمضان أو في صوم واجب معين غيره، نوى الصوم و ان كان مجنبا و صح صومه لوجود العذر، و كذلك الحكم في المرأة الحائض و النفساء إذا فقدتا الماء و التراب فيصح صومهما مع الحدث لوجود العذر.

و إذا اتفق مثل ذلك للمجنب أو للحائض أو للنفساء في قضاء شهر رمضان أو في صوم واجب غير معين سواه ففي صحة صومهم إشكال.

المسألة 72:

يجوز للمكلف إذا مس الميت ليلا في شهر رمضان ان يؤخر غسل مس الميت عامدا حتى يصبح، و لا يضر ذلك بصحة صومه، و لا يضر صومه ان يمس الميت نهارا، و كذلك الحكم في غير شهر رمضان من الصوم الواجب أو المندوب سواء كان معينا أم غير معين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 33

المسألة 73:

إذا ظنّ المكلف أن في الوقت سعة يتمكن فيه من أن يجامع مختارا و يغتسل قبل طلوع الفجر، فجامع أهله باختياره ثم تبين له بعد الجماع ان الوقت ضيق لا يتسع لفعله، فان كان قد راعى الوقت قبل الفعل فحصل له الظن ثم انكشف له الخطأ، صح صومه، و ان فعل ذلك من غير مراعاة للوقت وجب عليه قضاء الصوم.

و إذا تمكن في هذا الفرض من التيمم قبل أن يطلع الفجر وجب عليه التيمم، فإذا تيمم قبل الفجر صح صومه و لم يجب عليه القضاء، و إذا أمكن له التيمم و تركه عامدا حتى طلع الفجر بطل صومه و لزمه القضاء و الكفارة كما سبق في المسألة الحادية و الخمسين.

(السادس من المفطرات: تعمد الكذب على الله أو على رسوله (ص) أو على الأئمة الطاهرين (ع)).
المسألة 74:

تعمد المكلّف أن يكذب على الله سبحانه أو على الرسول (ص) أو على أحد الأئمة المعصومين (ع) من المفطرات على الأحوط، و كذلك تعمد الكذب على بقية الأنبياء و أوصيائهم و على الزهراء (ع) إذا رجع الكذب عليهم الى الكذب على الله، و الأحوط الإلحاق به في الحكم مطلقا و ان لم يرجع اليه.

و لا فرق في الكذب عليهم بين أن يكون ما نقله المكلف عنهم خبرا يتعلق بأمور الدين أو خبرا يتعلق بأمور الدنيا، و من الكذب ما إذا أفتى كاذبا و أخبر بفتواه عن الله (تعالى)، و من الكذب ما إذا وضع الخبر غيره من الناس، و أسنده هو في نقله الى الله أو الى احد المعصومين (ع) و هو يعلم بأن الخبر موضوع كاذب، و لا فرق بين ان يكون الكذب منه بالقول أو الكتابة، بل بكل ما يصدق معه الكذب عليهم، من إشارة أو كناية أو غيرها.

و من الأمثلة لذلك أن

يسأله سائل: هل قال الرسول أو الإمام هذا القول؟

و الخبر المسؤول عنه صادق صحيح، فيقول: لا، أو يشير إشارة أو يكني كناية تدل على أن المعصوم (ع) لم يقل ذلك، و ان يسأله أحد عن خبر موضوع كاذب: هل قاله المعصوم (ع)؟ فيقول: نعم، أو يشير إشارة أو يكني كناية تدل على ان المعصوم قد قال ذلك، فيكون قوله أو إشارته أو كنايته كذبا متعمدا على الرسول

كلمة التقوى، ج 2، ص: 34

الرسول أو الامام و يبطل بها صومه إذا كان صائما.

و من الأمثلة لذلك: أن ينقل له ناقل قولا صادقا عن الرسول (ص) أو عن الامام فيكذّبه و يقول: ان المعصوم لم يقل هذا القول، و ان ينقل له قولا كاذبا عن أحدهما، فيقول: ان المعصوم قال ذلك، فيكون كاذبا و يبطل بذلك صومه، و كذلك إذا أخبر هو بالقول الصادق عنهم ثم كذّبه، أو أخبر ليلا بالقول الكاذب، ثم صدّقه نهارا و هو صائم.

المسألة 75:

إذا تعمد الصائم الكذب على الله أو على أحد المعصومين (ع) ببعض الوجوه التي بيّناها بطل صومه، و ان تاب بعد ذلك من كذبه، و استغفر، أو رجع عن كذبه بلا فصل، فان ذلك كله لا يوجب صحة صومه بعد بطلانه.

المسألة 76:

إذا قصد الصائم الصدق في اخباره، ثم علم بعد ذلك ان الخبر الذي نقله كاذب لم يبطل صومه بنقل ذلك الخبر، و إذا قصد الكذب في الحديث و أخبر به بهذه النية، ثم علم بعد نقله ان الخبر الذي نقله صادق غير كاذب، بطل صومه إذا كان يعلم بأن الكذب على الله من المفطرات، فإنه نوى الإتيان بالمفطر فلم تستمر منه نية الصوم، و إذا اضطر الى الكذب على الله أو على الرسول (ص) للتقية من ظالم لم يبطل صومه بذلك على الأقوى.

المسألة 77:

إذا نقل الصائم الخبر الكاذب هازلا في اخباره به فلم يقصد معنى الخبر الذي نقله، أو لم يقصد أنه مطابق للواقع أو أخبر به على نحو الهزء بمضمونه، أو أراد التبكيت بواضعة لم يبطل صومه بذلك.

المسألة 78:

إذا تعمد الصائم الكذب على العلماء من أهل الفتيا أو على رواة الحديث، فان كان المقصود له من ذلك الكذب على الله أو على المعصومين كان مبطلا للصوم، و ان لم يقصد به ذلك لم يبطل به صومه و ان كان حراما يوجب الإثم.

المسألة 79:

إنما يبطل صوم الصائم بالكذب على الله سبحانه أو على الرسول (ص) أو على بعض المعصومين (ع) إذا ارتكبه المكلف متعمدا لذلك، و لا يضرّ بالصوم إذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 35

فعله المكلف ساهيا أو صدر منه عن جهل مركب، و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة و السبعين.

المسألة 80:

الأخبار المودعة في الكتب من جوامع الحديث و غيرها انما يجوز الاخبار بها إذا كانت معلومة الثبوت، أو قامت على ثبوتها حجة شرعية معتبرة، و لا يجوز الاخبار بما لم يعلم ثبوته منها و لم تقم عليه حجة شرعية ثابتة، إلا إذا كان الاخبار به على سبيل النقل و الحكاية عن الكتاب، أو عن راوي القول، لا عن المعصوم المروي عنه.

(السابع من المفطرات: الارتماس في الماء).
المسألة 81:

ارتماس الصائم في الماء من المفطرات على الأحوط، و المراد به هنا رمس الإنسان رأسه،- و هو ما فوق الرقبة- سواء رمسه مع بقية بدنه، أم رمس رأسه وحده، و المفطر من الرمس هو ان يكون جميع الرأس في الماء في وقت واحد، و ان كان ذلك الوقت قليلا، و لا يبطل الصوم ان يغمس الصائم اجزاء رأسه في الماء جزءا بعد جزء على التعاقب، و ان استوعب الجميع، إذا لم تجتمع أجزاء الرأس كلها في الماء في وقت واحد، و لا يضر بصحة الصوم أن يغمس المنافذ من الرأس وحدها في الماء، فيغمس عينيه و أنفه و أذنيه في الماء و تكون منابت الشعر من الرأس خارجة منه.

المسألة 82:

إذا رمس الصائم رأسه كله في الماء حتى اجتمعت جميع أجزائه فيه بطل صومه و ان كان شعره في خارج الماء، كما إذا كان شعر الرأس طويلا فلم يدخله مع بشرة الرأس و المنافذ و المنابت في الماء، أو كانت رقبته في خارج الماء، كما إذا طأطأ رأسه في الحوض أو في الإناء المملوء فغمسه فيه و لم يدخل الرقبة معه.

المسألة 83:

لا يضر بصحة صوم الصائم أن يرتمس في الماء المضاف، أو في غير الماء من المائعات، و ان كان الأحوط له استحبابا أن يجتنب ذلك و خصوصا الارتماس في الماء المضاف.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 36

المسألة 84:

يشكل الحكم بصحة صوم الصائم إذا طلى رأسه بالحنّاء مثلا أو بطين الرأس أو بشي ء آخر يمنع من وصول الماء إلى البشرة ثم رمسه كذلك في الماء، فلا يترك الاحتياط باجتناب الارتماس في مثل هذه الصور، و بقضاء الصوم إذا رمس الصائم رأسه كذلك.

المسألة 85:

لا يضر بصحة صوم الصائم أن يفيض الماء على رأسه بإناء أو غيره، و ان كان الماء كثيرا يغمر جميع الرأس في وقت واحد، إلا إذا صدق عليه الرمس في الماء عرفا، كما إذا رمس الصائم رأسه في شلال ينحدر ماؤه أو في نهر منصب من الأعلى، و أمثال ذلك من المياه المنحدرة من الأعلى بكثرة و قوة، فإذا رمس رأسه في مثل هذه الفروض بطل صومه على الأحوط.

المسألة 86:

إذا علم الصائم ان أحد هذين المائعين الموجودين لديه ماء مطلق و الثاني ماء مضاف مثلا، حرم عليه الارتماس في أي واحد منهما، و إذا ارتمس في كلا المائعين بطل صومه و وجب عليه قضاؤه، و كذلك إذا ارتمس في أحدهما فقط، فلا يبعد وجوب القضاء عليه أيضا.

المسألة 87:

انما يكون رمس الرأس في الماء من المفطرات للصائم إذا وقع ذلك منه عامدا، فلا يضر بصومه إذا ارتمس في الماء ساهيا أو ناسيا أو على غير اختيار منه، كما إذا وقع الرجل في النهر فانغمس فيه على غير إرادة منه، و كما إذا دفعه أحد في حوض الماء أو في النهر، فانغمس فيه مقسورا من غير اختيار منه، فلا يبطل صوم الصائم في هذه الفروض و ما أشبهها.

المسألة 88:

إذا ألقى الصائم بنفسه في الماء، و هو يحسب ان ذلك لا يوجب له الارتماس في الماء فارتمس فيه مقهورا من غير قصد، فان كان فعل ذلك مع الاطمئنان بعدم حصول الارتماس بإلقاء نفسه، لم يبطل صومه، و ان ألقى نفسه و هو غير مطمئن بذلك أشكل الحكم بعدم بطلانه، فلا يترك الاحتياط في هذا الفرض بأن يتم صومه ثم يقضيه بعد ذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 37

المسألة 89:

إذا ارتمس الصائم في الماء ساهيا أو ناسيا أو مقهورا على الارتماس من غيره، ثم ارتفع عنه العذر و هو مرتمس وجب عليه ان يبادر فيخرج رأسه من الماء، فان هو تباطأ و لم يبادر في إخراج رأسه مع قدرته على المبادرة فيه بطل صومه و وجب عليه قضاء الصوم.

المسألة 90:

إذا أكره الصائم مكره على أن يرتمس في الماء فارتمس فيه مكرها بطل صومه بالارتماس و ان كان غير آثم بفعله لأنه مكره عليه، فيجب عليه قضاء الصوم، و كذلك إذا وجب عليه الارتماس في الماء لإنقاذ غريق محترم النفس، فيبطل صومه للارتماس و يجب عليه قضاء الصوم و ان كان الارتماس واجبا عليه للإنقاذ.

المسألة 91:

إذا ارتمس الصائم في الماء ليؤدي أحد الأغسال الشرعية، فللمسألة صور مختلفة و لكل صورة منها حكمها كما سيأتي:

(الصورة الأولى): أن يكون الصوم الذي ارتمس المكلف في أثنائه واجبا معينا عليه كشهر رمضان و كالمنذور المعين، و أن يكون المكلف متذكرا لصومه حين ما ارتمس في الماء، و أن يكون متعمدا في ارتماسه، فيبطل صومه في هذه الصورة و يبطل غسله و يجب عليه قضاء الصوم.

(الصورة الثانية): أن يكون الصوم واجبا معينا على المكلف كما في الصورة الأولى، و ان يكون المكلف ناسيا لصومه حين ما ارتمس في الماء، و أن يكون متعمدا في ارتماسه، فيصح صومه و يصح غسله كلاهما معا في هذه الصورة.

(الصورة الثالثة): أن يكون الصوم واجبا غير معين على المكلف، كقضاء شهر رمضان و كالنذر المطلق، و أن يكون المكلف متذكرا لصومه حين ما ارتمس في الماء و أن يكون متعمدا في ارتماسه، فيبطل صومه، و يصح غسله.

(الصورة الرابعة): أن يكون الصوم واجبا غير معين على المكلف كما في الصورة الثالثة، و ان يكون المكلف ناسيا لصومه حين ما ارتمس في الماء، و ان يكون متعمدا في ارتماسه، فيصح صومه و يصح غسله كلاهما.

و كذلك الحكم و التفصيل إذا كان الصوم مندوبا، فإذا كان المكلف متذكرا لصومه و متعمدا في ارتماسه بطل صومه و صح غسله

كما في الصورة الثالثة، و إذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 38

كان ناسيا لصومه و متعمدا في ارتماسه، صح صومه و صح غسله كلاهما كما في الصورة الرابعة.

و لا فرق في الحكم بين أن يكون ارتماسه لغسل واجب و غسل مندوب، و لا يأتي في المسألة فرض أن يكون المكلف غير متعمد للارتماس، لان المفروض في المسألة ان المكلف قد ارتمس لأحد الأغسال و لذلك فلا بد و ان يكون متعمدا و قاصدا للارتماس.

المسألة 92:

إذا وجب على الصائم أن يغتسل أحد الأغسال لجنابة أو غيرها، و لم يمكنه امتثال الأمر به الا بأن يأتي به بنحو الارتماس، فان كان صومه واجبا معينا عليه كشهر رمضان و النذر المعيّن فهو معذور شرعا عن الطهارة المائية، فلا يجب عليه الغسل و يلزمه الإتيان بالتيمم بدلا عنه، و ان كان صومه واجبا غير معيّن أو كان مستحبا وجب عليه أن يغتسل مرتمسا، و يكون تكليفه هذا بالارتماس مبطلا لصومه.

المسألة 93:

إذا ارتمس الصائم في الماء و كان ذلك في صيام قضاء شهر رمضان عند تضيق وقت القضاء بمجي ء شهر رمضان المقبل أو في الصيام الواجب المعين سواء كان نذرا أم غيره، فيجب على المكلف قضاء صوم ذلك اليوم كما تقدم في مطلق الصوم، و يلزمه على الأحوط مضافا الى ذلك إتمام صيام ذلك اليوم، و يلزمه دفع الفدية عن صيام القضاء بعد الإتيان.

و اما شهر رمضان نفسه فلا بد فيه من إتمام صيام اليوم منه إذا تناول فيه احد المفطّرات، من غير فرق بين الارتماس و غيره، مضافا إلى وجوب القضاء عليه.

(الثامن من المفطرات: ان يدخل الصائم الغبار الغليظ إلى جوفه عامدا).
المسألة 94:

إذا تعمد الصائم أن يوصل الغبار الغليظ إلى جوفه فسد صومه، بل و غير الغليظ منه على الأحوط، الا ما يعسر الاحتراز منه، فلا يكون وصوله الى الجوف مضرا بصحة الصوم، كما إذا انعقد الغبار و تلبد به الجوّ، و لم يمكن التحفظ منه، أو كان التحفظ منه عسرا شاقا.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 39

و لا يضر بصحة الصوم ما يدخل من الغبار الى الجوف غفلة أو نسيانا أو قهرا على المكلف بغير ارادة منه، و يلزم الصائم التحفظ من دخوله الى جوفه مع الإمكان على الأحوط، الا مع الاطمئنان بعدم الوصول.

المسألة 95:

يلحق بالغبار الغليظ في حكمه المذكور البخار الغليظ الذي يوجب رطوبة ما يلاقيه، فإذا تعمد الصائم إيصاله إلى جوفه فسد صومه، و كذلك دخان التتن و نحوه فلا يجوز للصائم إدخاله إلى جوفه عامدا.

(التاسع من المفطرات: التقيؤ عامدا).
المسألة 96:

إذا تقيأ الصائم متعمدا في فعل ذلك بطل صومه و ان كان تقيؤه لضرورة أوجبت له ذلك من مرض و شبهه، و لا يقدح في صحة صومه أن يتقيأ ساهيا أو ناسيا أو يغلب عليه القي ء من غير اختيار منه.

و المبطل منه للصوم ما يعدّ في العرف قيئا، فلا يضر بصوم الصائم إخراج النواة و أشباهها إذا انزلقت الى حلقه من غير ارادة، و لا إخراج الذبابة و أمثالها من الحشرات إذا دخلت في حلقه فأن ذلك كله لا يعدّ من القي ء في نظر أهل العرف.

المسألة 97:

إذا تجشّأ الصائم فخرج بالتجشّؤ من جوفه شي ء من الطعام أو غيره من غير اختيار لم يضرّ خروج ذلك بصحة صومه، و يجب عليه التحفظ كيلا يرجع ما خرج منه الى جوفه، و يحرم عليه أن يبتلعه أو يبتلع شيئا منه إذا وصل الى الفم، فإذا ابتلعه الصائم عامدا بعد خروجه و وصوله الى الفم بطل صومه و وجب عليه القضاء و الكفارة، بل تلزمه كفارة الإفطار على المحرم و هي كفارة الجمع على الأحوط، و لا يضر بصوم الصائم ما خرج منه بالتجشؤ إذا رجع الى جوفه من غير اختيار، فلا يجب عليه قضاء و لا غيره.

المسألة 98:

إذا علم الصائم بأنه متى تجشّأ خرج معه القي ء من جوفه لم يجز له أن يتجشّأ عامدا، و لا يجوز له كذلك أن يتجشّأ اختيارا إذا أوجب له ترددا في استمراره على نية الصوم، و مثال ذلك أن يقصد التجشّؤ و ان صحبه القي ء، فلا يجوز له ذلك،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 40

و إذا تجشّأ فسد صومه و ان لم يخرج معه قي ء لعدم استمراره على نية الصوم، و يجوز له التجشّؤ في ما عدا ذلك.

المسألة 99:

يحرم ابتلاع الذّباب و نحوه من الحشرات على المكلف، سواء كان صائما أم غير صائم، فإذا دخلت ذبابة في حلق الإنسان، وجب عليه أن يخرجها مع الإمكان، و قد قلنا آنفا: إن إخراجها من الحلق إذا دخلت اليه لا يعدّ من القي ء عرفا، فلا يكون مضرا بصومه إذا كان صائما.

و إذا دخلت الذبابة أو الحشرة في حلق الصائم و لم يمكن إخراجها من جوفه الا بالتقيؤ حرم عليه التقيؤ إذا كان في شهر رمضان و نحوه من الصيام الذي يعلم أو يحتمل أن المحافظة على صحته أكثر أهمية و أشد في الإسلام من هذا الواجب الآخر.

(العاشر من المفطرات: الاحتقان بالمائع).
المسألة 100:

إذا احتقن الصائم بشي ء من المائعات بطل صومه، و ان كان بماء خالص، أو كان الرجل مضطرا الى الاحتقان لمرض و نحوه، فيبطل صومه و يجب عليه قضاؤه إذا كان الصوم مما يقضى، و ان لم يأثم بفعله إذا كان مضطرا اليه، و الأقوى بطلان الصوم مع صدق الحقنة بالمائع و ان لم يصل المائع إلى الجوف، بل كان بمجرد الدخول في الدبر.

المسألة 101:

لا يضر بصحة الصوم ان يحتقن الصائم بشي ء من الجامدات و ان ذاب بعد دخوله بسبب حرارة الجسد، و لا يضرّ بصحة الصوم ان يحتقن بما يشك في كونه جامدا أو مائعا.

[مسائل]
المسألة 102:

لا يبطل صوم الصائم بتناول شي ء من المفطّرات الآنف ذكرها جميعا، إلا إذا كان عامدا في تناوله، ما عدا المفطر الخامس منها، و هو البقاء على الجنابة حتى يصبح، فلا يضرّ بصحة صوم الصائم أن يتناول شيئا من المفطرات التسعة الأخرى إذا كان ساهيا عند تناوله أو غافلا أو مقهورا على الفعل من دون اختيار منه، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثلاثين و ما بعدها، و يبطل بها صوم الصائم إذا اتى

كلمة التقوى، ج 2، ص: 41

بشي ء منها عامدا، و ان كان مكرها على فعله من أحد أو مضطرا الى تناوله، نعم، يرتفع عنه الإثم و العصيان بسبب الإكراه و الاضطرار و قد تكرر ذكر هذا.

و اما البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر فقد فصلنا الحكم فيه في البحث عن المفطر الخامس فليرجع اليه من يشاء.

المسألة 103:

إذا تناول الصائم بعض المفطرات و هو جاهل بالحكم ففي ذلك صورتان يختلف الحكم فيهما.

(الصورة الأولى): أن يكون المكلف في حال أخذه للمفطر جاهلا يحسب ان تناول ذلك الشي ء مما يجوز له شرعا فلا يبطل صومه بتناوله للمفطّر في هذه الصورة و لا يجب عليه القضاء و لا الكفارة، سواء كان جاهلا قاصرا أم مقصرا، و يكون آثما بفعله إذا تناوله كذلك و كان جهله عن تقصير، و الأحوط له استحبابا قضاء الصوم في كلا الفرضين، إذا كان الصوم مما يقضى، و الاحتياط في الجاهل المقصر أشد تأكدا.

(الصورة الثانية): ان يكون المكلف حين تناول المفطر جاهلا مترددا في حكم تناول الصائم لذلك الشي ء، و حكمه في هذه الصورة حكم العامد فيبطل صومه و يلزمه القضاء و الكفارة، و قد سبق منا بيان هذا في المسألة الحادية و

الثلاثين، و تقدم في المسألة الثالثة و الثلاثين حكم الإفطار للتقية، و تقدمت في غضون ذلك المبحث مسائل تتعلق بالمقام، فليرجع إليها من يريد.

المسألة 104:

إذا نسي المكلف أنه صائم فوضع اللقمة في فمه ليأكلها أو أخذ الجرعة من الماء ليشربها، ثم تذكر أنه صائم وجب عليه أن يخرجها من فمه، و إذا ابتلعها عامدا بعد تذكره للصوم بطل صومه و لزمه القضاء و الكفارة، و كذلك الحكم إذا اعتقد ان الليل لا يزال باقيا فوضع اللقمة من الطعام أو الجرعة من الماء في فمه، ثم علم بطلوع الفجر، فيجب عليه إخراج ما في فمه و يحرم عليه ابتلاعه.

المسألة 105:

إذا غلب العطش على الصائم حتى خشي منه الضرر، أو لزم من الصّبر عليه الحرج الشديد، جاز له أن يشرب من الماء مقدار ما يندفع به الضرر و يرتفع به الحرج، و لا إثم عليه في ذلك، و يبطل به صومه، فيجب عليه قضاء صوم ذلك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 42

اليوم، و إذا كان في شهر رمضان وجب عليه أن يمسك عن المفطرات في بقية نهاره حتى عن تناول الماء بالمقدار الذي يزيد عن الضرورة و ما يرتفع به الحرج، و لا يجب ذلك في غير شهر رمضان و ان كان واجبا معينا.

المسألة 106:

لا يجوز للمكلّف إذا كان صائما صوما واجبا معينا عليه أن يذهب مختارا إلى موضع يعلم بأنه يكره فيه على الإفطار في صومه، أو يضطر إليه اضطرارا أو يقسره عليه أحد اقتسارا، و إذا ذهب مختارا إلى ذلك الموضع، فاضطر فيه الى تناول المفطّر- و لو بنحو القسر عليه- بطل صومه على الأحوط، بل الأحوط بطلان صومه بمجرد قصده الى ذلك الموضع إذا كان يعلم أو يطمئن بحصول الإفطار فيه متى وصل اليه، لعدم استمراره على نية الصوم.

المسألة 107:

لا يجوز للصائم أن يبتلع ريقه إذا امتزج بريقه دم أو غيره من المحرمات أو المحلّلات المفطرة، الا أن يستهلك ذلك الخليط في الريق، حتى يصدق في العرف أنه انما يبتلع ريقه وحده و لا يجوز له ان يتعمد مزج ذلك الخليط بريقه اختيارا حتى يستهلكه ليبتلعه، من غير فرق بين المحرّمات و المحلّلات المفطرة.

المسألة 108:

الوقت الذي يكون فيه الصوم هو النهار، و أوله طلوع الفجر الثاني الصادق، و آخره دخول الليل، و هو ذهاب الحمرة المشرقية من تمام ربع الفلك من طرف المشرق على الأقوى، فإذا استقبل الإنسان نقطة الجنوب و نظر الى جهة المشرق لم يجد أثرا للحمرة من مشرق الشمس إلى قمة رأسه.

و لا يضم الى النهار جزء من الليل، نعم لا بد للمكلّف من الإمساك عن المفطرات في جزء من الليل قبل طلوع الفجر، و في جزء من الليل بعد النهار ليحصل له العلم بأنه قد أمسك عن المفطرات في جميع أجزاء النهار و آناته و يستيقن بامتثال الأمر بالصوم الواجب.

المسألة 109:

لا يجوز للصائم أن يتناول شيئا من المفطرات حتى يعلم بدخول الليل، و يصح له ان يعتمد في دخول وقت الإفطار على إخبار بينة عادلة بأن الوقت قد دخل، و يصح له ان يعتمد في ذلك على أذان المؤذن الثقة العارف بالوقت.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 43

و يصح له ان يعتمد فيه على الظن الذي يحصل له بالنظر و المراعاة للوقت، و هذا إذا كان في السماء غيم يمنع من الرؤية و من حصول العلم بالوقت، و لا يكتفى بالظن في غير هذه الصورة، و ان كانت في السماء علة أخرى تمنع الرؤية غير الغيم من قتام أو ضباب و شبههما، و لا يكتفى بالظن الذي يحصل للمكلف من غير النظر و المراعاة في صورة وجود الغيم على الأحوط.

فإذا أفطر الصائم و هو شاك في دخول الوقت و عدمه لزمه قضاء صوم ذلك اليوم مع الكفارة، إلّا إذا حصل له العلم بعد ذلك بان الوقت قد دخل عند إفطاره، أو يكون قد اعتمد على إخبار

البينة أو على أذان الثقة العارف بالوقت، و ان لم يوجبا له قطعا و لا ظنا بالوقت، فلا يجب عليه القضاء و الكفارة في هذه الفروض.

و إذا أفطر اعتمادا على الظن في غير الصورة التي ذكرناها وجب عليه القضاء و الكفارة.

المسألة 110:

يجوز للمكلف أن يتناول المفطرات في آخر الليل حتى يعلم بطلوع الفجر الثاني، أو تشهد البينة العادلة بطلوعه، أو يسمع أذان المؤذن الثقة العارف بالوقت.

و إذا تناول المكلف بعض المفطرات و هو شاك في طلوع الفجر فلا شي ء عليه بذلك إذا لم يستبن له بعد ذلك طلوع الفجر و لا عدمه عند تناوله.

و إذا شهدت البينة العادلة بطلوع الفجر، أو سمع المكلف أذان المؤذن الثقة، فلم يعتمد على ذلك و تناول المفطر وجب عليه القضاء و الكفارة، و ان لم يتضح له بعد ذلك أنه أكل أو شرب بعد الفجر أو قبله.

المسألة 111:

لا يكتفى بخبر العادل الواحد إذا أخبر بدخول وقت الإفطار و لا بطلوع الفجر و لا ببقاء الليل، فإذا أخبر العادل الواحد مكلفا صائما بأن وقت الإفطار قد دخل لم يجز للصائم أن يفطر من صومه اعتمادا على خبره، بل و يشكل جواز تقليده في ذلك و ان كان المقلد أعمى لا يبصر أو محبوسا لا يمكنه الخروج لرؤية الوقت.

و إذا أفطر الصائم اعتمادا على خبر العادل بدخول الوقت وجب عليه القضاء و الكفارة عن ذلك اليوم إلا إذا أفاده قوله العلم بدخول الليل، أو ظهر له

كلمة التقوى، ج 2، ص: 44

بعد إفطاره أن قول ذلك العادل مطابق للواقع و أنه قد تناول المفطّر بعد دخول الليل، فيسقط عنه وجوب القضاء و الكفارة بعد وضوح الأمر.

المسألة 112:

إذا أخبر العادل الواحد بأن الفجر قد طلع و لم يحصل للصائم القطع بذلك من قوله، لم يحرم على الصائم أن يتناول المفطر بعد اخباره.

و إذا أنباه العادل بطلوع الفجر فلم يعول على خبره- كما قلنا- و تناول المفطّر بعد خبره، ثم ظهر له بعد ذلك أن المخبر صادق في قوله و أن الفجر كان طالعا حين ما تناول المفطر، فان كان قد راعى الوقت بنفسه قبل تناوله و لم يظهر له شي ء فلا إثم عليه بتناول المفطر، و لا قضاء للصوم، و ان تناول المفطر من غير مراعاة و لا نظر في الوقت لزمه قضاء الصوم، و هذا الحكم ثابت في نفسه و سيأتي تفصيله- ان شاء الله تعالى-، و لا مدخل لخبر العادل فيه، و قد مر ذكر بعض الفروض المشابهة له، و إذا أخبره العادل بطلوع الفجر و أفاده قول المخبر علما بطلوعه، حرم عليه

أن يتناول شيئا مفطرا لأنه قد علم بالوقت، و ليس لإخبار العادل به.

المسألة 113:

تكره للصائم عدة أمور:

(1): أن يباشر زوجته أو أمته بمداعبة أو بتقبيل أو لمس بشهوة أو تفخيذ، أو ما يشبه ذلك، و هذا إذا كان واثقا من نفسه بأنه لا يغلب على أمره فيسبقه نزول المني منه بسبب هذه الافعال.

و إذا قصد إنزال المني بهذه المباشرة فسد صومه و ان لم ينزل منه شي ء بالفعل، لأنه نوى المفطر فلم تستمر منه نية الصوم، و إذا كان من عادته ان يحصل منه الإنزال بمباشرة المرأة بمثل ذلك حرمت عليه المباشرة على الأحوط إذا كان الصوم واجبا معينا، و في قضاء شهر رمضان بعد الزوال، و كذلك إذا أوجب ذلك ترددا في نية الصوم و قد سبق ذكر كل هذا مفصلا.

(2): يكره للصائم ان يكتحل بكحل يحتوي على مسك أو صبر، أو يكتحل بشي ء غيرهما مما يصل طعمه أو ريحه الى الحلق.

(3): يكره له أن يتناول سعوطا، و السعوط هو المائع الذي يصب في الأنف، و المكروه منه ما لا يعلم بوصوله الى الحلق، و اما ما يعلم بأنه يصل الى الحلق

كلمة التقوى، ج 2، ص: 45

فالأقوى تحريمه.

(4): يكره له أن يشم النرجس و الرياحين، و المراد بالرياحين كل نبات طيب الرائحة سواء كان من النبات نفسه أم من الأزهار.

(5): يكره له أن يحتقن بالجامد.

(6): يكره له أن يخرج من بدنه دما يوجب خروجه له الضعف، سواء كان إخراجه بفصد أم بحجامة أم بغيرهما و إذا علم ان ذلك يسبب له الإغماء كان حراما.

(7): يكره له أن يقلع ضرسه أو يدمي فمه و لو بسواك و شبهه.

(8): يكره له أن يدخل الحمام إذا

خشي من دخوله الضعف.

(9): يكره له أن يبلّ الثوب على جسده، أو يلبس ثوبا مبلولا.

(10): يكره له أن يستاك بعود رطب.

(11): يكره للمرأة الصائمة أن تجلس في الماء.

(12): يكره له أن ينشد شعرا و هو صائم، سواء كان في شهر رمضان أم في غيره من أقسام الصوم، و يكره له أن ينشد الشعر في شهر رمضان و ان أنشده في الليل أو أنشده و هو غير صائم لبعض مسقطات الصوم، و كذلك الحكم في المرأة، و يستثنى من الشعر ما كان في مدح الرسول (ص)، و المعصومين (ع) و رثائهم، بل مطلق ما كان حقا كالدعاء و المناجاة و الموعظة و الحكمة و غيرها من الشعر الحق، فلا كراهة في إنشاده، بل قد يكون من العبادات المحبوبة التي توجب القرب الى الله.

(13): يكره للصائم ان يأتي شيئا من مكروهات الأعمال و الأخلاق و الآداب النفسانية، فإنها في حال الصوم و في شهر رمضان للصائم و غير الصائم تكون أشد كراهة منها في سائر الأحوال و الأوقات، كما ان المحرمات تكون فيهما أشد حرمة منها في بقية الأحوال و الأزمان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 46

الفصل الثالث في الكفارات

المسألة 114:

إذا تناول الصائم بعض المفطّرات التي ذكرناها في الفصل الثاني و كان متعمدا في فعله، غير ساه و لا ناس للحكم و لا الموضوع، و لا مكره من أحد على تناول المفطّر و لا مجبر عليه، وجبت عليه الكفارة إذا كان صومه من الأنواع التي تجب الكفارة إذا أفسدها، و سيأتي ذكر هذه الأنواع في المسألة الآتية.

و وجوب الكفارة عند إفسادها شامل لجميع المفطرات التي تقدم ذكرها، حتى الاحتقان بالمائع على الأقوى و حتى الارتماس في الماء، و القي ء، و

الكذب على الله و على رسوله و على المعصومين على الأحوط.

و اما نوم الصائم على الجنابة حتى يصبح فقد فصّلنا الحكم فيه في المسألة الحادية و الستين و ما بعدها، فلتراجع، و قد ذكرنا في المسألة الحادية و الثلاثين و المسألة المائة و الثالثة حكم من ارتكب بعض المفطرات جاهلا قاصرا أو مقصرا، و حسبنا هنا هذه الإشارة إلى تلك الموارد.

المسألة 115:

تجب الكفارة على الصائم إذا تناول مفطرا فأفسد صومه متعمدا كما قلنا في المسألة السابقة في أربعة أنواع من الصوم:

(1): صوم شهر رمضان، إذا أفطر فيه في أي جزء من أجزاء النهار.

(2): صوم قضاء شهر رمضان إذا أفطر فيه بعد زوال الشمس من النهار.

(3): الصوم المنذور إذا كان وقته معينا في أصل النذر.

(4): صوم الاعتكاف.

المسألة 116:

إذا أفطر الصائم يوما من أيام شهر رمضان متعمدا و لا عذر له في إفطاره، و كان إفطاره بتناول مفطر محلّل في شريعة الإسلام وجب عليه على نحو التخيير اما أن يعتق رقبة، و اما أن يصوم شهرين متتابعين، و اما أن يطعم ستين مسكينا، أو يدفع لكل واحد منهم مدا واحدا من الطعام.

و إذا أفطر يوما من الشهر و كان إفطاره بتناول مفطر محرّم في الإسلام وجب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 47

عليه- على الأحوط- ان يدفع عن صومه كفارة الجمع، فيدفع الخصال الثلاث المذكورة جميعا، فيعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستين مسكينا.

المسألة 117:

إذا أفطر المكلف الصائم في قضاء شهر رمضان متعمدا في فعله، و كان إفطاره بعد زوال الشمس من النهار، وجب عليه معيّنا ان يطعم عشرة مساكين أو يدفع لكل مسكين منهم مدا واحدا من الطعام كما تقدم، فان هو لم يقدر أن يطعمهم لبعض الأعذار وجب عليه ان يصوم بدلا عن ذلك ثلاثة أيام، و لا يجزيه صومها إذا كان قادرا على إطعام المساكين العشرة.

المسألة 118:

إذا أفطر المكلف متعمدا في صيام نذر معين، وجب عليه ان يدفع كفارة خلف النذر، و هي- على الأقوى- مثل كفارة خلف اليمين، فيجب عليه على- نحو التخيير- اما أن يطعم عشرة مساكين، و اما أن يكسوهم، و اما أن يعتق رقبة، فإن عجز عن الخصال الثلاث، و لم يقدر على الإتيان بواحدة منها، وجب عليه- على وجه التعيين- ان يصوم ثلاثة أيام بدلا عن ذلك.

المسألة 119:

إذا جامع الإنسان زوجته- نهارا- و هو صائم صوم الاعتكاف، وجب عليه أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا، أو يدفع لكل مسكين مدا من الطعام، و كان مخيرا بين هذه الخصال الثلاث كما سبق في كفارة الإفطار في شهر رمضان على مفطر محلّل.

و تجب هذه الكفارة أيضا على من جامع زوجته ليلا في أيام اعتكافه، و إذا اعتكف الإنسان في أيام شهر رمضان و جامع زوجته فيه نهارا، وجب عليه أن يجمع بين الكفارتين، فيدفع كفارة الاعتكاف التي ذكرناها و يدفع معها كفارة الإفطار في شهر رمضان، و قد سبق ذكرها في المسألة المائة و السادسة عشرة.

و إذا كان اعتكاف الرجل في صوم آخر من الأنواع التي تجب فيها الكفارة، و جامع فيه نهارا وجب عليه أن يجمع بين كفارة الاعتكاف و كفارة الإفطار في الصوم الذي أفطر فيه، و لا تجب كفارة الاعتكاف على المعتكف بغير الجماع من بقية المفطرات، و يأتي تفصيل الحكم في كتاب الاعتكاف.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 48

المسألة 120:

إذا ارتكب الصائم ما يوجب الكفارة في أيام متعددة، وجب عليه أن يأتي بالكفارة بعدد الأيام التي أفسد صومه فيها، سواء كان في شهر رمضان أم في غيره من أنواع الصيام التي تجب فيها الكفارة، و سواء كان المفطّر الذي تعمّد ارتكابه من جنس واحد أم من جنس مختلف، فأكل في اليوم الأول، و شرب في اليوم الثاني، و جامع في اليوم الثالث، و هكذا، و سواء تخلّل منه التكفير بين الأيام التي أفطرها، فأتى بعد كل يوم أفطره بكفارته أم لا، فلا بدّ لكل يوم أفطر فيه من كفارة مستقلة، و لا فرق في الحكم المذكور

بين ان تكون الكفارة التي وجبت عليه كفارة مفردة لأنه أفطر على شي ء محلل، و أن تكون كفارة جمع، لأنه أفطر بتناول شي ء محرّم.

المسألة 121:

إذا فعل الصائم ما يوجب الكفارة أكثر من مرة واحدة في يوم واحد، فتناول المفطّر في يومه مرتين، أو أكثر عامدا، لم تتعدد عليه الكفارة لذلك اليوم الواحد، سواء كان المفطر الذي تناوله من جنس واحد، فأكل في يومه مرتين أو أكثر أم كان من جنس مختلف، فأكل في يومه و شرب و ارتمس، و سواء تخلل منه دفع الكفارة بين تناول المفطّرين أم لا، و هذا هو الحكم في غير الجماع من موجبات الكفارة.

و إذا تكرر الجماع من الصائم في يوم واحد فلا يترك الاحتياط بتعدد الكفارة عليه، فإذا جامع في يومه مرتين كفّر عنهما كفارتين، و إذا جامع ثلاثا كفّر ثلاثا، و لا فرق في لزوم الاحتياط في الحكم المذكور للجماع بين المحلّل منه و المحرم، فإذا تكرر الجماع المحلّل من الصائم في يوم واحد من شهر رمضان وجبت عليه الكفارة المخيّرة بين الخصال الثلاث بعدد ما جامع، سواء كان جماعه لزوجة واحدة أم لأكثر، و سواء تخلل التكفير منه بين الجماعين أم لا.

و إذا تكرر منه الجماع المحرم وجبت عليه كفارة الجمع- على الأحوط- بعدد ما جامع كذلك، و قد تقدم بيان هذه الكفارة في المسألة المائة و السادسة عشرة.

و كذلك الحكم- على الأحوط- إذا تناول في يومه مفطرا غير الجماع، ثم جامع فيه بعد ذلك فتتعدد الكفارة، و مثله ما إذا انعكس الفرض، و إذا تكرر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 49

الجماع في الصورتين تعددت كفارته، و إذا تكرر المفطّر الآخر لم تجب فيه غير كفارة واحدة.

المسألة 122:

تجب على الصائم كفارة الجمع- على الأحوط- إذا أفطر في شهر رمضان على مفطر محرم، كما قلنا في المسألة المائة و السادسة عشرة، سواء

كان المحرم الذي أفطر عليه محرما بالأصالة، كشرب الخمر و أكل اللحم غير المذكّى، و أكل الطعام المغصوب، أم كان محرما بالعارض كجماع الزوجة في أيام حيضها، و أكل ما يضره أكله و أكل لحوم الحيوانات الجلالة و شرب ألبانها.

المسألة 123:

إذا وجبت على الإنسان كفارة مخيرة بين خصال، ككفارة الإفطار في شهر رمضان على مفطر محلّل و كفارة الاعتكاف و تعذر عليه بعض الخصال من الكفارة تخير بين باقي الخصال المقدورة له، فإذا وجبت عليه كفارة الإفطار في شهر رمضان مثلا و تعذر عليه أن يعتق رقبة، تخير بين ان يصوم شهرين متتابعين و ان يطعم ستين مسكينا، و إذا لم تمكن له الا خصلة واحدة منها تعينت عليه تلك الخصلة المقدورة، فيتعين عليه إطعام المساكين إذا لم يقدر على العتق و الصيام.

و كذلك الحكم إذا وجبت على الشخص كفارة واحدة مخيرة من جهة و مرتبة في جهة ككفارة الإفطار في الصوم المنذور المعين و كفارة مخالفة اليمين و قد ذكرناهما في المسألة المائة و الثامنة عشرة، فإذا تعذر عليه بعض خصال التخيير من الكفارة، تخير بين باقي الخصال الممكنة منها، و إذا لم يقدر الا على خصلة واحدة منها تعينت عليه تلك الخصلة و لا ينتقل حكمه الى الخصلة المرتبة عليها إلا إذا عجز عن جميع خصال التخيير و قد بينا هذا في المسألة المشار إليها.

و إذا وجبت على المكلف كفارة الجمع ككفارة الإفطار في شهر رمضان على مفطر محرّم في الشريعة و تعذر عليه أن يأتي ببعض خصالها وجب عليه أن يأتي بالباقي المقدور من الخصال على الأحوط.

المسألة 124:

إذا أفطر المكلف الصائم في شهر رمضان على مفطر محلّل، ثم تناول من بعده في ذلك اليوم نفسه مفطرا محرّما وجبت عليه كفارة واحدة مخيّرة بين الخصال الثلاث بسبب إفطاره الأول، و لم تجب عليه كفارة الجمع بسبب تناول المفطّر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 50

المحرم في اليوم نفسه، إلا إذا كان المفطّر الثاني الذي

ارتكبه جماعا محرما، فتجب عليه كفارة مخيرة بإفطاره الأول، و تجب عليه كفارة جمع بالإفطار الثاني.

المسألة 125:

إذا علم المكلف الصائم بأنه قد تناول احد مبطلات الصوم، و لم يعلم أن المبطل الذي فعله مما يوجب عليه قضاء الصوم فحسب، أو هو مما يوجب عليه القضاء و الكفارة كليهما، وجب عليه قضاء الصوم فقط، و لم تجب عليه الكفارة، و إذا علم بأنه قد تناول أحد المفطّرات التي توجب عليه الكفارة، و لم يدر أن المفطّر الذي تناوله محلل يوجب عليه كفارة مفردة، أو هو محرم يوجب عليه كفارة الجمع وجبت عليه كفارة مفردة و لم تجب عليه كفارة الجمع.

المسألة 126:

إذا علم الشخص بأنه قد وجبت عليه كفارات متعددة و شك في عددها أ هي خمس كفارات أم ست مثلا؟ و مثال ذلك: أن يفطر أياما من شهر رمضان و تجب عليه لكل يوم كفارة، ثم يشك في عدد الأيام التي أفطرها و عدد ما وجب عليه في إفطارها من الكفارات أ هي العدد الأقل الذي يحتمله أم العدد الأكثر؟ فيكفيه أن يأتي بالقدر المتيقن وجوبه منها و هو العدد الأقل، و إذا كان سابقا قد علم بعدد ما وجب عليه من الكفارات، ثم نسي عددها بعد ذلك، فالأحوط له استحبابا ان يأتي بالعدد الأكثر، و ان كان الأقوى الاكتفاء بالأقل حتى في هذه الصورة أيضا.

المسألة 127:

إذا تناول الصائم المفطّر عامدا في يوم من أيام صومه الواجب وجبت عليه الكفارة بتحقق سبب وجوبها عليه، و لا يسقط وجوبها عنه إذا تعمد فسافر في ذلك اليوم، سواء سافر بعد الزوال أم قبله، و سواء قصد بسفره الفرار من الكفارة أم لم يقصد ذلك.

و إذا خرج المكلف الصائم إلى السفر لم يجز له الإفطار حتى يصل في سفره الى حد الترخص، فإذا تناول المفطر متعمدا قبل ان يبلغ الى حد الترخص وجبت عليه الكفارة و لم يسقط عنه وجوبها إذا بلغ حدّ الترخص في يومه الذي سافر فيه أو بلغ المسافة التامة فيه، و إذا وجبت الكفارة على الرجل الصائم أو على المرأة الصائمة، بحصول سبب وجوب الكفارة ثم طرأ لهما ما يسقط وجوب الصوم عنهما من مرض أو حيض أو نفاس أو غيرها لم يسقط وجوب الكفارة عنهما على

كلمة التقوى، ج 2، ص: 51

الأحوط.

المسألة 128:

إذا تعمّد المكلّف الإفطار في يوم الشك في آخر شهر رمضان وجبت عليه الكفارة بإفطاره، سواء اتضح له بعد ذلك أن اليوم من شهر رمضان أم لم يتضح له شي ء، و إذا ثبت بعد ذلك بوجه شرعي ان اليوم من شهر شوال سقط عن المكلف وجوب الكفارة، و استحق الإثم و العقوبة بجرأته على الإفطار فيه قبل الثبوت الشرعي للهلال.

و إذا أصبح المكلف في اليوم الذي يشك الناس فيه انه أول شهر رمضان أو آخر شهر شعبان، و حصل له العلم بان اليوم أول رمضان، فإذا تعمّد فيه الإفطار وجبت عليه الكفارة. و إذا استبان له بعد ذلك انه مخطئ في اعتقاده و أن اليوم من شعبان، سقط عنه وجوب الكفارة.

المسألة 129:

إذا استحل الإنسان الإفطار في شهر رمضان، و كان عالما بوجوب صومه في الإسلام و عامدا في استحلال الإفطار فيه كان مرتدا عن الإسلام، سواء أفطر بالفعل أم لم يفطر، و من أفطر فيه و كان عالما بالحكم عامدا في إفطاره و غير مستحل للإفطار، وجب تعزيره على فعله، فان كان إفطاره بجماع زوجته عزّره الإمام أو نائبه بخمسة و عشرين سوطا، و إذا كان إفطاره بغير الجماع من المفطرات أو بجماع غير زوجته عزّر بما يراه الامام (ع) أو نائبه.

المسألة 130:

من أفطر في شهر رمضان و كان عالما بالحكم و عامدا في إفطاره و غير مستحل لإفطاره عزر كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، فإن هو عاد الى جريمته فأفطر في الشهر عالما عامدا بعد التعزير الأول عزّر مرة ثانية، فان عاد الى مثل الجريمة بعد التعزير الثاني فأفطر، قتل في المرة الثالثة، و الأحوط أن يعزّر في الثالثة، فإن عاد فأفطر كذلك بعد التعزير الثالث قتل في المرة الرابعة.

المسألة 131:

إذا أكره الرجل الصائم زوجته و هي صائمة أيضا فجامعها في شهر رمضان وجب على الرجل ان يدفع كفارة صيامه و كفارة صيام زوجته معا، و ان يعزر مرة عنه و مرة أخرى عنها، فيدفع كفارتين و يعزر مرتين فيضرب في كل تعزير منهما

كلمة التقوى، ج 2، ص: 52

خمسة و عشرين سوطا.

و إذا أكره الرجل الزوجة على الجماع في أول الأمر ثم إطاعته في أثناء العمل، فلا يترك الاحتياط بأن يدفع الرجل كفارتين و تدفع المرأة كفارة واحدة، و إذا هي أطاعته من أول الأمر لزم الرجل تعزيره و كفارته و لزم المرأة تعزيرها و كفارتها، و لا فرق في الأحكام التي بينّاها بين أن تكون الزوجة دائمة أو متمتعا بها.

المسألة 132:

يختص الحكم الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة بالرجل و زوجته، و بما إذا أكرهها على الجماع و كانا كلاهما صائمين، و لذلك، فلا يتحمل الرجل عن أمته كفارة و لا تعزيرا إذا أكرهها على الجماع في مثل الفرض المذكور بل و لا يتحمل عن المرأة الأجنبية إذا أكرهها فجامعها و هما صائمان.

و لا يتحمل الرجل عن زوجته شيئا إذا أكرهها على الإفطار بغير الجماع من المفطرات الأخرى، فلا تلزمه كفارتها و لا تعزيرها، و لا يتحمل عن زوجته شيئا إذا أكرهها على الجماع و كان مفطرا غير صائم لمرض أو سفر و كانت هي صائمة، و لا تتحمل الزوجة عن زوجها شيئا إذا أكرهته على الجماع و هما صائمان، و لا يتحمل الرجل عن زوجته شيئا إذا أكرههما غيرهما على الجماع و هما صائمان، بل و لا يتحمل عنهما شيئا من أكرههما على ذلك و ان كان عاصيا آثما بما فعل.

المسألة 133:

إذا وجبت الكفارة المخيرة على المكلّف لافطار يوم من شهر رمضان فعجز عن الخصال الثلاث التي يتخير بينها، فلم يستطع أن يأتي بأي واحدة منها وجب عليه أن يتصدّق بما يطيق، و إذا وجبت عليه الكفارة المخيرة المذكورة لغير الإفطار في شهر رمضان من موجباتها الأخرى و عجز عن جميع خصالها كما ذكرنا، وجب عليه أن يصوم بدلا عنها ثمانية عشر يوما، فإذا عجز عن ذلك أيضا استغفر الله بدلا عن الكفارة.

فإن هو استطاع الإتيان بالكفارة بعد ذلك أو استطاع الإتيان ببعض خصالها وجب عليه الإتيان بها في كلا الفرضين على الأحوط.

المسألة 134:

تجب الكفارة على الإنسان إذا حصل له أحد الأسباب الموجبة لها وجوبا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 53

موسعا، و لكن لا يجوز لمن كلّف بها أن يؤخر الإتيان بها الى حدّ يلزم منه التهاون بأمر الله، و لا تجب عليه كفارة ثانية بسبب تأخيرها، و ان مضى عليها أمد طويل.

المسألة 135:

يجوز للإنسان أن يتبرع بدفع الكفارة عن الميت إذا اشتغلت ذمة الميت بالكفارة، و يشكل الحكم بجواز التبرع عن الغير إذا كان حيا، و الأحوط ترك التبرع عنه، و يتأكد هذا الاحتياط إذا أراد التبرع عنه بالصوم من خصال الكفارة الواجبة عليه.

المسألة 136:

لا يقدح في صحة صوم الصائم ظاهرا أن يفطر بعد دخول الليل بتناول شي ء محرم فلا يبطل بذلك صومه و ان أثم بارتكاب ذلك، و لا يضر بصحة صومه أيضا ان يقصد و هو صائم في النهار أن يجعل إفطاره في الليل على شي ء من المحرمات و ان عصى و أثم، بل و تضاعف إثمه و جرمه، و حرم و سقط بذلك حظه عن بلوغ مراتب الصيام، و تبوّئ منازل الصائمين و درجات القبول عند الله رب العالمين، و خصوصا إذا كان في شهر الصوم الذي يتضاعف فيه العقاب على المحرمات كما يتضاعف فيه الثواب على الطاعات.

المسألة 137:

مصرف الإطعام في الكفارة هم الفقراء المحتاجون الذين لا يملكون قوت سنتهم بالفعل و لا بالقوة، و هم المراد من المساكين الذين ذكرتهم نصوص الكفارة في الكتاب الكريم و السنّة المطهرة، و لا بد من إطعام العدد المعين من المساكين في الكفارة الواحدة مع التمكن من الحصول على العدد، فيجب على المكلف أن يطعم ستين مسكينا تامة في كفارة الإفطار في شهر رمضان مثلا، و يجب عليه أن يطعم عشرة مساكين كاملة في كفارة الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال، و هكذا في الكفارات الأخرى، فيجب عليه أن يتم العدد المعين في الكفارة التي وجبت عليه.

و إذا أطعم الفقير الواحد مرتين أو أكثر في الكفارة الواحدة لم يجزه ذلك عن أكثر من مسكين واحد، نعم يجزيه ذلك عند الإعواز و عدم التمكن من إتمام العدد لقلة الموجودين من المساكين عن بلوغ العدد الذي يجب إطعامه، فيجوز له التكرار في هذه الصورة حتى يبلغ العدد، فإذا وجد ثلاثين مسكينا فقط أطعمهم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 54

مرتين، و

إذا وجد عشرين مسكينا أطعمهم ثلاث مرات، و هكذا. و إذا وجد أربعين مسكينا أطعمهم جميعا مرة ثم كرر الإطعام على عشرين منهم، و لا يكفيه أن يطعم ثلاثين منهم مرتين، و إذا وجد ثمانية مساكين في كفارة قضاء شهر رمضان أطعمهم مرة ثم كرر الإطعام على مسكينين.

و يتخير المكلف في الإطعام الواجب عليه بين أن يشبع الفقراء حتى يكتفوا مرة واحدة، و ان يدفع الطعام إليهم أو إلى وكيلهم إذا كانوا راشدين و الى ولي أمرهم إذا كانوا قاصرين، ليوصل الطعام إليهم، و لا يترك الاحتياط في كفارة الظهار بأن يدفع للفقير الواحد مدين من الطعام، و يكفي في غيرها من الكفارات ان يدفع مدا واحدا لكل مسكين.

و لا يترك الاحتياط في كفارة اليمين بأن يكون المدّ الذي يدفعه للمسكين من التمر أو من الحنطة أو دقيقها أو خبزها، و يكفي في غيرها من سائر الكفارات أن يدفع مدا من مطلق الطعام، و يدفع للفقير الصغير في جميع الكفارات بمقدار ما يدفعه للفقير الكبير.

المسألة 138:

إذا كان للفقير عيال فقراء و كان وكيلا عنهم في قبض ما يدفع إليهم من الطعام أو وليا على القاصرين منهم، جاز للمكلف أن يدفع اليه من طعام الكفارة بمقدار عددهم و تبرأ ذمة المكلّف من الإطعام بمقدار ما يدفع اليه، فإذا قبض الفقير طعام الكفارة بحسب وكالته و ولايته دفع الى الراشدين من عياله حصصهم، و بقيت حصص الصغار و المولى عليهم امانة بيده يتولى صرفها في مصالحهم و حاجاتهم بحسب ولايته عليهم.

و إذا لم يكن رأس العائلة وكيلا عنهم و لا وليا عليهم، أمكن للمكلف الذي وجبت عليه الكفارة، أن يجعله وكيلا عنه في إشباعهم أو في دفع

الحصص إليهم و تبرأ ذمة المكلف إذا قام وكيله هذا بأمر الكفارة فأشبعهم أو دفع الطعام إليهم أو الى ولي أمرهم، و لا تبرأ ذمة المكلف من الواجب بمجرد دفع المال الى الوكيل.

المسألة 139:

يجوز السفر اختيارا على الأقوى للمكلف بالصيام في شهر رمضان، و ان كان سفره لا لحاجة أو لعذر يدعوه الى السفر فيه، و المشهور بين الفقهاء كراهة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 55

السفر فيه، الا أن يكون السفر لحج أو لعمرة أو مال يخاف تلفه فيسافر لحفظ المال، أو أخ في الله يخشى هلاكه فيسافر ليدفع عنه ما يحذره عليه، و لعل الأقرب ان المراد من أدلة المسألة هو أفضلية الإقامة في شهر رمضان على السفر فيه، و ان النواهي الواردة في النصوص عن المسافرة في الشهر انما هي نواه عرضية عنه من جهة استلزام السفر في الشهر للإفطار فيه و ترك ما هو أفضل و هو الإقامة فيه و أداء الصوم امتثالا لأمر الله سبحانه في الشهر المعظم عنده.

و سواء أ كان المراد من النواهي عن السفر فيه هو الكراهة كما هو المشهور، أم كان المراد بها النهي عن ترك ما هو أفضل، فإن ذلك يزول بمضي الليلة الثالثة و العشرين من الشهر، فلا كراهة و لا نهي عن السفر بعدها.

المسألة 140:

إذا كان السفر في شهر رمضان لا يستلزم من المكلف إفطارا من الصوم، و مثال هذا: ان يسافر الرجل بعد ان يدخل عليه الليل لبعض الغايات المباحة أو المستحبة ثم يعود الى بلده قبل طلوع الفجر فالظاهر عدم شمول النواهي لمثل هذا السفر و ان تكرر منه في كل ليلة، كما يفعله بعض الخطباء الذين يسافرون في ليالي الشهر الى قرى تبعد عن بلادهم بما يبلغ المسافة الشرعية أو تزيد على ذلك للقراءة و الوعظ في تلك القرى النائية ثم يعودون الى بلادهم و منازلهم في نفس الليلة، فلا كراهة في مثل ذلك

و لا حرمة على تقدير القول بها كما يراه بعض الأعاظم (قده)، فضلا عن القول الذي اخترناه من أن النواهي انما هي نواه عرضية عن السفر لانه يستلزم ترك ما هو أفضل في هذا الشهر و هو الإقامة فيه و الصوم.

و كذلك إذا سافر المكلف في نهار شهر رمضان بعد الزوال، فإن إتمام صوم اليوم واجب عليه في هذه الصورة، فإذا هو قضى حاجته من السفر و عاد الى بلده ليلا لم يفته الصوم في سفره، و سيأتي بيان وجوب إتمام الصوم على المكلف إذا سافر بعد الزوال في المسألة المائة و الرابعة و الستين.

و أجلى من ذلك و أكثر وضوحا ما إذا كان المكلف ممن عمله السفر فقد ذكرنا في مباحث صلاة المسافر ان الأقوى في هذا الصنف هو وجوب إتمام الصلاة و الصيام عليه، فلا يفوته الصوم في شهر رمضان و ان سافر الى موضع عمله في صباح كل يوم من الشهر و رجع عصرا أو ليلا إلى منزله.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 56

و من ذلك أيضا من يسافر في شهر رمضان بعد الزوال أو بعد دخول الليل و يصل قبل طلوع الفجر من ليلته تلك الى موضع ينوي الإقامة فيه عشرة أيام، فيجب عليه الصوم لإقامته في الموضع، و لا يفوته شي ء من صيام شهر رمضان و كذلك إذا وصل الى الموضع الذي ينوي فيه اقامة العشرة قبل زوال النهار و لم يكن قد تناول في يومه مفطرا، فتجب عليه نية الصوم و لا يفوته شي ء منه.

المسألة 141:

المدّ الذي يجب دفعه الى المسكين من الإطعام في الكفارة هو ربع الصاع الشرعي، و الصاع الشرعي هو ستمائة و أربعة عشر مثقالا صيرفيا و

ربع مثقال، فيكون المدّ مائة و ثلاثة و خمسين مثقالا صيرفيا، و ثلاث عشرة حمصة و نصفا، و المراد من الحمصة الجزء الواحد من أربعة و عشرين جزءا من المثقال الصيرفي، و على هذا فإذا دفع المكلف الى المسكين ثلاثة أرباع الكيلو (و الكيلو هو الوزن الغربي الشائع بين الناس في زماننا) فقد زاد على المدّ الواجب دفعه في الكفارة بضعة مثاقيل صيرفية.

و إذا دفع الى الفقير خمسة عشر مثقالا و نصفا (بالمثقال المعروف في البحرين، و هو عشرة مثاقيل صيرفية)، فقد زاد على المد الواجب دفعه مثقالا صيرفيا واحدا و عشر حمصات و نصفا، و إذا دفع الى الفقير نصف حقة اسلامبولية فعليه ان يضيف إليه ثلاثة عشر مثقالا صيرفيا و ثلاث عشرة حمصة و نصفا ليكون المجموع مدا.

المسألة 142:
اشارة

يجب على المكلّف قضاء الصوم و لا تجب عليه الكفارة في عدة مواضع:

(الموضع الأول): إذا نام المكلّف المجنب ليلا

في شهر رمضان بعد ما علم بجنابته، و هو عازم على الغسل من جنابته قبل أن يطلع عليه الفجر، أو و هو غافل عن ذلك، ثم انتبه بعدها و نام مرة ثانية و استمرت به نومته الثانية حتى طلع عليه الفجر، فيجب عليه قضاء صوم ذلك اليوم و لا تجب عليه الكفارة، و كذلك الحكم في النومة الثالثة و ما بعدها إذا استمرت به الى الصباح في الفرض المذكور، فيجب عليه القضاء دون الكفارة على الأقوى، و قد بيّنا هذا في المسألة الثالثة و الستين، و الأحوط له استحبابا ان يدفع الكفارة إذا انتبه بعد النومة الثانية ثم نام النومة الثالثة أو ما بعدها و استمرت به الى الصبح و الأقوى الأول.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 57

و يلحق بشهر رمضان في هذا الحكم على الأحوط، كل صوم واجب سواء كان معينا أم غير معين، و تراجع المسألة الخامسة و الستون.

(الموضع الثاني): إذا أخل المكلف بنية صومه،

فتردّد في الاستمرار على قصد الصوم و عدمه، أو أخلّ بالنية بما ينافي التقرب و الإخلاص فيها، أو أحدث له نية أخرى تنافي الأولى كما إذا نوى قطع صومه في أثناء النهار، أو نوى أن يتناول أحد المفطّرات و هو يعلم بان ذلك الشي ء مفطر من الصّوم، فإذا هو أخل بنية الصوم بأحد المنافيات المذكورة و لم يأت بشي ء من المفطّرات وجب عليه القضاء دون الكفارة.

و من ذلك ما إذا نام المكلف المجنب في الليل و هو متردد في أن يغتسل من جنابته قبل الفجر أو لا يغتسل و استمر به نومه حتى أصبح، فيجب عليه قضاء الصوم دون الكفارة.

(الموضع الثالث): إذا نسي المكلف المجنب غسل الجنابة

و صام يوما أو أياما متعددة من شهر رمضان أو من قضائه و هو مجنب ناس للغسل فيجب عليه قضاء صوم ذلك اليوم أو الأيام التي نسي الغسل فيها و لا تجب عليه الكفارة و قد بينّا هذا في المسألة السابعة و الخمسين.

(الموضع الرابع): إذا شك المكلف في طلوع الفجر و عدم طلوعه

و تناول شيئا من المفطرات من غير مراعاة منه للوقت، ثم تبين له ان الفجر كان طالعا حين ما تناول المفطر، فيجب عليه قضاء الصوم، و ان كان اعمى لا يبصر، أو كان محبوسا غير قادر على مراعاة الوقت، أو كان غير عارف بالفجر، على الأقوى في كل أولئك، و لا تجب عليه الكفارة.

و إذا قامت عند المكلف بينة شرعية على طلوع الفجر، أو سمع أذان الثقة العارف بالوقت، فلم يعتمد عليهما، و استصحب بقاء الليل و تناول المفطّر من غير مراعاة منه للوقت، ثم استبان له بعد التناول صدق البينة، أو المؤذن، و أنه قد تناول المفطّر بعد طلوع الفجر، لزمه القضاء و الكفارة معا.

و إذا تناول المفطّر بعد أن نظر في الوقت و راعى الفجر و لم يظهر له شي ء، ثم تبين له بعد ذلك ان الفجر كان طالعا عند ما تناول المفطّر، فلا قضاء عليه و لا كفارة، و ان كانت مراعاته للوقت لم تفده اعتقادا و لا ظنا ببقاء الليل، و الأحوط له استحبابا قضاء الصوم في هذه الصورة، و الاحكام التي ذكرناها كلها تجري في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 58

صوم شهر رمضان.

و اما غير شهر رمضان من أنواع الصيام، فان كان من الصوم الواجب غير المعين كقضاء شهر رمضان، و كالنذر المطلق، أو كان من الصوم المندوب، فإذا تناول المفطر ثم ظهر له ان الفجر كان

طالعا عند ما تناول المفطّر فالظاهر بطلان صومه، سواء كان قد راعى الوقت قبل تناوله أم لم يراع.

و ان كان من الصوم الواجب المعين غير شهر رمضان، فان هو تناول المفطر و لم يراع الوقت قبل تناوله فالظاهر بطلان صومه إذا استبان له طلوع الفجر عند تناوله، و إذا كان قد راعى الفجر قبل أن يتناول فلا يترك الاحتياط بأن يتم صوم ذلك اليوم ثم يقضيه بعد إتمامه إذا كان الصوم مما يقضى.

(الموضع الخامس): إذا أخبر المكلف مخبر من الناس بان الليل لا يزال باقيا،

فاعتمد المكلف على قول المخبر و تناول المفطّر، ثم تبين له خطأ ذلك المخبر في قوله و أن الفجر قد طلع حينما تناوله، فيجب على المكلف قضاء صوم ذلك اليوم و ان كان المخبر عادلا، و يلاحظ ما يأتي بيانه في آخر الموضع السادس.

(الموضع السادس): إذا أخبر المكلف أحد بأن الفجر قد طلع

فاعتقد أو ظن بان المخبر هازل في قوله، و ان الفجر لم يطلع بعد و تناول المفطّر، فإذا ظهر له بعد تناوله ان الفجر كان طالعا في ذلك الحال لزمه قضاء الصوم.

و يستثنى منه و من الموضع الخامس المتقدم ذكره ما إذا نظر في الوقت و راعى الفجر قبل ان يتناول المفطّر و لم يظهر له شي ء، فلا يجب عليه قضاء الصوم إذا تبين له الخطأ في كلتا الصورتين.

(الموضع السابع): إذا سمع الصائم أذان المؤذن

الثقة العارف بالوقت للمغرب أو شهدت له البينة العادلة بدخول الليل فاعتمد على أذان المؤذن أو على قول البينة و أفطر من صومه، ثم تبين له انهما مخطئان و أن الليل لم يدخل حين ما أفطر، فيجب عليه القضاء و لا تجب عليه الكفارة.

و إذا أخبره عادل واحد بان وقت المغرب الشرعي قد دخل فاعتمد على قول ذلك العادل و أفطر من صومه ثم تبين له أن العادل مخطئ في قوله فالظاهر وجوب القضاء و الكفارة عليه. و كذلك الحكم إذا قلّد أحدا في إفطاره فأفطر معه، ثم تبين له الخطأ فيجب عليه القضاء و الكفارة، و ان كان المكلف أعمى لا يبصر أو محبوسا لا يقدر على المراعاة على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 59

(الموضع الثامن): إذا حدثت في الجو ظلمة
اشارة

أوهمت المكلف بان الليل قد دخل، و لهذه المسألة صور تختلف فروضها و أحكامها.

(الصورة الأولى):

أن توجب الظلمة الحادثة للمكلف قطعا بدخول الليل عليه فيفطر لذلك من صيامه، ثم يتبين له بعد إفطاره خطأه في ما اعتقد، و ان الوقت لم يدخل في حال إفطاره، و الظاهر صحة صومه في هذه الصورة، فلا يجب عليه قضاء اليوم، و يجب عليه أن يمسك عن المفطرات في بقية نهاره إذا كان الصوم واجبا.

(الصورة الثانية):

أن توجب الظلمة الحادثة في الجو للمكلف شكا في دخول الوقت، و يفطر مع كونه شاكا غير قاطع، ثم ينكشف له بعد تناول المفطر أن الليل لم يدخل في حال إفطاره، و يجب عليه في هذه الصورة قضاء الصوم و دفع الكفارة، و يجب عليه أن يمسك في بقية النهار، إذا كان في شهر رمضان، و كذلك الحكم إذا أفطر مع الشك لحدوث الظلمة ثم لم يستبن له شي ء، فعليه القضاء و الكفارة، و الإمساك حتى يدخل الليل إذا كان صائما في الشهر.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 2، ص: 59

(الصورة الثالثة):

ان يحدث له مثل الفرض المتقدم فيكون شاكا في دخول الليل و يفطر مع شكه، ثم ينكشف له ان الليل قد دخل عند ما أفطر، و لا قضاء و لا كفارة عليه في هذه الصورة، و ان كان آثما في إفطاره مع الشك للتجري الحاصل منه.

(الصورة الرابعة):

ان توجب الظلمة الحادثة في الجو للمكلف ظنا بدخول الليل و يتناول المفطر لذلك، ثم ينكشف له ان الوقت لم يدخل في حال إفطاره، فإن كانت في السماء علة من الغيم و قد راعى الوقت قبل إفطاره حتى حصل له الظن بدخول الليل بسبب المراعاة صح صومه و وجب عليه ان يمسك عن المفطرات في بقية نهاره إذا كان الصوم واجبا.

و ان لم تكن في السماء علة أو كانت فيها علة غير الغيم من غبار و نحوه، أو لم يراع الوقت في صورة وجود الغيم، لزمه القضاء و الكفارة، و عليه أن يمسك في بقية النهار إذا كان في شهر رمضان.

(الموضع التاسع): إذا تمضمض الصائم

للتبرد فسبق الماء الى جوفه من غير إرادة منه و لا قصد، لزمه قضاء الصوم و لم تجب عليه الكفارة، و كذلك إذا أدخل الماء في فمه بغير مضمضة للتبرد أو تمضمض أو أدخل الماء في فمه للتداوي من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 60

بعض الآلام أو لتطهير الفم من النجاسة، أو تمضمض لوضوء مستحب أو لغسل واجب أو مستحب، فسبقه الماء الى جوفه من غير ارادة فعليه قضاء الصوم على الأحوط في جميع هذه الفروض، و لا كفارة عليه.

و إذا تمضمض الصائم للوضوء لصلاة فريضة فسبقه الماء الى جوفه من غير إرادة، فلا قضاء عليه و لا كفارة، سواء كانت الفريضة التي توضأ لها حاضرة أم فائتة، و يومية أم غير يومية، و سواء كان الوضوء لها بعد حضور وقتها، أم للتهيّؤ لها قبل حضور الوقت.

و إذا نسي الصائم الحكم أو نسي الصوم، فابتلع الماء، لم يفسد بذلك صومه في جميع الفروض التي ذكرناها في المسألة، و كذلك الحكم إذا تمضمض بغير الماء

من المائعات ناسيا أو سبقه المائع غير الماء الى جوفه من غير قصد، فلا يفسد بذلك صومه، و قد سبق بيان جميع هذه الأحكام في المسألة السادسة و الثلاثين و ما بعدها.

(الموضع العاشر): إذا أكره الصائم مكره

يخشى الصائم من مخالفته على الإفطار في شهر رمضان فتناول المفطّر مكرها غير مختار، فلا اثم عليه و وجب عليه قضاء الصوم و لم تجب عليه الكفارة، و يجب عليه ان يمسك في بقية النهار إذا ارتفع عنه الإكراه.

و كذلك الحكم إذا اضطر إلى الإفطار في الشهر، فيجوز له تناول المفطّر الذي دعت إليه الضرورة بمقدار ما تدعوا اليه، و لا إثم عليه بذلك، و يلزمه قضاء صومه و لا تجب عليه الكفارة، و لا يجوز له ان يتناول غير ما دعت إليه الضرورة من بقية المفطّرات التي لم يضطر إليها، و يحرم عليه ان يتناول من المفطّر الذي اضطر إليه أكثر من المقدار الذي تسدّ به الحاجة، فإذا أحوجته شدة الظمأ الى تناول الماء شرب منه مقدار ما تتأدى به الضرورة و يحفظ الحياة و لم يجز له التجاوز عنه و لم يجز له تناول المفطرات الأخرى.

و إذا أكره على الإفطار في غير شهر رمضان من الصوم الواجب المعين، فأفطر فيه مكرها وجب عليه قضاء الصوم إذا كان الصوم مما يقضى، و لا إثم عليه بإفطاره، و كذلك حكمه إذا اضطر إلى الإفطار فيه.

(الموضع الحادي عشر): إذا اقتضت التقية

من الصائم أن يفطر يوما من شهر رمضان أو من صوم واجب معين غيره، جاز له الإفطار فيه، فإذا أفطر لذلك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 61

لزمه القضاء و لم تلزمه الكفارة، و وجب عليه أن يمسك في بقية النهار إذا ارتفعت عنه التقية و كان اليوم الذي أفطر فيه من شهر رمضان.

(الموضع الثاني عشر): إذا أفطر الصائم في شهر رمضان

أو في صوم واجب معين، لسبب يوجب عليه الإفطار من سفر أو مرض أو حيض أو نفاس، أو لسبب يبيح له الإفطار، وجب عليه القضاء دون الكفارة.

الفصل الرابع في شرائط صحة الصوم و شرائط وجوبه

اشارة

يعتبر في صحة الصوم أن تتوفر في المكلف الصائم عدة أمور، و يسمي الفقهاء هذه الأمور شرائط صحة الصوم:

المسألة 143:

يشترط في صحة الصوم (أولا) أن يكون الصائم مسلما، و لذلك فلا يصح صوم الشخص إذا كان كافرا و لو في بعض يومه، و مثال ذلك: ان يطلع الفجر عليه و هو كافر ثم يسلم بعد طلوعه، أو يسلم في أثناء النهار قبل الزوال، فلا يصح منه صوم ذلك اليوم و ان لم يتناول فيه مفطرا قبل إسلامه.

و هل يشترط في صحة صوم الصائم ان يكون مؤمنا؟ فيه إشكال، فإذا استبصر المخالف و اهتدى الى الإيمان بعد ان طلع الفجر و دخل النهار، و كان الصوم واجبا معينا عليه كشهر رمضان، فالأحوط لزوما له ان يجدّد نية الصوم بعد اهتدائه و استبصاره و يتم صوم نهاره، ثم يقضي صوم ذلك اليوم إذا كان الصوم مما يقضى.

و كذلك الحكم في من ارتد عن الإسلام، فلا يصح منه الصوم إذا ارتد في يومه، سواء كان ارتداده عن فطرة أم عن ملة، و سواء سبق الارتداد منه على نية الصوم أم نوى الصيام و هو مسلم ثم ارتد بعد ان سبقت منه نية الصوم فيبطل صومه.

و يشكل الحكم بصحة صوم المرتد إذا تاب عن ارتداده و عاد إلى الإسلام بعد طلوع الفجر أو في أثناء النهار قبل زوال الشمس و لم يتناول قبل توبته

كلمة التقوى، ج 2، ص: 62

مفطرا، فعليه أن ينوي صوم ذلك اليوم على الأحوط لزوما و يتم صومه ثم يقضيه إذا كان الصوم مما يقضى.

المسألة 144:

يشترط في صحة الصوم (ثانيا) أن يكون الصائم عاقلا في جميع نهار الصوم، فلا يصح صومه إذا كان مجنونا سواء كان جنونه مطبقا أم أدوارا، و سواء جنّ في جميع النهار أم في جزء منه و ان طرأ له

في آخر النهار و في فترة قصيرة منه.

و لا يترك الاحتياط في السكران، فإذا سبقت منه نية الصوم ليلا في حال صحوه ثم سكر بعد ان نوى الصوم و أفاق من سكره في أثناء النهار و لم يتناول مفطرا في نهاره وجب عليه أن يتم صومه و عليه قضاء اليوم بعد إتمامه، و إذا لم تسبق منه نية الصوم في الليل و سكر ثم أفاق من سكره قبل الزوال و لم يتناول في نهاره مفطرا وجب عليه ان ينوي الصوم بعد إفاقته من سكره و ان يتم صيام يومه ثم يقضيه بعد ذلك.

و إذا أفاق من سكره بعد الزوال و كان في شهر رمضان استحب له أن يمسك في بقية نهاره سواء تناول المفطر في يومه أم لم يتناول، و يجب عليه قضاء صيام اليوم في جميع الصّور.

و كذلك الحكم في المغمى عليه على الأحوط، فتجري فيه الصور التي ذكرناها في السكران و تنطبق عليه أحكامها و لا قضاء عليه في جميع الصور، إلا إذا ترك الصوم بعد إفاقته من الإغماء فيجب عليه القضاء في هذه الصورة خاصة.

المسألة 145:

يشترط في صحة الصوم (ثالثا) إذا كانت الصائمة امرأة ان تكون نقية من الحيض و النفاس في جميع أجزاء النهار، فلا يصح صوم المرأة الحائض و لا النفساء و ان طرأ لها الحيض أو النفاس في جزء قليل من أول النهار أو من آخره.

و أما المرأة المستحاضة فيصح منها الصوم إذا أتت بما يجب عليها من أغسال النهار و بغسل الليلة الماضية، و قد تقدم تفصيل أحكامها في المسألة الخامسة و الخمسين و ما بعدها فلتراجع.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 63

المسألة 146:

يشترط في صحة الصوم (رابعا) أن لا يصبح الصائم و هو مجنب على تفاصيل تقدم منا ذكرها في المفطر الخامس، و لا فرق بين أن يكون الصائم المجنب رجلا أم امرأة أم خنثى، و يشترط فيها أيضا: أن لا تصبح المرأة الصائمة على حدث الحيض أو النفاس بعد نقائها من الدم ليلا، و قد سبق ذكر هذا الحكم أيضا في المبحث المذكور.

المسألة 147:

يشترط في صحة الصوم (خامسا) ان يكون المكلف بالصوم حاضرا غير مسافر أو هو بحكم الحاضر، فلا يصح الصوم من الرجل أو المرأة إذا كانا مسافرين سفرا يوجب عليهما القصر في الصلاة، و قد فصلنا فروض جميع ذلك و أحكامه في مباحث صلاة المسافر، و يعتبر في عدم صحة الصوم من المكلف المسافر أن يكون عالما بذلك، و سنتعرض- ان شاء الله تعالى- لبيان هذا الشرط في المسألة المائة و التاسعة و الأربعين.

و تستثنى من الحكم المذكور ثلاثة مواضع يصح فيها الصوم من المسافر:

(الموضع الأول): صوم الأيام الثلاثة التي تجب على من تمتع بالعمرة إلى الحج ان يأتي بها إذا هو لم يجد الهدي الواجب عليه في حجه، (الموضع الثاني):

صوم الأيام الثمانية عشر التي يأتي بها الحاج إذا أفاض من عرفات قبل أن يدخل وقت الغروب الشرعي فيجب عليه بسبب ذلك أن يذبح بدنة كفارة لما فعل، فان هو لم يجد البدنة وجب عليه صيام الأيام المذكورة بدلا عنها، (الموضع الثالث):

صوم النذر إذا اشترط الناذر فيه ان يأتي به في السفر أو في سفر كان أو حضر.

فيصح صوم المكلف في هذه المواضع الثلاثة و ان كان مسافرا.

المسألة 148:

لا يصح الصوم المندوب في السفر- على الأقوى- كما لا يصح الصوم الواجب فيه، و يستثنى من ذلك صوم الأيام الثلاثة التي يستحب للإنسان أن يصومها في المدينة لقضاء الحاجة، و يتعين في هذه الأيام أن تكون هي الأيام التي عينت في النصوص الواردة في المسألة و هي يوم الأربعاء و الخميس و الجمعة فلا يتعدى الى غيرها، و قد ذكرناها في أحكام المدينة من توابع كتاب الحج.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 64

المسألة 149:

إذا صام المكلف في السفر و هو يعلم بأن الصوم لا يصح منه في حال سفره بطل صومه كما ذكرنا، و إذا صام في السفر و هو جاهل بهذا الحكم و ان الصوم لا يصح في السفر صح صومه إذا بقي على جهله بالحكم إلى آخر النهار، فإذا انتفى هذا الشرط و علم بالحكم في أثناء النهار و لو بفترة يسيرة منه بطل صومه.

و لا يصح الصوم من المسافر إذا نسي فصام، سواء نسي كونه مسافرا أم نسي حكم الصوم في السفر فيبطل صومه في الصورتين.

المسألة 150:

إذا كان المسافر ممن يجب عليه أن يتم الصلاة في سفره، صح منه الصوم و وجب عليه إذا كان الصوم واجبا سواء كان معينا أم موسعا، و من أمثلة ذلك:

أن ينوي المسافر إقامة عشرة أيام أو أكثر في موضع واحد، فيجب عليه أن يتم صلاته ما دام مقيما في ذلك الموضع، و يصح منه الصوم و يجب عليه ما دامت اقامته في الموضع المذكور.

و من أمثلة ذلك: ان يتردد المسافر في موضع واحد بين أن يقيم في ذلك الموضع و ان يسافر منه، و يبقى في ذلك المكان على تردده المذكور ثلاثين يوما، فيجب عليه بعد هذه المدة ان يتم الصلاة في ذلك الموضع حتى يخرج منه، و يصح الصوم و يجب عليه أيضا في ذلك الموضع حتى يخرج منه، و من أمثلة ذلك: ما إذا قصد المعصية في سفره فيجب عليه ان يتم الصلاة و ان يصوم و ان كان مسافرا لم ينو الإقامة و لم يتردد فيها ثلاثين يوما.

و من أمثلة ذلك المكاري و الجمّال و الأعراب الذين تكون بيوتهم معهم، و الذين يكون السفر عملا لهم،

فيجب على هؤلاء جميعا إتمام الصلاة و ان كانوا مسافرين، و يصح منهم الصوم و يجب عليهم في مواضع الوجوب، و قد فصّلنا هذا كله في مباحث صلاة المسافر من كتاب الصلاة، و يأتي بيان الباقي في المسائل المقبلة ان شاء الله تعالى.

المسألة 151:

يشترط في صحة الصوم (سادسا) أن يكون الصائم آمنا من التضرر بالصوم، فلا يصح صوم المريض إذا كان الصوم يوجب له شدة مرضه أو طول

كلمة التقوى، ج 2، ص: 65

مدة المرض، أو شدة ألمه، أو عسر برئه منه، و كذلك الأرمد إذا أوجب الصوم له مثل هذه الآثار.

و كذلك الحكم إذا ظنّ الصائم أن الصوم يوجب له تلك الآثار و الأعراض، أو احتمل ذلك احتمالا يعتني به العقلاء و يوجب لهم الخوف من عروض تلك الآثار بسبب الصوم.

و لا يصح صوم الصحيح إذا علم ان الصوم يوجب له المرض أو ظن ذلك أو احتمله احتمالا يوجب الخوف كما قلنا في نظيره، و إذا كان المكلف المريض ممن لا يتضرر بالصّوم صح منه و وجب عليه.

المسألة 152:

انما يعتمد على قول الطبيب في ذلك إذا أوجب قوله للمكلف ظنا بضرر الصوم أو خوفا من وقوعه فلا يصح الصوم من المكلف حين ذلك، و إذا ظن المكلف الضرر بالصوم أو حصل له الخوف من وقوعه، و قال له الطبيب: لا ضرر عليك في الصوم، فإن أذهب قول الطبيب ذلك الظن أو الخوف عن المكلف صح منه الصوم و وجب عليه، و ان لم يذهب ظنه بالضرر و خوفه منه لم يصح منه الصوم و لم يجب عليه.

المسألة 153:

إذا كان الصوم يوجب للمكلف الصائم ضعفا و لا يسبّب له مرضا، لم يجز له الإفطار و ان كان الضعف الذي يسببه الصوم شديدا، إلا إذا أوجب الحرج على المكلّف لشدّته، فيجوز له الإفطار للزوم الحرج، ثم يجب عليه قضاء الصّوم بعد ذلك.

و إذا أدى به الصوم الى ضعف يقعد به عن العمل اللازم له في تحصيل معاشه، فان كان لا يتمكن من غير ذلك العمل الذي أعجزه الصوم عنه جاز له الإفطار و وجب عليه قضاء الصوم بعد ذلك، و الأحوط له في كلتا الصورتين أن يقتصر في إفطاره على مقدار ما تتأدى به الضرورة و يرتفع به الحرج و يزول به الضعف المقعد له عن العمل، و يمسك عن الزائد على ذلك المقدار من المفطرات، و يقضي الصوم عند التمكن.

المسألة 154:

إذا اعتقد المكلف بأن الصوم لا يوجب له ضررا أو ظن عدم الضرر به

كلمة التقوى، ج 2، ص: 66

فصام، ثم تبين له وجود الضرر به بعد أن أتم صيامه، فالظاهر صحة صومه فلا يجب عليه قضاؤه بعد ذلك.

و إذا اعتقد وجود الضرر بالصوم أو ظن ذلك أو خافه، و صام مع اعتقاده أو ظنه أو خوفه بطل صومه و ان استبان له بعد ذلك عدم الضرر به، و يجب عليه قضاؤه.

المسألة 155:

إذا نوى المكلف في الليل صوم غد متقربا به الى الله ثم نام و استمر به النوم و لم ينتبه في نهاره حتى دخل الليل صح صومه، و إذا لم تسبق منه نية الصوم ليلا ثم نام و لم يستيقظ في نهاره حتى دخل الليل، أو استيقظ من نومه بعد الزوال بطل صومه إذا كان واجبا و وجب عليه قضاؤه إذا كان الصوم مما يجب قضاؤه و عليه الإمساك عن المفطرات في بقية النهار إذا كان في شهر رمضان.

و إذا استيقظ من نومه قبل الزوال و لم يكن قد سبقت منه نية الصوم قبل نومه فان كان في شهر رمضان أو في صوم واجب معين غيره نوى الصوم قبل الزوال و أتم صوم يومه ثم قضاه على الأحوط لزوما، و قد سبق ذكر هذا في مباحث النية.

و ان كان الصوم واجبا غير معين كقضاء شهر رمضان و النذر المطلق غير المعين نوى الصوم حين ما يستيقظ قبل الزوال و صح بذلك صومه، و ان كان الصوم مندوبا مطلقا أو معينا صح منه و ان نواه قبل الغروب و قد سبق ذكر جميع ذلك في مباحث النية، و كذلك إذا غفل المكلف عن نية

الصوم و لم يلتفت إليها، فيجري فيه حكم النائم في جميع الصور التي ذكرناها.

المسألة 156:

يصح الصوم من الصبي غير البالغ إذا كان مميزا، و يصح كذلك من الصبية المميّزة كما تصح منهما العبادات الأخرى و يستحب لوليهما أن يمرنهما على ذلك.

و مبدأ وقت تمرين الصبي و الصبية على الصوم و على غيره من العبادات هو أن يبلغا السن التي تحصل لهما القوة و القدرة فيها على الإتيان بتلك العبادة التي يريد الولي تمرينهما عليها، و هي تختلف في الصبيان فإذا بلغا ذلك و حصلت لهما الطاقة لذلك مرّنهما على ما يريد و أخذ بتمرينهما كلما ازدادا قوة و طاقة، و على هذا تجتمع النصوص المختلفة الواردة في تحديد السن للتمرين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 67

المسألة 157:

يشترط في صحة الصوم المندوب ان يكون المكلف غير مشغول الذمة بقضاء شي ء من شهر رمضان، فلا يصح منه صوم النافلة إذا كان مشغول الذمة بالقضاء، و لا يعم الحكم غير قضاء شهر رمضان من أقسام الصوم الواجب المعين أو غير المعين على الأقوى، فيصح من المكلف ان يصوم صوما مندوبا إذا كانت ذمته مشغولة بصوم كفارة، أو بصوم نذر أو غيرهما من الواجبات.

(و أما شرائط وجوب الصوم على المكلف فهي أيضا عدة أمور):

المسألة 158:

يشترط في وجوب الصوم على الإنسان (أولا و ثانيا): ان يكون بالغا و ان يكون عاقلا، فلا يجب الصوم على الصبي و ان اتفق له أن أدرك و بلغ الحلم في نهاره بعد أن طلع عليه الفجر و هو غير بالغ، فلا يجب عليه صوم ذلك اليوم و ان لم يتناول فيه شيئا من المفطرات قبل بلوغه.

نعم، إذا كان قد نوى الصوم ليلا بنية الندب في شهر رمضان ثم اتفق ان بلغ الحلم في أثناء ذلك النهار، فعليه أن يتم صوم ذلك اليوم واجبا على الأحوط، فإن هو أفطر في ذلك اليوم و لم يتم صيامه كان عليه قضاؤه، و كذلك الصبية في جميع الأحكام المذكورة.

و لا يجب الصوم على المجنون و ان صحا من جنونه بعد طلوع الفجر و لم يتناول شيئا من المفطرات قبل إفاقته، و كذلك إذا اعترضه الجنون في جزء يسير من النهار في أوله أو آخره، نعم، إذا كان جنونه أدوارا و كان يعترضه في الليل فقط و يصحو منه قبل الفجر الى دخول الليل، فيصح صومه و يجب عليه.

المسألة 159:

يشترط في وجوب الصوم (ثالثا) على المكلف عدم الإغماء، فلا يجب الصوم على من أغمي عليه في نهار الصوم، و ان اتفق له طروء ذلك عليه في جزء قليل من أول النهار أو أثنائه أو آخره.

نعم، إذا سبقت من المكلف نية الصوم في وقتها و لو في أثناء الليل ثم أغمي عليه و أفاق من إغمائه نهارا، فعليه ان يتم صوم ذلك اليوم على الأحوط لزوما، و ان لم تسبق منه النية في وقتها- كما ذكرنا- و أفاق من إغمائه قبل الزوال نوى الصّوم و أتمه على الأحوط كذلك، فان

هو لم يتم صومه كان عليه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 68

القضاء في كلتا الصورتين، و تلاحظ المسألة المائة و الرابعة و الأربعون.

المسألة 160:

يشترط في وجوب الصوم (رابعا) على المكلف عدم المرض الذي يتضرر به في صومه، و قد تقدم ذكر هذا في المسألة المائة و الحادية و الخمسين، فلا يجب الصوم على المريض الذي يضرّ به الصوم لمرضه، و لا على الصحيح الذي يسبب الصوم له المرض كما تقدم ذكره في المسألة المشار إليها.

المسألة 161:

إذا برئ المريض من مرضه بعد زوال الشمس من النهار لم يصح منه صوم ذلك اليوم إذا كان صومه واجبا، و ان لم يتناول في يومه شيئا من المفطرات، و لا يصح صومه كذلك إذا برئ من مرضه قبل الزوال و قد تناول فيه بعض المفطرات.

و إذا برئ من المرض قبل الزوال و لم يكن قد تناول مفطرا، فالأحوط له لزوما أن ينوي الصوم حين برئه قبل الزوال و يصوم يومه، ثم يقضيه بعد إتمامه و هذا إذا كان في شهر رمضان أو في صوم واجب معين غيره.

المسألة 162:

يشترط في وجوب الصوم (خامسا) على المرأة المكلفة أن تكون نقية من الحيض و النفاس، فلا يجب الصوم عليها إذا كانت حائضا أو نفساء في يومها، و ان حصل ذلك لها في جزء يسير من النهار في أوله أو آخره.

المسألة 163:

يشترط في وجوب الصوم (سادسا) ان يكون المكلف حاضرا غير مسافر أو هو بحكم الحاضر، فلا يجب عليه الصوم إذا كان مسافرا سفرا يوجب عليه القصر في الصلاة، و قد سبق في المسألة المائة و الخمسين بعض ما يتعلق بتوضيح هذا الشرط.

المسألة 164:

إذا خرج المكلف الصائم من بلده بقصد السفر منه، فان كان خروجه الى السفر قبل زوال النهار وجب عليه الإفطار من صومه إذا خرج عن حدّ الترخص من بلده سواء عزم على السفر من الليل أم لم ينو ذلك من الليل بل حصل له العزم على السفر في أثناء النهار، فيتعين عليه الإفطار في الصورتين. و كذلك الحكم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 69

إذا خرج المسافر المقيم من الموضع الذي نوى فيه اقامة عشرة أيام بقصد الارتحال عنه، فإذا سافر منه قبل الزوال و هو صائم وجب عليه الإفطار إذا تجاوز حدّ الترخص من موضع اقامته و ان لم ينو السفر من الليل.

و إذا كان خروج المكلف الصائم إلى السفر بعد الزوال من النهار وجب عليه ان يتم صوم يومه سواء كان قد نوى السفر من الليل أم حصل له العزم على السفر بعد دخول النهار، و كذلك المسافر المقيم إذا خرج من موضع اقامته بعد الزوال فيجب عليه إتمام صوم يومه في الصورتين.

و المدار في الحكم المذكور على ابتداء سفر المكلف من بلده أو من موضع اقامته لا على خروجه عن حد الترخص فإذا ابتدأ في السفر قبل الزوال وجب عليه الإفطار و ان كان خروجه عن حدّ الترخص بعد الزوال.

المسألة 165:

إذا قدم المسافر الى بلده أو الى موضع قد عزم على أن يقيم فيه عشرة أيام، فإن كان وصوله الى ذلك الموضع قبل زوال الشمس من النهار و لم يتناول في يومه شيئا من المفطرات وجب عليه ان يصوم ذلك اليوم و أجزأه صومه عن الفرض، و ان كان وصوله الى بلده أو الى موضع اقامته بعد الزوال أو كان قد تناول بعض

المفطرات قبل وصوله من السفر لم يجب عليه الصوم، و يستحب له ان يمسك في بقية النهار إذا كان في شهر رمضان.

و المدار في الحكم في هذه المسألة على دخوله الى البلد أو الى موضع الإقامة لا على دخوله في حدّ الترخص فإذا هو دخل الى البلد بعد الزوال لم يجب عليه الصوم و ان كان قد دخل في حد الترخص قبل الزوال.

المسألة 166:

قد ذكرنا آنفا ان المسافر انما يجب عليه الإفطار من الصوم إذا خرج عن حدّ الترخص من بلده أو من الموضع الذي نوى الإقامة الشرعية فيه، فلا يجوز له الإفطار قبل ذلك، و قد سبق في المسألة المائة و السادسة و العشرين ان الصائم إذا سافر في شهر رمضان من بلده أو من موضع اقامته و تناول المفطّر قبل ان يصل الى حد الترخص وجب عليه القضاء و الكفارة.

المسألة 167:

يجب الإفطار على المكلف المسافر إذا اجتمعت له شروط السفر الشرعي،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 70

و ان كان في أحد المواضع الأربعة التي يتخير المسافر في صلاته فيها بين القصر و الإتمام، و قد ذكرنا شروط السفر الشرعي مفصّلة في مباحث صلاة المسافر من هذه الرسالة، و بينّا فيها أحكام الصلاة في مواضع التخيير.

المسألة 168:

يجوز للمكلف أن يسافر مختارا في أيام شهر رمضان و ان لم يك سفره لضرورة أو لحاجة ملحة و لا تجب عليه الإقامة فيه إذا كان مسافرا، و قد ذكرنا في المسألة المائة و التاسعة و الثلاثين وجها قريبا لعدم كراهة السفر أيضا.

و حكم الصوم الواجب المعين حكم شهر رمضان في ذلك، فيجوز للمكلف السفر فيه اختيارا و لا تجب له الإقامة إذا كان المكلف مسافرا على الأقوى، نعم، الأفضل للمكلف ترك السفر فيهما اختيارا إلا لضرورة أو حاجة، و الإقامة لهما إذا كان المكلف مسافرا.

المسألة 169:

إذا نذر الرجل لله على نفسه صوم يوم معين أو أيام معينة، و إذا آجر نفسه للصيام عن غيره يوما أو أياما معينّة، فالأحوط له ان لا يسافر مختارا في الوقت الذي حدده على نفسه لصوم النذر أو الإجارة، فإن السفر في ذلك الوقت يكون مفوتا للحق الذي ملكه لله على نفسه بالنذر الذي نذره، و الحق الذي ملكه للغير بالإجارة التي أوقعها، و لا تشمله أدلة جواز السفر للمكلف فإنها منصرفة عن مثله.

المسألة 170:

يكره لمن جاز له الإفطار في شهر رمضان ان يتملّى من الطعام و الشراب، سواء كان إفطاره لسفر أم لمرض أم لغيرهما من موجبات الإفطار و يكره له أن يجامع نهارا و الكراهة في الجماع أشدّ.

المسألة 171:

يرخص للرجل و المرأة إذا بلغا سن الشيخوخة و تعذر عليهما صوم شهر رمضان لكبر سنهما أن يفطرا فيه، و لا يجب عليهما إذا أفطرا في هذه الصورة ان يدفعا عن الصوم فدية، و ان كان دفعها أحوط لهما استحبابا.

و يرخص لهما في إفطاره إذا بلغا سن الشيخوخة و لم يتعذر عليهما الصوم، و لكن كان عليهما في الصوم حرج و مشقة، و يجب عليهما إذا أفطرا في هذه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 71

الصورة دفع الفدية، فيدفع الواحد منهما بدل كل يوم يفطر فيه مدّا من الطعام، و إذا كان المدّ الذي يدفعه للمسكين من الحنطة فهو أفضل، و الأفضل كذلك ان يدفع مدّين.

و إذا أفطر الشيخ أو الشيخة للزوم الحرج و المشقة عليهما في الصّوم و دفعا الفدية، ثم تمكنا من قضاء الصوم بعد ذلك لم يجب عليهما القضاء.

المسألة 172:

يرخص للمكلف الذي يكون به داء العطاش (و هو الذي لا يرتوي من شرب الماء) أن يفطر في شهر رمضان، سواء تعذر عليه الصوم بسبب وجود هذا الداء، أم كان عليه في الصوم حرج و مشقة، و سواء كان الداء الذي يجده مما يرجى زواله أم لا، و يجب عليه ان يتصدق عن كل يوم يفطره بمدّ من الطعام، و إذا تصدق عن كل يوم بمدين من الطعام فهو أفضل.

و إذا أفطر ذو العطاش لوجود ذلك العذر و دفع الفدية عن إفطاره، ثم استطاع بعد ذلك ان يقضي صومه ففي وجوب القضاء عليه إشكال، و لا يترك الاحتياط بالقضاء.

المسألة 173:

يرخص للمرأة الحامل إذا كانت قريبة الولادة و كان الصوم يضرّ بها أو يضر بحملها، أن تفطر في شهر رمضان و يجب عليها ان تتصدق عن كل يوم تفطر فيه بمدّ من الطعام، ثم تقضي صومه بعد ذلك، و هي المراد بالحامل المقرب المذكورة في نصوص المسألة.

المسألة 174:

إذا كانت المرأة المرضعة قليلة اللّبن و كان الصوم يضرّ بها أو برضيعها جاز لها ان تفطر في شهر رمضان، و وجب عليها أن تتصدق عن كل يوم تفطر فيه بمدّ من الطعام و ان تقضي صيامه بعد ذلك، سواء كان الرضيع ولدا لها أم كانت متبرعة بإرضاعه أم كانت مستأجرة له.

و يختص الحكم المذكور في المرضعة بأن لا تجد من يقوم مقامها في إرضاع الطفل، فلا يرخص لها في الإفطار من الصوم إذا وجدت امرأة أخرى ترضع الطفل عنها و لو بأجرة، و لا يرخص لها في الإفطار إذا وجدت ما يكفي الطفل من الحليب المستحضر لمثل هذه الحاجة، أو من المغذيات الأخرى غير المضرّة به، و لا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 72

يرخص لها على الأحوط إذا أمكن لها ان تستعمل بعض مدرّات اللبن في ثديها إذا كان استعمالها لا يضر بصومها و لا بصحتها.

الفصل الخامس في طرق ثبوت الهلال

المسألة 175:

يثبت كون اليوم أول الشهر- لترتيب الآثار الشرعية من الصوم أو الإفطار أو غيرهما من الآثار الأخرى، كمواقف الحج و مراسم الزيارات-، برؤية المكلف نفسه لهلال الشهر، و بتواتر الخبر برؤيته بين الناس، و بكل طريق يفيد العلم بالرؤية من شياع و غيره، فإذا حصل العلم للمكلف برؤية الهلال وجب عليه ان يرتب أثر الرؤية من صوم أو فطر أو غيرهما، و ان انفرد برؤية الهلال في البلد فلم يره احد من الناس غيره، أو شهد بالرؤية عند الحاكم الشرعي فلم يقبل الحاكم شهادته، أو ردّها و لم يرتّب الأثر عليها لنقصان الموازين الموجودة عنده عن الإثبات، فيجب على المكلف نفسه ترتيب أثر رؤيته.

المسألة 176:

يثبت أن اليوم أول الشهر بما يوجب الاطمئنان الكامل برؤية الهلال في ليلته من شياع يفيد ذلك و نحوه و لو بمعونة التوثيق لبعض الشهود بالرؤية و القرائن التي تحف بالشهادة.

و الاطمئنان الكامل الذي ذكرناه هو المعروف عند العلماء بالعلم العادي، و هو الذي يعتمد عليه عامة العقلاء في أمورهم و معاملاتهم التي تدور بينهم في البيع و الشراء و الأخذ و العطاء.

و من الواضح ان حصول هذا الاطمئنان للإنسان لا يتوقف على عدد معين من الشهود و لا يرتبط بنوع محدد من القرائن و الشواهد، و لذلك فقد يحصل الاطمئنان الكامل للإنسان بثبوت الشي ء إذا شهد به عدد من الشهود و صحبت شهادتهم بعض القرائن الشاهدة لهم بالصدق، و لا يحصل بشهادة مثل هذا العدد أو بأكثر منه إذا خلت شهادتهم من المؤيدات.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 73

و إذا حصل الاطمئنان التام للمكلف برؤية الهلال من الشياع أو الاستفاضة أو نحوهما على الوجه الذي تقدم بيانه وجب عليه أن يرتب

أثر الرؤية كذلك.

المسألة 177:

يثبت أول الشهر بالبينة الشرعية، و هي شهادة رجلين عادلين بأنهما قد رأيا الهلال في ليلته، سواء كان الشاهدان من أهل بلد المكلف أم من غير بلده، و سواء كانت في السماء علة تمنع من رؤية سواهما أم لا، إلا إذا أوجب ذلك ريبا في صدق رؤية الشاهدين.

و مثال ذلك: ما إذا كثر الناظرون غيرهما إلى جهة الهلال الراغبون في اكتشاف امره، و انتفت العلة المانعة من الرؤية في السماء و في الرأيين، على وجه لو كان في الجهة هلال لظهر لغير الشاهدين من الناظرين الآخرين، و فيهم الموثوقون المتثبتون في أمور دينهم، فإذا لم يدّع الرؤية سوى الشاهدين من الناس أوجب ذلك ريبا في صحة رؤيتهما، و قوة في احتمال عروض الاشتباه لهما في ما ادّعيا، فلا تشمل شهادتهما أدلة حجية البينة في هذه الصورة.

المسألة 178:

يعتبر في حجية البينة الشرعية ان يكون الشاهدان عادلين، و قد أوضحنا المعنى المراد من العدالة في فصل شرائط الإمام من مباحث صلاة الجماعة من هذه الرسالة، و يعتبر في حجية البينة ان يتفق الشاهدان في شهادتهما على أمر واحد، فإذا شهد كل واحد منهما على شي ء غير ما شهد به الآخر لم تقبل شهادتهما.

و مثال ذلك: ان يشهد احد الشاهدين العادلين بأنه رأى هلال شهر شعبان في ليلة معينة و يشهد العادل الثاني بأنه رأى هلال شهر رمضان بعد مضي ثلاثين ليلة من رؤية الشاهد الأول لهلال شعبان، فلا تكون شهادتهما جامعة لشروط البينة، لاختلاف الأمر الذي شهدا به، و ان اشتركت شهادتهما في بعض اللوازم، فلا يثبت بشهادتهما ان ليلة رؤية الشاهد الثاني هي أول ليلة من شهر رمضان، و مثل ذلك ما إذا اختلف الشاهدان في

أوصاف الهلال على وجه يؤدي الى تعدّد ما يشهدان به، فتسقط شهادتهما عن الاعتبار.

المسألة 179:

يعتبر في حجية البينة ان يشهد الرجلان برؤية الهلال بالحسّ، فلا يقبل

كلمة التقوى، ج 2، ص: 74

قولهما إذا شهدا بان الليلة هي ليلة الهلال شهادة حدسية تعتمد على بعض القواعد النظرية و ان كانا قاطعين بصحة ما يقولان، و لا تقبل شهادتهما إذا شهد أحدهما برؤية الهلال حسا، و شهد الثاني شهادة تعتمد على الحدس كما تقدم.

المسألة 180:

إذا شهدت البينة الشرعية برؤية الهلال و علم المكلف بشهادتهما و كانت عدالة الشاهدين ثابتة لديه بوجه معتبر شرعا، وجب على المكلف ان يرتب أثر الرؤية على شهادتهما من صوم و فطر و غيرهما، و ان لم تشهد البينة بمحضر الحاكم الشرعي أو شهدت عنده ورد شهادتها لانه لا يعلم بعدالة الشاهدين أو لسبب آخر.

المسألة 181:

يثبت الهلال إذا حكم الحاكم الشرعي بثبوته و كان الحاكم جامعا لشرائط الحكومة الشرعية، فيجب على المكلف إنفاذ حكمه إذا هو لم يعلم بخطإ الحاكم في الحكم و لم يعلم بخطإ مستنده فيه، و مثال العلم بخطئه في الحكم: ان يحكم الحاكم بأن يوم الأربعاء مثلا أول شهر رمضان، و يعلم المكلف لسبب من الأسباب ان يوم الأربعاء المعين ليس من شهر رمضان قطعا.

و مثال العلم بخطإ مستند الحاكم في الحكم: ان يعلم المكلف بان الحاكم قد قصّر في بعض مقدمات حكمه، فلم يهتم في تحصيل العلم أو الاطمئنان من الشياع، أو لم يهتم في طلب التعديل في البينة، أو قبل شهادة الشاهدين مع اختلافهما في أوصاف الهلال، أو غفل فخالف الموازين الشرعية غافلا.

و ليس من الخطأ في المستند ان يقبل الحاكم الشهادة مع اختلاف الشهود في أوصاف الهلال إذا اتفق شاهدان عادلان من الشهود على وصف واحد، فان مستند الحاكم في حكمه هو تلك البينة الشرعية و هي متفقة الشهادة حسب الفرض فهي مقبولة، لا مجموع شهادة الشهود و ان كان الشهود المختلفون في الوصف عدولا أيضا.

و ليس من الخطأ في المستند أن يكون للحاكم رأي يخالف فيه اجتهاد المكلف أو تقليده في بعض مقدمات الحكم، و مثال ذلك: ان يستند الحاكم في حكمه بثبوت الهلال الى شياع يفيد

الاطمئنان أو الظن، لانه يرى الاكتفاء بذلك، و كان رأي المكلف أو رأي مقلّده ان لا يعتمد على الشياع إلا إذا أفاد العلم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 75

بالرؤية، فيجب على المكلف إنفاذ حكم الحاكم في مثل هذه الفروض.

المسألة 182:

إذا حكم الحاكم الشرعي الجامع لشرائط الحكومة الشرعية بأن اليوم المعين هو أول الشهر، و علم المكلف بذلك و لم يعلم بخطئه في الحكم و لا بخطئه في المستند وجب عليه ان يرتب الآثار الشرعية على حكمه من صوم و إفطار و غيرهما كما ذكرنا، و لا يختص وجوب إنفاذ حكم الحاكم بمن يرجع إليه في التقليد، بل يجب إنفاذه حتى على المجتهد الآخر و مقلّديه، إلا إذا كان المجتهد الآخر يرى عدم حجية حكم الحاكم الشرعي في الأهلّة.

المسألة 183:

إذا التبس الأمر في أول الشهر فلم تثبت رؤية الهلال فيه بأحد الطرق الشرعية، وجب على المكلف ان يكمل عدّة الشهر السابق ثلاثين يوما تامة من يوم رؤية الهلال فيه، فإذا شك في أول شهر رمضان و لم تثبت رؤية هلاله بوجه شرعي، وجب ان يكمل شهر شعبان ثلاثين يوما من يوم رؤية الهلال فيه فيكون اليوم الحادي و الثلاثون أول شهر رمضان، و إذا شك في أول شهر شوال كذلك وجب ان يكمل شهر رمضان ثلاثين يوما من يوم هلاله و يكون اليوم الحادي و الثلاثون أول شهر شوال.

و هكذا إذا التبس الأمر في عدة من الشهور أو التبس الأمر في شهور السنة كلها، فيعدّ كل شهر منها ثلاثين يوما الا أن يعلم النقصان عن ذلك عادة فيؤخذ بالعلم.

المسألة 184:

لا تثبت رؤية الهلال بشهادة النساء، إلا إذا كانت شهادتهن في ضمن الشياع المفيد للعلم، أو في ضمن الشياع المفيد للاطمئنان الكامل بالرؤية، فتكون شهادتهن جزءا من السبب الموجب للثبوت.

و لا يثبت الهلال بشهادة عادل واحد من الرجال، و ان انضم الى شهادته يمين، أو انضم إليه شهادة امرأتين عادلتين، و لا يثبت بقول المنجمين و أشباههم من علماء الفلك، و ان كانوا ثقات أو عدولا، و لا يعدّ اليوم الخامس من شهر رمضان في السنة الماضية أول شهر رمضان في السنة الحاضرة، فإذا كان يوم الأحد مثلا أول يوم من شهر رمضان في العام الماضي كان يوم الخميس أول شهر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 76

رمضان في العام الحاضر، و لا يعدّ اليوم الرابع من شهر رجب في هذا العام أول شهر رمضان منه.

و لا عبرة بغيبة الهلال قبل الشفق أو بعده، فلا يكون

مغيب الهلال بعد الشفق في ليلة، دليلا على ان هذه الليلة هي الليلة الثانية من الشهر، و لا عبرة بتطوق الهلال، فلا يكون ذلك دليلا على ان تلك الليلة هي الليلة الثانية من الشهر، و لا بغير ذلك من الطرق و ان أفادت الظن للمكلف بما دلت عليه.

و إذا رؤي الهلال في النهار قبل زوال الشمس منه، ففي اعتبار ذلك دليلا على ان ذلك اليوم هو أول يوم من الشهر إشكال.

المسألة 185:

إذا أفطر المكلف في يوم الشك في أول شهر رمضان و لم يصمه ثم شهدت البينة الشرعية برؤية هلال الشهر في الليلة الماضية أو ثبتت رؤيته فيها بأحد الطرق المعتبرة شرعا، وجب على المكلف قضاء صيام ذلك اليوم، و إذا بقي من النهار شي ء وجب عليه ان يمسك فيه عن المفطرات.

و كذلك الحكم إذا أفطر المكلف في يوم الشك في أول شهر رمضان ثم شهدت البينة العادلة برؤية هلال شهر شوال في الليلة التاسعة و العشرين بعد ذلك اليوم، أو ثبتت رؤية الهلال فيها بأحد الطرق الشرعية الأخرى، فيجب على المكلف قضاء صيام يوم الشك الذي أفطر فيه.

المسألة 186:

إذا صام المكلف في يوم الشك في هلال شهر شوال، ثم علم و هو في أثناء النهار برؤية الهلال في الليلة الماضية، وجب عليه الإفطار و لو عند الغروب، و كذلك إذا شهدت له البينة الشرعية بثبوته أو قامت عليه احدى المثبتات الشرعية الأخرى، فيجب عليه الإفطار في بقية نهاره.

المسألة 187:

إذا ثبتت رؤية الهلال في بلد بوجه شرعي معتبر الحجية، كفى ذلك في الثبوت في البلدان الأخرى التي توافق ذلك البلد في الأفق أو تلازمه في الرؤية، بحيث إذا ظهر الهلال في البلد الذي ثبتت فيه الرؤية، ظهر في تلك البلدان، و لا تثبت الرؤية في البلدان التي تخالفه في ذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 77

المسألة 188:

يجوز الاعتماد على وسائل الاتصال المعروفة في العصر الحاضر من برق و هاتف و نحوهما إذا أفادت العلم برؤية الهلال في البلد الذي حصلت منه المكالمة أو الاتصال السلكي أو اللاسلكي، أو أفادت العلم بقيام الحجة الشرعية على الرؤية فيه، من حكم حاكم شرعي بالثبوت أو تحقق شياع تام، أو شهادة بينة عادلة معتبرة، و كذلك إذا كان المخبر بالثبوت بتوسط تلك الوسيلة بينة عادلة، مع القطع بأن الخبر خبرها.

المسألة 189:

الأسير و السجين الذي لا يقدر على تحصيل العلم بشهر الصوم، يجب عليه التحري و الفحص عنه مهما أمكنه، فإذا حصل له الظن بالشهر وجب عليه صومه، و إذا انقطع عنه خبره فلم يمكن له تحصيل العلم به و لا تحصيل الظن، تخير شهرا من شهور السنة فصامه، و لا يترك الاحتياط في ان يجري على الشهر الذي ظنه أو الذي تخيره من الشهور، أحكام شهر رمضان، فيتابع صومه حتى يتمه، و يدفع الكفارة إذا تعمد الإفطار فيه كما في شهر رمضان.

و إذا صام الشهر الذي ظن أنه شهر رمضان أو الذي تخيره من شهور السنة في الفروض المتقدمة، ثم علم ان ذلك الشهر بعينه هو شهر رمضان أو بعده، صح صومه و كفاه عن الواجب، و كذلك إذا استمر به الحال فلم يظهر له من أمره شي ء فيصح صومه و يكفيه عن الواجب، و إذا علم ان الشهر الذي صامه قبل شهر الصوم وجبت عليه اعادته.

و إذا استمر به الأسر أو الحبس أكثر من سنة واحدة، وجب عليه ان يطابق بين الشهر الذي يصومه في السنة الثانية و الشهر الذي صامه في السنة الأولى، بأن يكون ما بينهما احد عشر شهرا، و في المسألة

قيود أشرنا إليها في تعليقتنا على كتاب العروة الوثقى، فلتراجع.

الفصل السادس في أحكام قضاء شهر رمضان

المسألة 190:

يشترط في وجوب قضاء شهر رمضان على المكلف أن يكون بالغا حين

كلمة التقوى، ج 2، ص: 78

يفوت منه صومه، و لذلك فلا يجب عليه أن يقضي ما فاته من صوم شهر رمضان قبل بلوغه.

نعم، إذا اتفق للصبي انه قد بلغ الحلم قبل طلوع الفجر في شهر رمضان و لم يصم ذلك اليوم، وجب عليه قضاؤه، و كذلك إذا بلغ مقترنا مع طلوع الفجر، و لم يصم اليوم، فيجب عليه القضاء، و ان كان مثل هذه الاتفاقات نادر الوقوع.

و قد سبق في المسألة المائة و الثامنة و الخمسين ان الصبي إذا نوى الصوم في شهر رمضان بنية الندب، ثم بلغ الحلم في أثناء ذلك اليوم، فعليه ان يتم صيام اليوم بنية الوجوب- على الأحوط- فإن هو لم يتم صيام اليوم كان عليه قضاؤه.

المسألة 191:

يشترط في وجوب قضاء الصوم في شهر رمضان على الشخص ان يكون عاقلا حين فوت الصوم منه، فلا يجب عليه ان يقضي الصوم إذا فاته في حال الجنون، سواء كان جنونه في جميع النهار أم في بعضه، و في أوله أم في آخره، و ان كان سبب الجنون قد عرض له باختياره.

المسألة 192:

لا يجب على المكلف ان يقضي ما فاته من صوم شهر رمضان في حال الإغماء، و ان عرض له ذلك في بعض النهار من أوله أو آخره، و قد سبق منا في المسألة المائة و التاسعة و الخمسين: ان المغمى عليه إذا سبقت منه نية الصوم في وقتها أو في أثناء الليل ثم أغمي عليه و أفاق من إغمائه في أثناء النهار، فيجب عليه أن يتم صوم ذلك اليوم، و إذا لم تسبق منه النية قبل الإغماء و أفاق من إغمائه قبل زوال الشمس فعليه أن ينوي الصوم بعد إفاقته قبل الزوال و يتم اليوم على الأحوط، و إذا هو لم يتم صومه في كلتا الصورتين، لزمه القضاء و تلاحظ المسألة المائة و الرابعة و الأربعون.

المسألة 193:

يشترط في وجوب قضاء الصوم في شهر رمضان على المكلف ان يكون مسلما في حال فوت الصوم منه، فلا يجب عليه ان يقضي صومه إذا كان كافرا في حال فوت الصوم و ان أسلم في أول النهار.

و إذا أسلم الكافر قبل أن يطلع عليه الفجر في شهر رمضان و لم يصم ذلك اليوم وجب عليه قضاؤه، و كذلك إذا أسلم و كان إسلامه مقارنا لطلوع الفجر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 79

على الأحوط، فإذا لم يصم يومه فعليه القضاء.

المسألة 194:

يجب على المكلف ان يقضي ما فاته من صوم شهر رمضان لسكر، سواء كان سكره محرما أم لا، و مثال ذلك: ان يضطر لتناول المسكر للتداوي من بعض الأمراض العسرة العلاج، مع انحصار العلاج به بحيث لا دواء له سواه.

و يجب على المرتد أن يقضي ما فاته من صوم شهر رمضان في أيام ارتداده عن الإسلام، سواء كانت ردته عن ملة أم عن فطرة، و يجب على المرأة ان تقضي ما فاتها من صوم الشهر في أيام حيضها أو نفاسها.

المسألة 195:

يجب على المكلف قضاء الصوم إذا نام في شهر رمضان و لم يأت بنية الصوم و استمر به النوم الى ان دخل عليه الليل، فيبطل صومه و يجب عليه القضاء، و كذلك إذا استمر به النوم الى ما بعد الزوال، فلم ينتبه و لم ينو الصوم، فيبطل صومه و يجب عليه القضاء، و إذا انتبه من النوم في الفرض المذكور قبل ان تزول الشمس، فعليه أن ينوي الصوم قبل الزوال و يتم صوم يومه و يقضيه بعد ذلك على الأحوط، و قد سبق ذكر هذا الحكم في المسألة المائة و الخامسة و الخمسين.

و كذلك حكم المكلف إذا عرضت له الغفلة فلم يلتفت و لم ينو الصوم و استمرت به غفلته فتجري فيه الفروض التي ذكرناها في النائم و تتعلق به أحكامها و قد مر بيان هذا في المسألة المشار إليها.

المسألة 196:

يجب على المخالف في المذهب إذا استبصر ان يقضي ما فاته من صوم شهر رمضان فلم يصمه حين كان على مذهبه السابق، فيلزمه قضاء الصوم بعد اهتدائه، و يجب عليه أن يقضي ما اتى به من صوم شهر رمضان إذا كان قد اتى به باطلا على مذهبه السابق.

و لا يجب عليه أن يقضي ما صامه من الشهر، و كان صومه موافقا لمذهبه الأول، فلا يجب عليه قضاؤه بعد استبصاره و ان كان صومه غير موافق للشرائط المعتبرة في الصحة عند الشيعة، و لا يجب عليه أن يقضي ما صامه من الشهر و كان صومه موافقا لمذهب الشيعة في الشرائط، و ان كان مخالفا لمذهبه الأول و انما يصح صومه في هذه الصورة إذا تأتي منه قصد القربة في صومه، و إذا لم يتأت منه قصد

كلمة التقوى، ج 2، ص: 80

القربة في الصوم لم يصح و وجب عليه قضاؤه.

المسألة 197:

إذا علم المكلف ان الصوم فاته في أيام من شهر رمضان و شك في عدد الأيام التي فاته صومها و تردد فيها بين الأقل و الأكثر، كفاه أن يقضي أقل عدد يحتمل فوته من الأيام، فإذا شك في ان الأيام الفائتة من الشهر كانت عشرة أيام أو خمسة عشر يوما، أجزأه ان يصوم عشرة أيام، و كذلك إذا علم ببطلان صومه في بعض أيام الشهر لنقصان بعض شروط الصحة فيها، و تردد في عدد تلك الأيام.

و لا يختلف الحكم الذي ذكرناه في المسألة بين أن يكون المكلف جاهلا بعدد الأيام من أول أمره، و ان يكون عالما بعددها سابقا ثم نسيه بعد ذلك و تردد فيه فيكتفي بقضاء الأقل، و ان كان الأحوط له استحبابا في هذه الصورة ان يأتي بقضاء الأكثر.

و لا يختلف الحكم أيضا بين أن يكون فوات الصوم على الإنسان في تلك الأيام لتركه الصوم فيها عامدا أو ساهيا أو جاهلا، أو لغير ذلك من الفروض التي يكون حكمه فيها بطلان الصوم و وجوب قضائه، و ان يكون فوات الصوم عليه لمانع عرض له من سفر أو مرض أو حيض أو نفاس للمرأة أو غير ذلك، سواء كان تردد المكلف في عدد الأيام بين الأقل و الأكثر من جهة شكه في وقت حدوث المانع له، كما إذا شك في ان أول سفره أو مرضه الذي طرأ له و أفطر من أجله كان هو اليوم الخامس من الشهر أو العاشر منه مثلا، أو كان من جهة شكه في زمان زوال المانع منه و ارتفاعه عنه، كما إذا شك في

ان سفره أو مرضه هل استمر به الى اليوم العاشر من الشهر فقط، أو الى العشرين منه مثلا، فيكفيه ان يقضي أقل عدد يحتمل فوته عليه من الأيام في جميع الصور، و ان كان الأحوط له استحبابا ان يقضي العدد الأكثر، و قد سبقت في المسألة السابعة و الستين فروض أخرى تختلف في بعض الأحكام عن هذه المسألة، فلا ينبغي ان يلتبس أمرها على المكلف المتنبه.

المسألة 198:

إذا مضى على المكلف يوم من شهر رمضان أو أيام منه، ثم شك بعد مضيّها في أنه هل صام ذلك اليوم أو الأيام و أدى التكليف الواجب فيها أو لم يصم و لم يؤدّ، بنى على الصوم و الأداء فيها، و لم يلتفت الى شكه، و كذلك إذا مضى عليه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 81

الشهر كلّه ثم شك بعد مدة: هل صام في الشهر أو لم يصم؟ فيبني على الأداء و لا يلتفت الى شكه.

و إذا صام اليوم أو الأيام أو الشهر و بعد انتهائها شك في صحة صومه فيها، بنى على الصحة و لم يجب عليه القضاء.

المسألة 199:

يجب على المكلف قضاء ما فاته من شهر رمضان وجوبا موسعا، و لا تجب عليه المبادرة فيه، و يجوز له ان يؤخره الى ان يتضيق وقته بوصول شهر رمضان المقبل، فإذا ضاق وقته بذلك وجب عليه أن يبادر الى امتثاله، و لا يجوز له ان يؤخره عن شهر رمضان مختارا، و إذا أخر المكلف القضاء عن شهر رمضان من غير عذر أثم بتأخيره على الأحوط ان لم يكن ذلك هو الأقرب، و وجب عليه ان يدفع الفدية، و بقي القضاء في ذمته واجبا موسعا.

و إذا أخر القضاء عن شهر رمضان المقبل لأمر يعذر فيه فلا إثم عليه في التأخير، و وجب عليه دفع الفدية عنه، و بقي القضاء في ذمته واجبا موسعا.

المسألة 200:

لا يجب على المكلف ان يتابع في صوم قضاء رمضان بعضه ببعض، و يجوز له أن يفرق بين أيامه، و لكن المتابعة ما بينها أفضل، و لا يجب عليه التعيين في النية إذا كان ما وجب عليه قضاء أيام من شهر رمضان واحد، فلا يجب عليه عند الصوم ان ينوي ان ما يأتي به هو قضاء اليوم الأوّل منه أو اليوم الثاني مثلا، و إذا وجب عليه قضاء من رمضانين أو أكثر، و أراد الصيام عن بعضها وجب عليه ان يعين في نيته ان ما يأتي به للسنة الأولى أو السنة الثانية، و يلاحظ ما حررناه في المسألة التاسعة.

المسألة 201:

لا يجب الترتيب في القضاء بأن يأتي بالأول منه فالأول، فإذا كان على المكلف قضاء أيام من شهر رمضان واحد لم يجب عليه عند الامتثال أن يأتي بقضاء اليوم الأول منها قبل اليوم الثاني، بل و يصح له أن يقدم الثاني على الأول، و إذا كان في ذمته قضاء رمضانين أو أكثر، لم يمتنع عليه أن يأتي بقضاء الشهر اللاحق منها قبل ان يأتي بقضاء السابق، بل يتعين عليه ان يقدم قضاء اللاحق إذا كان من السنة الحاضرة و قد تضيق وقته بوصول شهر رمضان المقبل، و إذا قدم قضاء

كلمة التقوى، ج 2، ص: 82

السابق على اللاحق في هذه الصورة كان آثما بتقديمه، و صح صومه و أجزأه عن السابق كما نواه.

و إذا أتى بالصوم عما في ذمته في هذه الصورة و لم يعين في نيته ان ما اتى به قضاء اي شهر مما في ذمته انصرف الى السابق منه.

المسألة 202:

إذا وجب على المكلف قضاء شهر رمضان و غيره من أنواع الصوم الواجب لم يجب عليه الترتيب بين الصومين، فيجوز له أن يقدّم أيهما شاء على الآخر، إلا إذا ضاق وقت احد الواجبين فيقدم منهما ما تضيق وقته، فيقدم صوم النذر المعيّن إذا حلّ وقته، و يقدم صوم القضاء للسنة الحاضرة، إذا تضيق وقته بمجي ء شهر رمضان المقبل.

المسألة 203:

إذا أفطر المكلف شهر رمضان أو أفطر منه أياما لمرض، و مات قبل أن يبرأ من مرضه فيتمكن من القضاء لم يجب على ولي المكلف أن يقضي عنه هذا الصوم الفائت، و كذلك حكم المرأة إذا أفطرت من الشهر أياما لحيض أو نفاس ثم ماتت قبل أن تتمكن من القضاء، فلا يجب على ولي المرأة أن يقضي عنها ما فاتها من تلك الأيام التي افطرتها.

و إذا أفطر الرجل أو المرأة في السفر ثم ماتا في أثناء سفرهما أو بعد العودة منه و قبل ان يتمكنا من قضاء الصوم وجب على الولي قضاء الصوم عنهما على الأقوى.

المسألة 204:

إذا أفطر المكلف شهر رمضان أو أفطر بعض أيامه لمرض ثم استمر به المرض فلم يتمكن من قضاء الصوم بسبب استمرار مرضه الى ان دخل عليه شهر رمضان المقبل، سقط عنه وجوب قضاء الأول، و وجب عليه أن يتصدق بدلا عن كل يوم أفطره من الشهر الأول بمدّ من الطعام، و لا يكفيه قضاء الصوم- لو أنه قضاه- عن الصدقة، و الأحوط له استحبابا ان يجمع بين الصدقة و القضاء.

و إذا أفطر المكلف شهر رمضان أو أفطر بعض أيامه لسبب آخر غير المرض من سفر و نحوه، و استمر به ذلك السبب الموجب للإفطار إلى مجي ء شهر رمضان الثاني، لزمه قضاء الصوم الفائت من الشهر الأول بعد انتهاء شهر رمضان الذي

كلمة التقوى، ج 2، ص: 83

حضر، و وجبت عليه الصدقة عن كل يوم من الفائت بمدّ من الطعام على الأحوط.

و كذلك حكم المكلف إذا أفطر بسبب المرض و برئ منه ثم عرض له سبب آخر من سفر و نحوه فمنعه من قضاء ما فاته من الصوم الى أن

جاء شهر رمضان الثاني، أو كان إفطاره في الشهر بسبب السفر مثلا، ثم لزمه مرض منعه من القضاء الى رمضان الثاني، فيجب عليه في كلتا الصورتين ان يجمع بين قضاء الصوم بعد انتهاء شهر رمضان الذي حضر و الصدقة عن كل يوم من القضاء بمدّ من الطعام على الأحوط.

المسألة 205:

إذا أفطر المكلف شهر رمضان، أو أفطر منه أياما لعذر من الأعذار كمرض أو غيره، ثم ارتفع عنه ذلك العذر في أثناء السنة وجب عليه ان يقضي صومه كما تقدم، فإذا أخر قضاءه متعمدا الى أن حل عليه شهر رمضان وجب عليه القضاء بعد خروج رمضان و لزمته الفدية.

و كذلك حكمه إذا أفطر في الشهر أياما و أخر قضاءها متسامحا، ثم عرض له عند تضيق الوقت عذر يمنعه من القضاء قبل رمضان، فعليه قضاء الأيام بعد خروج الشهر مع الفدية، و كذلك إذا أخر القضاء عازما على ان يأتي به متصلا بشهر رمضان المقبل، فاتفق ان عرض له عند ضيق الوقت ما يمنعه من الصوم، فعليه القضاء بعد خروج الشهر مع الفدية على الأحوط، و إذا كان في إفطاره في الشهر أو في بعضه متعمدا لا عذر له لزمته كفارة الإفطار مع القضاء و الفدية عن كل يوم في جميع الصور الآنف ذكرها.

المسألة 206:

إذا استمر المرض بالمكلف سنين متعددة فأفطر في تلك السنين للعذر الملازم له، المانع له من الصوم وجبت عليه الفدية لكل واحدة من السنين الأولى مرة واحدة و لم يجب عليه قضاء صومها، و اما السنة الأخيرة الحاضرة، فإن بري ء المكلف فيها من مرضه قبل مجي ء شهر رمضان اللاحق وجب عليه قضاء صوم الشهر فيها، فإذا صامه لم تجب عليه الفدية عنه، و ان لم يبرأ من مرضه حتى حل شهر رمضان سقط عنه قضاء السابق، و وجبت عليه الفدية كالسنين الماضية.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 84

المسألة 207:

لا يتكرر وجوب الفدية على المكلف إذا هو أخّر صوم القضاء عاما أو أكثر، بل تجب عليه فدية سنة واحدة، و ان كان متعمدا في تأخير القضاء، و يأثم بتأخيره عن سنته إذا كان عامدا لا عذر له.

المسألة 208:

فدية كل يوم من الأيام التي يفطرها المكلف كفارة مستقلة عن غيرها، و لذلك فيجوز له ان يدفع أكثر من فدية يوم واحد الى فقير واحد، بل و يجوز له ان يدفع جميع ما وجب عليه من الفدية إلى فقير واحد و إن كانت لشهور متعددة، ما لم يخرج بذلك عن كونه فقيرا مستحقا.

المسألة 209:

لا تجزي قيمة الفدية عن الفدية نفسها، بل يجب على المكلف أن يدفع عين المدّ من الطعام الى الفقير، نعم، يصح للمكلف أن يدفع قيمة الطعام الى الفقير المستحق، و يوكله عن نفسه في ان يشتري بها عين الطعام بالنيابة عنه، و يوكله أيضا في ان يسلم لنفسه العين التي اشتراها له، فإذا اشترى الفقير عين الطعام بالوكالة عن المالك، ثم قبض لنفسه العين المشتراة بالوكالة عنه أيضا، أجزأت عن الموكل، و كذلك الأمر في الكفارات.

المسألة 210:

ليست الفدية التي تلزم المكلف في الصوم من النفقة، و لذلك فلا يجب على الرجل ان يدفع فدية الصوم عن زوجته إذا وجبت الفدية عليها، و لا عن أبويه إذا كانا فقيرين، و لا عن ولده إذا كان محتاجا، و لا عن عبده المملوك له إذا وجبت عليهم، فضلا عمن سواهم ممن يستحب له الإنفاق عليهم.

المسألة 211:

يجوز للمكلف أن يفطر في النهار قبل زوال الشمس إذا كان صائما في قضاء شهر رمضان، و لم يتضيق وقت القضاء بمجي ء شهر رمضان المقبل، و إذا تضيق عليه وقت القضاء بذلك لم يجز له الإفطار فيه قبل الزوال، و إذا أفطر في هذه الصورة أثم بإفطاره و لم تجب عليه الكفارة.

و لا يجوز له الإفطار في صوم القضاء بعد زوال الشمس من النهار، سواء كان موسعا أم تضيق وقته، بمجي ء رمضان، و إذا أفطر فيه بعد الزوال متعمدا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 85

لزمته الكفارة في كلتا الصورتين، و قد ذكرنا كفارته، و مقدارها في المسألة المائة و السابعة عشرة.

و كذلك الحكم إذا صام قضاء شهر رمضان بالنيابة عن غيره على الأحوط، فليس له أن يفطر فيه بعد الزوال، و إذا أفطر فيه لزمته الكفارة.

المسألة 212:

يجوز للمكلف ان يفطر قبل زوال الشمس في غير قضاء شهر رمضان من أنواع الصوم الواجب إذا كان وجوبه موسعا غير معين كصوم النذر المطلق و العهد المطلق، و الأحوط له ترك الإفطار فيه بعد الزوال.

و لا يجوز للمكلف ان يفطر في الصوم الواجب المعيّن لا قبل الزوال و لا بعده، و إذا أفطر فيه متعمدا وجبت عليه الكفارة إذا كان من الأنواع التي تجب فيها الكفارة. و اما الصوم المندوب فيجوز له الإفطار فيه و لو قبل غروب الشمس سواء كان معينا أم مطلقا.

المسألة 213:

يجب على ولي الميت ان يقضي عن ميته ما فاته من الصوم الواجب، سواء كان فوته عن عمد أم عن عذر من الأعذار، و سواء كان عمده بترك الصوم أم بالإتيان به على وجه باطل، و سواء كان العذر الذي فاته الصوم بسببه سفرا أم مرضا أم غيرهما.

و لا يجب على ولي الميت أن يقضي ما تركه الميت على وجه الطغيان و عدم المبالاة بالواجب، و لا يجب على الولي أن يقضي عن الميت ما فاته من الصوم لغير السفر من الأعذار كالمرض و التقية إذا لم يتمكن الميت في حياته من قضاء ذلك الصوم الفائت، و اما ما تركه في حال السفر فالأقوى وجوب قضائه على الولي و ان لم يتمكن الميت من قضائه في حياته و قد سبق بيان هذا في المسألة المائتين و الثالثة.

المسألة 214:

ولي الميت الذي يجب عليه ان يقضي ما فات ميّته من الصيام هو أولى الناس بميراثه من الورثة الذكور، و إذا تعدد ورثته الذكور، فالولي منهم هو أكبرهم سنّا عند وفاة الميت، و لا يختص بالولد الأكبر له على الظاهر، نعم يكون الولد الأكبر مع وجوده هو ولي أبيه إذا مات و لا يعم بقية ورثته الآخرين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 86

و على ما ذكرناه فلا يختص الميت الذي يجب القضاء عنه بأن يكون أبا، بل يشمل غير الأب من الرجال و لا يختص بالرجال بل يشمل الأم و غيرها من النساء فيجب على الولي القضاء عنهن بعد الموت.

المسألة 215:

لا يسقط وجوب القضاء عن الولي إذا كان طفلا أو كان مجنونا أو كان حملا في بطن أمه حين موت الميت، فيجب القضاء عليه إذا كمل بعد ذلك.

و إذا كان للميت وليان متساويان في السن، وجب قضاء ما فات الميت على الوليين على نحو الوجوب الكفائي، فإذا قام أحد الوليين بالقضاء الواجب و وفى به، سقط وجوب القضاء عن الولي الآخر، و إذا تركاه جميعا و لم يأتيا به كانا آثمين معا لعدم امتثالهما.

المسألة 216:

الأكبر سنا من الورثة أو من الأولاد هو من كان أسبق في الولادة، و ان انعقدت نطفتهما معا، كما في التوأم أو سبق المتأخر في الولادة على الأول في انعقاد النطفة، كما في الولدين لشخص واحد من زوجتين، فتحمل إحداهما بولدها قبل أن تحمل الثانية بشهر، و تلد الزوجة الثانية ولدها قبل ولادة الأول بشهرين، لأن مدة الحمل بالأول كانت تسعة أشهر و مدة الحمل بالثاني ستة أشهر، فيكون الولد الثاني هو ولي أبيه لأنه المولود السابق.

المسألة 217:

يصح لغير الولي ان يتبرع بقضاء الصوم عن الميت، سواء كان للميت ولي شرعي يجب عليه القضاء أم لم يكن له ولي، فإذا تبرع أحد فقضى عن الميت ما فاته من الصوم سقط وجوب القضاء عن الولي، و لا يسقط عنه الوجوب حتى يقضي المتبرع الصيام بالفعل، و إذا قام المتبرع فصام عن الميت بعض ما عليه من الأيام و لم يكمل قضاء الجميع وجب على الولي أن يقضي صوم الأيام الباقية.

المسألة 218:

يتخير ولي الميت بين ان يتولى قضاء الصوم بنفسه عن الميت، و ان يستأجر أحدا غيره يصوم بالنيابة عن الميت، و إذا اختار الوجه الثاني فاستأجر من يصوم عن الميت فلا يسقط الوجوب عن الولي حتى يعلم أن الأجير قد أتى بالعمل كما تقدم في المتبرع، فلا يسقط الوجوب عن الولي إذا علم ان الأجير لم يأت بالصيام

كلمة التقوى، ج 2، ص: 87

الذي استأجره عليه، أو علم بأنه قد أتى به على وجه غير صحيح، و لا يسقط الوجوب عنه إذا شك في ان الأجير أتى بالعمل أو لم يأت به.

و إذا علم الولي بأن الأجير قد صام عن الميت، و شك في صحة الصيام الذي قام به، حمل عمله على الصحة و سقط وجوب القضاء عن الولي بذلك، و تجري هذه الفروض و الأحكام كلها في المتبرع في المسألة المتقدمة.

المسألة 219:

إذا أوصى الميت وصيه قبل موته بأن يستأجر من يصوم أو يصلي عنه ما فاته، كان سقوط وجوب القضاء عن الولي مراعى بأداء الأجير للعمل، فإذا استأجر الوصي أحدا لذلك، و قام الأجير بالعمل على الوجه الصحيح سقط وجوب القضاء عن الولي، و إذا لم يأت الأجير بالعمل أو اتى به على وجه باطل، أو شك الولي بأن الأجير أتى بالعمل أو لا، لم يسقط وجوب القضاء عن الولي، و إذا علم بأن الأجير أتى بالعمل المستأجر عليه و شك في صحة ما أتى به بنى على الصحة في العمل و سقط عنه وجوب القضاء.

المسألة 220:

يجب على ولي الميت أن يقضي ما علم ان ميتة مات و هو مدين به من الصوم و الصلاة، و يجب عليه أن يقضي ما شهدت البينة الشرعية بأن الميت مدين به من الصوم و الصلاة حين موته.

و يجب عليه قضاء ما أقر الميت في حال حياته بأنه مدين به من ذلك على الأحوط، و يجب عليه قضاء ما علم بان الميت كان مدينا به في حال حياته من الصوم و الصلاة ثم شك الولي في ان الميت أتى به في حياته أو لم يأت به حتى مات، على الأقوى في بعض الصور المذكورة، و على الأحوط في الجميع.

المسألة 221:

إذا شك المكلف في وجوب شي ء عليه من قضاء الصوم و الصلاة، و كان مقتضى استصحاب بقاء شغل الذمة بذلك العمل- في رأيه- انه يجب عليه الإتيان به، ثم لم يأت بالعمل حتى مات، فهل يجب على الولي من بعده قضاء ذلك العمل عنه أو لا يجب؟ الظاهر انه لا يجب القضاء على الولي حتى تتم الحجة على الوجوب عند الولي نفسه، و قد أشرنا الى هذا في الفرض الأخير من المسألة المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 88

المسألة 222:

يجب على ولي الميت أن يقضي ما وجب على الميت نفسه من الصوم، سواء كان من قضاء شهر رمضان، أم كان واجبا عليه بنذر أو عهد أو يمين أم كفارة أم غيرها، و لا يجب عليه ان يقضي ما وجب على الميت لغيره بإجارة أو ولاية و شبهها.

الفصل السابع في صوم الكفارة

المسألة 223:

من الكفارات ما يجب فيه الصوم منضما الى خصال أخرى تجب معه جميعا، و هو كفارتان:

(الأولى): كفارة من قتل مؤمنا متعمدا.

(الثانية): كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان بتناول مفطر محرم و كان متعمدا.

و الخصال التي يجب دفعها في هاتين الكفارتين: ان يعتق المكلف رقبة، و أن يصوم شهرين متتابعين، و ان يطعم ستين مسكينا، فعلى المكلف إذا ارتكب احدى هاتين الجريمتين ان يجمع بين الخصال الثلاث المذكورة وجوبا في الكفارة الأولى منهما، و احتياطا لا بدّ منه في الكفارة الثانية.

المسألة 224:

من الكفارات ما يجب فيه الصوم على المكلف إذا عجز عن الإتيان بخصلة أو خصال أخرى تجب قبل الصوم، و هو إحدى عشرة كفارة:

(الأولى): كفارة من قتل مؤمنا خطأ.

(الثانية): كفارة من ظاهر من زوجته ثم أراد وطأها بعد المظاهرة.

و الكفارة الواجبة فيهما: أن يعتق المكلف رقبة، فإذا عجز عن عتقها وجب عليه ان يصوم شهرين متتابعين، و إذا عجز عن صوم الشهرين وجب عليه أن يطعم ستين مسكينا.

(الثالثة): كفارة من أفطر في قضاء شهر رمضان بعد زوال الشمس من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 89

النهار، و كفارته أن يطعم عشرة مساكين، فان هو لم يقدر على ذلك وجب عليه ان يصوم بدل ذلك ثلاثة أيام، و قد سبق ذكرها في المسألة المائة و السابعة عشرة.

(الرابعة): كفارة مخالفة اليمين، (الخامسة): كفارة مخالفة النذر على الأقوى، (السادسة): كفارة المرأة إذا هي خدشت وجهها في المصاب حتى أدمته، أو هي نتفت شعر رأسها في المصاب، (السابعة): كفارة الرجل إذا شق ثوبه لموت ولده أو لموت زوجته.

و الكفارة في كل واحد من هذه الموجبات الأربعة: ان يطعم المكلف عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة مؤمنة، و

يتخير بين الخصال الثلاث المذكورة، فإن عجز عنها جميعا و لم يقدر على الإتيان بأيّ واحدة منها، وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام.

(الثامنة): كفارة المكلف المحرم بالحج أو بالعمرة إذا قتل نعامة في أثناء إحرامه، و الكفارة الواجبة عليه بسبب ذلك أن ينحر بدنة، فان هو عجز عن البدنة، وجب عليه أن يفض ثمن البدنة على البر أو على غيره من الطعام الذي يصح إخراجه في الكفارة، و يطعم به ستين مسكينا يدفع لكل مسكين منهم مدّا، و الأحوط له استحبابا ان يدفع لكل مسكين مدّين، إذا وسعت قيمة البدنة لذلك.

و إذا قصرت قيمة البدنة عن الوفاء بإطعام ستين مسكينا، أطعم المقدار الذي تسعه القيمة من عدد المساكين و لم يجب عليه إتمام العدد، و إذا اتفق ان زادت قيمة البدنة على إطعام الستين لم تجب عليه الصدقة بالزائد على ذلك.

فان عجز عن الصدقة المذكورة صام على الأحوط لزوما بمقدار ما بلغت الصدقة من عدد المساكين فيصوم عن كل مسكين يوما، سواء بلغت ستين مسكينا أم لم تبلغ، فان عجز عن ذلك صام ثمانية عشر يوما.

(التاسعة): كفارة من أحرم بالحج أو بالعمرة إذا قتل بقرة وحشية في أثناء إحرامه.

و كفارة من فعل ذلك أن يذبح بقرة أهلية، فإن عجز عن البقرة وجب عليه أن يفض ثمن البقرة على البر أو على غيره من طعام الكفارات، و أطعم به ثلاثين مسكينا و جرى فيه نظير البيان الذي فصّلناه في كفارة قتل النعامة.

فإذا عجز عن الصدقة على الوجه الذي ذكرناه صام على الأحوط لزوما بمقدار ما بلغت الصدقة أياما كما تقدم، سواء بلغت ثلاثين يوما أم لم تبلغ، فان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 90

عجز عن ذلك

صام تسعة أيام.

(العاشرة): كفارة من أحرم بالحج أو العمرة و قتل ظبيا في أثناء إحرامه.

و كفارة من فعل ذلك ان يذبح شاة، فإن هو عجز عن الشاة فض ثمنها على البر أو غيره من طعام الكفارة، و أطعم به عشرة مساكين على النهج الذي سبق ذكره في كفارة النعامة و بقرة الوحش، فإذا عجز عن الصدقة المذكورة صام على الأحوط لزوما بمقدار ما بلغت الصدقة أياما، سواء بلغت عشرة أيام أم لم تبلغ، فان لم يقدر على ذلك صام ثلاثة أيام.

(الحادية عشرة): كفارة الحاج إذا خرج من موقف عرفات قبل أن يدخل وقت المغرب الشرعي عامدا، فيجب عليه ان ينحر بدنة فان لم يقدر على ذلك وجب عليه ان يصوم ثمانية عشر يوما في مكة أو في الطريق أو في أهله إذا رجع إليهم.

المسألة 225:

من الكفارات ما يجب فيه الصيام على نحو التخيير بينه و بين غيره من الخصال، و هو ست كفارات:

(الأولى): كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان عامدا فتناول فيه مفطرا محللا، (الثانية): كفارة من جامع امرأته و هو معتكف، (الثالثة): كفارة من عاهد الله على فعل شي ء أو على تركه ثم أخلف عهده و لم يف به، (الرابعة): كفارة المرأة إذا جزّت شعر رأسها في المصاب.

و الكفارة الواجبة في كل واحدة من المذكورات: أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، فيجب على المكلف ان يأتي بواحدة من الخصال الثلاث المذكورة و أيّتها أتى بها أجزأته.

(الخامسة): كفارة من حلق رأسه عامدا و هو محرم، و كفارة من فعل ذلك ان يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يتصدق على ستة مساكين فيدفع لكل مسكين مدّين من الطعام،

و تجزيه أية خصلة أتى بها من هذه الثلاث.

(السادسة): كفارة الرجل إذا وطأ أمته و هي محرمة بإذنه.

و كفارته إذا فعل ذلك و كان صاحب يسر أن ينحر بدنة أو يذبح بقرة أو شاة، فيتخير بين هذه الأنعام الثلاث، و إذا كان معسرا، وجب عليه أن يذبح شاة أو يصوم، و يتخير بين هاتين الخصلتين، و ليكن الصوم الذي يأتي به ثلاثة أيام

كلمة التقوى، ج 2، ص: 91

على الأحوط، و هذه غير كفارة الرجل بنفسه عن جماعة للأمة إذا كان محرما معها، و هي مذكورة في كفارات الإحرام من كتاب الحج.

المسألة 226:

يجب على المكلف أن يتابع في صوم الشهرين الواجبين عليه في كفارة الجمع، و في الكفارة المرتبة و الكفارة المخيّرة و قد بينّاها جميعا في المسائل الثلاث الماضية.

و يحصل التتابع الشرعي الواجب بين الشهرين، بأن يصوم المكلف الشهر الأول كله تامّا و يصوم معه يوما من الشهر الثاني، فإذا أدى المكلف الصوم على هذا الوجه كفاه ذلك في حصول التتابع الواجب بين الشهرين، و جاز له أن يفرق بين بقية أيام الشهر الثاني في صيامه إياها.

و يجب على المكلف ان يتابع في صوم الأيام الثلاثة الواجبة في كفارة خلف اليمين و خلف النذر، و ان يتابع على الأحوط في صوم الأيام الثلاثة التي يصومها في الحج من بدل هدي التمتع إذا هو لم يجد الهدي، عدا ما يستثنى فيها، و سيأتي التنبيه على هذا في المسألة المائتين و الثانية و الثلاثين- ان شاء الله تعالى-، و الأحوط استحبابا للمكلف ان يتابع في صوم بقية الكفارات.

المسألة 227:

إذا نذر الإنسان أن يصوم لله شهرا أو شهرين أو أقل من ذلك أو أكثر لم يجب عليه أن يتابع بين الأيام المنذورة في الصوم، إلا ان يشترط على نفسه التتابع في صيغة نذره، أو ينصرف اللفظ الذي تعلّق به النذر الى المتتابع، و مثال الثاني:

أن ينذر ان يصوم شهرا هلاليا أو يصوم أسبوعا، و منه ما إذا نذر ان يصوم شهرا و قصد منه الشهر الهلالي فإن اللفظ في هذه الأمثلة ينصرف إلى المتتابع، و كذلك الحكم في العهد و اليمين المتعلقين بالصوم.

المسألة 228:

إذا نذر الرجل ان يصوم شهرين متتابعين اتبع قصده من كلمة التتابع التي اشترطها في صيغة النذر، فان قصد التتابع الشرعي في الصوم، جاز له أن يصوم شهرا و يوما متتابعا في الأيام، ثم يفرق بين بقية أيام الشهر الثاني كما تقدم، و ان قصد في نذره التتابع في صوم جميع الأيام المنذورة، أو كان ذلك هو الذي ينصرف اليه لفظ النذر، كما إذا نذر لله ان يصوم شهرين هلاليين متّصلين،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 92

وجب عليه ان يتابع بين جميع أيام الشهرين.

و كذلك إذا نذر أن يصوم شهرا متتابعا، فان قصد التتابع الشرعي جاز له ان يصوم من الشهر خمسة عشر يوما متتابعة ثم يفرق صوم بقية الأيام منه، و ان قصد التتابع في جميع أيام الشهر أو كان ذلك هو ما ينصرف إليه لفظ المنذور، كما إذا نذر شهرا هلاليا، وجب عليه ان يتابع صوم جميع أيام الشهر، و حكم العهد و اليمين في جميع ما بيناه هو حكم النذر.

المسألة 229:

لا يجري التتابع الشرعي الذي ذكرناه في بقية أفراد الصوم المتتابع، فلا يجوز للمكلف ان يفرق فيها اختيارا بعد تجاوز النصف كما في الشهرين المتتابعين و الشهر المتتابع.

المسألة 230:

لا يجب على المكلف أن يتابع في قضاء الصوم المنذور المعين، فإذا نذر الرجل ان يصوم الأيام البيض من شهر معين، ففاته صوم تلك الأيام، فلا يجب عليه التتابع في قضائه، و لا يجب عليه التتابع في قضاء صوم قد نذر فيه التتابع، و مثال ذلك أن ينذر لله أن يصوم عشرة أيام متوالية من شهر رجب في هذا العام ثم انقضى شهر رجب من العام المعين و لم يصم فيه نذره لبعض الأعذار، فإذا أراد ان يقضي صوم هذه الأيام الفائتة، لم يجب عليه أن يتابع بين أيام القضاء، و ان كان الأحوط له استحبابا أن يتابع القضاء في كلا الفرضين.

المسألة 231:

إذا وجب على المكلف صوم متتابع في كفارة أو صوم نذر فيه التتابع، فلا يجوز له ان يبتدئ في صومه في وقت يعلم بان التتابع لا يحصل فيه، لتخلل يوم أو أيام يحرم صومها كالعيدين و أيام التشريق لمن كان بمنى، أو لتخلل شهر رمضان أو صوم واجب معيّن غير رمضان كالنذر المعين، فلا يجوز له أن يبتدئ صوم شهرين متتابعين في أول شهر شعبان مثلا، أو في أول شهر ذي الحجة، لأن تتابع صومه ينقطع بمجي ء شهر رمضان في الفرض الأول، و بتخلل العيد في الفرض الثاني، و هكذا في نظائره من الأمثلة.

نعم، إذا ابتدأ المكلف بصوم الشهرين المتتابعين في ذلك الوقت و كان غافلا عن وجود ما يمنعه من التتابع في الصوم و استمرت به الغفلة إلى أن أتى وقت ذلك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 93

المانع، صح صومه الماضي، و بنى عليه صوم الأيام الباقية من الشهرين بعد انتهاء المانع، و لم ينقطع بذلك تتابع صومه، بسبب الغفلة.

و كذلك إذا

ابتدأ بصوم الشهرين المتتابعين و هو يعتقد سلامة الأيام من الموانع، و استمر به الاعتقاد الى أن وصل وقت المانع، فيصح صومه الماضي و يبني عليه صيام الباقي بعد انتهاء المانع، و إذا كان المكلف ملتفتا شاكّا بوجود المانع أو جاهلا بالحكم فالظاهر بطلان صومه.

المسألة 232:

يستثنى من الحكم المتقدم صوم الأيام الثلاثة التي يصومها المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا هو لم يجد الهدي الواجب عليه في حجه، فيجوز له ان يصوم يوم التروية و يوم عرفة بعد ان يحرم بالحج، ثم يأتي بصيام اليوم الثالث منها بعد العيد بلا فصل و بعد العيد و أيام التشريق بلا فصل لمن كان بمنى، و لا يكون هذا الفصل مخلّا بالتتابع الواجب عليه في صيام الأيام الثلاثة المذكورة.

و يختص الاستثناء بهذا المورد، فلا يصح صومه إذا فرق بين الأيام الثلاثة على غير هذه الصورة، فلا يجوز له ان يصوم يوم عرفة وحده و يكمل الأيام بعد العيد، و لا يجوز له ان يصوم اليوم السابع و يوم التروية و يأتي باليوم الثالث بعد يوم عرفة و يوم العيد، فيجب عليه الاستئناف في جميع ذلك.

المسألة 233:

إذا وجب على الرجل صوم يشترط فيه التتابع كصوم الكفارة الذي يجب فيه ذلك و كصوم النذر الذي يشترط فيه على نفسه ان يتابع صومه، فأفطر في أثناء صومه عامدا من غير عذر بطل التتابع و وجب عليه أن يستأنف صومه متتابعا.

و كذلك إذا صامه في زمان لا يحصل فيه التتابع لتخلل عيد أو تخلل صوم واجب معين من نذر و شبهه، كما سبق ذكره قريبا، فيجب عليه استئناف الصوم متتابعا.

المسألة 234:

إذا كان على المكلف صوم لا يجب فيه التتابع في أصله كقضاء شهر رمضان و كالنذر المطلق، فنذر لله أن يتابع في صوم أيامه وجب عليه ذلك، و إذا نذر التتابع فيه ثم صامه و أفطر في أثنائه عامدا و لم يتابع أثم لمخالفة نذره و وجبت

كلمة التقوى، ج 2، ص: 94

عليه كفارة مخالفة النذر، و كان صومه صحيحا، فيجزيه عما في ذمته من الواجب و لا يجب عليه الاستئناف.

المسألة 235:

إذا وجب على الإنسان صوم متتابع فأفطر في أثنائه لمرض حدث له، أو أفطرت المرأة في أثنائه لحيض أو نفاس أو نحو ذلك من الأعذار التي لا يكون حدوثها بفعل المكلف و اختياره بنفسه، صح صومه، و بنى عليه صيام الأيام الباقية بعد ارتفاع العذر المانع له من الصوم، و لم يقدح ذلك بتتابع الصوم الواجب عليه.

و إذا اتفق ان حدث المرض أو الحيض أو النفاس أو العذر الآخر للمكلف بفعله بنفسه و اختياره، كما إذا تناول بعض المستحضرات أو الحبوب فحدث له ذلك و أفطر من صومه انقطع به تتابع الصوم و وجب على المكلف أن يستأنف الصوم و يأتي به متتابعا بعد زوال العذر.

و كذلك الحكم في السفر الموجب للإفطار، فينقطع به تتابع الصوم، و ان كان المكلف مضطرا اليه على الأحوط، فيجب عليه ان يستأنف الصوم و يتابعه بعد رجوعه من السفر، إلا إذا اضطر الى السفر و كان اضطراره بنحو القهر الذي يخرج به المكلف عن الاختيار، كما إذا سافر به متغلّب و قطع به المسافة مقسورا على أمره و لم يملك التخلص منه، فإذا أفطر بسبب ذلك لم ينقطع تتابع صومه إذا واصلة بعد ارتفاع العذر عنه.

المسألة 236:

إذا نسي المكلف نية الصوم في بعض أيام الصوم الذي يجب فيه التتابع، و لم يتذكر إلا بعد زوال النهار، لم يصح منه صوم ذلك اليوم و لم ينقطع به تتابع صومه، فيبني ما يأتي من صومه على ما مضى، و كذلك إذا غفل عن نية الصوم أو نام عنها و لم ينتبه للإتيان بها حتى فات محلّها، فيجزي فيه حكم الناسي.

و نظير ذلك أيضا ما إذا نسي المكلف صومه المتتابع الواجب عليه،

فنوى في أثنائه صوما آخر غيره، و لم يتذكر إلا بعد الزوال، فلا ينقطع تتابع صومه بتخلل ذلك اليوم في جميع الفروض المذكورة، و يبني ما يأتي به من الصوم على ما مضى منه.

و مثله في الحكم ما إذا نذر الإنسان أن يصوم يوم كل خميس مثلا، ثم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 95

وجبت عليه الكفارة لأحد الأسباب بعد ذلك، فإذا أراد ان يصوم شهرين متتابعين لكفارته وجب عليه أن يصوم كل خميس من الشهرين وفاء بالنذر السابق الذي نذره، و لا يكون ذلك مخلّا بتتابع صوم الكفارة على الأقوى.

و بحكمه أيضا صوم الشهر المتتابع و الأيام المتتابعة إذا وجبا عليه، فتجري فيهما الاستثناءات المذكورة في هذه المسألة.

الفصل الثامن في أقسام الصوم

[ (القسم الأول) (القسم الثاني): الصوم الواجب و المندوب.]
المسألة 237:

يقع الصوم على أربعة أقسام: (القسم الأول) الصوم الواجب و قد سبق الكلام منا على الكثير المهم من أنواع هذا القسم في الفصول المتقدمة، و بينا الوافر الوافي بالحاجة من أحكامها و حسبنا في المقام هذه الإشارة إليه.

(القسم الثاني): الصوم المندوب.

و استحباب الصوم على وجه الاجمال، بل و تأكد استحبابه مما ثبت بالضرورة، بحيث لا ينكره أحد من المسلمين، و قد ورد الحث الشديد عليه عن الرسول و خلفائه المعصومين (صلوات الله و سلامه عليه و عليهم أجمعين)، ففي الحديث عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع) قال: قال رسول الله (ص):

(الصوم جنة من النار) و عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) عنه (ص): (لكل شي ء زكاة و زكاة الأبدان الصيام)، و عن أبي عبد الله (ع): (أن الله تعالى يقول: الصوم لي و أنا أجزي عليه)، و عنه (ع) قال أبي (ع): (ان الرجل يصوم يوما تطوعا يريد ما عند الله فيدخله الله

به الجنة)، و عنه (ع) قال رسول الله (ص): (الصائم في عبادة و ان كان نائما في فراشه ما لم يغتب مسلما)، و عنه (ع): (نوم الصائم عبادة و صمته تسبيح و عمله متقبل و دعاؤه مستجاب)، و عن الرسول (ص): (للصائم فرحتان، حين يفطر، و حين يلقى ربه، و الذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك) إلى غير ذلك مما تواتر عنهم (صلوات الله و سلامه عليهم) بالسنة مختلفة.

المسألة 238:

للصوم المندوب أنواع كثيرة العدد، فمنه ما أمر به في الشريعة المطهرة على

كلمة التقوى، ج 2، ص: 96

وجه الإطلاق، فليس له وقت معين و لا سبب خاص، و من هذا النوع صوم جميع أيام السنة عدا ما استثني منها، و هي الأيام التي يحرم الصوم فيها، و سيأتي ذكرها في آخر هذا الفصل ان شاء الله تعالى، و الأيام التي يجب صومها تعيينا كشهر رمضان، و الأيام التي يتعين صومها على المكلف لنذر أو عهد أو يمين، و من كان عليه قضاء شهر رمضان، فليس له ان يصوم النافلة و قد بينا هذا في المسألة المائة و السابعة و الخمسين.

المسألة 239:

من الصوم المندوب ما أمر به في الشريعة لسبب خاص، و لم يجعل له وقت معين يختص وقوعه فيه، فمن هذا النوع: صوم ثلاثة أيام في المدينة المنورة لقضاء الحاجة، و قد ذكر تفصيل الصوم و العمل فيها، في صحيح معاوية بن عمار عن الإمام أبي عبد الله (ع) و قد رواه في الباب الحادي عشر من أبواب المزار من كتاب وسائل الشيعة، فليرجع إليه من أراد الوقوف عليه، و قد فصلنا ذكره في المسألة الألف و المائة و الثامنة و الخمسين من كتاب الحج من هذه الرسالة.

و من هذا النوع: الصوم لعمل ليلة الرغائب، و ليلة الرغائب هي أولى جمعة من شهر رجب، فيصام يوم الخميس قبلها و ان لم يكن الخميس من رجب، و العمل مذكور في اعمال شهر رجب من كتاب الإقبال للسيد ابن طاوس (قده) و في بعض كتب الدعاء المعتبرة كمفاتيح الجنان. و أفراد هذا النوع كثيرة، مذكورة في كتب الدعاء، و لا يترك الاحتياط بأن يؤتى بالصوم في

هذه الموارد و أمثالها برجاء المطلوبية.

المسألة 240:

من الصوم المندوب ما أمر به في الشريعة في وقت معين، و أفراد هذا النوع كثيرة أيضا، و هي متفاوتة في مراتب الفضل حسب ما ورد فيها من الأحاديث عن المعصومين (ع).

فمن المندوبات المؤكدة، و لعله أشدّها تأكدا: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، و قد وردت فيه كيفيات عديدة، و أفضل كيفياتها: أن يصوم الإنسان أول خميس من الشهر و آخر خميس منه، و أول أربعاء من العشر الوسطى.

و يستحب للإنسان قضاء هذا الصوم إذا فاته، و إذا عجز عن هذا الصوم لكبر سن أو عطش أو غيرهما استحب له أن يتصدق عن كل يوم من الأيام

كلمة التقوى، ج 2، ص: 97

الثلاثة بمدّ من الطعام أو بدرهم.

المسألة 241:

من المندوبات المؤكدة أن يصوم الإنسان اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة، و هو يوم الغدير، ففي الحديث: (و صيامه يعدل عند الله عز و جل في كل عام مائة حجة و مائة عمرة مبرورات متقبلات).

و يستحب صوم اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول، و هو يوم مولد الرسول (ص) على القول المشهور، و قد ورد في فضل الصوم فيه (ان من صامه كتب الله له صيام سنة) و في بعض الأحاديث: (كتب الله له صيام ستين سنة).

و يستحب صوم اليوم السابع و العشرين من شهر رجب، و هو يوم بعث الرسول (ص) بالرسالة من الله سبحانه، و قد ورد فيه (ان من صامه كتب الله له صيام ستين شهرا)، و في بعض الروايات: (كتب الله له صيام سبعين عاما).

و يستحب صوم اليوم الخامس و العشرين من شهر ذي القعدة، و هو يوم دحو الأرض، فعن أبي الحسن (ع): (من صام ذلك اليوم كان

كفارة سبعين سنة)، و في رواية أخرى: (من صام ذلك اليوم و قام تلك الليلة فله عبادة مائة سنة، صام نهارها و قام ليلها).

و يستحب صوم يوم عرفة، و هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة إذا لم يشك المكلف في هلال الشهر، و لم يضعفه الصوم عن الدعاء، و قد ورد فيه: (من صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة).

و يستحب صوم اليوم الأول من شهر ذي الحجة، و قد ورد: (ان من صامه كتب الله له صوم ثمانين شهرا)، و في حديث آخر: (من صام ذلك اليوم كان كفارة ستين سنة).

و يستحب صوم يوم التروية و هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، فعن أبي عبد الله (ع): (صوم يوم التروية كفارة سنة)، و يستحب صوم الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة ففي الحديث: (فإن صام التسع كتب الله له صوم الدهر).

و يستحب صوم أول يوم من المحرم و ثالثه و تاسعه، بل يستحب صوم شهر المحرّم كله، ففي الحديث عن النبي (ص): (و ان أفضل الصيام من بعد شهر رمضان صوم شهر الله الذي يدعونه المحرّم)، و عنه (ص): (من صام يوما من المحرّم، فله بكل يوم ثلاثون يوما)، و عن أبي عبد الله (ع): (من أمكنه صوم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 98

المحرّم فإنه يعصم صائمه من كل سيئة).

و يستحب الإمساك في يوم عاشوراء حزنا الى ما بعد العصر، و ليكن إفطاره على شربة ماء.

و يستحب استحبابا مؤكدا صوم اليوم الأول من شهر رجب، و صوم الأيام البيض منه، و هي اليوم الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر، و يستحب صوم كل واحد من اليوم الخامس و العشرين من

شهر رجب و اليوم السادس و العشرين و اليوم السابع و العشرين منه.

و يستحب كذلك صوم شهر رجب كله، فقد ورد الترغيب المؤكد عن أئمة الهدى (ع) في جميع ذلك، انظر الباب السادس و العشرين من أبواب الصوم المندوب من كتاب وسائل الشيعة.

و يستحب استحبابا مؤكدا صوم شهر شعبان كله و بعضه كما ورد عنهم (ع)، و يلاحظ الباب الثامن و العشرون و الباب التاسع و العشرون من أبواب الصوم المندوب من كتاب الوسائل.

و يستحب صوم يوم الجمعة من الأسبوع فعن الإمام أبي الحسن الرضا (ع): قال رسول الله (ص): (من صام يوم الجمعة صبرا و احتسابا أعطي ثواب صيام عشرة أيام غرّ زهر لا تشاكل أيام الدنيا).

و ينبغي أن لا يفرد يوم الجمعة بالصوم وحده، بل يصوم معه يوما آخر قبله أو بعده.

المسألة 242:

يجوز لمن يصوم صياما مندوبا في أي نوع من أنواعه أن يفطر اختيارا من صومه و لو قبل غروب الشمس و قد ذكرنا هذا الحكم في المسألة المائتين و الثانية عشرة و ذكرناه في مواضع اخرى من الفصول المتقدمة، و لا إثم عليه في ذلك، و يكره له بعد الزوال.

المسألة 243:

يستحب للصائم صوما مندوبا ان يجيب دعوة أخيه المؤمن إذا دعاه الى تناول الطعام، فيفطر من صومه اجابة له، سواء كان ذلك قبل الزوال أم بعده، بل يستحب له إذا دعاه و هو لا يعلم بصيامه ان يجيب دعوته و لا يعلمه بأنه صائم.

و يستحب كذلك لمن كان صومه واجبا موسعا أن يجيب المؤمن إذا دعاه الى

كلمة التقوى، ج 2، ص: 99

الطعام قبل الزوال فيفطر يومه إجابة لدعوة أخيه و ينال بذلك ثواب إجابة الدعوة، ثم يصوم بعد ذلك ما يجب عليه، و اما الإفطار فيه بعد الزوال فقد سبق ان الأحوط لزوما تركه.

(القسم الثالث): الصوم المكروه.
المسألة 244:

يكره للشخص ان يصوم يوم عرفة إذا كان الصوم يضعفه عن الدعاء فيه، و يكره صومه أيضا إذا شك في هلال شهر ذي الحجة، و احتمل أن يكون ذلك اليوم هو يوم العيد.

المسألة 245:

يكره للضيف ان يصوم متطوعا بدون إذن مضيّفه، سواء نهاه المضيّف عن الصوم أم لا، و سواء كان صومه مندوبا مطلقا أم كان مندوبا معينا.

المسألة 246:

يكره للولد ان يصوم تطوعا بدون إذن أبيه، و الأحوط اعتبار إذن والدته أيضا، و في اعتبار إذن الجد أبى الأب في صوم ولد ولده تطوعا إشكال، و الأحوط اعتباره.

المسألة 247:

يحرم صوم يوم عاشوراء إذا صامه الرجل بنية التبرك، و يحرم صومه بالحرمة التشريعية إذا صامه بقصد كونه مندوبا و مؤكدا عليه كسائر الأيام التي يستحب للإنسان أن يصومها بالخصوص و ان لم يقصد به التبرك، و إذا صامه بقصد انه مستحب على العموم كسائر أيام السنة التي لا خصوصية فيها، صح صومه و وقع مكروها على الأقوى، و إذا أمسك فيه عن المفطرات حزنا إلى ما بعد العصر ثم أفطر كان مستحبا من غير كراهة و قد تقدم ذكر هذا قريبا.

(القسم الرابع): الصوم المحرم.
المسألة 248:

يحرم على المكلف صوم يوم عيد الفطر و يوم عيد الأضحى، و لا يبيح الصوم فيه أن يكون في كفارة قتل مؤمن في أحد الأشهر الحرم.

المسألة 249:

يحرم على الإنسان صوم أيام التشريق إذا كان بمنى، سواء كان ناسكا أم غير

كلمة التقوى، ج 2، ص: 100

ناسك- على الأحوط- و أيام التشريق هي اليوم الحادي عشر و اليوم الثاني عشر و اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة.

المسألة 250:

يحرم على الإنسان أن يصوم يوم الشك في أول شهر رمضان بنية انه من شهر رمضان، و قد سبق تفصيل أحكامه في المسألة السادسة عشرة و ما بعدها.

المسألة 251:

يحرم على المكلف ان يصوم نذرا في معصية، و هو يقع على وجهين: (الوجه الأول) ان ينذر الصوم شكرا لله إذا تيسّر له ان يفعل أمرا محرما معينا، أو يترك واجبا معينا، و كذلك إذا نذر الصوم شكرا على فعل محرم، أو ترك واجب مطلق غير معين، (الوجه الثاني) ان ينذر الصوم ليزجر به نفسه عن أن يأتي بطاعة خاصة، أو يترك معصية معينة، أو ليزجر نفسه و يعاقبها، لانه فعل طاعة معينة أو ترك معصية معينة.

و بحكم ذلك ان ينذر الصوم ليزجر به نفسه عن أن يأتي بأية طاعة من الطاعات أو عن ان يترك أية معصية من المعاصي التي اعتاد ارتكابها مثلا، أو ليؤنّب نفسه و يعاقبها إن هو فعل أية طاعة، أو ترك أية معصية، و لا ريب في حرمة هذه النذور بنفسها و عدم انعقادها كما لا ريب في حرمة الصوم وفاء بها.

المسألة 252:

يحرم على الإنسان صوم الصمت، و هو ان ينوي في صومه ترك الكلام في جميع النهار أو في جزء منه، بحيث يجعل الصمت عن الكلام قيدا من قيود صومه، و يعتبر الكلام أحد المفطّرات التي ينوي الإمساك عنها في صومه.

و لا يحرم على المكلف الصائم ان يترك التكلم و يلتزم بالصمت في نهاره أو في جزء منه إذا لم يدخل ذلك في نية الصوم، و يحسن للصائم بل و يستحب له ان يترك الفضول من الكلام و الخوض في ما لا يحمد من القول و الفعل، و يعدّ ذلك من الآداب الرفيعة للصوم، كما يكره ذلك لغير الصائم أيضا.

و اما الخوض في الباطل و المحرم من الأقوال و الافعال فهو من المحرمات على الصائم و غيره، و هو

على الصائم و في شهر الله العظيم أشد حرمة منه في غيرهما.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 101

المسألة 253:

يحرم على المكلف صوم الوصال، و هو أن ينوي صوم جميع نهاره و ليلته إلى وقت السحر، أو ينوي صوم يومين متصلين لا يفطر بينهما، بل يحرم عليه ان يضم بعض ساعات الليل الى النهار في نية صومه و ان لم يبلغ الى وقت السحر، فينوي الصوم طول النهار إلى الساعة الأولى أو الثانية بعد دخول الليل.

و لا يضر بصومه أن يؤخر إفطاره فلا يأكل شيئا الى السحر أو الى أكثر من ذلك، إذا هو لم يجعل ذلك جزءا أو قيدا في صومه.

المسألة 254:

يحرم على الزوجة ان تصوم صوما مندوبا إذا كان صومها يزاحم حق الزوج الواجب عليها، و الأحوط لزوما لها أن تجتنب الصوم المندوب بغير إذن الزوج.

المسألة 255:

يحرم على العبد المملوك أن يصوم متطوعا إذا كان صومه يزاحم حق مالكه، و الأحوط له بل الأقوى وجوب اجتناب الصوم المندوب بغير إذن مالكه.

المسألة 256:

يحرم صوم الولد تطوعا إذا كان صومه يوجب أذى والديه، أو يوجب أذى أحدهما.

المسألة 257:

يحرم صوم الدهر، و المراد به ان يصوم الإنسان جميع أيام عمره حتى يومي العيدين و غيرهما من الأيام التي يحرم صومها.

المسألة 258:

يحرم الصوم على المسافر إذا كان سفره يوجب عليه القصر في الصلاة، و قد سبق ذكر هذا الحكم في المسألة المائة و السابعة و الأربعين و غيرها من مسائل فصل شرائط الصوم، و ذكرنا هناك بعض المستثنيات من هذا الحكم.

المسألة 259:

يحرم صوم المريض، و من يضر الصوم بصحته على ما تقدم بيانه في فصل شرائط الصوم.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 102

المسألة 260:

يستحب للمكلف أن يمسك عن المفطّرات تأدبا في شهر رمضان في عدة موارد، و لا يجزيه إمساكه هذا عن الصيام الواجب عليه.

(المورد الأول): إذا وصل المسافر الى بلده أو الى موضع يعزم على إقامة عشرة أيام تامة فيه، و كان قد تناول بعض ما يفطر الصائم قبل وصوله إلى البلد أو إلى موضع الإقامة، فيستحب له ان يمسك في بقية نهاره من الشهر، سواء كان وصوله إليه قبل الزوال أم بعده.

(المورد الثاني): إذا وصل المسافر الى بلده أو الى محلّ يعزم على إقامة العشرة فيه بعد زوال الشمس، سواء قد تناول المفطر قبل وصوله أم لم يتناول شيئا، فيستحب له ان يمسك عن المفطرات في بقية نهاره، و إذا وصل المسافر إلى أحدهما قبل زوال النهار و لم يتناول في يومه شيئا من المفطرات، وجب عليه ان ينوي الصوم حين وصوله، فإذا نوى الصوم و أتم يومه صح صومه و كفاه عن الواجب، و قد بيّنا هذا في المسألة المائة و الخامسة و الستين.

(المورد الثالث): إذا برئ المريض من مرضه في أثناء النهار من الشهر و قد تناول بعض المفطرات في يومه أمسك في بقية نهاره استحبابا.

(المورد الرابع): إذا برئ المريض من مرضه بعد زوال الشمس من النهار أمسك في بقية نهاره استحبابا، و ان لم يكن قد تناول مفطرا في يومه قبل برئه، و إذا هو برئ من مرضه قبل الزوال و لم يكن قد تناول مفطرا، لزمه على الأحوط ان ينوي الصوم في يومه و يتمه ثم يقضيه بعد إتمامه، و قد

ذكرنا هذا في المسألة المائة و الخامسة و الستين.

(المورد الخامس): إذا طهرت المرأة من حيضها أو نفاسها في أثناء النهار من الشهر، أمسكت في بقية نهارها استحبابا، سواء طهرت منهما قبل الزوال أم بعده، و سواء تناولت بعض المفطرات قبل طهرها أم لم تتناول منها شيئا.

(المورد السادس): إذا أسلم الكافر في أثناء النهار من شهر رمضان أمسك في بقية يومه استحبابا، سواء تناول في يومه شيئا من المفطرات قبل ان يسلم أم لم يتناول.

(المورد السابع): إذا بلغ الصبي الحلم في النهار من شهر رمضان، و لم يكن قد نوى الصوم في يومه، استحب له ان يمسك في بقية نهاره، سواء كان قد تناول

كلمة التقوى، ج 2، ص: 103

المفطر في ذلك اليوم أم لا، و إذا كان قد نوى الصوم بنية الندب قبل بلوغه في ذلك اليوم وجب عليه ان يتم صومه وجوبا على الأحوط، فإن هو لم يتم صومه في هذه الصورة، فعليه قضاء ذلك اليوم، و تلاحظ المسألة المائة و الثامنة و الخمسون.

(المورد الثامن): إذا أفاق المجنون من جنونه في أثناء النهار قبل الزوال أو بعده من شهر رمضان، استحب له ان يمسك بقية اليوم و ان لم يتناول في اليوم مفطرا قبل إفاقته من الجنون.

(المورد التاسع): إذا أفاق المغمى عليه من إغمائه بعد الزوال أمسك بقية النهار استحبابا، إذا لم تسبق منه نية الصوم في وقتها أو في أثناء الليل، و إذا سبقت منه النية كذلك قبل الإغماء عليه وجب عليه ان يتم صومه و كفاه ذلك عن الواجب، و إذا أفاق من إغمائه قبل الزوال و لم تسبق منه نية الصوم في وقتها أو في أثناء الليل، نوى الصوم قبل الزوال

و أتم الصوم وجوبا على الأحوط، فإن هو لم يتم صومه وجب عليه قضاء صومه في كلتا الصورتين كما قلنا في المسألة المائة و التاسعة و الخمسين.

(المورد العاشر): إذا أفاق السكران من سكره بعد ان زالت الشمس من النهار و لم يكن قد نوى الصوم في وقت النية أمسك بقية النهار استحبابا، و إذا كان قد نوى الصوم في وقت النية وجب عليه ان يتم صوم يومه و يقضيه بعد ذلك، و قد بينا هذا في المسألة المائة و الرابعة و الأربعين.

خاتمة كتاب الصوم

للصوم درجات مختلفة الشأن، متفاوتة الآثار و التأثير في نفس المكلف الصائم و في سلوكه الاختياري في هذه الحياة، و في قربه و بعده من ربه العلي الكبير، و أقل هذه الدرجات و أدناها منزلة هو الصوم العام الذي يشترك في الإتيان به جميع المكلفين، يؤدون به الفرض الواجب عليهم، و يبتغون به نيل المثوبة و الرضا من الله و امتثال امره، و هو الإمساك عن المفطّرات التي حددتها الشريعة عند توفر الشرائط المعينة في الأوقات المبينة.

و لا ريب في ان لهذه الدرجة من الصوم على وحدتها، مراتب مختلفة في نظر الشريعة الإسلامية المطهرية، و في حصول القرب من الله، فمن يمسك عن المفطرات

كلمة التقوى، ج 2، ص: 104

التي حرمها الله عليه عند صومه، و يتنزه جهده مع ذلك في عمله و في سرّه و جهرة عن المحارم التي نهاه الله عنها حتى في غير الصوم، يكن حريا بنيل القرب من الله- سبحانه- و اكتساب الأجر الكبير الذي وعد الله به الصائمين، و تكن نفسه جديرة بالارتفاع في مراتب التقوى و الورع حتى تبلغ الغاية التي تطمح إليها، و التي مرّن نفسه

و مرّن إرادته عليها طوال صومه و طوال شهره.

و إذا أضاف إلى ذلك ما يكتسبه من عطاء شهره العظيم في إقامته فيه للصلاة و تلاوته للكتاب و قراءته للدعاء و مواظبته على الاستغفار، و في سائر تعبداته لله، و صدقاته و مبراته في الشهر الذي يتضاعف فيه أجر العمل، و يغفر فيه الزلل، حصل له من مجموع ذلك نبع من الخير لا ينضب و مدد لا ينقطع. فإذا واصل السير في طريقه الذي اتخذه، و دأب على السعي فيه بعد انقضاء الصوم و انتهاء الشهر ارتقى في السلّم مرتبة بعد مرتبة و درجة بعد درجة، كما يقول سبحانه في كتابه:

وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زٰادَهُمْ هُدىً وَ آتٰاهُمْ تَقْوٰاهُمْ، و كما يقول وَ يَزِيدُ اللّٰهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَ الْبٰاقِيٰاتُ الصّٰالِحٰاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوٰاباً وَ خَيْرٌ مَرَدًّا.

و من الواضح أتم الوضوح أن هذا المكلف الصائم المحافظ بمنتهى جهده على سلامة صومه و سلامة دينه لا يستوي منزلة مع المكلف الآخر الذي يمسك عن المفطرات المحظورة في الصوم كما ذكرنا، و لكنه يطلق لنفسه أن يرتكب غيرها من المحارم و المآثم التي لم تحكم ظواهر الشريعة بأنها من المفطرات.

و من أمثلة ذلك: من يصوم عن المفطرات الظاهرة، و لكنه لا يبالي أن ينظر النظرة المحرمة أو يرتكب الغيبة الخبيثة أو النميمة المهلكة أو يفتري الكذبة الفاحشة أو يفعل الفعلة الآثمة أو يتعاطى المعاملة المحرّمة أو يسمع أخاه أو قريبه أو أهله الكلمة النابية أو القولة الجارحة أو يفعل الفعلة السوءاء.

و صحة الصوم بحسب ظواهر الشريعة لا تعني أبدا ان الصوم مقبول عند الله يؤتي ثماره الطيبة و يؤدي نتاجه المحمود.

و ما ظنك بعبد يمسك عن منهيات الصوم

من المباحات و المحرمات ليرضي ربه بهذه العبادة، ثم يرتكب تلك الجرائر أو بعضها؟! و ماذا يبقى له إذا وضعت الاعمال في كفتي الميزان؟! و من المضحك المبكي ان يقول مع ذلك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

و لا فارق في نتيجة الأمر بين ان يرتكب الحرام في يوم صومه أو في ليله،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 105

و خصوصا في شهر الله العظيم الذي يتضاعف فيه العقاب على الفعل المحرم كما يتضاعف الثواب على فعل الطاعة و القربة، و لا سيما إذا صام في نهاره عن المباحات و أفطر في ليله على بعض الموبقات أو على أم الخبائث!!.

و من الصائمين في النهار من يقضي سهرته في ليالي الصوم، في ليالي شهر العبادة و التقوى و التوبة،. في ليالي شهر الله العظيم المبارك، على مائدة القمار و الميسر أو نظائرها من المهلكات، و قد يزاولها في أواخر نهار الصوم!، بحجة انه يقتل بعض الوقت و يخفف من عناء الصوم!!.

نعم، انه يقتل الوقت، و يقتل الصوم!، و يقتل كل طاقة و عدة في نفسه يرجى ان تعود به إلى سبيل الخير!. و لا حول و لا قوة إلا بالله.

و أدنى ما يؤمل لمثل هذا الصائم المرتكب للمحرمات إذا كانت صغيرة و أكثر منها، ان تتساوى كفتا ميزانه، فيخرج من إتعاب صومه صفر الكف صفر الميزان!!.

و في بعض الأحاديث عن الرسول (ص): (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع و العطش)، و في حديث الإمام الصادق (ع): (و دع المراء و أذى الخادم و ليكن عليك وقار الصائم فإنّ رسول الله (ص) سمع امرأة تسبّ جاريتها و هي صائمة، فدعا بطعام فقال لها: كلي، فقالت: إني صائمة،

فقال: كيف تكونين صائمة و قد سببت جاريتك؟ إن الصوم ليس من الطعام و الشراب).

و الثانية من درجات الصوم، و هي ارفع من الدرجة الأولى مقاما، و أوسع أثرا و أبلغ تأثيرا، هي أن يصوم الإنسان عن المفطرات المعينة، و تصوم معه جوارحه عن المآثم و المكروهات و المشتبهات و عن جميع ما لا يحمد و لا يحسن بالعبد المطيع من الأقوال و الأفعال و الحركات و التصرّفات، ففي الحديث عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع): (إذا صمت فليصم سمعك و بصرك و شعرك و جلدك، و عدّ أشياء غير هذا، قال: و لا يكن يوم صومك كيوم فطرك).

و يسمي بعض العلماء هذه الدرجة صوم الخاصة من الناس، و صوم الجوارح يعني ان تمنع و تصان كل جارحة من المحرّمات و الأسواء و المكروهات و المشتبهات التي تأتي من قبلها.

فصوم اللسان أن يحفظه الصائم عن محرمات القول كبيرها و صغيرها و عن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 106

مكروهاته و عن جميع فضول الحديث و مشتبهاته و ما لا يحمد و لا يحسن منه، فيعتصم عن جميع ذلك بالصمت، و بالعبادة و تلاوة الكتاب و قراءة الدعاء، و الذكر و الاستغفار، أو بالقول النافع المجدي في الدين و الدنيا.

و صوم السمع ان يصون المكلف جارحته عن الإصغاء لأي محرم و باطل و اي افك و زور و اي قول منكر أو فعل مكروه أو مشتبه، و لأي سفه يوجب استماعه للمرء حزازة في الدين أو نقصا في المروءة، أو ضعة في النفس أو في الخلق.

و هكذا في صوم بصره و سائر جوارحه و مشاعره، فيصونها عن الانحراف أو الشذوذ أو الميل في السلوك الصحيح

و عن كل ما يخدش و يريب، و يتجه بها جميعا الى النافع المجدي من الحركات و الأعمال الزكية.

و ما ظنك بعبد يطوّع جميع جوارحه في صومه هذا التطوع، و يحوطها هذه الحياطة، و يسمو بعقله و قلبه و نفسه و مشاعره هذا السموّ، فهل يبقى مجال من مجالات الخير الأعلى و الكمال الإنساني الرفيع، لا يستطيع هذا العبد بلوغه؟ و هل تبقى غاية من غايات النفوس الكريمة لا يستطيع إدراكها؟.

و لهذه الدرجة كذلك مراتب تحصل من دقة مراقبة المرء لنفسه و محاسبته إياها عما قد تميل إليه أو تنزلق فيه في بعض المواقف أو إزاء بعض الأهواء المرغوبة.

و لا ضير على السالك إذا ضعف يوما أو ساعة، أو قصر أو قهر في بعض المجاهدات، و كان ضعفه أو قصوره في ما لا يضرّ بدينه- كما هو المفروض-، و لا سيما إذا عاد فثابر قويا في مجاهدته و محاسبته، و قد يكون بعد عودته و مثابرته أقوى جلدا على الجهاد و المحاسبة منه قبل ذلك، و قد يكون بعد عودته و مصابرته في الجهاد ارفع منزلة و أكثر سموا و ارتفاعا منه قبل، و لكن المنازل تكون مختلفة على أي حال.

و أرقى درجات الصوم و أسماها شأنا و مقاما هو صوم الصفوة المنتجبة الخالصة من النبيين (ص) و أوصيائهم المعصومين (ع)، و صوم هذه الطبقة المصطفاة، هو أن يصون الصائم منها عقله و قلبه و نفسه و مشاعره، و سرّه و علانيته عن الفكر بغير الله، بل و عن الغفلة عنه، و النسيان و التناسي لمواعيده،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 107

و عن التعلق بغير سببه، و الشغل بغير طاعته و موجبات رضاه، و عن التباطؤ

في إقامة حدوده و أداء حقوقه و حقوق عباده.

و هو في الحقيقة مظهر كامل من مظاهر العصمة في هذه النفوس المطهّرة من الأرجاس، و مجلي من مجالي الانسداد الكلي بالله وحده، الذي اختصت به هذه القيمة من الخلق، الذين اختارهم الله قادة للإنسانية إلى الخير الأعلى و الكمال الأرفع، و جعلهم أولياء لها في جميع الأمور، و الله اعلم حيث يجعل رسالته و حيث يجعل اصطفاءه و اجتباءه، فصلوات الله عليهم أجمعين و على أرواحهم و أجسادهم صلاة تعمنا و جميع اتباعهم المؤمنين و المؤمنات باللطف و الرحمة، و تشملنا بالهدي و البركة، و تنير منّا البصائر و تطهّر لنا الضمائر.

و قد يرتقي بعض الخاصة من أتباع الأنبياء و الأوصياء بطول الجهاد و المران و شدة المحاسبة للنفس، و دقة المراقبة عليها، فيسيرون في سبيل ساداتهم و قادتهم، و يتبعون رشدهم، حتى يصلوا بنفوسهم و قلوبهم و عقولهم و مشاعرهم إلى أرقى مراتب العدالة، و حتى يبلغوا في صومهم و صلواتهم و عباداتهم إلى اسمي منازل القرب من الله.

و لكن العدالة المكتسبة غير العصمة، و التابع غير القائد المتبوع، و الكامل المتزائد في الكمال، غير الناقص المتكامل، و المستضي ء بنور غيره غير المضي ء المنير، و الله سبحانه هو مؤتي كل نفس ما هي له أهل و موفّيها جزاء ما كسبت من منزلة و من ثواب أو عقاب.

و من الأحاديث الجامعة في معاني الصوم و آدابه، ما رواه جراح المدائني عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع)، قال: (ان الصيام ليس من الطعام و الشراب وحده، انما للصوم شرط يحتاج ان يحفظ حتى يتم الصوم، و هو الصمت الداخل، إلى ان قال (ع): فإذا

صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، و غضّوا أبصاركم و لا تنازعوا و لا تحاسدوا و لا تغتابوا، و لا تماروا، و لا تكذبوا، و لا تباشروا و لا تخالفوا و لا تغاضبوا و لا تسابّوا و لا تشاتموا و لا تنابزوا و لا تجادلوا و لا تباذوا و لا تظلموا، و لا تسافهوا و لا تزاجروا، و لا تغفلوا عن ذكر الله و عن الصلاة و الزموا الصمت و السكوت و الحلم و الصبر و الصدق، و مجانبة أهل الشر، و اجتنبوا قول الزور و الكذب و المراء و الخصومة، و ظن السوء، و الغيبة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 108

و النميمة، و كونوا مشرفين على الآخرة منتظرين لأيامكم منتظرين لما وعدكم الله متزودين للقاء الله، و عليكم بالسكينة و الوقار و الخشوع و الخضوع، و ذل العبد الخائف من مولاه، راجين خائفين راغبين راهبين، قد طهرتم القلوب من العيوب، و تقدست سرائركم من الخب و نظفت الجسم من القاذورات، تبرأ إلى الله من عداه، و واليت الله في صومك بالصمت من جميع الجهات مما قد نهاك الله عنه في السّر و العلانية، و خشيت الله حق خشيته في السّر و العلانية، و وهبت نفسك لله في أيام صومك، و فرّغت قلبك له و نصبت قلبك له في ما أمرك و دعاك اليه، فإذا فعلت ذلك كله، فأنت صائم لله بحقيقة صومه صانع لما أمرك و كلما نقصت منها شيئا مما بينت لك فقد نقص من صومك بمقدار ذلك) إلى آخر الحديث.

و الحمد لله رب العالمين

كلمة التقوى، ج 2، ص: 109

كتاب الاعتكاف

اشارة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 111

كتاب الاعتكاف و هو يحتوي على فصلين

كلمة

التقوى، ج 2، ص: 112

الفصل الأول في الاعتكاف و شرائطه

المسألة الأولى:

الاعتكاف هو أن يلبث المكلّف في المسجد متقربا إلى الله بلبثه و بقائه فيه في المدة المطلوبة، فإذا نوى الرجل التعبد لله بمكثه و إقامته في المسجد و اقام فيه المدة المعينة فقد حصل منه الاعتكاف الشرعي، و ان لم يقصد مع ذلك أن يأتي بعبادة أخرى في أثناء مكثه في المسجد، من تلاوة قرآن أو قراءة دعاء أو ذكر أو استغفار أو غيرها، فلا يكون قصد شي ء من العبادات الأخرى من مقومات معنى الاعتكاف، و إن كان الأحوط للمكلف أن يقصد الإتيان بها مع اللبث في المسجد.

المسألة الثانية:

يصح أن يقع الاعتكاف من المكلف في أي وقت يصح فيه الصوم، و سيأتي منّا- إن شاء الله تعالى-: ان الصوم شرط في صحة الاعتكاف، و لا يصح بدونه، و لذلك فلا يصح الاعتكاف في وقت لا يجوز فيه الصوم، و الأفضل إيقاع الاعتكاف في شهر رمضان، و أفضل أيام الشهر للاعتكاف هي الأيام العشرة الأواخر منه، ففي الحديث عنه (ص) انه قال: (اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجتين و عمرتين) و عن أبي عبد الله (ع) قال: (اعتكف رسول الله (ص) في شهر رمضان في العشر الأول، ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثم اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثم لم يزل (ص) يعتكف في العشر الأواخر).

المسألة الثالثة:

لا ريب في شرعية الاعتكاف في الإسلام، و لا ريب في ثبوت استحبابه بين جميع المسلمين، و على ذلك جرت سيرتهم، و اتفقت نصوصهم عن الرسول (ص)، فهو مستحب في أصل الشرع، و قد يجب على الإنسان بالعارض من نذر أو عهد أو يمين، و قد يجب عليه بالشرط في ضمن العقد، و مثال ذلك: أن يشترط أحد المتعاقدين على الآخر في ضمن عقد يجري بينهما من بيع أو إجارة أو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 113

صلح أو نكاح أو غير ذلك من العقود: أن يعتكف ثلاثة أيام، فيجب على صاحبه أن يعتكف إذا هو قبل بالشرط، سواء اشترط عليه أن يعتكف الأيام لنفسه أم لغيره.

المسألة الرابعة:

يصح للإنسان أن يعتكف بالنيابة عن غيره إذا كان الشخص المنوب عنه ميتا، بل الظاهر جواز النيابة عن الغير إذا كان حيا و كان الاعتكاف مندوبا له، سواء كان متبرعا بالاعتكاف عنه أم كان مستأجرا له أم مشروطا عليه في ضمن العقد، كما أشرنا إليه.

المسألة الخامسة:

يشترط في صحة الاعتكاف (أولا): أن يكون المعتكف مسلما، فلا يصح اعتكاف الرجل إذا كان كافرا كما في نظائره من العبادات، و يشكل الحكم في اشتراط ان يكون المعتكف مؤمنا بالمعنى الأخص، و قد سبق نظير هذا الإشكال في الصوم و غيره من العبادات، و لذلك فلا بد فيه من مراعاة الاحتياط، فإذا شرع غير المؤمن باعتكاف واجب ثم استبصر في أثناء اعتكافه، فعليه ان يجدد نية الاعتكاف بعد استبصاره و يتم اعتكافه، ثم يقضيه بعد إتمامه، و إذا شرع في اعتكاف مندوب و كان استبصاره بعد انقضاء يومين منه، فالأحوط له أيضا أن يجدد النية و يتم الاعتكاف ثم يقضيه بعد الإتمام، و إذا استبصر في أثناء اليومين الأولين من الاعتكاف أمكن له التخلص من الإشكال، فيرفع يده عن الاعتكاف الذي شرع فيه، و يستأنفه من أوله على الوجه الصحيح، و يمكن له أن يجري مع الاحتياط على النهج السابق.

المسألة السادسة:

يشترط في صحة الاعتكاف (ثانيا): ان يكون المعتكف عاقلا، فلا يصح اعتكاف المجنون و ان كان جنونه أدوارا إذا وقع اعتكافه في دور جنونه، و لا يصح الاعتكاف من السكران و نحوه، و إذا نوى الاعتكاف قبل سكره ثم سكر بعد ان سبقت منه النية فلا يترك الاحتياط له- إذا أفاق من السكر- بأن يتم اعتكافه ثم يقضيه بعد ذلك إذا كان واجبا.

المسألة السابعة:

يشترط في صحة الاعتكاف (ثالثا): النية كسائر العبادات، فينوي اللبث في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 114

المسجد متقربا به الى الله، فإذا كان الاعتكاف واحدا و نواه كذلك صح و كفاه، سواء كان واجبا أم مندوبا، و لم يجب تعيينه أو وصفه في النية، و إذا تعددت الاعتكافات الواجبة على المكلف، و اختلف بعضها عن بعض في الأثر، وجب على المكلف في نيته أن يعين الاعتكاف الذي يريد القيام به، و مثال ذلك أن يكون بعض الاعتكافات الواجبة عليه منذورا و بعضها واجبا باليمين أو بالعهد أو بالإجارة، فيجب عليه التعيين، و إذا تعددت الاعتكافات المطلوبة منه و كانت من نوع واحد و لم يختلف بعضها عن بعض في الأثر، فكانت كلها من الواجب بالنذر للشكر مثلا أو من الواجب بالعهد أو باليمين، لم يجب على المكلف أن يعين في نيته ان ما يريد الإتيان به هو المنذور الأول أو الثاني مثلا.

و كذلك إذا استؤجر المكلف لاعتكافين أو أكثر ينوب بها عن شخص واحد، فلا يجب عليه أن يقصد ان ما يأتي به هو اي الاعتكافات عن المنوب عنه، و إذا تعدد المنوب عنه، فلا بد من التعيين، و هكذا.

و لا يعتبر في النية ان يقصد الوجوب في الاعتكاف الواجب، و الندب

في المندوب، بل تكفي فيه نية القربة، و يكفي قصد امتثال الأمر المتوجه اليه بالعمل، و إذا قصد الوجوب في الاعتكاف الواجب صح و كفى، و كذلك إذا نوى الندب في الاعتكاف المندوب، و لا ينافي ذلك ان الاعتكاف في اليوم الثالث منه يكون واجبا على المعتكف.

و وقت النية في الاعتكاف هو أول الشروع فيه، فإذا أراد الرجل أن يبدأ في الاعتكاف من أول النهار نواه قبل طلوع الفجر متصلا به أو مقارنا له، و لا يصح ان يؤخر نيته عن الفجر فيمرّ عليه جزء من النهار بغير نية.

و يشكل الحكم بالصحة إذا هو بيّت النية من الليل و هو يريد الاعتكاف من أول الفجر، فليس شأن الاعتكاف شأن الصوم ليكتفى فيه بتبييت النية من الليل و لا يصح قياسه عليه في الحكم.

و إذا أراد الرجل الشروع في الاعتكاف من أول ليلته، أو في أثنائها نوى العمل من ذلك الوقت، و صح، و إذا أراد الشروع فيه بعد انقضاء شطر من النهار فينويه وقت الشروع به.

المسألة الثامنة:

يشترط في صحة الاعتكاف (رابعا): ان يكون المعتكف صائما، فلا يصح

كلمة التقوى، ج 2، ص: 115

الاعتكاف بغير صوم، و يتفرع على اعتبار هذا الشرط شرط آخر، و هو أن يكون الاعتكاف في وقت يصح فيه الصوم، فلا يصح إذا اعتكف في وقت لا يصحّ صومه كيومي العيدين و أيام التشريق لمن كان بمنى، فإذا اعتكف الرجل من يوم العيد، أو كان العيد في ضمن أيام اعتكافه الثلاثة، بطل اعتكافه و لم يصح، و لا يصح منه الاعتكاف إذا كان مسافرا سفرا لا يصح فيه الصوم، أو كان مريضا لا يصح منه الصوم، أو صحيحا يتعذر عليه الصوم، و

لا يصح من المرأة إذا كانت حائضا أو نفساء، لذلك و لحرمة اللبث في المسجد عليهما.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 2، ص: 115

و إذا كان المسافر ممن يصح منه الصوم كمقيم العشرة و من يكون عمله السفر و غيرهما من الأصناف، فلا يمنع من الاعتكاف إذا أراد فيجوز له أن يصوم و يعتكف في سفره.

المسألة التاسعة:

لا يعتبر في صوم المعتكف أن يأتي به المكلف من أجل الاعتكاف نفسه، فإذا اتفق له انه كان صائما في شهر رمضان أو في قضائه، أو في واجب غيرهما من نذر أو كفارة أو عهد، أو كان صائما صوما مندوبا صح له أن يعتكف في ذلك الصوم، و كفاه في حصول الشرط المعتبر في الاعتكاف.

و يصح إذا كان المكلف صائما بالنيابة عن غيره تبرعا أو مستأجرا عليه، فيجوز له ان يعتكف في هذا الصوم و يكفيه في حصول الشرط و ان كان اعتكافه لنفسه.

و كذلك إذا كان اعتكافه منذورا أو واجبا عليه بالنيابة عن غيره، فيكفيه أن يعتكف في أي صيام اتفق، و حتى إذا كان مستأجرا للصيام عن غيره، و مستأجرا أيضا للاعتكاف عن شخص آخر، فيصح له أن يأتي بالصيام و بالاعتكاف المستأجر عليهما للشخصين في أيام واحدة و يحصل بالصوم شرط صحة الاعتكاف.

و إذا أحرم المتمتع بحج التمتع في أوائل شهر ذي الحجة و لم يجد هديا لحج التمتع و أراد أن يصوم الأيام الثلاثة في مكة بدلا عن الهدي، فيجوز له أن يعتكف في المسجد الحرام، و يجعل صومه عن الهدي صوما لاعتكافه.

المسألة العاشرة:

إذا نذر الرجل ان يعتكف أياما معينة أو أياما مطلقة وجب عليه أن يفي

كلمة التقوى، ج 2، ص: 116

لله بما نذره، و جاز له ان يأتي بالاعتكاف الذي أوجبه على نفسه في صوم مندوب، و لا يجب عليه الصوم لذلك الاعتكاف على الأقوى، و لا تنافي بين أن يكون الاعتكاف واجبا عليه، و ان يكون الشرط فيه و هو الصوم مندوبا، فإذا هو أتم الصوم المندوب و لم يقطعه صح اعتكافه و كان وفاء بنذره لحصول شرطه،

و إذا قطع الصوم لأنه مندوب انقطع الاعتكاف و كان آثما بذلك إذا كان نذر الاعتكاف معينا، أو كان في اليوم الثالث منه، و وجب عليه استئناف الاعتكاف.

المسألة 11:

يشترط في صحة الاعتكاف (خامسا): أن لا يكون أقل من ثلاثة أيام، فإذا نوى الرجل ان يعتكف أقل من ثلاثة أيام لم تصح منه نيته و كان اعتكافه باطلا، و مثال ذلك: ان ينوي الاعتكاف من ضحى يوم الأربعاء أو من زوال الشمس فيه إلى الغروب من يوم الجمعة، أو ينوي الاعتكاف من أول يوم الجمعة إلى ظهر يوم الأحد، أو الى وقت العصر منه، و إذا نذر الاعتكاف كذلك لم ينعقد نذره على ما سيأتي بيانه.

و يوم المعتكف هو يوم الصائم، و حدّه من طلوع الفجر الثاني الصادق إلى دخول الليل، و هو زوال الحمرة المشرقية، و قد بيّنا هذا في كتاب الصوم، فإذا نوى المكلف أن يعتكف من طلوع الفجر في يوم الجمعة إلى الغروب الشرعي من يوم الأحد، صح اعتكافه و كملت له الأيام الثلاثة، و إذا نذره كذلك صح نذره و لزمه الوفاء به، و تدخل فيه الليلتان المتوسطتان، و هما ليلة السبت و ليلة الأحد في المثال الذي ذكرناه، و لا تدخل فيه الليلة الأولى و هي ليلة الجمعة، و لا الليلة الرابعة و هي ليلة الاثنين، فلا يجب عليه الاعتكاف فيهما، و هذا هو الحد الأقل للاعتكاف.

و يجوز للرجل أن يزيد في نيته على الحدّ المذكور في الاعتكاف، فينوي الاعتكاف من أول الليلة الأولى أو في أثنائها، أو يقصد الاعتكاف الى آخر الليلة الرابعة أو الى بعضها أو إلى بعض نهار اليوم الرابع أو إلى آخره، فيصح منه جميع ذلك، و

يجوز له ان يعتكف أكثر منه، و إذا زاد يوما رابعا أو خامسا أو أكثر دخلت الليالي المتوسطة في الاعتكاف و شملها حكمه.

المسألة 12:

إذا اعتكف الإنسان خمسة أيام تامة وجب عليه أن يعتكف اليوم السادس

كلمة التقوى، ج 2، ص: 117

إلى غروبه الشرعي، و دخلت الليلة المتوسطة في الاعتكاف أيضا، فلا يجوز له ان يفسخ الاعتكاف و يرفع اليد عنه حتى يتم اليوم السادس، و يجوز له ان يستمر في اعتكافه أكثر من ذلك، و ان يفسخه إذا كان مندوبا.

و قد ذهب بعض العلماء إلى إجراء الحكم المتقدم ذكره في الزائد على الستة من أيام الاعتكاف، فكلما زاد المعتكف يومين في الاعتكاف وجب عليه اليوم الثالث، فإذا اعتكف الرجل ثمانية أيام تامة وجب عليه أن يعتكف اليوم التاسع، و إذا اعتكف احد عشر يوما، وجب عليه ان يعتكف اليوم الثاني عشر، و لم نقف لهذا القول على دليل، و لكن فيه احتياطا مستحبا لا ينبغي تركه.

المسألة 13:

يشكل الحكم بالاكتفاء في صحة الاعتكاف بثلاثة أيام ملفقة، و هي أن يعتكف الرجل من ظهر اليوم الأول مثلا إلى ظهر اليوم الرابع، فلا يترك الاحتياط بعدم الاكتفاء به، فلا ينوي الاعتكاف ثلاثة أيام ملفقة و لا ينذره كذلك، بل القول بعدم الاكتفاء بذلك لا يخلو من قوة، و هذا إذا قصد بنيته و بنذره الاعتكاف الشرعي المعروف بين المتشرعة.

المسألة 14:

إذا نذر الرجل أن يعتكف أقل من ثلاثة أيام، فالمعنى الظاهر من قوله هذا:

انه قد قيّد اعتكافه الذي نذره بأن يكون أقل من المدة المعتبرة للاعتكاف الشرعي، و لا ريب في بطلان هذا النذر من أصله، فلا ينعقد و لا يجب الوفاء به، و لا يجب قضاؤه إذا كانت الأيام التي نذر الاعتكاف فيها معينة، و كذلك الحكم إذا نذر الاعتكاف ثلاثة أيام معيّنة تامة، ثم تبين له بعد إيقاع النذر ان احد الأيام الثلاثة التي نذر اعتكافها يوم عيد يحرم صومه، فيبطل نذره و ان كان الناذر غافلا عن العيد حين إنشائه صيغة النذر، أو كان العيد غير ثابت على الوجه الشرعي، ثم ثبت بعد إنشاء صيغة النذر أنه أحد الأيام التي نذر اعتكافها، فيبطل نذر الناذر من أصله و لا يجب قضاؤه.

و كذلك إذا نوى الرجل الاعتكاف في الأيام الثلاثة المعينة و شرع فيه، ثم ثبت ان العيد في أحد أيام اعتكافه، أو تذكر ذلك بعد غفلته فيبطل اعتكافه من أصله.

و إذا نذر الرجل ان يعتكف يوما أو يومين معينة أو غير معينة، و لم يقيد

كلمة التقوى، ج 2، ص: 118

نذره بهذا العدد صح نذره، و وجب عليه ان يتم اعتكافه ثلاثة أيام تامة.

المسألة 15:

يشترط في صحة الاعتكاف (سادسا): ان يكون في مسجد جامع تقام فيه صلاة الجماعة الصحيحة، فلا يصح الاعتكاف في غير مسجد من مشهد أو معبد غيره، و لا في مسجد قبيلة أو مسجد سوق، و ان كانت تنعقد فيها صلاة جماعة صحيحة.

و أفضل من ذلك و أحوط ان يقع الاعتكاف في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول (ص)، أو مسجد الكوفة أو مسجد البصرة، و يصح الاعتكاف في

هذه المساجد الأربعة، و ان اتفق أن لا تنعقد فيها صلاة جماعة صحيحة بالفعل كمسجد البصرة مثلا.

المسألة 16:

يشترط في صحة اعتكاف العبد المملوك (سابعا): ان يأذن له مالكه بالاعتكاف، فلا يصح له ان يعتكف بغير إذنه، و ان كان السيد في ذلك الوقت غير محتاج لخدمة أو لعمل آخر، و كان صوم العبد صحيحا، لأنه في شهر رمضان مثلا، أو كان السيد قد أذن له بالصوم، فلا يصح اعتكاف العبد في جميع ذلك بغير إذن، و هذا إذا كان العبد خالصا في عبوديته و لم يتحرر منه شي ء، سواء كان قنّا أم مدبّرا أم مكاتبا لم يتحرر منه شي ء، أم كانت الأمة أم ولد لسيدها.

و يراد بالعبد القن المملوك الذي لم يتشبث بالحرية من بعض جهاته، و يراد بالمدبّر من أنشأ سيده له الحرية إذا مات السيد قبله، و المكاتب من يكاتبه سيده على أن يؤدي له مبلغا من المال فيكون حرّا إذا أدى له المبلغ كله، أو إذا أدّاه إليه أقساطا، و أم الولد هي الأمة التي يطأها سيّدها لأنها ملك يمينه، فتلد له ولدا أو تحمل منه و تتشبث بالحرية بسبب ذلك، فإذا مات السيد انعتقت بعد موته من نصيب ولدها في الميراث، و الأقسام المذكورة تشترك جميعا في ان المملوك لا يزال عبدا خالصا لسيده لم يتحرر منه شي ء بالفعل، فلا يصح له الاعتكاف إلا بإذنه.

المسألة 17:

إذا كان العبد مبعّضا فانعتق بعضه و أصبح ذلك البعض حرّا و بقي بعضه الآخر مملوكا لسيده، و هاياه مولاه في الزمان فقسّم أوقاته بينهما بحسب ما في العبد من نصيب الحرية و الرقّية، فجعل بعض أيامه خاصة للسيد يقوم العبد فيها

كلمة التقوى، ج 2، ص: 119

بخدمته و بالأعمال التي تعود إليه، أداء لنصيب العبودية في العبد، و عيّن أياما أخرى تكون

خاصة للعبد يستقل فيها بأعماله و تصرفاته لنفسه، وفاء بحق الحرية الثابت له، أمكن لهذا العبد المبعض أن يعتكف في أيامه الخاصة به إذا كانت وافية بزمان الاعتكاف، و لا يحتاج في ذلك إلى إذن من السيد، بل الظاهر أنه يصح له الاعتكاف في أيامه و ان نهاه السيد عنه و صرّح له بالمنع.

المسألة 18:

يشترط في صحة اعتكاف الأجير الخاص أن يأذن له مستأجره المالك لمنفعته بأن يعتكف، فلا يصح له أن يعتكف بغير إذنه، و هذا إذا كان الاعتكاف ينافي حق المستأجر، و مثال ذلك: أن يستأجر الإنسان الأجير لتكون جميع أعماله و منافعه مملوكة للمستأجر مدة معلومة، فلا يحق لهذا الأجير أن يعتكف بغير إذن مستأجره، فان الاعتكاف بعض أعماله المملوكة للمستأجر، و يكون الحكم فيه في تلك المدة نظير الحكم في العبد المملوك.

و لا يترك الاحتياط لزوما في ان تستأذن المرأة زوجها إذا أرادت الاعتكاف من جهة اعتبار الصوم في صحة الاعتكاف، و قد سبق في المسألة المائتين و الرابعة و الخمسين من كتاب الصوم ان الأحوط للمرأة أن تجتنب الصوم المندوب بغير اذن زوجها.

و إذا كان صومها واجبا أو كان مندوبا و قد اذن لها الزوج به، فلا يصحّ لها الاعتكاف إلا بإذنه، إذا كان اعتكافها ينافي حق استمتاع الزوج.

و لا يصح اعتكاف الولد على الأحوط لزوما إذا نهاه الأب عنه أو نهته الأم، و كان نهيهما بداعي الشفقة و العطف عليه، و لا يصح اعتكافه أيضا إذا كان الاعتكاف يوجب أذيتهما أو أذية أحدهما لبعض الأسباب العقلائية التي توجب ذلك، و لا اعتبار بذلك إذا كان لتوهمات و أسباب غير عقلائية.

المسألة 19:

يشترط في صحة الاعتكاف (ثامنا): أن يستمر المكلف في لبثه في المسجد المعيّن حتى تكمل الأيام التي نوى اعتكافها، فلا يخرج من المسجد إلا لضرورة عقلية أو شرعية أو عرفية تحتمّ عليه الخروج، فإذا خرج من المسجد عامدا مختارا لغير ذلك كان اعتكافه باطلا، و ان كانت فترة خروجه قليلة يسيرة، و سنذكر في المسائل الآتية أمثلة من هذه الأعذار التي تبيح له

الخروج و لا تضرّ باعتكافه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 120

و ليس من الأعذار التي تبيح له الخروج ان يكون المكلف جاهلا بالحكم، فإذا خرج عامدا من غير ضرورة تسوغ له الخروج بطل اعتكافه، سواء كان جاهلا مقصّرا أم جاهلا قاصرا.

و من أمثلة ذلك: أن يعتقد ان الخروج من المسجد إذا كان يسيرا لا يبطل به الاعتكاف، أو يظن ان الخروج إجابة لدعوة أخيه لبعض المناسبات لا تكون مضرة بعمله، فيبطل اعتكافه إذا فعل كذلك، و يجب عليه قضاء الاعتكاف إذا كان واجبا.

المسألة 20:

يشكل الحكم بصحة اعتكاف الرجل إذا خرج من المسجد لغير حاجة تسوّغ له الخروج، و كان ناسيا للحكم بعدم جواز خروج المعتكف، أو ناسيا لأصل اعتكافه، فلا يترك الاحتياط لزوما بالبطلان بل لا يبعد القول به، و لا يبطل اعتكاف المكلف إذا أكرهه أحد من الناس يخشى وعيده على الخروج من المسجد، فخرج منه مكرها، و أولى من ذلك بعدم البطلان ما إذا قسره قاسر متغلب فأخرجه من المسجد من غير اختيار و لا قدرة على الامتناع، أو أخرجه نائما، و كذلك إذا خرج منه غافلا غير ملتفت لفعله، أو احتاج إلى الخروج منه لبول أو غائط أو نجاسة أخرى، حذرا من تلوث المسجد بها، أو اضطر إلى الخروج لمراجعة طبيب لا بدّ من مراجعته أو لتناول علاج، أو شراء حاجة لا يستقيم بدونها، و تلاحظ المسألة السادسة و الأربعون.

المسألة 21:

لا يضر بلبث المعتكف في المسجد و مكثه فيه أن يخرج يده من الباب لمصافحة أحد في خارج المسجد مثلا، أو ليأخذ منه حاجة أو ليدفع صدقة إلى فقير، أو يخرج رأسه للنظر إلى شي ء إذا كان بدنه و سائر أعضائه داخل المسجد، فالمدار في ذلك على صدق اللبث في المسجد عرفا.

المسألة 22:

سبق في المسألة الخامسة انه يشترط في صحة الاعتكاف ان يكون المعتكف مسلما، و لا فرق في هذا بين أصناف الكفار و مللهم، و لا بين الكافر الأصلي و المرتد عن الإسلام، فإذا ارتد المعتكف عن الإسلام في أيام اعتكافه بطل اعتكافه، سواء ارتدّ في نهاره و هو صائم أم في لياليه، و سواء كانت ردته عن فطرة أم عن ملة،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 121

و سواء تاب بعد ارتداده و رجع إلى الإسلام أم لم يتب و لم يرجع، و سواء كانت فترة ارتداده قصيرة أم طويلة.

المسألة 23:

الاعتكاف عبادة شريعة من العبادات، و لذلك فيشترط في صحته ان يأتي المعتكف به متقربا إلى الله، و قد بينّا هذا في المسألة السابعة، و يعتبر ان تكون النية فيه مستمرة حكما من أول حدوثه إلى أن يتم آخر جزء منه كما هو الحكم في العبادات الأخرى، و من أجل ذلك فلا يجوز للمعتكف ان يعدل من اعتكاف نواه إلى اعتكاف غيره، و ان كان مثله في الوجوب أو الاستحباب، أو كانا واجبين عليه بالنذر، أو كانا واجبين بالإجارة و النيابة عن الغير، بل و ان كانا بالنيابة عن شخص واحد، فإذا عيّن في نيته اعتكافا خاصا لم يجز له ان يعدل في الأثناء إلى نية اعتكاف آخر.

المسألة 24:

لا يصح لرجل واحد ان يعتكف اعتكافا واحدا ينوب فيه عن شخصين أو أكثر من الأموات أو من الأحياء، فينوي في اعتكافه الواحد النيابة عن الشخصين معا بحيث يكون الاعتكاف لهما على سبيل الاشتراك بينهما، فإذا نوى ذلك كان اعتكافه باطلا و لم يكف عن أحدهما على الظاهر.

و يجوز للرجل ان يعتكف اعتكافا واحدا و يهدي ثوابه إلى شخصين أو إلى أكثر، سواء كانا ميتين أم حيين أم كان أحدهما حيا و الآخر ميتا، و يجوز له ان يتبرع بذلك و أن يستأجر عليه.

المسألة 25:

يجوز للمكلف إذا اعتكف اعتكافا مندوبا- لم يوجبه على نفسه بنذر أو ما يشبهه أو بإجارة أو غيرها- ان يقطع اعتكافه في اليومين الأولين منه، فيصح له أن يخرج من المسجد فيهما متى أراد و لا يأثم بذلك، و إذا أتم اعتكاف اليومين الأولين وجب عليه ان يعتكف اليوم الثالث، و لم يجز له الخروج من المسجد حتى يتم ذلك اليوم إلى الغروب الشرعي، و المراد أن يتم اعتكاف اليومين من أولهما إلى الغروب الشرعي من اليوم الثاني، فإذا حصل له ذلك لم يصح له الخروج من المسجد في ليلة اليوم الثالث و لا في نهاره إلى دخول وقت الغروب.

و كذلك الحكم في الاعتكاف المنذور غير المعيّن، فيجوز للناذر قطع اعتكافه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 122

في اليوم الأول و الثاني، و يحرم عليه قطعه في ليلة اليوم الثالث و نهاره على نهج الاعتكاف المندوب.

و لا يجوز للمكلف قطع الاعتكاف المنذور إذا كان معينا لا في اليومين الأولين و لا في اليوم الثالث، و بحكمه الاعتكاف الواجب المعين بالعهد و اليمين، و تلاحظ المسألة العاشرة.

المسألة 26:

يستحب للمكلف دخول المسجد و المكث فيه و إطالة اللبث و البقاء فيه في أوقات الصلاة و غيرها، و أن يكون الرجل أول داخل للمساجد و آخر خارج منها، و ذلك من عمارة مساجد الله التي دلت عليها النصوص الكثيرة من الكتاب الكريم و السنة المطهّرة، و لا يختص ذلك بالمسجد الجامع، و ما تقام فيه الجماعة، بل يعم جميع المساجد الصغيرة و الكبيرة، و ليس هذا من الاعتكاف الشرعي المبحوث عنه، و لا يشترط بشرط، و لا حدّ له و لا وقت، بل هو باب من أبواب الخير المفتوحة

مطلقا، و يتضاعف الأجر و تكبر العمارة إذا ضمت إلى ذلك عبادة أخرى، من طهارة و صلاة و تلاوة و ذكر و دعاء و استغفار.

و إذا نذرها الناذر انعقد نذره و لزمه الوفاء به، و لا بد في صحة النذر من تعيين العمل المنذور و العبادة المقصودة، و لا يكون ذلك من الاعتكاف الشرعي و ان طالت المدة و تنوعت العبادة التي يأتي بها بل و ان اتفق انه كان صائما، فلا يكون بذلك معتكفا و لا تلزمه احكامه.

المسألة 27:

أقل الاعتكاف الشرعي ثلاثة أيام تامة و منه الليلتان المتوسطتان و قد تقدم بيان هذا، فإذا نذر المكلّف أن يعتكف ثلاثة أيام في النهار خاصة منها دون الليل لم يصح نذره و لم يجب عليه الوفاء به، و هذا إذا قصد بنذره الاعتكاف المعروف بين الفقهاء و المتشرعة، و إذا قصد بنذره أن يمكث في المسجد تلك المدة و ان لم يكن من الاعتكاف المصطلح عليه بينهم صح نذره و لزمه الوفاء به، كما قلنا في المسألة الماضية.

المسألة 28:

إذا نذر الرجل ان يعتكف ثلاثة أيام تامة لم تدخل الليلة الأولى و لا الليلة الرابعة، فهما خارجتان عن المحدود عرفا، و لا تدخل الليلة الأولى إلا إذا أراد

كلمة التقوى، ج 2، ص: 123

من اليوم المنذور ما يعمّ ليلته، و لا تدخل الليلة الرابعة إلّا إذا نوى إضافتها إلى الأيام المنذورة، و هو واضح.

و إذا نذر أن يعتكف شهرا هلاليا، وجب عليه أن يعتكف ما بين الهلالين، و لذلك فيلزمه أن يعتكف الليلة الأولى من الشهر، لأنها جزء منه عرفا، و إذا نذر أن يعتكف أسبوعا، وجب عليه ان يبتدئ بالاعتكاف من أول ليلة من ليالي الأسبوع إلى الغروب الشرعي من اليوم السابع، فتدخل الليلة الأولى و لا تدخل الليلة الثامنة.

و إذا قصد في نذره أن يعتكف من النصف في الليلة الأولى من الأسبوع إلى النصف من الليلة الثامنة كما يتعارف عليه في التوقيت الغربي، لزمه العمل حسب ما قصد في نذره.

المسألة 29:

إذا نذر الرجل ان يعتكف شهرا، وجب عليه ان يعتكف شهرا هلاليا من الهلال إلى الهلال، سواء بلغ عدده ثلاثين يوما، أم هلّ الهلال الثاني على نقص، و إذا نذر ان يعتكف مقدار شهر لزمه ان يعتكف ثلاثين يوما تامة، و ان بدأ باعتكافه من أول الهلال، فلا يكتفي به إذا كان ناقصا، و يلزمه ان يعتكف الليلة الأولى من الثلاثين فهي جزء من الشهر.

و إذا نذر أن يعتكف شهرا من الشهور الشمسية، وجب عليه أن يعين في نذره الشهر الذي يريده فان الشهور الشمسية مختلفة في العدد، فبعضها ناقص دائما و بعضها تام دائما و بعضها زائد دائما، و عليه أن يبدأ في اعتكافه من الوقت الذي يدخل فيه الشهر المنذور

إلى الوقت الذي به ينتهي.

المسألة 30:

إذا نذر الرجل ان يعتكف شهرا وجب عليه ان يتابع اعتكافه في الشهر المنذور من أوله إلى آخره، للانصراف إلى ذلك عرفا من ظاهر نذره، سواء كان الشهر الذي نذره معينا أم مطلقا غير معين، و كذلك إذا نذر ان يعتكف أسبوعا فإنه ينصرف إلى التتابع.

و إذا نذر أن يعتكف مقدار شهر كان نذره مطلقا، فلا تجب عليه المتابعة في اعتكافه، و جاز له أن يفرّق بين أيامه كيفما أراد، فإذا فرق أيام اعتكافه ثلاثة ثلاثة، أو أكثر من ذلك حتى أتم مقدار الشهر الذي نذره صح اعتكافه و وفى

كلمة التقوى، ج 2، ص: 124

بنذره، و إذا اعتكف منه يوما على انفراده، فعليه ان يضم إلى اعتكاف ذلك اليوم اعتكاف يومين آخرين غيره ليحصل بذلك شرط صحة اعتكاف اليوم المنذور و بدون هذه الضميمة لا يصح، و يجوز ان يضم إليه أكثر من ذلك إذا شاء.

و إذا اعتكف منه يومين على انفرادهما أضاف إليهما اعتكاف يوم ثالث أو أكثر ليحصل الشرط و يصح الاعتكاف.

المسألة 31:

إذا نذر الشخص أن يعتكف شهرا أو زمانا معلوم المقدار، و شرط في نذره أن يكون اعتكافه فيه متتابعا، ثم أخلّ بتتابعه فترك اعتكاف يوم منه أو أكثر، بطل اعتكاف ذلك الشهر أو الزمان كلّه، و وجب عليه أن يستأنف الاعتكاف في غير ذلك الشهر أو الزمان الذي أبطل اعتكافه، و ان يأتي به متتابعا كما شرط في نذره، و ان اعتكف من الشهر أو الزمان المنذور ثلاثة أيام أو أكثر أو اعتكف نصف الشهر تاما، فلا يكفيه ذلك عن شي ء من الواجب.

و إذا كان الشهر أو الزمان الذي نذر اعتكافه معينا، بطل اعتكافه بإخلاله بالتتابع فيه- كما قلنا- و

وجب عليه قضاء الشهر أو المنذور من أوله، و ان يأتي بالقضاء متتابعا، على الأحوط لزوما، و إذا بقيت من الشهر المعين أو الزمان المعين بقية من أيامه بعد إبطاله، فالأحوط لزوما للمكلف أن يبتدئ بالقضاء المتتابع من الأيام الباقية منه و لا يؤخر القضاء عنها.

و كذلك الحكم إذا نذر الرجل اعتكاف الشهر أو الزمان المعلوم، و كان نذره ينصرف إلى المتتابع في نظر أهل العرف، فتجري فيه الأحكام التي فصلناها في الشرط الصريح.

المسألة 32:

إذا نذر الشخص ان يعتكف أربعة أيام، و لم يشترط في نذره أن تكون الأيام الأربعة متتابعة و لم تقم قرينة خاصة و لا عامة على إرادة التتابع من صيغة النذر، من انصراف أو انسباق يعوّل عليه أهل اللسان، أو نحو ذلك، فإذا نذر الرجل ان يعتكف كذلك، و أخلّ عامدا باليوم الرابع فلم يعتكف فيه، صح اعتكافه في الأيام الثلاثة التي أتى بها، و وجب عليه أن يقضي اعتكاف اليوم الرابع، و أن يضم إليه اعتكاف يومين آخرين ليصح بهذه الضميمة اعتكاف اليوم الرابع المنذور، و يصح قضاؤه بحصول شرطه، و يجوز له أن يجعل يوم القضاء أي الأيام الثلاثة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 125

أراد.

المسألة 33:

إذا نذر المكلف أن يعتكف خمسة أيام انعقد نذره، و وجب عليه أن يفي به، و وجب عليه عند الوفاء به أن يضيف إلى الخمسة المنذورة اعتكاف يوم سادس، سواء اتى بالأيام الخمسة متتابعة فيأتي باليوم السادس متصلا بها، أم اعتكف الأيام الثلاثة الأولى منفردة، ثم اعتكف اليومين الرابع و الخامس منفصلة عنها، فعليه أن يعتكف اليوم السادس متصلا بهما، و لا يصح له أن يعتكف اليوم السادس منفردا عنهما، و إذا فصل اليوم السادس عنهما بطل اعتكاف اليومين، و وجب عليه أن يعيد اعتكافهما متصلين بيوم سادس، و إذا نذر أن يعتكف خمسة أيام متتابعة، وجب عليه- عند الوفاء بالنذر- أن يأتي باعتكاف ستة أيام متتابعة، و لم يجز له التفريق.

المسألة 34:

لا يشترط في صحة الاعتكاف أن يكون المعتكف بالغا، فيصح اعتكاف الصبي المميز على الأقوى، إذا اتى به على الوجه الشرعي المطلوب، و تلزمه الأحكام التي تتوقف عليها صحة الاعتكاف، فإذا هو اعتكف يومين لزمه ان يعتكف معهما يوما ثالثا متصلا بهما، و إذا اعتكف خمسة أيام لزمه اعتكاف اليوم السادس كما في المكلف البالغ، و إذا هو لم يفعل بطل اعتكافه، و لم يأثم، و يلزمه أن يجتنب محرمات الاعتكاف.

المسألة 35:

يعتبر في صحة الاعتكاف الواحد أن يقع في مسجد واحد، فلا يصح للرجل أن يعتكف اعتكافا واحدا في مسجدين، و مثال ذلك: أن يكون في البلد مسجدان جامعان تنعقد فيهما جماعة صحيحة، فيعتكف الرجل في أحدهما يوما أو يومين، ثم يتم اعتكافه في الجامع الآخر، فيبطل اعتكافه و لا يصح، و ان كان الجامعان متجاورين أو متصلين، و يصح الاعتكاف في الزيادات التي تضاف إلى المسجد الجامع في عمارته و تصبح بذلك جزءا منه، كما يصح في الزيادات التي أضيفت إلى المسجد الحرام، و إلى المسجد النبوي و أصبحت جزءا منه.

نعم، يشكل الحكم بجواز الاعتكاف في المسعى بين الصفا و المروة، بعد ان أضيفت مساحته إلى المسجد الحرام و ألحقت به، فإنها من المشاعر الخاصة المعظمة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 126

للحج و العمرة، و لذلك فيشكل جدا الحكم بنفوذ التصرف فيها و إلحاقها بالمسجد الحرام، بحيث يصح الاعتكاف فيها، سواء زاحم الساعين أم لم يزاحمهم و لا فرق بين الطبقة الأولى من المسعى و الثانية، و لا يمنع ذلك من الصلاة فيه، و إن لم تثبت لها خصوصية الصلاة في المسجد الحرام.

المسألة 36:

لا فرق بين أجزاء المسجد و مواضعه في صحة الاعتكاف فيها، فيجوز للمكلف ان يعتكف على سطح المسجد، و في سردابه و في محرابه و في أبهائه و إيواناته و حجره، و في الطبقة الثانية منه إذا اتفق فيه ذلك، إلا إذا علم بخروج الموضع الذي يعتكف فيه عن المسجد، و يكفي في إحراز ذلك و إثباته يد المسلمين، و المؤمنين الذي تلقوا المسجد كذلك طبقة منهم عن طبقة، و خلفا عن سلف، و عرفوا مواضعه و اجزاءه و ما هو داخل

في المسجد و ما هو خارج عنه، فيعتمد على ذلك ما لم يثبت خلافه.

و إذا شك في موضع انه جزء من المسجد أو من المرافق الخارجة عنه و لم يحرز ذلك، لم تجر على ذلك الموضع المشكوك أحكام المسجد، فلا يصح الاعتكاف فيه.

المسألة 37:

إذا وضع الإنسان رحله في موضع من مواضع المسجد ليعتكف فيه، لم يتعين عليه أن يعتكف في ذلك الموضع فيجوز له أن يتحول عنه إلى موضع آخر من المسجد، و كذلك إذا شرع في الاعتكاف في موضع معين من المسجد فيجوز له الانتقال إلى غيره فيتم اعتكافه فيه، إلا إذا تعين عليه ذلك بملزم شرعي، كما إذا نذر الاعتكاف فيه، و كانت له بعض المميزات التي توجب رجحانه و فضله على غيره، بل الظاهر أنه يكفي في رجحانه انه احد المواضع في مسجد يصح الاعتكاف فيه، و ان لم يرجح على غيره من اجزاء المسجد، فينعقد نذره لذلك، و يتعين بسبب النذر، و كذلك إذا استأجره أحد للنيابة في الاعتكاف، و شرط عليه في عقد الإجارة ان يعتكف في ذلك الموضع من المسجد، لبعض الأغراض التي يلاحظها المستأجر، فيتعين على النائب أن يعتكف في الموضع المعين بسبب الشرط.

المسألة 38:

لا يعتكف المكلف عند قبر مسلم بن عقيل (ع)، أو قبر هاني بن عروة (ره)،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 127

و لا في المساحة بينهما، فإنها ليست من مسجد الكوفة، و تشكل صحة الاعتكاف في المأذنة التي تقع عند باب الفيل من المسجد، للشك في كونها من اجزاء المسجد، أو من مرافقه الخارجة عنه.

المسألة 39:

إنما يجوز الاعتكاف في المكان إذا ثبت شرعا كونه مسجدا من مساجد الاعتكاف، و قد ذكرناها في المسألة الخامسة عشرة، فيصح في أحد المساجد الأربعة، و في المسجد الجامع في البلد الذي تقام فيه صلاة جماعة صحيحة، و إنما يثبت ذلك بعلم المكلف به بسبب تواتر أو شياع يورث العلم أو بسبب قرينة خاصة أو عامة توجب ذلك، و يثبت أيضا بالبينة الشرعية التامة الشرائط، و بحكم الحاكم الشرعي، إذا وقع عنده ترافع و خصومة في الموضع، فحكم فيه بأنه مسجد جامع، و لا يثبت بحكم الحاكم إذا لم يكن في مورد تنازع و فصل خصام.

المسألة 40:

إذا اعتقد المكلف في مكان أنه من المساجد التي يصح الاعتكاف فيها، فاعتكف فيه، ثم ظهر له انه مخطئ في اعتقاده كان اعتكافه باطلا، و لم تلزمه أحكام الاعتكاف، فلا يجب عليه الاستمرار فيه إذا تبين له ذلك في أثنائه، و ان كان في اليوم الثالث منه، و إذا كان الاعتكاف واجبا مطلقا وجبت عليه إعادته في أحد المساجد التي يصح فيها الاعتكاف، و إذا كان واجبا معينا لزمه قضاؤه بعد فوات وقته.

المسألة 41:

لا يصح الاعتكاف في غير المساجد التي سبق ذكرها، و حكم المرأة في ذلك هو حكم الرجل، فلا يصح لها أن تعتكف في الموضع الذي أعدته في بيتها لصلاتها، و ان كان مما تقام فيه صلاة جماعة صحيحة.

المسألة 42:

إذا اعتكف المكلف في أحد المساجد ثم عرض له ما يمنعه من أن يتم اعتكافه فيه، كما إذا انهدم ذلك المسجد فلم يمكنه البقاء فيه خوفا من وقوع سقفه أو جداره عليه، أو منعه ظالم مستبد من المكث في المسجد، أو حدث له أحد موجبات الخوف من البقاء و اللبث فيه، بطل اعتكافه، فإذا كان الاعتكاف واجبا مطلقا وجب على المكلف أن يستأنف الاعتكاف من أوله في مسجد جامع آخر، أو في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 128

المسجد الأول نفسه إذا زال المانع عنه، و لا يتعين عليه أن يكون الاستئناف في المسجد نفسه، و إذا كان الاعتكاف واجبا معينا وجب عليه قضاء اعتكافه بعد بطلانه، و يتخير في القضاء بين أن يأتي به في جامع آخر أو في المسجد الأول إذا زال المانع عنه، و لا يجوز له إتمام الاعتكاف الأول و البناء عليه إذا كانت مدة خروجه من المسجد تخل بوحدة الاعتكاف.

المسألة 43:

إذا خرج المعتكف من المسجد لوجود المانع من البقاء فيه كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، ثم زال المانع من البقاء بعد فترة قصيرة بحيث كان خروجه من المسجد لا يخل بوحدة اعتكافه عرفا، جاز له الرجوع إلى المسجد الأول و البناء على اعتكافه السابق فيه، و وجب عليه ذلك إذا كان الاعتكاف واجبا، و لا يصح له الذهاب بعد رجوعه إلى مسجد آخر، و لا يكفيه إتمام الاعتكاف الأول فيه لتعدد المسجد بل لا بد من الاستئناف.

المسألة 44:

إذا اعتكف العبد المملوك من غير إذن مالكه كان اعتكافه باطلا، و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة عشرة، فإذا أعتقه مالكه في أثناء هذا الاعتكاف لم يجب عليه إتمامه، و ان مضى منه يومان تامان.

و إذا أذن له سيده فشرع في الاعتكاف ثم أعتقه في اليوم الأول أو في اليوم الثاني كان له أن يقطع الاعتكاف فيهما إذا كان مندوبا، أو كان واجبا موسعا، و إذا مضى عليه من الاعتكاف يومان تامان وجب عليه ان يعتكف اليوم الثالث، و إذا اعتكف خمسة أيام وجب عليه ان يعتكف اليوم السادس، كما سبق في أحكام المعتكف الحرّ.

و إذا كان اعتكافه واجبا مضيقا وجب عليه أن يتمه و ان كان عتقه في اليوم الأول أو الثاني، و كذلك إذا كان اعتكافه واجبا موسعا، و قد نذر أن يتمه إذا شرع فيه فلا يجوز له قطعه، و ان كان عتقه في أول أيامه.

المسألة 45:

إذا أذن السيد لعبده فاعتكف، جاز للمولى أن يرجع عن اذنه للعبد في اليوم الأول أو الثاني من أيام اعتكافه، فإذا رجع عن اذنه بطل اعتكاف العبد و لم يجز له ان يستمر فيه، و لا يجوز للمولى أن يرجع عن الإذن في اليوم الثالث، و إذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 129

رجع عن إذنه لم يبطل برجوعه اعتكاف العبد و وجب عليه إتمام اليوم، و كذلك الحكم إذا رجع عن إذنه في اليوم السادس.

و لا يجوز للمولى ان يرجع عن إذنه إذا كان اعتكاف العبد واجبا مضيّقا، و ان كان في اليومين الأولين منه أو كان الاعتكاف موسعا و قد نذر أن يتمه إذا شرع فيه، و إذا رجع المولى عن إذنه في هذه

الفروض فلا أثر لرجوعه.

المسألة 46:

لا يجوز للمعتكف أن يخرج من مسجد اعتكافه إلا لأمر واجب عليه كصلاة الجمعة تقام في مسجد آخر من البلد، أو لحاجة لا بدّ له منها، و المعتبر في ذلك أن تكون الحاجة التي يخرج لأجلها ضرورة له في أنظار العقلاء من الناس، أو يكون ترك الخروج لها مما يوجب الحرج عليه أو الضرر الذي لا يتحمل عادة، فلا يصح له الخروج مثلا لإقامة الشهادة على أمر ما لم تكن ضرورية له و ماسة بشؤونه، و هي بلا ريب مختلفة من شخص إلى شخص، و من أمر إلى أمر، و من مقام إلى مقام، و لذلك فلا بد له من التأمل و دقة الملاحظة لتمييز ما هو ضروري من غيره، و لا يصح له الخروج من المسجد لحضور صلاة الجماعة إذا كان الحضور لها غير واجب، بل و لا يجوز للمعتكف ان يؤدي الصلاة في غير المسجد الذي اعتكف فيه، إلا في مكة، فتجوز له الصلاة في بيوتها و مساجدها، و لا يتعين عليه ان يصلي في المسجد الذي اعتكف فيه، فان مكة كلها حرم الله كما ورد في النصوص عن المعصومين (ع).

و يصح له الخروج لتشييع الجنازة و ما يتعلق بذلك من تغسيل للميت و تكفين و صلاة عليه و دفن، و يصح له الخروج لعيادة المريض، و خصوصا إذا كان المريض ممن يتعلق بالمعتكف و تعد عيادته من ضروراته الخاصة.

و يشكل بل يمنع الخروج لغير ذلك من تشييع مسافر أو استقبال قادم و نحو ذلك من الحاجات و ان كانت راجحة، أو ذات مصلحة له في دينه أو دنياه، و الميزان في الجميع ما قدمنا ذكره في أول المسألة،

و هو ان تكون الحاجة واجبة شرعا أو ضرورة لا بدّ له منها في نظر أهل العقل و التمييز، أو يكون ترك الخروج لها موجبا للحرج و الضرر الذي لا يتحمل عادة.

المسألة 47:
اشارة

إذا أجنب المعتكف في مسجد الاعتكاف، فللمسألة صور متعددة تجب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 130

ملاحظتها و العمل بأحكامها.

(الصورة الأولى):

ان يكون الرجل غير قادر على الاغتسال من جنابته في المسجد، لعدم وجود الماء فيه، أو لخوفه من أن يلوث المسجد بنجاسة أو غيرها، أو لوجود مانع آخر من الغسل فيه، فيجب عليه الخروج من المسجد و الاغتسال في خارجه، و إذا ترك الخروج من غير عذر كان مكثه في المسجد محرما لأنه جنب فيبطل بذلك اعتكافه، على إشكال في إطلاق الحكم.

(الصورة الثانية):

ان يكون الرجل قادرا على الاغتسال من جنابته و هو في المسجد من غير أن يلوثه بشي ء، و تكون المدة التي يحتاج إليها في الاغتسال في المسجد لو انه اغتسل فيه أطول من مدة الخروج منه لو انه خرج منه و اغتسل في خارجه، و يجب عليه في هذه الصورة أيضا أن يخرج من المسجد و يغتسل في خارجه، و لا يجوز له البقاء و الاغتسال فيه.

(الصورة الثالثة):

ان ينعكس الفرض المتقدم فيكون الزمان الذي يحتاج إليه في الاغتسال و هو في المسجد أقل من مدة الخروج لو أنه خرج و اغتسل في خارجه، و يتعين عليه في هذه الصورة ان يغتسل في المسجد و لا يجوز له الخروج منه بغير غسل.

(الصورة الرابعة):

ان تكون المدة التي يحتاج إليها في الاغتسال و هو في المسجد مساوية للمدة التي يحتاج إليها في الخروج بغير غسل، و يتخير في هذه الصورة بين الأمرين، فيجوز له الاغتسال من حدثه في المسجد و يصح له الخروج منه و الغسل في خارجه، و لا يجوز له التساهل و التباطؤ في كل من الأمرين، و كذلك الحكم في غسل المرأة من الاستحاضة إذا احتاجت اليه و هي معتكفة فيجري فيه هذا التفصيل.

المسألة 48:

إذا مسّ المعتكف إنسانا ميتا بعد برده و لم يتمكن أن يغتسل في المسجد غسل مسّ الميت جاز له أن يخرج من المسجد ليغتسل في خارجه و ان كان مسه للميت باختياره، و إذا أمكن له ان يغتسل في المسجد لم يجز له الخروج من المسجد، فإن هذا الحدث لا يمنع من اللبث في المسجد- كالجنابة- ليكون موجبا للخروج منه، و كذلك الحكم إذا وجب الغسل على المعتكف لانه ترك صلاة الآيات عامدا لكسوف الشمس أو القمر و قد احترق القرص كله، و هو يعلم بذلك، فيجب عليه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 131

الغسل، و يجري عليه الحكم المذكور في مس الميت.

المسألة 49:

إذا كان المعتكف مدينا لأحد من الناس دينا حالّا أو مؤجّلا و حضر وقته، و طلب الدائن منه وفاءه، فاحتاج المعتكف إلى الخروج من المسجد ليؤدي إليه دينه، جاز له الخروج لذلك، بل وجب عليه الخروج إذا لم يتمكن من الوفاء إلا بذلك، و إذا كانت لديه وديعة أو أمانة شرعية أو حق آخر لشخص و طلب منه المالك أن يردّ إليه أمانته أو يدفع له حقه وجب عليه ردّ المال إلى أهله، فإذا توقف ذلك على الخروج من المسجد جاز له الخروج منه بل وجب عليه ذلك، و إذا ترك الخروج عامدا أثم بذلك، و لم يبطل اعتكافه على الأصح.

و كذلك إذا وجبت عليه صلاة الجمعة أو غيرها من الواجبات الشرعية فترك الخروج إليها عامدا، و استمر في مكثه في المسجد فيأثم بتركه للواجب و لا يبطل اعتكافه.

المسألة 50:

إذا طرأت للمعتكف ضرورة أو حاجة لا بدّ له منها، فخرج من المسجد لقضائها، وجب عليه ان يسلك الطريق الأقرب إلى موضع الحاجة، و لا يجوز له السلوك في الذّهاب أو الإياب في الطريق الأبعد، إلا إذا كان التفاوت بين الطريقين يسيرا فلا يضره ذلك، و يعتبر ان يكون مسيره إلى مقصده في الذهاب و الرجوع على الوجه المتعارف، فلا يجب عليه الإسراع أكثر من ذلك، و لا يسوغ له التأني و التمهل و الوقوف في المشي و الحركة دون ذلك، و لا يجوز له أن يمكث في المقصد أو قبله أو بعده أكثر مما يستدعيه قضاء الحاجة و أداء الضرورة، و الأحوط له ترك الجلوس ما دام في خارج المسجد حتى يعود إليه، و إذا اضطر اليه فلا يجلس تحت الظل مع إمكان ذلك، و

إذا اضطر إلى الجلوس في الظل و لم يمكن له غيره جاز له ذلك، و مثاله: ان يضطر إلى ركوب سيارة ذات سقف، أو يضطر إلى الجلوس في موضع ذي ظل، و عليه ان يقدّر الضرورة بقدرها و لا يتعداه.

المسألة 51:

إذا خرج المعتكف من المسجد لضرورة سوّغت له الخروج منه فطالت مدة خروجه و بقائه في غير المسجد، حتى محيت صورة الاعتكاف في نظر أهل العرف

كلمة التقوى، ج 2، ص: 132

بطل اعتكافه و وجب عليه استئنافه إذا كان اعتكافه واجبا موسعا، و لزمه قضاؤه إذا كان واجبا مضيقا، بل الأحوط إعادته إذا كان مندوبا، و كان بطلانه بعد مضي يومين منه، فيعيده اعتكافا تاما ثلاثة أيام.

المسألة 52:

الاعتكاف هو اللبث في المسجد و الكون فيه متقربا بذلك إلى الله- كما قلنا في أول الفصل- من غير فرق بين أنحاء الكون و البقاء فيه، سواء مكث المعتكف فيه قائما أم جالسا أم مضطجعا أم ماشيا، و منتبها أم نائما.

المسألة 53:

إذا طلق الرجل زوجته و هي معتكفة في المسجد و كان طلاقها رجعيا، فان كان اعتكافها مندوبا و هي في أثناء اليوم الأول أو اليوم الثاني منه وجب عليها ان تترك الاعتكاف، و تخرج إلى منزلها لتعتد فيه عدة الطلاق، و كذلك إذا كان اعتكافها واجبا موسعا و لم تمض منه يومان تامان، فيبطل اعتكافها، و عليها ان تخرج إلى منزلها لتعتد فيه، و كذلك الحكم إذا كان اعتكافها واجبا موسعا أو معينا أو كان مندوبا و قد أتمت منه اليوم الأول و الثاني و قد اشترطت في الاعتكاف ان ترجع عنه إذا عرض لها عارض، و سيأتي- ان شاء الله- توضيح المراد من هذا الشرط، فيجب على المطلقة الرجعية في هذه الصور كلها أن تترك الاعتكاف و تعود إلى منزلها للعدة، فإذا أتمت العدة استأنفت الاعتكاف إذا كان واجبا موسعا أو مضيقا فتقضيه.

المسألة 54:

إذا طلق الرجل زوجته في أثناء اعتكافها طلاقا رجعيا، و كان الاعتكاف عليها واجبا معينا، و لم تكن قد اشترطت فيه أن ترجع عن اعتكافها إذا عرض لها عارض، وجب عليها ان تتم اعتكافها و لم يجز لها أن تخرج من المسجد، فإذا أتمت اعتكافها خرجت بعده إلى منزلها لتكمل عدة الطلاق فيه، و كذلك إذا كان الاعتكاف مندوبا و قد أتمت منه يومين كاملين، و لم تكن قد اشترطت فيه الشرط المذكور، فعليها ان تعتكف اليوم الثالث ثم تخرج بعده لتكمل عدة الطلاق في بيتها.

و إذا طلق الرجل امرأته في أثناء اعتكافها طلاقا بائنا، اعتدت من طلاقها، و إن كانت معتكفة في المسجد، و لم يجب عليها الخروج إلى المنزل.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 133

المسألة 55:

الاعتكاف إما واجب معين على المعتكف، و هو ما عيّنه على نفسه بنذر أو عهد أو يمين، أو تعيّن عليه بإجارة أو بشرط في ضمن عقد، فينذر لله- مثلا- أن يعتكف العشرة الأولى من شهر رجب في هذا العام، أو ينذر أن يعتكف الأيام البيض منه، أو يستأجر لذلك نيابة عن زيد، و يتم الإيجاب و القبول بين المستأجر و الأجير على ذلك، و الحكم فيه ان يعتكف المكلّف كما عيّن، و لا يجوز له التأخير فيه.

و اما واجب موسع، و هو ما أوجبه الشخص على نفسه بنذر أو شبهه مما تقدم ذكره، أو وجب عليه بإجارة أو شرط و لم يعيّن له وقت، فينذر لله ان يعتكف أياما معلومة العدد في هذه السنة- مثلا- أو في الأشهر الحرم منها، أو في شهر رجب، أو يستأجره أحد لذلك، و الحكم فيه انه لا يتعين الإتيان به على المكلف في

وقت خاص، و إذا ابتدأ به فاعتكف منه يومين تامين وجب عليه ان يعتكف لليوم الثالث، و إذا اشترط فيه تتابع أيامه وجب عليه أن يأتي ببقية أيامه متتابعة كما شرط.

و إذا لم يشترط ذلك جاز له ان يفرق الأيام على ان لا يكون ما يأتي به في كل مرة أقل من ثلاثة أيام، و قد سبق تفصيل هذا في المسائل المتقدمة.

و اما مندوب و الحكم فيه نظير ما قلنا في الواجب الموسّع.

المسألة 56:

يصح للمكلف عند ما ينوي الاعتكاف و يريد الشروع فيه أن يشترط على الله ان يترك اعتكافه و يلغيه إذا طرأ له طارئ، سواء كان اعتكافه الذي يريد الشروع فيه واجبا معينا أم موسعا أم مندوبا، فيقول مثلا: أعتكف في هذا المسجد ثلاثة أيام تامة أو عشرة كاملة متقربا إلى الله تعالى و اشترط لنفسي أن يحلّني الله من اعتكافي إذا عرض لي عارض من أمره (تعالى) فأترك الاعتكاف متى عرض لي ذلك.

فإذا اشترط المكلف في نيته هذا الشرط جاز له الرجوع عن اعتكافه متى عرض له العارض، في أي قسم من أقسام الاعتكاف كان، و في أي يوم من أيامه عرض له العارض، و لا ضير عليه و لا إثم في رجوعه، و يجوز له- على الأقوى- أن يشترط لنفسه الرجوع عن الاعتكاف متى شاء، سواء عرض له شي ء

كلمة التقوى، ج 2، ص: 134

أم لا، فيقول: و اشترط لنفسي أن لي ان أدع الاعتكاف في أي يوم من أيامه إذا شئت، فإذا اشترط لنفسه الرجوع كذلك صح له شرطه، و لم يأثم برجوعه عنه، و تجب عليه الإعادة أو القضاء بعد ذلك إذا كان الاعتكاف واجبا في كلتا الصورتين.

و موقع

الاشتراط في الاعتكاف هو وقت إيقاع نيته كما ذكرنا، فلا يصح الشرط و لا يؤثر أثره إذا أوقعه قبل نية الاعتكاف أو بعد النية و الشروع فيه، و إذا اشترط الشرط في موضعه ثبت، و لم يسقط إذا أسقطه بعد ذلك.

المسألة 57:

لا ينفذ الشرط المذكور- على الظاهر- إذا نذر المكلف ان يعتكف أياما و اشترط في صيغة نذره ان يكون له الرجوع عن اعتكافه، فيقول مثلا: لله علي ان اعتكف ثلاثة أيام أو عشرة أيام، و اشترط لنفسي أن يكون لي الرجوع عن الاعتكاف إذا عرض لي عارض من أمر الله، أو اشترط أن يكون لي ترك الاعتكاف إذا شئت و ان لم يعرض لي عارض، فلا يصح الشرط و لا يؤثر شيئا إذا لم يذكر في نية الاعتكاف إلا أن يكون النذر نفسه مطلقا غير مشروط بشي ء، و يكون الاعتكاف الذي تعلق به النذر هو المشروط بالشرط المذكور، فإذا نذر المكلف الاعتكاف كما بيناه ثم أتى بالاعتكاف المشروط وفاء بنذره صح نذره و اعتكافه و نفذ الشرط، و هو اشتراط إجمالي في نفس الاعتكاف، فيجوز له الرجوع في الاعتكاف، سواء كان المنذور معينا أم غير معين، و سواء نذر الأيام متتابعة أم غير متتابعة، و إذا نذره كذلك ثم رجع فلا إثم عليه، و لا يجب عليه قضاء المنذور إذا كان معينا، و لا يجب عليه استئنافه إذا كان مطلقا.

المسألة 58:

لا يسوغ للمعتكف أن يشترط في اعتكافه ان تحل له بعض محرمات الاعتكاف، أو يجوز له ارتكاب بعض ما ينافيه من جماع و شبهه، و سيأتي ذكرها في الفصل الثاني- إن شاء الله تعالى-، و إذا هو اشترط لنفسه ذلك لم ينفذ شرطه.

المسألة 59:

إذا اشترط المكلف لنفسه ان يحل له الرجوع عن اعتكافه نفذ شرطه في اعتكافه الذي شرط ذلك فيه، و لم ينفذ في اعتكاف آخر، فإذا اعتكف في أول الشهر، و شرط فيه أن يحل له الرجوع نفذ شرطه في ذلك الاعتكاف خاصة، و لم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 135

يجز له الرجوع في اعتكافه الثاني الذي يأتي به بعده إذا لم يشترط ذلك فيه، و إذا عزم على اعتكافين، لم يصح له ان يشترط في الأول أن يكون له الرجوع في الثاني، و لا يصح له إذا اعتكف ان يشترط في اعتكافه ان يكون لولده أو لزوجته مثلا أن يرجعا في اعتكافهما.

المسألة 60:

لا يصح تعليق نية الاعتكاف على حصول أمر مرتقب- على الأحوط- فيقول مثلا: اعتكف في هذا المسجد ثلاثة أيام متقربا إلى الله (تعالى) إذا كان أخي زيد قد قدم من سفره، أو إذا كان هذا اليوم أول الشهر، و إذا علق نيته كذلك كان اعتكافه باطلا.

و يصح إذا علق نيته على أمر حاصل بالفعل و هو يعلم بحصوله، فيقول مثلا:

اعتكف في المسجد ثلاثة أيام متقربا إلى الله (تعالى) إذا كان هذا اليوم هو يوم الجمعة، و كان يعلم انه يوم الجمعة، أو يقول: أعتكف إذا قدم أخي من سفره و هو يعلم أن أخاه قد قدم من السفر، و ليس هذا من التعليق، و ان كان تعليقا بحسب الظاهر.

الفصل الثاني في أحكام الاعتكاف

المسألة 61:

يحرم على الرجل المعتكف جماع حليلته، سواء كانت زوجة دائمة أم منقطعة أم أمة مملوكة له أم محلّلة له من مالكها، و سواء كانت معتكفة أم غير معتكفة، و سواء جامعها في القبل أم في الدبر، و في المسجد أم في خارجه.

و يحرم عليه- على الأحوط- لمس المرأة بشهوة و شمّها و تقبيلها كذلك، و يحرم جميع ذلك على المرأة المعتكفة، و أما جماع الأجنبية غير الحليلة و غير المرأة فهو من المحرمات الكبرى مطلقا، و لا تختص في حال الاعتكاف، و ان اشتدت حرمتها و تضاعف جرمها و عقابها على المعتكف، و على الصائم و في شهر رمضان.

و لا يحرم على الرجل المعتكف أن ينظر إلى حليلته بشهوة إذا لم يقصد

كلمة التقوى، ج 2، ص: 136

بنظرته الاستمناء و إنزال الماء، و لا يحرم على المرأة المعتكفة أن تنظر إلى زوجها بشهوة و تلذذ جنسي، و ان كان الأحوط لكل منهما استحبابا اجتناب ذلك.

المسألة 62:

يحرم الاستمناء- على الأحوط لزوما- على كل من الرجل المعتكف و المرأة المعتكفة، و ان وقع على الوجه المحلل لغير المعتكف، و مثال هذا: أن ينظر الرجل إلى حليلته بشهوة و تلذذ جنسي حتى يمني، فيحرم ذلك على المعتكف، سواء وقع ذلك منه ليلا أم نهارا، و في المسجد أم في خارجه، و إذا وقع في النهار حرم أيضا لمنافاته للصوم المعتبر في صحة الاعتكاف.

و إذا وقع الاستمناء على الوجه المحرم على المعتكف و غيره، كانت حرمته أشد و كانت العقوبة عليه أشق.

المسألة 63:

يحرم على المعتكف و المعتكفة شم الطيب و التطيب به، من غير فرق بين أقسام الطيب و أنواع استعماله، سواء شمه من القارورة أم من غيرها، و سواء وضعه في بدنه و شعره أم في ملابسه أم في مأكله و مشربه، أم غسل بعض أعضائه أو ملابسه بصابون فيه طيب، بل الأحوط للمعتكف عدم التطيب به و ان كان فاقدا لحاسة الشم.

نعم، لا بأس لمن فقد حاسة الشم ببعض الاستعمالات التي لا تعدّ تطيبا في نظر أهل العرف، و مثال ذلك: أن يقرب قارورة الطيب من أنفه أو يحملها معه بنحو لا يظهر ريحها للآخرين فيعدّ متطيبا و مستعملا له، فلا يمنع من ذلك و لا يضرّ باعتكافه، و يحرم على المعتكف أن يتلذذ بشم الريحان، و هو كل نبت طيب الرائحة سواء كان طريا أم يابسا.

المسألة 64:

لا يبعد ان يكون المراد من شم الطيب- الذي دلت النصوص على المنع منه للمعتكف- هو ما يكون شمّ الطيب للتلذذ بشمه و التمتع به، فان ذلك هو ما ينصرف إليه اللفظ في متفاهم أهل العرف، و على هذا فلا يضر باعتكاف المعتكف إذا شم الطيب بغير قصد، و مثال ذلك: أن يمرّ في طريقه بد كان أو سوق يباع فيه العطر فيشم رائحته، أو يمرّ به في الطريق إنسان متعطر فيشم رائحته من غير قصد فلا يخلّ ذلك باعتكافه، و كذلك الحكم في تاجر العطور أو عاملها إذا اعتكف و ملابسه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 137

تفوح بالرائحة بمقتضى عمله و صناعته، فإنه يشمّ الطيب و لا يقصد التلذذ بشمه، فلا يضر ذلك باعتكافه، و ان كان الأحوط له استحبابا إبدال ملابسه المعتادة له في أيام اعتكافه،

إذا أمكن له ذلك.

المسألة 65:

يحرم على المعتكف البيع و الشراء في أيام اعتكافه، و الأحوط له لزوما ترك مطلق التجارة حتى بالصلح، و الإجارة و غيرهما من المعاوضات على الأعيان و المنافع، فيجتنبها جميعا في حال اعتكافه، و لا يختص بالبيع و الشراء، إلا إذا اضطر إلى ذلك فيباح له عند الاضطرار بمقدار ما تتأدّى به ضرورته، و لا يتناول الحكم بالحرمة و الاحتياط بالترك الذي ذكرناه مثل قبول الهدية و أخذ المرأة المهر في عقد النكاح أو المتعة، و أخذ الرجل الفدية في الخلع أو المبارأة.

و لا يمنع الاعتكاف المعتكف من ان يشتغل بالأمور المباحة كالكتابة و الخياطة و النساجة إذا لم يكن ذلك بالأجرة، فقد سبق أن الأحوط للمعتكف ترك ذلك، و المرأة المعتكفة كالرجل المعتكف في جميع ما ذكرناه.

المسألة 66:

إذا احتاج الرجل المعتكف أو المرأة المعتكفة إلى شراء بعض الأشياء الضرورية لأكله و شربه و نحوهما، في حال اعتكافه، فإن أمكن له أن يوكّل من يشتري له الشي ء الذي يريده، أو يبيع المتاع الذي يحتاج إلى ثمنه ليشتري به ما يريد لزمه التوكيل، و لا يمنع من ذلك، فإن الممنوع منه هو ان يشتري المعتكف و يبيع بنفسه، فلا يحرم عليه ان يشتري له وكيله، و إذا تعذر عليه التوكيل و اضطر إلى البيع أو الشراء، جاز له ذلك بمقدار ضرورته.

و إذا لم يضطر إلى البيع و الشراء، و كان عدم وجود ذلك الشي ء عنده يوجب الحرج و المشقة الشديدة عليه أشكل الحكم فيه بصحة اعتكافه إذا باع أو اشترى لذلك، و ان كان غير آثم ببيعه و شرائه مع فرض ذلك.

المسألة 67:

تحرم المماراة على المعتكف، سواء وقعت منه في أمر من أمور الدنيا أم كانت في أمر من أمور الدين، و المراد بالمماراة المجادلة، سواء حصلت من المجادل ابتداء، أم حصلت منه ردا لقول أو رأي ادعاه الشخص الآخر، و المذموم من المماراة هو ما يصد به المجادل بيان فضله و رسوخه في العلم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 138

و الاطلاع عليه، و غلبته على مجادلة، و حرمة هذا النوع من المماراة لا تختص بالمعتكف، فتكون فيه أشد.

و أما المجادلة إذا أراد بها إحقاق الحق، أو إبطال الباطل، أو إلقاء النور و الإيضاح على بعض الأمور، لئلا يلتبس منها ما هو صحيح بما هو فاسد فهي محمودة، بل هي طاعة و عبادة، و الفارق بين المذموم و الممدوح هو ما يقصده الفاعل في قرارة نفسه، و ان الله لا يخادع في امره.

و للمجادلات-

قبل ذلك- أبعادها و آثارها في نفوس الخاصة من الناس فضلا عن العامة، و للنفس و النزعات و الانفعالات طرائقها في الكر و الفرّ و تلوين الأمور و تأويل الكلمات لكسب المواقف، و للشيطان مع ذلك مواقفه و مراصده من نفوس الناس و قلوبهم، ليقرّب و يبعد و يضلّل و يوهم، و العاقل البصير هو من يتأمل و لا يتعجل، و ان كان سريع الفهم حتى تتبين له قوله الحق فيقولها صريحة من غير التواء، ثم يسكت إذا اقتضى الأمر السكوت، أو تتضح له مراسم الحق من قوله صاحبه فيتبعها من غير تردد ثم يحمد، أو يستبين له غير ذلك فيناقش هادئا و ينقد مستفهما مستوضحا، و لا يغلب انفعاله على حقه، أو يسكت سليما غير ظالم و لا مظلوم.

المسألة 68:

لا يجب على المعتكف ان يجتنب ما يحرم على المحرم بالحج أو بالعمرة، فلا يحرم عليه لبس المخيط مثلا، و لا إزالة الشعر عن البدن، و لا أكل الصيد، و لا عقد النكاح لنفسه أو لغيره، و لا غير ذلك من محرمات الإحرام و تروكه.

المسألة 69:

الصوم شرط في صحة الاعتكاف و قد تكرر منا ذكر هذا في الفصل الأول، و لذلك فيحرم على المعتكف و المعتكفة تناول جميع المفطرات، كالأكل و الشرب و الارتماس و تعمد القي ء، لأنها محرمة في الصوم، فتكون من المحرمات في الاعتكاف، و يختص تحريمها بالنهار، و اما محرمات الاعتكاف التي بينّاها في المسائل المتقدمة من هذا الفصل فلا فرق في تحريمها على المعتكف و المعتكفة بين الليل و النهار، و لا بين ان يكونا في المسجد و أن يكونا في خارجه، كما إذا خرجا منه لقضاء بعض الضرورات.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 139

المسألة 70:

يجوز للمعتكف أن ينظر في الأمور المباحة، و أن يعمل منها ما يشاء في حال اعتكافه، ليكسب بها و يتعيش في ما بعد الاعتكاف بما أنتجه عمله من منافع و نتاج و لا يضر ذلك باعتكافه، إذا لم يكن نظره و عمله من البيع و الشراء المحرمين عليه، و لم يكن من التجارات التي يلزمه الاحتياط بتركها كما بيناه في المسألة الخامسة و الستين، و يجوز له أن ينصب له وكلاء و عمّالا يقومون بإعماله في أثناء اعتكافه و مكثه في المسجد، حتى في البيع و الشراء و المضاربة و الزراعة له، و ما أشبه ذلك، فيصح له التوكيل و الاستنابة فيها.

المسألة 71:

إذا تناول المعتكف بعض المفطرات في النهار فسد صومه، و بطل بذلك اعتكافه، فان فساد الشرط يوجب بطلان المشروط، و إذا جامع امرأته في الليل أو في النهار فأدخل فيها بطل اعتكافه، و ان لم ينزل في جماعة إياها، و كذلك إذا ارتكب احد محرمات الاعتكاف التي سبق ذكرها كشم الطيب و الريحان ليتلذذ بهما، و كالبيع و الشراء و المماراة المحرمة فيبطل اعتكافه و يلزمه استئناف الاعتكاف إذا كان واجبا مطلقا و يلزمه قضاؤه إذا كان واجبا معينا.

و إذا فعل أحد المحظورات التي يلزم المعتكف الاحتياط بالاجتناب عنها كالاستمناء و لمس المرأة، أو تقبيلها بشهوة و كالتجارات بغير البيع و الشراء و أمثال ذلك، لزمه الاحتياط، فعليه أن يتم اعتكافه إذا كان واجبا، و إن كان وجوبه لمضي يومين من الاعتكاف المندوب، ثم يستأنفه أو يقضيه.

المسألة 72:

إذا جامع المعتكف زوجته ساهيا فالأحوط له لزوما ان يتم الاعتكاف الذي بيده ثم يستأنفه بعد إتمامه إذا كان واجبا مطلقا، و يقضيه إذا كان واجبا معينا، بل و لا يترك الاحتياط بالاستئناف بعد أن يتم الاعتكاف في المندوب أيضا إذا جامع سهوا في اليوم الثالث منه، و كذلك إذا اتى ببعض محرمات الاعتكاف الأخرى ساهيا فلا يترك الاحتياط المذكور في الجميع.

المسألة 73:

إذا كان المعتكف قد شرط في نية الاعتكاف ان له الرجوع عن اعتكافه إذا عرض له عارض من أمر الله، أو أن يكون له الرجوع عن اعتكافه مطلقا و ان لم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 140

يعرض له شي ء ثم فعل أحد مفسدات الاعتكاف، فإن كان قد فعل المفسد بقصد الرجوع عن اعتكافه أو قصد الرجوع عنه بعد ان ارتكب المفسد لم يجب عليه إتمام اعتكافه، و لزمه استئنافه أو قضاؤه إذا كان واجبا.

و إذا كان قد نذر الاعتكاف الخاص المشروط فيه الرجوع كما ذكرنا في المسألة السابعة و الخمسين ثم فعل المفسد بقصد الرجوع عن الاعتكاف أو قصد الرجوع عنه بعد ان ارتكب المفسد لم يجب عليه قضاء الاعتكاف أو استئنافه، و إذا لم يقصد الرجوع عنه أشكل الحكم فيه، و عليه الاحتياط بإتمامه ثم قضاؤه إذا كان معينا و استئنافه إذا كان مطلقا.

المسألة 74:

حكم الاعتكاف المندوب في اليوم الثالث منه هو حكم الواجب، فإذا ارتكب فيه بعض مفسدات الاعتكاف فعليه إتمامه ثم قضاؤه اعتكافا تاما ثلاثة أيام، إلا إذا كان قد شرط لنفسه فيه الرجوع ثم قصد الرجوع بفعله للمفسد، أو قصد الرجوع بعد أن ارتكبه، فلا يجب عليه قضاؤه، و إذا أفسد الاعتكاف المندوب في اليومين الأولين فلا شي ء عليه و لا قضاء له، سواء كان قد شرط الرجوع أم لم يشرط.

المسألة 75:

إذا فعل المعتكف ما يوجب فساد اعتكافه، و كان الاعتكاف واجبا معينا عليه وجب عليه قضاؤه، و مثله الاعتكاف المندوب إذا أفسده في اليوم الثالث على ما بيّناه من التفصيل في المسائل الماضية، و الظاهر عدم وجوب المبادرة و الفور في قضاء الاعتكاف، فإذا أخره لم يأثم، إلا إذا أدّى التأخير إلى التهاون بالواجب.

المسألة 76:

إذا باع المعتكف أو اشترى في أيام اعتكافه فعل بذلك محرما على الأحوط و أثم بذلك، و بطل به اعتكافه على الأقوى و قد تقدم ذكر هذا، و لم يبطل بيعه و لا شراؤه.

المسألة 77:

إذا مات المعتكف في أثناء اعتكافه لم يجب على وليه قضاء الاعتكاف عنه بعد موته، سواء كان الاعتكاف الذي مات فيه واجبا عليه بنذر أو شبهة، معينا أم غير معين، أم كان مندوبا، و ان كان في يومه الثالث، فإن الولي إنما يجب عليه قضاء ما

كلمة التقوى، ج 2، ص: 141

فات الميت من الصلاة و الصيام، و لا يجب عليه قضاء ما فاته من سائر العبادات، و إذا نذر الرجل أن يصوم أياما و هو معتكف فيها ثم مات قبل وفائه بنذره وجب على الولي قضاء الصوم و هو معتكف كما نذره الميت.

المسألة 78:

إذا جامع المعتكف أهله فسد اعتكافه و وجبت عليه الكفارة بذلك، و سيأتي بيانها في المسألة الآتية، سواء جامعها في النهار أم في الليل، و الأحوط لزوم الكفارة له إذا أفسد اعتكافه بالجماع و ان كان اعتكافه مندوبا و كان في اليوم الأول منه أو اليوم الثاني، إلا إذا ترك الاعتكاف فيهما و رجع عنه قبل الجماع، فلا كفارة عليه في هذه الصورة.

و لا تجب الكفارة على المعتكف إذا أفسد اعتكافه بغير الجماع من محرمات الاعتكاف كالبيع و الشراء و شم الطيب و غيرها و ان كان الاعتكاف واجبا، و كذلك الحكم في المرأة المعتكفة، فتجب عليها الكفارة إذا أفسدت اعتكافها بالجماع على النهج الذي ذكرناه في الرجل المعتكف، و لا كفارة عليها في غير الجماع.

المسألة 79:

كفارة المعتكف أو المعتكفة إذا أفسدا اعتكافهما بالجماع هي كفارة من أفطر عامدا في شهر رمضان فتناول مفطرا محللا في يوم من أيامه، فيتخير بين أن يعتق رقبة، و ان يصوم بدلا عنها شهرين متتابعين، و ان يطعم ستين مسكينا، أو يدفع لكل مسكين منهم مدّا من الطعام، و الأولى استحبابا أن يأتي بالكفارة مرتبة ككفارة الظهار، فيتعين عليه مع القدرة أن يعتق رقبة مؤمنة، فإذا عجز عن العتق تعين عليه ان يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع ذلك أطعم ستين مسكينا، أو يدفع لكل مسكين منهم مدّين من الطعام.

المسألة 80:

إذا اعتكف الرجل في أيام شهر رمضان و جامع زوجته في النهار عامدا، فسد بذلك صومه و فسد اعتكافه و وجبت عليه كفارتان، إحداهما لإفطاره في شهر رمضان، و الثانية لإفساده الاعتكاف بالجماع، و قد تقدم ذكرهما و بيان خصال التخيير فيهما، و لا تتداخلان، و لا تكفي إحداهما عن الأخرى، و كذلك حكم المرأة المعتكفة إذا حصل لها مثل هذا الفرض، فعليها كفارتان مخيرتان بين

كلمة التقوى، ج 2، ص: 142

الخصال المذكورة.

و إذا اعتكف الرجل و هو صائم في قضاء شهر رمضان و جامع زوجته بعد زوال النهار فسد صومه و اعتكافه، و وجبت عليه كفارة من أفطر في قضاء الشهر، و هي أن يطعم عشرة مساكين أو يدفع لكل مسكين منهم مدّا من الطعام فان هو لم يقدر على إطعامهم و لو لعدم وجود المساكين وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام، و وجبت عليه معها كفارة إفساد الاعتكاف المتقدم ذكرها.

و إذا اعتكف في صيام منذور معيّن و أفسد صومه و اعتكافه بالجماع وجبت عليه كفارة خلف النذر و كفارة إفساد الاعتكاف، و قد

سبق ذكر كفارة النذر في فصل الكفارات من كتاب الصوم، و هكذا حكم المرأة المعتكفة إذا اتفق لها مثل هذه الفروض فيجري فيها مثل ذلك.

المسألة 81:

إذا نذر الرجل أن يعتكف في شهر رمضان، و صام و اعتكف فيه، ثم أفسد صومه و اعتكافه بالجماع، وجبت عليه ثلاث كفارات الأولى لمخالفة النذر، و الثانية لإفطاره في شهر رمضان، و الثالثة لإفساد الاعتكاف بالجماع.

و إذا كانت زوجته صائمة و أكرهها على الجماع في الفرض المذكور بغير رضاها وجبت عليه اربع كفارات: إحداها لمخالفة نذره، و الثانية لإفساد اعتكافه، و الثالثة لإفطاره من صومه في شهر رمضان، و الرابعة تحملا عن زوجته لأنه أكرهها على الجماع و هما صائمان، و قد سبق ان هذا هو الحكم الثابت في مثل هذا الفرض، و تلاحظ المسألة المائة و الحادية و الثلاثون من كتاب الصوم.

المسألة 82:

لا يتحمل الرجل المعتكف عن زوجته كفارة إفساد الاعتكاف إذا أكرهها على الجماع و هما معتكفان، كما يتحمل عنها كفارة الإفطار في شهر رمضان إذا أكرهها على الجماع فيه و هما صائمان، فإذا أكره زوجته على الجماع و هما معتكفان فجامعها في الليل وجبت عليه كفارة واحدة لإفساد اعتكافه خاصة، و لم تجب عليه كفارة زوجته، و إذا أكرهها فجامعها في النهار و هما معتكفان في غير شهر رمضان، وجبت عليه كفارة الاعتكاف لنفسه و وجبت عليه كفارة الصوم لنفسه إذا كان صومه مما تجب فيه الكفارة، و لا يتحمل عن زوجته شيئا، و إذا أكرهها على الجماع في النهار و هما معتكفان في شهر رمضان وجبت عليه ثلاث

كلمة التقوى، ج 2، ص: 143

كفارات إحداهما لإفساد اعتكاف نفسه بالجماع، و الثانية لإفطاره في يوم من شهر رمضان، و الثالثة تحملا عن زوجته لأنه أكرهها على الجماع و هما صائمان، و لا يتحمل كفارتها لإفساد اعتكافها.

المسألة 83:

إذا اعتكفت المرأة و أفسدت اعتكافها بالجماع و هي مختارة في ذلك غير مكرهة، فإن كان الجماع ليلا وجبت عليها كفارة واحدة لإفسادها الاعتكاف، و مثال ذلك: أن يكون الزوج غير معتكف فيجامعها في اعتكافها ليلا و هي مطيعة له غير مكرهة فتجب عليها كفارة الاعتكاف و لا شي ء على الزوج، و إذا جامعها نهارا وجبت عليها كفارة إفساد الاعتكاف و كفارة إبطال الصوم إذا كان صومها مما تجب فيه الكفارة.

و كذلك الحكم إذا كان كل من الزوج و الزوجة معتكفين و جامعها الزوج و هي مختارة غير مكرهة فإذا كان الجماع ليلا وجبت على كل واحد منهما كفارة واحدة لإفساد الاعتكاف، و إذا كان الجماع في النهار وجبت

على كل منهما كفارة إفساد الاعتكاف و كفارة إبطال الصوم إذا كان مما تجب فيه الكفارة، و إذا كان صوم أحدهما مما لا تجب فيه الكفارة وجبت عليه كفارة الاعتكاف خاصة.

و الحمد لله رب العالمين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 145

كتاب الزكاة

اشارة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 147

كتاب الزكاة الزكاة إحدى فرائض الإسلام الكبرى، و إحدى الدعائم الراسخة التي أقيم عليها بناؤه، و هي قرينة الصلاة و عديلتها في المنزلة، ففي الصحيح عن الصادقين عليهما السلام: (فرض الله الزكاة مع الصلاة) و في حديث أبي جعفر (ع): (ان الله تبارك و تعالى قرن الزكاة بالصلاة فقال أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ، فمن اقام الصلاة و لم يؤت الزكاة لم يقم الصلاة).

و يكفر مانع الزكاة إذا كان جاحدا لها، فعن أبي عبد الله (ع): (من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن و لا مسلم)، و في رواية أخرى: (من منع قيراطا من الزكاة فليمت ان شاء يهوديا أو نصرانيا) و هو يستحق العقاب الشديد إذا منعها مستخفا بها أو متهاونا، كما في الروايات الكثيرة الواردة عنهم (ع).

و الزكاة حصن الأموال من التلف و حرز لها من عروض الآفات، فعن الرسول (ص): (داووا مرضاكم بالصدقة و حصّنوا أموالكم بالزكاة).

و عن أبي عبد الله (ع): (إنما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء و معونة للفقراء، و لو ان الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا، و لاستغنى بما فرض الله له، و ان الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا، إلا بذنوب الأغنياء، و حقيق على الله تبارك و تعالى ان يمنع رحمته ممن منع حق الله في ماله، و أقسم بالذي خلق الخلق و

بسط الرزق انه ما ضاع مال في بر و لا بحر، إلا بترك الزكاة، إلى ان قال (ع): و ان أحب الناس إلى الله تعالى أسخاهم كفا، و أسخى الناس من أدّى زكاة ماله، و لم يبخل على المؤمنين بما افترض الله لهم في ماله).

و في هذا الكتاب احد عشر فصلا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 148

الفصل الأول في الشرائط العامة لوجوب الزكاة و هي عدة أمور:

[الأول: البلوغ]
المسألة الأولى:

(الأول من شرائط وجوب الزكاة): البلوغ، فإذا كان المال مما يعتبر في وجوب الزكاة فيه ان يحول عليه الحول، و هو الأنعام الثلاث، و النقدان، اشترط في وجوب الزكاة فيه أن يكون مالك المال بالغ الحلم في جميع الحول، فلا تجب الزكاة في المال إذا كان صاحبه صغيرا غير بالغ الحلم من أول الحول إلى آخره، و إذا أدرك المالك في أثناء الحول كان ابتداء حول المال من حين بلوغ مالكه، فإذا تم الحول من ذلك الوقت وجبت فيه الزكاة.

و إذا كان المال مما لا يعتبر فيه الحول و هو الغلات الأربع: اشترط في وجوب الزكاة فيه ان يكون صاحب المال بالغا في وقت تعلق الزكاة به، و هو حين انعقاد الحب من الغلة إذا كانت من الحبوب، و صدق الاسم عرفا عليها إذا كانت من التمر أو العنب و سيأتي بيان ذلك.

[الثاني: العقل]
المسألة الثانية:

(الثاني من شرائط وجوبها العقل): و يجري فيه نظير التفصيل المتقدم في شرط البلوغ، فإذا كان المال مما يعتبر فيه أن يحول عليه الحول اشترط في وجوب الزكاة فيه ان يكون مالكه عاقلا في جميع الحول فإذا عرض له الجنون في أثناء الحول انقطع و لم تجب الزكاة فيه ما دام المالك مجنونا، و إذا أفاق من جنونه استأنف الحول من حين البرء، و إذا كان المال مما لا يعتبر فيه الحول اشترط في وجوب الزكاة ان يكون المالك عاقلا حين تعلق الزكاة بالمال، و لا فرق في الحكم بين أن يكون الجنون مطبقا و ان يكون أدوارا.

[الثالث: الحرية]
المسألة الثالثة:

(الثالث من شرائط وجوب الزكاة): أن يكون صاحب المال حرّا غير مملوك، و الكلام في هذا الشرط نظير ما سبق في البلوغ و العقل، فلا يدخل المال

كلمة التقوى، ج 2، ص: 149

في الحول ما دام صاحبه مملوكا و لا تجب فيه الزكاة إذا كان صاحبه في وقت تعلق الزكاة به عبدا، و ان قلنا بان العبد يملك المال كما هو القول الصحيح المختار، و إذا أعتق العبد سيده استأنف حول المال- إذا كان مما يعتبر فيه الحول- من حين عتقه.

و لا فرق في هذه الأحكام بين أن يكون صاحب المال عبدا قنا أو مدبرا، أو مكاتبا، أو أم ولد للمالك، و إذا كان بعضه حرّا و بعضه مملوكا و وزع المال على قدر ما فيه من الحريّة و العبوديّة، فإذا بلغ نصيب الحريّة من المال مقدار النصاب الشرعي للزكاة وجبت فيه الزكاة و لا يجب في نصيب الرقّية شي ء و ان بلغ مقدار النصاب.

[الرابع: الملك]
المسألة الرابعة:

(الرابع من شرائط وجوب الزكاة): ان يكون المكلف مالكا للمال في جميع الحول إذا كان مما يعتبر فيه الحول، و يكفي ان يكون مالكا له في وقت تعلق الزكاة به إذا كان من الغلات كما تقدم في الشروط السابقة.

و نتيجة لذلك فلا تجب الزكاة في المال الموهوب للشخص و لا في المال المقترض قبل أن يحصل القبض فيهما فان الشخص الموهوب له و المقترض لا يملكان المال حتى يحصل القبض، و لا تجب الزكاة في المال الموصى به للمكلف قبل وفاة الموصى فان الموصى له لا يملك المال قبل وفاته.

المسألة الخامسة:

إذا ملّك السيّد عبده نصابا من المال الزكوي لم تجب الزكاة في ذلك المال على العبد لأنه ليس حرا، و لا على مولى العبد لأنه ليس مالكا للمال بعد أن ملّكه للعبد.

[الخامس: القدرة]
المسألة السادسة:

(الخامس من شرائط وجوب الزكاة): أن يكون مالك المال قادرا على التصرف فيه تصرفا خارجيا، و المراد بذلك ان يكون متمكنا من إتلافه و العمل فيه بما يريد من أنواع التصرف، فيعتبر أن يكون المالك قادرا على مثل هذه التصرفات في المال طوال الحول في الأنعام الثلاث و في النقدين، إذا كان المال منها، و قادرا على التصرف كذلك في وقت تعلق الزكاة به إذا كان من الغلات.

و مما يتفرع على اعتبار هذا الشرط أن الزكاة لا تجب في المال إذا كان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 150

غائبا عن صاحبه بحيث لم يصل إليه و لا إلى وكيله المفوض منه ليتصرف فيه كما يريد و متى أراد، و لا تجب في الدين الذي لم يستوفه مالكه من المدين، و لم يقع تحت نفوذه، و لا تجب في المال الذي سرقه السارق من صاحبه أو جحده، أو دفنه صاحبه في موضع و نسي موضع دفنه، و لا في المال الذي رهنه مالكه عند أحد أو وقفه، أو نذر أن يتصدق به، و لا في المال الذي حجر مالكه عن التصرف فيه بأحد موجبات الحجر كالسفه و الفلس.

المسألة السابعة:

المعيار في معرفة أن مالك المال متمكن من التصرف في ماله أو غير متمكن منه هو نظر العقلاء و أهل العرف في ذلك، و إذا شك في مورد أو مال أنه مما يمكنه التصرف فيه أو لا، فإن كان الشك فيه للشك في مفهوم التصرف و كان بنحو الشبهة الحكمية، فلا بدّ من إخراج الزكاة من ذلك المال، و ان كان للشك فيه بنحو الشبهة الموضوعية و كان يعلم بحالته السابقة و انه كان متمكنا من التصرف في المال

أو غير متمكن منه عمل على الحالة السابقة، و ان لم يعلم بحالته السابقة فالظاهر عدم وجوب الزكاة فيه.

[السادس: النصاب]
المسألة الثامنة:

(السادس من شروط وجوب الزكاة): ان يبلغ المال مقدار النصاب الشرعي، و سيأتي بيان ذلك- إن شاء الله تعالى-، و اعتبار هذا الشرط على نحو اعتبار الشروط المتقدمة، فيجري فيه البيان السابق فما يعتبر فيه الحول من الأموال يشترط فيه أن يكون بمقدار النصاب في جميع الحول من أوله إلى آخره، فإذا قصر عن مقدار النصاب في أثناء الحول انقطع الحول من ذلك الحين، و لم تجب فيه الزكاة و إذا بلغ المقدار في أثنائه ابتدأ الحول من ذلك الوقت، و ما لا يعتبر فيه الحول يشترط فيه أن يكون بمقدار النصاب في وقت تعلق الزكاة به، و هو حين انعقاد الحب أو صدق اسم الغلة.

المسألة التاسعة:

يستحب للولي الشرعي على الصبي و المجنون ان يخرج زكاة مال التجارة إذا هو اتجر لهما بمالهما، و لا يثبت مثل هذا الاستحباب في أن يخرج الولي زكاة مال المجنون من الأنعام أو الغلات أو النقدين، و الأحوط ترك إخراجها أيضا من الأموال المذكورة التي يملكها الصبي غير البالغ.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 151

و لا يثبت الاستحباب للولي الشرعي على الحمل في بطن أمه إذا اتجر له بماله ان يخرج زكاة مال التجارة له، و لا زكاة غير ذلك من أمواله.

المسألة العاشرة:

لا يعتبر في وجوب الزكاة على مالك المال عدم الإغماء عليه، أو عدم عروض السكر له، فلا ينقطع حول المال الزكوي من الأنعام الثلاث أو من النقدين بعروض الإغماء على مالكه في أثناء الحول و ان طالت مدة الإغماء، و لا بحدوث السكر له و ان استوعب السكر الحول كله، و لا يسقط بذلك وجوب الزكاة في المال إذا تم له الحول، و لا يضر حصول الإغماء أو السكر كذلك بوجوب الزكاة إذا حدثا أو حدث أحدهما للمالك في وقت تعلق الزكاة بالغلّات.

المسألة 11:

قد ذكرنا في ما تقدم ان الزكاة لا تجب في الغلات الأربع حتى يكون المالك بالغ الحلم في الوقت الذي تتعلق الزكاة بها، و هو حين انعقاد الحب في الحنطة و الشعير، و حين صدق الاسم في التمر و العنب، إما سابقا على وقت التعلق أو مقترنا معه، فإذا شك- و هو بالغ- في ان تعلق الزكاة بالغلة قد تحقق بعد البلوغ أو مقارنا له لتجب الزكاة عليه في المال لوجود الشرط، أو كان قبله فلا تجب، لم يجب عليه إخراج الزكاة، لعدم إحراز وجود الشرط، سواء علم تأريخ بلوغه أم جهله، و كذلك إذا شك حين تتعلق الزكاة بالمال في تحقق بلوغه و عدم تحققه، أو علم وقت تعلق الزكاة بالمال و شك في سبق البلوغ عليه و تأخره عنه أو جهل تاريخهما معا، فلا يجب عليه إخراج الزكاة من المال في جميع هذه الصور.

المسألة 12:

إذا كان مالك المال مجنونا ثم أفاق من جنونه و شك في ان إفاقته من الجنون قد حصلت قبل تعلق الزكاة بالغلة أو بعد ذلك الوقت، فالصور المحتملة في هذه المسألة هي الصور المحتملة في البلوغ التي ذكرناها في المسألة المتقدمة، و الحكم فيها أيضا هو عدم وجوب الزكاة في جميع الصور.

و إذا كان مالك المال عاقلا ثم طرأ عليه الجنون، فإذا علم بوقت تعلق الزكاة بالغلة، و شك في تقدم طروء الجنون على ذلك الوقت و تأخره عنه، فالظاهر وجوب الزكاة في الغلة، و إذا علم بزمان حدوث الجنون له و شك في تقدم وقت

كلمة التقوى، ج 2، ص: 152

تعلق الزكاة على زمان الجنون و تأخره عنه فالظاهر عدم وجوب الزكاة، و كذلك الحكم إذا جهل كلّا

من التأريخين.

و إذا جهلت الحالة السابقة في مالك المال انه كان مجنونا في تلك الحالة أو عاقلا، و لم يعلم أيضا بسبق الحال الموجودة فيه بالفعل من الجنون أو العقل على وقت تعلق الزكاة بالمال أو تأخرها عنه لم تجب الزكاة أيضا.

المسألة 13:

إذا كان المال الزكوي الذي يملكه المكلف قد تعلق فيه حق الخيار لشخص آخر غير مالكه، فهل يكون تعلق ذلك الخيار به مانعا من تعلق وجوب الزكاة بالمال؟، و هل يكون ابتداء الحول في النصاب من حين العقد أو من حين انقضاء مدة الخيار؟ فيه إشكال، و خصوصا في الخيار المشروط بردّ الثمن.

و مثال ذلك: ان يشتري الإنسان نصابا من الإبل أو البقر أو الغنم و يشترط البائع لنفسه أن يكون له خيار فسخ البيع إذا هو ردّ الثمن على المشتري في مدة معلومة بينهما، و لا يترك الاحتياط بإخراج الزكاة إذا تم الحول من حين العقد الجاري بينهما.

المسألة 14:

إذا كان المال مشتركا بين مالكين أو أكثر، و كانت حصة أحد الشريكين أو الشركاء من المال تبلغ مقدار النصاب الشرعي وجبت عليه الزكاة في حصته، و لا تجب على شريكه الآخر إذا كانت حصته من المال لا تبلغ النصاب، و لا يكفي أن يبلغ مجموع المال نصابا شرعيّا تامّا.

المسألة 15:

تجب الزكاة في نماء الوقف إذا كان مفاد وقفه تمليك النماء للأشخاص الموقوف عليهم، سواء كان الوقف خاصّا أم عامّا، فإذا جعل المالك نخيله المعينة أو كرمه وقفا على ان يكون نماء النخيل و الكرم ملكا لذريته أو للسّادة العلويين أو لعلماء البلد وجبت الزكاة على كل شخص من الموقوف عليهم بلغت حصته من النماء مقدار النصاب أو زادت عليه، نعم، إذا كان الوقف عامّا فإن الفرد من الموقوف عليهم لا يملك الحصة من النماء حتى يقبضها، و لذلك فلا تجب الزكاة في حصته قبل القبض.

و لا تجب الزكاة في نماء الوقف إذا كان مفاد وقفه صرف النماء على

كلمة التقوى، ج 2، ص: 153

الموقوف عليهم من غير تمليك، سواء كان الوقف عامّا أم خاصّا، و مثال ذلك: ان يقف المالك نخيله على ان يصرف نماؤها على ذريته أو على الفقراء، أو على علماء البلد و لم يملكهم النماء.

المسألة 16:

قد سبق في المسألة السادسة ان الزكاة لا تجب في المال المغصوب من المالك، و لا في المسروق، و لا المجحود و ما أشبه ذلك، لأن مالك ذلك المال غير قادر على التصرف فيه في هذه الفروض، فإذا أمكن للمالك أن يخلّص ماله و يسترجعه بسهولة، فيقيم عليه بينة شرعية عند الحاكم و يسترده، أو يستعين بشخص ذي وجاهة و نفوذ و يرفع بذلك يد الظالم عنه مع تيسر ذلك له، فالأحوط له إخراج الزكاة إذا هو ترك المال و لم يخلّصه مختارا في ذلك، و المدار في المسألة ان يكون المالك معذورا عرفا أو شرعا، في عدم تخليص المال من يد المستولي عليه أو غير معذور، فإن كان معذورا في ترك ماله و عدم تخليصه

لم تجب عليه زكاته، و ان كان غير معذور في نظر الشرع أو عند أهل العرف في ذلك وجبت عليه زكاة المال.

المسألة 17:

إذا أمكن للشخص الدائن أن يستوفي دينه من المدين بيسر، فترك دينه و لم يستوفه منه باختياره، لم تجب عليه زكاة المال، فإن الدائن لا يملك عوض الدين إلا بعد قبضه، و كذلك الحكم إذا أراد الشخص المدين أن يفي ما في ذمته فتركه الدائن و لم يستوفه منه فلا تجب عليه زكاته، و ان كان تركه استيفاء الدين بقصد الفرار من زكاته.

المسألة 18:

إذا اقترض الرجل مبلغا من أحد و قبض المبلغ من الدائن أصبح المال ملكا للمقترض، فإذا كان بمقدار النصاب أو أكثر منه و حال عليه الحول بعد القبض وجبت زكاته على المقترض مع اجتماع بقية شرائط وجوبها.

المسألة 19:

إذا تبرع الدائن نفسه فأدّى زكاة مال القرض بعد وجوبها على المقترض، أو تبرع شخص أجنبي فأدّى زكاة المال عن المقترض بعد وجوبها عليه صح ذلك و كفى عن المالك، و إذا شرط المقترض على الدائن في عقد القرض بينهما أن يؤدي عنه زكاة مال القرض إذا حال عليه الحول و المال باق، و قبل الدائن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 154

بالشرط، صح الشرط و وجب عليه العمل به، فإذا و في الدائن بالشرط و أدى الزكاة برئت ذمة المقترض من التكليف بالزكاة، و ان لم يفعل و لم يف بالشرط وجب على المقترض أداء الزكاة من ماله.

المسألة 20:

إذا نذر مالك المال أن يتصدق بعين ماله كلّها، و كان نذره للصدقة بالمال مطلقا غير معلق على شرط و لا مقيد بوقت، و كان النذر سابقا على تعلق وجوب الزكاة بالمال، لم تجب الزكاة في ذلك المال، و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة، و يجب عليه أن يتصدّق بعين ماله وفاء بالنذر، و كذلك الحكم إذا نذر أن يتصدق ببعض معلوم من المال: النصف أو الثلث مثلا، و كان الباقي منه لا يبلغ مقدار النصاب، فيجب عليه أن يتصدق بالمقدار المنذور، و لا تجب الزكاة في الباقي لأنّه دون النصاب.

المسألة 21:

إذا نذر مالك المال أن يتصدق بعين ماله، و كان نذره للصدقة بعد أن تعلقت الزكاة بالمال نفسه، فان كان مراده من صيغة نذره ان يبدأ أولا فيفك المال من حق الزكاة الذي تعلق به حتى يكون خالصا له ثم يتصدق به، وجب عليه ان يؤدي الزكاة من مال آخر، ثم يتصدق بجميع عين المال وفاء بنذره، و ان كان مراده من نذره أن يتصدق ببقية المال بعد ان يؤدي منه مقدار الزكاة، وجب عليه أن يفعل ذلك كما نذر.

و ان كان مراده من النذر ان يتصدق بجميع المال الموجود حتى بمقدار الزكاة الواجب فيه، فلذلك صورتان مختلفتان في القصد و في الحكم.

(الصورة الأولى): ان ينذر الناذر التصدق بجميع المال المذكور و يجعله على نفسه واجبا واحدا يرتبط بعضه ببعض، بحيث إذا تصدق ببعض المال دون بعض يكون غير موف بنذره فلا يفي به حتى يتصدق بالجميع، و يكون النذر على سبيل وحدة المطلوب، و الحكم في هذه الصورة بطلان النذر من أصله، فيجب عليه دفع مقدار الزكاة و يسقط عنه وجوب التصدق.

(الصورة

الثانية): أن ينذر التصدق بالمال و يجعله واجبا انحلاليا بحيث إذا تصدق ببعض المال دون بعض فقد و في ببعض النذر و لم يف بالباقي، و يكون إنشاء النذر على نحو تعدد المطلوب، فيبطل النذر في هذه الصورة في مقدار الزكاة من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 155

المال و يجب عليه أداؤها و يجب عليه التصدق بالباقي من المال بعد الزكاة.

المسألة 22:

إذا كان مال المالك مما يعتبر في وجوب الزكاة فيه أن يحول عليه الحول، و نذر المالك ان يتصدق بعين ماله و كان نذره معلقا على وجود شرط أو مقيدا بوقت معين، فالظاهر ان الزكاة لا تجب في ذلك المال، سواء كان نذره مؤقتا بما قبل تمام الحول أم بما بعده، و سواء حصل الشرط الذي علّق عليه النذر قبل تمام الحول أم حصل مقارنا له أم حصل بعده.

المسألة 23:

كل ما ذكرناه من الأحكام في الفروض السابقة من نذر التصدق بالمال انما هو في نذر الفعل، و المراد به أن ينذر المالك أن يتصدق بماله مطلقا أو معلّقا على وجود شرط.

و أما نذر النتيجة- و المراد به ان ينذر المالك ان يكون ماله صدقة إما مطلقا أو في وقت معين أو عند حصول شرط مخصوص، فيكون النذر بنفسه إنشاء للصدقة- ففي صحة هذا النذر إشكال بل منع.

المسألة 24:

إذا حصلت للمكلف الاستطاعة المالية لحج البيت بالنصاب الزكوي كلّه، بحيث لو ان المكلف اخرج مقدار الزكاة منه لم تحصل له الاستطاعة، فإن تم حول النصاب أو حل وقت تعلق الزكاة به إذا كان من الغلات قبل أن تسافر القافلة إلى الحج، و قبل ان يتمكن المكلف من السفر اليه، وجبت الزكاة في النصاب و انتفت بذلك الاستطاعة كما هو المفروض فلا يجب الحج على المكلف، و ان تمكن المكلف من السفر إلى الحج قبل أن يتم الحول و تتعلق الزكاة بالمال، و توقف أداء الحج على صرف عين النصاب فيه سقطت الزكاة و وجب عليه الحج.

و إذا لم يتوقف أداء الحج على صرف عين المال فيه و لم ينحصر في ذلك، فمقتضى الأدلة ان تجب الزكاة و الحج كلاهما على المكلف، فيتزاحمان، و يمكن المكلف أن يبدل النصاب الزكوي قبل أن يتم عليه الحول بعين أخرى فيسقط وجوب الزكاة بسقوط الحول و تبقى الاستطاعة للحج بغير مزاحم و يتخلص المكلف من الإشكال.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 156

المسألة 25:

إذا كان المال غائبا لا تصل إليه يد المالك و لا يد وكيله ليتمكن من التصرف فيه كما يريده أو كان مدفونا في مكان و نسي الموضع الذي دفن فيه و مضت عليه سنتان أو أكثر، ثم تمكن منه، استحب له أن يزكي المال لسنة واحدة، بل يستحب له إخراج زكاته إذا مضت عليه سنة واحدة، و في تعدية الحكم بالاستحباب لغير الغائب و المدفون من الأموال التي سبق ذكرها في المسألة السادسة إشكال.

المسألة 26:

إذا كان مالك المال متمكنا من التصرف فيه حتى تم له الحول في ما يعتبر فيه الحول، و حتى تعلّق به وجوب الزكاة في الغلات الأربع، استقر عليه وجوب زكاة ذلك المال، فإذا لم يمكنه التصرف في المال بعد ذلك لم يسقط عنه الوجوب، فإذا تجدد له التمكن منه بعد ذلك وجب عليه أداء زكاته، و ان لم يمكنه ذلك و كان عدم تمكنه لتقصير منه فعليه ضمان الزكاة، و لا ضمان عليه إذا كان غير مقصر.

المسألة 27:

تجب الزكاة على الكافر، و لا تصحّ منه إذا أداها في حال كفره، و لإمام المسلمين (ع) أو نائبه أن يأخذ الزكاة منه قهرا، و إذا أتلفها فلهما أن يأخذا منه عوضها من المثل إذا كان المال مثليّا و من القيمة إذا كان قيميّا، و كذلك إذا تلفت بيده على وجه الضمان.

المسألة 28:

إذا أسلم الكافر بعد أن وجبت عليه الزكاة في ماله، فإن كانت العين تالفة في وقت إسلامه سقطت عنه زكاتها، و إذا كانت العين التي تعلقت بها الزكاة موجودة ففي سقوط الزكاة عنه تأمل.

المسألة 29:

إذا اشترى المسلم المال الزكوي من الكافر بعد ان تعلقت به الزكاة وجبت على المشتري المسلم إخراج الزكاة من المال، و كذلك إذا اشترى منه بعض النصاب على الأحوط، فعليه إخراج زكاته، بل الظاهر جريان الحكم في مطلق الانتقال إلى المسلم و ان كان بغير الشراء.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 157

المسألة 30:

تجب الزكاة المالية في كل من الأنعام الثلاثة و هي الإبل و البقر و الغنم، و تجب في النقدين و هما الذهب و الفضة المسكوكان للمعاملة بهما، و تجب في الغلات الأربع، و هي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و لا تجب في ما عدا هذه الأمور التسعة.

و يستحب الزكاة في مال التجارة، و في ما تنبته الأرض مما يكال أو يوزن غير الغلات الأربع كالأرز و السمسم و الدخن و الذرة و العدس و الماش و الحمص، و تستحب في إناث الخيل دون ذكورها، و في حاصل العقار الذي يتخذ للنماء، و سيأتي- ان شاء الله تعالى- تفصيل كل أولئك الأمور و بيان أحكامها و مقادير الزكاة المستحبة فيها في الفصل الخامس.

الفصل الثاني في زكاة الأنعام الثلاثة

المسألة 31:

لا تجب الزكاة في الأنعام الثلاثة حتى تجتمع في كل واحد منها شروط أربعة، زيادة على ما تقدم بيانه في الفصل الأول من شروط وجوب الزكاة في مطلق المال.

و قد سبق في المسألة الثامنة ان الزكاة لا تجب في المال حتى يبلغ مقدار النصاب الشرعي، و النصب المحدّدة في الإبل لوجوب الزكاة فيها اثنا عشر نصابا، و في البقر نصابان، و في الغنم خمسة نصب.

المسألة 32:

لا تجب الزكاة في الإبل المملوكة للمكلف حتى يبلغ عددها خمسا، فإذا بلغت خمسا (و هو النصاب الأول فيها) وجبت فيها شاة، ثم لا يجب في ما زاد على الخمس شي ء غير الشاة حتى يبلغ عددها عشرا، فإذا بلغت عشرا (و هو النصاب الثاني) فتجب فيها شاتان.

ثم لا يجب في ما زاد على العشر شي ء غير الشاتين حتى يبلغ عددها خمس عشرة (و هو النصاب الثالث) فتجب فيها ثلاث شياه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 158

ثم لا يجب في الزائد على ذلك شي ء غير الثلاث شياه حتى يبلغ عدد الإبل عشرين (و هو النصاب الرابع) فتجب فيها أربع شياه.

ثم لا يجب في الزائد عليها شي ء غير الأربع شياه حتى تبلغ خمسا و عشرين، (و هو النصاب الخامس) فتجب فيها خمس شياه.

فإذا زادت الإبل واحدة و بلغ عددها ستا و عشرين (و هو النصاب السادس) وجب أن يخرج فيها بنت مخاض، و المراد ببنت المخاض من الإبل هي التي دخلت في السنة الثانية من عمرها.

ثم لا يجب في ما زاد على الست و العشرين شي ء غير بنت المخاض حتى يبلغ عدد الإبل ستا و ثلاثين (و هو النصاب السابع) فتجب فيها بنت لبون، و بنت اللبون من الإبل هي التي دخلت في

السنة الثالثة من العمر.

ثم لا يجب في ما زاد على الست و الثلاثين شي ء غير بنت اللبون، حتى يبلغ عددها ستا و أربعين (و هو النصاب الثامن) فتجب فيها حقة، و الحقة من الإبل هي التي دخلت في السنة الرابعة من عمرها.

ثم لا يجب في الزائد على ذلك شي ء غير الحقة حتى يكون العدد واحدة و ستين (و هو النصاب التاسع) فتجب فيها جذعة، و الجذعة من الإبل هي التي دخلت في السنة الخامسة من عمرها.

ثم لا يجب في ما زاد على الإحدى و الستين شي ء غير الجذعة حتى يكون عدد الإبل ستا و سبعين و هو (النصاب العاشر) فتجب فيها بنتا لبون و قد أوضحنا المراد منها في النصاب السابع.

ثم لا يجب في الزائد على ذلك المقدار شي ء غير بنتي اللبون حتى يبلغ عدد الإبل احدى و تسعين (و هو النصاب الحادي عشر) فتجب فيها حقتان و قد ذكرنا معناهما في النصاب الثامن.

ثم لا يجب في ما زاد على الإحدى و التسعين شي ء غير الحقتين حتى يبلغ عدد الإبل مائة و إحدى و عشرين (و هو النصاب الثاني عشر) فتجب فيها في كل خمسين من الإبل حقة و في كل أربعين منها بنت لبون، على ما يأتي توضيحه في المسألة الآتية و هكذا في ما زاد على العدد المذكور.

المسألة 33:

إذا بلغ عدد الإبل الموجودة عند المكلف النصاب الثاني عشر أو زاد عليه،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 159

نظر في عدد الإبل التي يملكها فما فنت عقود عشراته بعدّها خمسين خمسين فقط، و مثال ذلك: أن يكون عدد الإبل مائة و خمسين، فان عدّه بالخمسين ثلاث مرات يفني عقودها و لا يبقى منها شي ء، و عدد

الأربعين لا يفني عقودها، و في مثل هذا الفرض يتعين على المكلف عد الإبل بالخمسين وحدها و يخرج لكل خمسين من الإبل حقة، فيخرج في زكاة المائة و الخمسين ثلاث حقق.

و ما فنت عقود عشراته بعدّها أربعين أربعين فقط، و مثاله: ان يكون العدد مائة و ستين فان عدد الأربعين أربع مرات يفني عقودها و لا يبقى منه شي ء، و عدد الخمسين لا يفني عقودها، و في هذا الفرض يتعين عدّ الإبل بالأربعين خاصة، و يخرج في زكاة كل أربعين بنت لبون، فعليه في زكاة المائة و الستين اربع بنات لبون.

و ما فنت عقود عشراته بكل واحد من الأربعين و الخمسين، و مثال ذلك: ان يكون عدد الإبل مائتين فإنه اربع خمسينات أو خمس اربعينات، و في هذا الفرض يتخير المكلف بينهما فيجوز له أن يخرج في زكاة المائتين خمس بنات لبون بعدّها أربعين أربعين، و يجوز له ان يخرج في زكاتها أربع حقق بعدّها خمسين خمسين.

و ما فنت عقود عشراته بالمركب من الأربعين و الخمسين، و مثال ذلك: أن يكون عدد إبله مائة و سبعين فان فيه خمسين واحدة و ثلاث اربعينات، و يتعين في مثل هذا الفرض ان يعدّها كذلك، فيخرج في زكاة العدد المذكور في المثال حقة واحدة و ثلاث بنات لبون.

و على هذه القاعدة التي ذكرناها فلا يتصور عفو أبدا في عدد الإبل مهما بلغت، إلا في الآحاد ما بين عقود العشرات، و أما العشرات نفسها فلا بدّ و أن تفنى بأحد العددين المذكورين أو بكليهما أو بالمركب منهما، فلا عفو فيها.

المسألة 34:

و لا بدّ من الملاحظة في الحساب لتطبيق القاعدة التي ذكرناها في المسألة المتقدمة، فإنها لا تختلف، فإذا كان

عدد الإبل التي يملكها الإنسان مائة و أربعين ناقة، تعين عليه أن يعدّها خمسينين و أربعين واحدة فيخرج في زكاتها حقتين و بنت لبون، و إذا كان عدد إبله مائتين و أربعين، أمكن له أن يعدها ست أربعينات فيخرج في زكاتها ست بنات لبون، و أمكن له أن يعدها أربعين واحدة، و اربع خمسينات، فيخرج عنها اربع حقق و بنت لبون واحدة، و إذا كانت الإبل مائتين

كلمة التقوى، ج 2، ص: 160

و ستين يتعين عليه ان يعدّها خمسينين و اربع اربعينات، فيخرج في زكاتها حقتين و أربع بنات لبون، و لا يكون عفو في الجميع كما قلنا.

المسألة 35:

لا يجوز للمكلف أن يتساهل في الحساب و التقسيم و يؤدي أقل مما يجب عليه في زكاة إبله، و يتوهم أن الزائد في الإبل عفو لا زكاة فيه، فإذا كان عدد إبله مائتين و سبعين ناقة، وجب عليه أن يعدّها ثلاث خمسينات و ثلاث أربعينات، فيؤدي في زكاتها ثلاث حقق و ثلاث بنات لبون، و هذا هو المقدار الواجب عليه في زكاة العدد المذكور، و لا يكفيه أن يدفع عنها خمس حقق أو يدفع عنها ست بنات لبون، و يسقط الزائد بتوهم وجود العفو.

و إذا كان يملك ثلاثمائة و عشرة من الإبل وجب أن يعدّها ثلاث خمسينات و أربع أربعينات و يخرج في زكاتها ثلاث حقق و أربع بنات لبون، و لا يكتفي بدفع ست حقق مثلا أو بدفع خمس حقق و بنت لبون، و قد أكثرنا من الأمثلة للإيضاح، و الأمر بيّن لا ينبغي أن يخفى.

المسألة 36:

إذا وجب على مالك الإبل أن يخرج في زكاتها بنت مخاض كما في النصاب السادس و لم توجد لديه، كفاه أن يدفع عوضا عنها ابن لبون، و لا يجزيه أن يدفعه بدلا عنها اختيارا مع وجودها لديه، و إذا فقدهما معا جاز له أن يشتري أيهما شاء و يدفعه في الزكاة.

المسألة 37:

لا تجب الزكاة في البقر حتى يبلغ عدد ما يملكه المكلف منها ثلاثين بقرة و هذا المقدار (هو النصاب الأول فيها) فإذا بلغت ذلك وجب على مالكها أن يخرج في زكاتها تبيعا أو تبيعة، و التبيع من البقر هو ما دخل في السنة الثانية من عمره، و كذلك التبيعة، فيجزيه أن يدفع أيهما شاء.

ثم لا يجب في ما زاد على الثلاثين بقرة شي ء غير التبيع أو التبيعة حتى يبلغ عددها أربعين بقرة (و هو النصاب الثاني) فإذا بلغت ذلك وجب على المكلف أن يخرج في زكاتها مسنّة، و هي التي دخلت في السنة الثالثة من عمرها.

فإذا زادت على أربعين بقرة نظر في عددها، فما فنت عقود عشراته بعدّه ثلاثين ثلاثين خاصة كالستين و التسعين، يجب على المكلف عدّه بالثلاثين و يخرج

كلمة التقوى، ج 2، ص: 161

لكل ثلاثين منها تبيعا أو تبيعة، فيخرج من الستين تبيعين أو تبيعتين، و من التسعين ثلاث تبائع من الإناث أو الذكور.

و ما فنت عقود عشراته بعدّه أربعين أربعين خاصة كالثمانين و المائة و الستين تعيّن على المالك أن يعدّه بالأربعين خاصة، فيخرج من الثمانين مسنتين، و من المائة و الستين أربع مسنّات، و ما فنت عقود عشراته بكلّ من الثلاثين و الأربعين كالمائة و العشرين، يتخير مالكها بين العددين، فيجوز له أن يعدّها ثلاث أربعينات و يخرج في

زكاتها ثلاث مسنّات من البقر، و يجوز له أن يعدّها أربع ثلاثينات و يخرج في زكاتها أربع تبائع منها.

و ما فنت عقود عشراته بالمركب منهما كالسبعين و المائة و عشر يتعين على المالك أن يعدّها كذلك فيخرج من السبعين تبيعا واحدا و مسنة واحدة، و يخرج في زكاة المائة و عشر تبيعا واحدا و مسنتين، و هكذا.

و على هذه القاعدة التي ذكرناها فلا يتصور وجود عفو في الأعداد لا زكاة فيه الا في الآحاد ما بين العقود، و اما عقود العشرات نفسها فلا بد و ان تفنى على الثلاثين أو الأربعين أو على كليهما أو على المركب منهما، إلا إذا كان عدد البقر خمسين، فلا تجري فيه القاعدة التي ذكرناها و لا بد فيه من الزيادة و يتعين فيه الأخذ بالأربعين، فيخرج في زكاة الخمسين من البقرة مسنة واحدة و يكون الزائد من العدد عفوا.

المسألة 38:

لا تجب الزكاة في الغنم حتى يبلغ العدد الذي يملكه الإنسان منها أربعين شاة (و هو النصاب الأول فيها) فإذا بلغت ذلك ففيها شاة واحدة.

ثم لا يجب في ما زاد على الأربعين شي ء غير الشاة، حتى يبلغ عددها مائة و احدى و عشرين شاة (و هو النصاب الثاني فيها) فتجب فيها شاتان.

ثم لا يجب في ما زاد على هذا العدد شي ء غير الشاتين، حتى يبلغ مائتين و واحدة (و هو النصاب الثالث) فتجب فيه ثلاث شياه.

ثم لا يجب في الزائد على ذلك شي ء غير الثلاث شياه، حتى يكمل عددها ثلاثمائة و واحدة (و هو النصاب الرابع) فتجب فيها أربع شياه.

ثم لا يجب في ما زاد على ذلك المقدار شي ء غير الأربع شياه حتى يبلغ عددها أربعمائة شاة (و هو النصاب

الخامس) فتجب في كلّ مائة شاة منه إخراج

كلمة التقوى، ج 2، ص: 162

شاة واحدة.

و لا نصاب في الغنم بعد هذه النصب الخمسة، فإذا زاد عددها على أربعمائة أخرج المالك في زكاة كل مائة شاة شاة واحدة، و لا شي ء في ما دون المائة كما لا شي ء في ما بين النصابين غير ما وجب إخراجه في النصاب السابق.

المسألة 39:

لا فرق في الحكم لا في الجنس من الإبل ما بين العراب و البخاتي و سائر أصنافها من ذوات السنام الواحد و السنامين، و لا فرق أيضا ما بين البقر و الجاموس و سائر أصناف البقر الشرقي منها و الغربي، و لا بين الضأن و المعز و سائر أصناف الغنم من ذوات الألبان و الأذناب، و العربي و البربري، و الاسترالي و غيرها و لا بين الذكور و الإناث في الجميع.

المسألة 40:

إذا كان القطيع الواحد من الأنعام مشتركا بين مالكين أو أكثر، وجب أن تلاحظ حصة كل واحد من الشركاء على انفراده فإذا بلغت حصته خاصة مقدار النصاب وجبت فيها الزكاة على مالكها و ان لم تبلغ حدّ النصاب لم تجب الزكاة فيها و ان كان القطيع متحدا في المسرح و المراح و المرعى و الحظيرة و الصنف.

المسألة 41:

إذا كان للمالك الواحد مال زكوي متفرق بعضه عن بعض و هو من جنس واحد، من الإبل مثلا أو من البقر أو الغنم، لوحظ جميع المال فان بلغ جميعه مقدار النصاب الشرعي وجبت فيه الزكاة و ان كان كل قسم من المال على انفراده لا يبلغ النصاب، أو تباعدت أقسام المال في الأماكن و البلاد.

المسألة 42:

الشاة التي تدفع في زكاة الإبل أو الغنم يجب أن تكون جذعا من الضأن أو ثنيّا من المعز، و لا تجزي عن الواجب إذا كانت أقل من ذلك سنّا.

و الجذع من الضأن هو ما كملت له سنة واحدة من عمره و دخل في السنة الثانية، و الثني من المعز هو ما كملت له سنتان و دخل في السنة الثالثة- على الأحوط لزوما- في كل من الجذع و الثني.

و يجوز للمالك أن يدفع أكبر من ذلك سنّا، و يتخير بين أن يدفع الشاة من النصاب نفسه أو من مال غيره أو من شياه غير البلد و ان كانت أقل قيمة من غنم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 163

النصاب.

و كذلك الحكم في الإبل و البقر، فإذا وجبت عليه بنت مخاض أو بنت لبون أو حقة في زكاة إبله، جاز له أن يدفعها من مال آخر يملكه و جاز له أن يشتريها من غيره و من إبل غير البلد و يدفعها في زكاته، و إذا وجبت عليه تبيعة أو مسنة في زكاة البقر، صح له مثل ذلك، و المدار- على الأحوط- أن يكون ما يخرجه وسطا من أفراد مسمّى الواجب، فلا يكفي أن يدفع الأدنى على الأحوط و لا يجب عليه دفع الأعلى، و إذا تطوع بدفعه فهو خير.

المسألة 43:

لا يتعين عليه أن يدفع الزكاة من جنس العين التي وجبت عليه في النصاب، بل يجوز له أن يدفع قيمتها من النقدين و ما بحكمهما، كالأوراق النقدية و النحاس و النيكل المضروبين سكة يتعامل بها الناس بل يجوز له أن يدفع القيمة من غير ذلك إذا كانت القيمة المدفوعة من غير جنس الفريضة، فيجوز أن يدفع التمر و الزبيب

و الحبوب قيمة للزكاة التي وجبت عليه في الأنعام و بالعكس، و إن كان الاقتصار على النقدين و ما بحكمهما أحوط، و أحوط من ذلك أن يكون الإخراج من العين، و اما دفع القيمة من جنس الفريضة ففيه إشكال.

المسألة 44:

إذا كانت العين موجودة و أراد المكلف أن يدفع القيمة بدلا عنها، أو كانت العين تالفة و كان النصاب مثليّا كالغلات الأربع، فالمدار على القيمة في يوم الأداء، فإذا كان الإخراج في غير البلد فالأحوط له أن يدفع أعلى القيمتين في بلد المال و بلد الأداء.

و إذا كانت العين تالفة و هي من القيميّات كالأنعام الثلاثة، فالمدار على قيمة يوم التلف، و إذا كان التلف لا يستوجب الضمان كما إذا حصل بغير تعدّ من المالك و لا تفريط فلا شي ء عليه.

المسألة 45:

يجزي المكلف في أداء الواجب أن يدفع الأنثى زكاة و ان كان النصاب كله من الذكور، و يجزيه أن يدفع الذكر زكاة و ان كان النصاب كله من الإناث، و يجزيه أن يدفع الزكاة من الضأن و ان كان النصاب كلّه من المعز، و أن يدفع المعز و إن كان النصاب كلّه من الضأن، و يجزيه أن يدفع البقر زكاة عن نصاب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 164

الجاموس، و أن يدفع الجاموس زكاة عن نصاب البقر، و أن يدفع الإبل البخاتي زكاة عن نصاب الإبل العراب، و أن يدفع العراب زكاة عن الإبل البخاتي سواء تساوت القيمة أم اختلفت في جميع الفروض المذكورة، و إذا اختلط النصاب من الصّنفين أجزأه أن يخرج الزكاة من أي الصنفين شاء.

المسألة 46:

يدخل الصحيح و المريض من الأنعام، و السليم و المعيب، و الشاب و الهرم منها في وجوب عدّه من النصاب، و لا يجزئ أن يدفع المريض زكاة إذا كان النصاب كله من الصحاح، و لا يكفي أن يدفع المعيب زكاة إذا كانت كلها سليمة، و لا يجوز أن يدفع الهرم إذا كانت كلها شابة، بل و لا يجزي ذلك على الأحوط إذا كان النصاب مخلوطا من الصحاح و المراض أو من السليمة و المعيبة أو من الشابة و الهرمة، و إذا كان النصاب كله مراضا أو معيبة أو هرمة جاز الإخراج منه.

المسألة 47:

إذا ملك الإنسان النصاب الأول دون زيادة، و حالت عليه- و هو في ملكه- أحوال، فإن كان يؤدي زكاة النصاب في كل عام من غيره تكررت الزكاة عليه في النصاب ما دام يفعل ذلك، و مبدأ كل حول من حين أداء الزكاة عن الحول السابق عليه، فان ذلك الحين هو الوقت الذي تخلص للمالك فيه ملكية النصاب.

و إذا أخرج الزكاة من المال نفسه نقص بذلك عن النصاب فلا تجب الزكاة فيه للسنة الثانية، و كذلك الحكم إذا لم يخرج منه الزكاة أصلا، فيجب عليه أن يزكيه لسنة واحدة.

و إذا ملك المالك ما يزيد على النصاب الأول و لا يبلغ النصاب الثاني و حالت عليه و هو في ملكه أحوال وجب عليه أن يزكي ذلك المال لكل سنة منها حتى ينقص عدده عن النصاب، فإذا نقص عنه لم تجب فيه الزكاة.

المسألة 48:

الثاني من شروط وجوب الزكاة في الأنعام أن تكون سائمة طوال الحول، فلا تجب الزكاة فيها إذا كانت معلوفة و لو في بعض الحول، و لا يضرّ في تحقق الشرط المذكور في نظر أهل العرف أن تعلف اليوم الواحد أو اليومين بل و الأيام إذا كانت متفرقة في أثناء الحول.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 165

المسألة 49:

لا تجب الزكاة في الأنعام إذا كانت معلوفة و ان كان بسبب اضطرار لعدم وجود مرعى ترعى فيه مثلا، أو لوجود مانع يمنع من إخراجها إلى السوم، كمرض في الماشية أو نزول ثلج أو مطر أو خوف من تسلّط ظالم أو سباع، و سواء كان العلف من مال المالك أم من مال غيره، و سواء أذن المالك بالعلف أم لم يأذن. و من العلف أن يجز النبات المباح فيطعمها إياه أو يتبرع متبرع بعلفها.

المسألة 50:

لا يضر في صدق وصف السائمة على الأنعام أن يستأجر مالكها لها مرعى مملوكا لغيره تسوم فيه، أو يشتري نباتة من مالكه لذلك، أو يرسلها مالكها في أرضه فترعى من نبت مملوك له بنبع الأرض كالحشائش و الكلاء الذي ينبت في الأرض بعد الأمطار أو بعد نضوب الماء منها، و يشكل صدق السائمة عليها إذا أرسلها مالكها في زرع مملوك له قد زرعه لترعى فيه، أو زرع اشتراه من أحد لتسوم فيه، و لا يضر في صدق وصف السائمة أن يدفع الى الظالم المتسلط مالا ليجيزه في أن ترعى أنعامه و مواشيه في أرض مباحة.

المسألة 51:

الثالث من شروط وجوب الزكاة في الأنعام: أن لا تكون عوامل، لا في جميع الحول و لا في بعضه، فلا تجب الزكاة فيها إذا كانت تعمل في نقل المسافرين مثلا من بلد إلى بلد، أو تعمل في نقل الرحال و الأثقال أو في إثارة الأرض أو سقي الزرع أو ما يشبه ذلك من الأعمال.

و لا يمنع من وجوب الزكاة فيها أن تعمل في أثناء الحول يوما أو يومين، بل و أياما إذا كانت الأيام متفرقة، و من غير إعداد لذلك، و إذا أعدّها مالكها للعمل و عملت بعد الإعداد يومين أو أكثر ففي تحقق الشرط إشكال، و لا بد في هذا الفرض من مراعاة الاحتياط بإخراج الزكاة.

المسألة 52:

إذا ملك الرجل نصابا- لا أكثر- من الإبل أو البقر، و كان بعض النصاب المملوك له من العوامل لم تجب الزكاة في جميع النصاب، و كذلك إذا كانت الأنعام التي يملكها أكثر من نصاب و كانت الأنعام غير العاملة منها لا تبلغ مقدار

كلمة التقوى، ج 2، ص: 166

النصاب فلا تجب فيها الزكاة.

المسألة 53:

الرابع من شروط وجوب الزكاة في الأنعام: أن يمضي عليها حول في ملك مالكها و هي جامعة للشرائط، و المراد هنا بالحول أن يدخل الشهر الثاني عشر منذ ابتداء الحول عليها، فإذا دخل الشهر الثاني عشر ثبت وجوب الزكاة فيها بدخوله و استقر على الأقوى، و لا يضر بوجوب الزكاة و استقراره أن يختل بعض الشروط بعد ذلك، و إن حصل الخلل في أثناء الشهر الثاني عشر، غير أن الحول اللّاحق للأنعام لا يبتدي إلا بعد نهاية الشهر الثاني عشر.

المسألة 54:

إذا انتفى بعض الشروط التي ذكرناها لوجوب الزكاة قبل دخول الشهر الثاني عشر بطل الحول من غير فرق بين الشروط العامة التي ذكرناها في الفصل الأول لوجوب مطلق الزكاة و الشروط التي بيناها في هذا الفصل لزكاة الأنعام.

و مثال ذلك: أن ينقص عدد الأنعام عن مقدار النصاب أو يطرأ للمالك أو في الأنعام ما يمنع المالك من التصرف فيها أو يبدلها بغيرها، و إن كان العوض الذي انتقل إليه من جنسها، كما إذا عاوض عن الغنم أو البقر أو الإبل بمثلها، فيبطل الحول و لا تجب على المالك الزكاة إذا تم و ان فعل ذلك باختياره فرارا من الزكاة.

المسألة 55:

إذا أبدل المالك النصاب الزكوي الذي يملكه بنصاب آخر من جنس الأول أو من غير جنسه قبل أن يتم الحول بطل حول النصاب الأول كما قلنا، و استأنف حولا جديدا للنصاب الجديد من الوقت الذي ملكه فيه بالمعاوضة، و كذلك إذا أبدل بعض النّصاب بما يجعله نصابا مرة أخرى، و مثاله: أن تكون له أربعون شاة و تمضي عليها عدة أشهر و هي في ملكه، ثم يبدل عشرين شاة منها بعشرين شاة أخرى، فيجب عليه أن يستأنف الحول للنصاب من حين التبديل.

المسألة 56:

إذا اجتمعت شروط وجوب الزكاة في النصاب الزكوي و حال عليه الحول و الشروط كلها مجتمعة فيه، ثم تلف بعض النصاب قبل أن يدفع المكلف زكاته، فإن كان تلف ذلك البعض بغير تفريط من المالك، فلا ضمان عليه لزكاة ذلك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 167

البعض التالف، و يسقط عنه من الزكاة بنسبة المقدار التالف الى مجموع النصاب، و مثال ذلك: أن يكون عدد النصاب الموجود عنده في الحول خمسا من الإبل، ثم تتلف منه بعد الحول و قبل دفع الزكاة ناقة واحدة، و هي خمس النصاب، و الزكاة الواجبة عليه في هذا النصاب شاة واحدة فإذا كان تلف الناقة منه بغير تفريط سقط عنه خمس الشاة التي يجب عليه إخراجها، لأنه غير ضامن، و يجب عليه أن يدفع أربعة أخماس الشاة فقط، فإذا كانت قيمة الشاة خمسة دنانير و أراد المالك أن يؤدّي القيمة وجب عليه أن يدفع لمستحق الزكاة أربعة دنانير.

و إذا كان عدد النصاب المفروض وجوده عند المالك في الحول عشرا من الإبل و هو النصاب الثاني و كان التالف منه قبل دفع الزكاة ناقة واحدة، و هي عشر النصاب

المذكور، و الزكاة الواجبة في هذا النصاب شاتان، فيسقط عن المكلف عشر الشاتين المذكورتين و يجب عليه أن يدفع تسعة أعشار الشاتين فقط، لأنه غير ضامن، فإذا كانت قيمة الشاتين عشرة دنانير و أراد أن يؤدّي القيمة، وجب عليه أن يدفع للمستحق تسعة دنانير، و هكذا.

و إذا كان تلف التالف من النصاب بتفريط من المالك كان ضامنا للزكاة، فلا يسقط عنه من الزكاة شي ء، و يكفي في حصول التفريط من المالك و ثبوت الضمان عليه أن يؤخر دفع الزكاة عامدا مع تمكنه من أدائها.

و إذا كان تلف التالف من عدد الأنعام الموجودة لا ينقص من النصاب الشرعي شيئا لم يسقط عن المالك شي ء من الزكاة الواجبة عليه و إن كان التلف بغير تفريط، و مثال ذلك: أن يكون عدد الإبل الموجودة لدى المالك في الحول ستّا في الفرض الأول و إحدى عشرة ناقة في الفرض الثاني، فإذا تلفت من الإبل واحدة لم ينقص من النصاب شي ء فلا ينقص من الزكاة شي ء.

المسألة 57:

يبدأ حول السخال منذ يوم ولادتها على الأقوى، سواء كانت الأمهات سائمة أم معلوفة و سواء كانت أولاد إبل أم بقر أم غنم، و إذا ولد بعض النصاب من السخال في وقت ثم ولدت بقية النصاب بعد ذلك، فمبدأ الحول فيها حين تتم ولادة باقي النصاب.

المسألة 58:

إذا كان الإنسان مالكا لأحد النصب من الأنعام، ثم تجدّد له ملك إنعام

كلمة التقوى، ج 2، ص: 168

أخرى من جنس الأنعام الأولى زيادة عليها، فلهذا الفرض صور مختلفة تجب ملاحظتها و لكل صورة منها حكمها.

(الصورة الأولى): ان يملك الرجل الأنعام الجديدة عند انتهاء حول الأنعام الأولى، و تكون الأنعام الجديدة بمقدار يكمل بها النصاب اللاحق أو يزيد عليه، و الحكم في هذه الصورة أن يؤدي المالك زكاة النصاب الأول الذي تم حوله ثم يبتدئ حولا جديدا لمجموع ما يملكه من الأنعام القديم منها و الجديد، و مثال ذلك: أن يكون الرجل مالكا لخمس من الإبل، فتلد له خمسا من الإبل أخرى عند نهاية الحول أو يشتري مثلها في ذلك الوقت أو تنتقل إليه بميراث أو غيره، أو أن يكون الرجل مالكا لثلاثين بقرة، ثم أنتجت له في نهاية حولها إحدى عشرة، فيكون الحول الجديد حولا للأمهات و الأولاد، و عليه أن يزكي النصاب الأول الذي تم حوله فيخرج شاة عن الإبل في المثال الأول و يخرج تبيعا أو تبيعة من البقر في المثال الثاني، و إذا تم الحول الجديد للأنعام القديمة و الجديدة وجب عليه أن يخرج شاتين عن نصاب الإبل و مسنة عن نصاب البقر، و كذلك إذا زادت الأنعام على ما يكمل النصاب اللّاحق في هذه الصورة و لا تبلغ نصابا آخر.

المسألة 59:

(الصورة الثانية): أن يملك الرجل أنعاما جديدة في أثناء حول الأنعام الاولى، و تكون الأنعام الجديدة التي يملكها في ما بعد نصابا زكويا مستقلّا، و مثال ذلك: أن يكون مالكا لخمس من الإبل و تمضي من حولها ستة أشهر، ثم يملك ستّا و عشرين ناقة غيرها، و الحكم في هذه

الصورة أن ينفرد كل من النصابين بحوله، فإذا تم حول النصاب الأول وجبت فيه الزكاة و أخرج عنه شاة في المثال الذي ذكرناه، و إذا انتهى حول النصاب للأنعام الجديدة أخرج في زكاته بنت مخاض، و هكذا.

و بحكم هذه الصورة ما إذا زادت الأنعام الجديدة التي ملكها على النصاب بما لا يبلغ نصابا آخر أكبر منه كما إذا ملك ثلاثين من الإبل.

المسألة 60:

(الصورة الثالثة): أن يملك المكلف أنعاما جديدة في أثناء حول الأنعام الأولى، و تكون الأنعام التي تجدد له ملكها في ما بعد بمقدار يكمل به النصاب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 169

اللاحق للأنعام الأولى، و مثال ذلك: أن تكون عند الرجل ثلاثون بقرة و تمضي عليها ستة أشهر و هي في ملكه، فتلد له إحدى عشرة في أثناء حولها، أو يشتري هذا العدد فيكون مجموع ما لديه إحدى و أربعين بقرة، أو يكون الرجل مالكا لأربعين شاة، ثم يملك في أثناء حولها اثنتين و ثمانين شاة جديدة و يصبح مجموع ما لديه من الغنم الجديدة و القديمة مائة و اثنتين و عشرين شاة.

و الحكم في هذه الصورة أن يتم حول الأنعام الأولى، فيؤدي بعده زكاة النصاب الأول، فيخرج فيه تبيعا أو تبيعة في مثال البقر، و يخرج شاة واحدة في مثال الغنم، ثم يستأنف حولا جديدا لمجموع ما لديه من الأنعام القديم منها و الجديد، فإذا انتهى هذا الحول أخرج في زكاته مسنّة في مثال البقر، و أخرج شاتين في مثال الغنم، و كذلك إذا زادت البقر أو الغنم على العدد المذكور في الصورة بما لا يبلغ نصابا آخر.

المسألة 61:

(الصورة الرابعة): أن تكون الأنعام الجديدة التي يملكها المكلف في الفرض المتقدم بمقدار يكون نصابا مستقلّا و هو في الوقت نفسه مكمل للنصاب اللاحق، و مثال ذلك: أن يكون الرجل مالكا لعشرين من الإبل، ثم يملك في أثناء الحول ستّا أخرى، فإن الخمس الجديدة من الإبل نصاب مستقل كما أن الست إذا أضيفت إلى العشرين الأولى كانت متممة للنصاب السادس من الإبل، أو يكون مالكا لخمس من الإبل ثم يملك في أثناء الحول خمس إبل أخرى

فإن الخمس الثانية مكملة للنصاب الثاني من الإبل و هي في الوقت نفسه نصاب مستقل منها.

و الحكم في هذه الصورة نظير ما قدمناه في الصورة الثانية فيكون لكل واحد من النصاب الذي ملكه أولا و النصاب الذي ملكه ثانيا حول مستقل على انفراده، و عند تمام كل حول منهما يجب على المكلف دفع زكاته، فإذا تم حول النصاب الأول دفع أربع شياه في المثال الأول، و دفع شاة واحدة في المثال الثاني، و إذا تم حول النصاب الثاني دفع شاة واحدة في كل من المثالين.

المسألة 62:

(الصورة الخامسة): أن لا تبلغ الأنعام الجديدة التي يملكها الإنسان في ما بعد نصابا مستقلّا، و لا تكون مكملة للنصاب اللاحق، و مثال ذلك: أن يكون الرجل

كلمة التقوى، ج 2، ص: 170

مالكا لخمس من الإبل، فتلد له في أثناء حولها أربعا، أو يكون مالكا أربعين شاة، ثم يملك في أثناء حولها ثلاثين شاة أخرى، فالإبل الأربع الجديدة التي تجدد له ملكها في المثال الأول ليست نصابا مستقلّا بعد الخمس الأولى، و لا مكملة للنصاب اللاحق من الإبل، و كذلك الثلاثون من الغنم التي ملكها في المثال الثاني ليست نصابا مستقلّا بعد الأربعين الأولى و لا مكملة للنصاب اللاحق من الغنم، و لا حكم للأنعام الجديدة في هذه الصورة، فلا يستأنف لها حول، و لا تجب على المالك فيها زكاة سواء ملكها في أثناء الحول الأول أم بعده، و إنما يجب على المالك زكاة النصاب الأول بعد أن يتم حوله.

المسألة 63:

إذا ارتد الرجل المسلم عن دينه و كان ارتداده عن فطرة، فإن كان ارتداده عن الإسلام في أثناء الحول لماله الزكوي انقطع الحول بارتداده، و انتقل المال الى ورثته المسلمين، فإذا بلغت حصة الوارث منهم مقدار النصاب الشرعي استأنف الحول من حين انتقال المال إليه، فإذا تم الحول و هو في ملكه وجبت عليه زكاته، و إذا لم تبلغ حصته مقدار النصاب لم يجب عليه شي ء، و إن كان ارتداده بعد أن تم الحول لماله وجبت الزكاة في المال و وجب على الوارث إخراجها من جميع المال و إن لم تبلغ حصة الواحد منهم مقدار النصاب، و يجوز لهم إخراجها من أموالهم الأخرى فيخلص لهم النصاب.

المسألة 64:

إذا ارتد المسلم و كان ارتداده عن ملّة و كان ذلك بعد أن تم الحول لماله الزكوي، وجبت الزكاة في المال إذا كان بمقدار النصاب أو أكثر، و إذا ارتد في أثناء الحول لم ينقطع حوله بذلك، فيجب أداء الزكاة من المال بعد أن يتم الحول، و الأحوط أن يكون المتولّي لإخراج الزكاة من ماله هو الحاكم الشرعي، و إذا تاب هذا المرتد و رجع إلى الإسلام قبل أن يخرج الحاكم الزكاة من ماله تولى إخراج الزكاة بنفسه.

و إذا أخرج هذا المرتد الزكاة بنفسه قبل أن يتوب من ارتداده، ففي إجزائها عن الواجب إشكال، و لا يترك الاحتياط، فإذا تاب و العين المدفوعة في الزكاة لا تزال باقية في يد المستحق جدّد النية بعد توبتة و أجزأت عنه، و إذا كان الفقير المستحق عالما بأن الدافع مرتد، و قبض منه الزكاة و هو في حال ردته، ثم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 171

تلفت العين عند الفقير كان مشغول الذمة

بها، فإذا تاب المرتد بعد ذلك جاز له أن يحتسبها عليه، و إذا هو لم يتب جاز للحاكم الشرعي إن يحتسبها عليه.

المسألة 65:

إذا ارتدت المرأة عن الإسلام لم ينقطع حول النصاب الذي تملكه بردتها، سواء كان ارتدادها عن فطرة أم عن ملة، فإذا تم الحول عليه وجب أداء الزكاة منه، و الأحوط أن يتولى الحاكم الشرعي إخراجها.

المسألة 66:

إذا تزوج الرجل امرأة و جعل مهرها نصابا زكويا و جرى على ذلك الإيجاب و القبول ملكت المرأة النصاب بالعقد فإذا حال عليه الحول منذ ذلك الوقت و هو في تصرفها وجبت عليها زكاته.

و إذا طلقها الزوج بعد أن تم الحول على النصاب المذكور و قبل أن يدخل الزوج بالمرأة رجع نصف النصاب الى الزوج و وجب على المرأة أن تؤدي زكاة جميع النصاب من النصف الذي استقر لها، و لا يتعين عليها أن تدفع الزكاة منه فيجوز لها أن تدفع الزكاة عنه من مال آخر.

و إذا تلف نصفها قبل أن تدفع الزكاة و كان تلفه بتفريط منها وجب عليها إخراج الزكاة من مالها و لم يسقط من الزكاة شي ء بسبب التلف، و إذا لم تخرج الزكاة هي، تتبع الساعي عين النصاب فأخذ الزكاة منه- و الساعي هو العامل الذي يعيّنه الحاكم الشرعي لأخذ الزكاة من المكلفين بها- فإذا أخذ الزكاة من نصف الزوج، رجع الزوج على الزوجة المطلقة بما أخذه الساعي منه.

و إذا تلف نصف الزوجة المطلقة بغير تفريط منها سقط عنها نصف الزكاة و وجب عليها دفع النصف الثاني، فإذا لم تؤده أخذه الساعي من نصف الزوج و رجع الزوج عليها به.

المسألة 67:

يصدّق مالك المال الزكوي إذا ادّعى أن الحول لم يحل على ماله، أو ادّعى أن بعض ماله قد تلف في أثناء الحول فنقص ماله عن النصاب، أو ادّعى أنه قد أدّى زكاة ماله، أو أنه قد دفع قسما منها، و لا يفتقر في شي ء من ذلك إلى إقامة بيّنة شرعية تثبت صدق قوله في ما يدعيه، و لا إلى يمين، إلا أن يعلم كذبه في ما يقول.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 172

الفصل الثالث في زكاة النقدين

المسألة 68:

يشترط في وجوب الزكاة في الذّهب و الفضة المسكوكين، مضافا إلى ما ذكرناه في الفصل الأول من الشروط العامة لوجوب الزكاة في مطلق الأموال الزكوية: أن تتوفر فيهما ثلاثة أمور:

الأول: أن يبلغ النقد الموجود منهما عند المكلف مقدار النصاب الشرعي، و لكل واحد من الذهب و الفضة نصابان.

المسألة 69:

لا تجب الزكاة في النقد من الذهب حتى يبلغ المقدار الموجود منه عند المكلف عشرين دينارا (و هذا هو النصاب الأول في الذهب)، فإذا بلغ هذا المقدار و توفرت في النصاب بقية الشروط، وجب فيه نصف دينار.

و المراد بالدينار المثقال الشرعي، و وزن المثقال الشرعي يبلغ ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي المعروف و هو يساوي أربعة و عشرين حمصة، و على هذا فالدينار الواحد أو المثقال الشرعي يزن ثماني عشرة حمصة من الذهب، و النصاب الشرعي الأول منه،- و هو كما قلنا عشرون دينارا- يبلغ في وزنه خمسة عشر مثقالا صيرفيا، و نصف الدينار الذي يجب إخراجه في زكاة هذا النصاب إذا كملت شروطه يبلغ وزنه تسع حمصات من الذهب، أو ثلاثة أثمان المثقال الصيرفي.

ثم لا يجب في ما زاد على عشرين دينارا، غير نصف الدينار الذي ذكرناه فقط، حتى يبلغ الزائد أربعة دنانير، فإذا بلغ ذلك (و هذا هو النصاب الثاني من الذهب) فكان المجموع أربعة و عشرين دينارا وجب في زكاته نصف دينار و قيراطان.

و الأربعة دنانير تساوي في وزنها ثلاثة مثاقيل صيرفية، و القيراط هو جزء واحد من عشرين جزءا من الدينار، فالأربعة دنانير تساوي في وزنها ثمانين قيراطا، و القيراطان هما ربع عشرها، كما أن نصف الدينار هو ربع العشر من العشرين دينارا.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 173

و هكذا إذا زادت على ذلك أربعة

دنانير أخرى أخرج المكلف في زكاتها قيراطين آخرين، و لا شي ء في ما دونها، ثم في كل أربعة دنانير قيراطان.

و أيسر من ذلك في الحساب أن يدفع المكلف بعد النصاب الأول ربع العشر من النقد الموجود لديه، فإنه يؤدي بذلك ما وجب عليه من زكاة النقد، و قد يزيد قليلا على المقدار الواجب فيه.

المسألة 70:

لا تجب الزكاة في النقد من الفضة حتى يبلغ مقدار ما يملكه الإنسان منه مائتي درهم، فإذا بلغ هذا المقدار (و هو النصاب الأول من الفضة) وجب فيه إخراج خمسة دراهم، ثم لا يجب في ما زاد على المائتي درهم شي ء غير الخمسة المذكورة حتى يبلغ الزائد أربعين درهما، (و هذا هو النصاب الثاني في الفضة) فإذا بلغ ذلك وجب فيه إخراج درهم واحد.

و وزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية، و هي تساوي خمسة مثاقيل و ربعا من المثاقيل الصيرفية، و على هذا فالنصاب الأول من الفضة- و هو المائتا درهم- يبلغ وزنه مائة و أربعين مثقالا شرعيا، و هي تساوي مائة و خمسة مثاقيل صيرفية، و النّصاب الثاني من الفضة، و هو الأربعون درهما، يبلغ ثمانية و عشرين مثقالا شرعيا، و هي تساوي واحدا و عشرين مثقالا صيرفيا، و الدرهم الواحد الذي يجب في زكاة النصاب الثاني يساوي نصف مثقال صيرفي و ربع عشره، و الخمسة دراهم التي تجب في زكاة النصاب الأول تساوي خمسة أمثال ذلك.

و إذا راعى المكلف الضابط الذي سبق ذكره في المسألة المتقدمة فدفع ربع العشر من المبلغ الموجود لديه من نقد الفضة فقد أدّى ما وجب عليه في زكاته و قد يزيد عليه قليلا في بعض الفروض.

المسألة 71:

الثاني من شروط وجوب الزكاة في النقدين- الذهب و الفضة-: أن يكونا مسكوكين للمعاملة بهما من غير فرق بين سكة الدولة المسلمة و الكافرة، بل المدار على أن تجري المعاملة بهما بين الناس، و يتخذا ثمنا رائجا للمبيعات، فإذا جرت المعاملات بهما بين الناس شملهما الحكم و إن كانا ممسوحين من أثر السكة لكثرة التعامل بهما أو كانا ممسوحين بالأصالة أو

اتخذهما المكلف للزينة، فالمدار في جميع الفروض على ما ذكرناه، فإذا كانت المعاملة بهما جارية بين الناس وجبت

كلمة التقوى، ج 2، ص: 174

الزكاة فيهما و إن لم تجر المعاملة بهما لم تجب الزكاة.

المسألة 72:

الثالث من شروط وجوب الزكاة فيهما: أن يحول الحول على النقدين و هما جامعان للشرائط التي تقدم ذكرها هنا و في الفصل الأول على الوجه الذي فصلناه في حول الأنعام، فإذا نقص النقد عن مقدار النصاب في أثناء الحول، أو بدّل المكلف النصاب بغيره و إن كان العوض من جنسه، أو غيّر السبك، أو صاغ الذّهب و الفضة حليا و نحوه لم تجب الزكاة فيه، و إن فعل ذلك بقصد الفرار من الزكاة، و كذلك الحكم إذا طرأ في أثناء الحول ما يمنع المالك من التصرف في المال.

المسألة 73:

المراد من أن يحول الحول على النقد هو أن يدخل الشهر الثاني عشر كما بيّناه في زكاة الأنعام، فإذا دخل الشهر المذكور استقر وجوب زكاة المال على المكلف، و لا يضر بالوجوب أن يختل الشروط أو يختل بعضها في أثناء الشهر الثاني عشر، و لكن لا يبدأ الحول اللاحق للمال إلا بعد انتهاء ذلك الشهر كما تقدم.

و إذا سبك المكلف الدراهم أو الدنانير بعد أن حال عليهما الحول فنقصت قيمتهما بالسبك وجب عليه إخراج زكاتهما بملاحظتهما دراهم و دنانير.

المسألة 74:

لا تجب الزكاة في المصوغات حليا أو غيره من الذهب أو الفضة، و لا في الأواني المتخذة من أحدهما، سواء اتخذها للاقتناء أم للاستعمال.

المسألة 75:

تجب الزكاة في الذهب و الفضة إذا توفرت فيهما الشروط التي ذكرناها، سواء كان الذهب أو الفضة من الجنس الجيد أم الردي ء أم كان بعض النصاب جيدا و بعضه رديئا.

المسألة 76:

إذا كان نصاب النقد من الذهب أو الفضة كله رديئا، جاز للمكلف إخراج زكاته من الردي ء، و إذا كان جميع النصاب من الجيد، فلا يترك الاحتياط بأن يخرج الزكاة من الجيّد، و إذا كان بعض النصاب جيدا و بعضه رديئا، فالأحوط أن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 175

يبعّض في الزكاة بالنسبة، فإذا كان نصف النصاب من الجيّد، أخرج نصف الزكاة من الجيد، و جاز له أن يدفع النصف الآخر من الردي ء، و إن أخرج جميعها من الجيد فهو أحسن، و إذا كان ربع النصاب من الجيد أخرج ربع الزكاة من الجيد، و صح له أن يدفع الباقي من الردي ء، و هكذا.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 2، ص: 175

المسألة 77:

تتعلّق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة على الأحوط، إذا كان الغش الموجود فيها لا ينافي صدق اسم الذهب أو الفضة عليها في نظر أهل العرف، و إن لم يبلغ الخالص منها مقدار النصاب، و يؤدي زكاتها منها، و إذا كان الغش الموجود فيها بمقدار يضرّ في صدق اسم الذهب و الفضة عليها، فان علم بأن خالص الذهب و الفضة الموجود فيها يبلغ مقدار النصاب الشرعي تعلقت بها الزكاة.

و إن علم بأن خالصهما لا يبلغ النصاب لم يجب فيها شي ء، و إذا شك في أن خالص الذهب و الفضة الموجود فيها هل يبلغ النصاب أو لا، فلا يترك الاحتياط بالتصفية ليعلم حالها، أو دفع الزكاة بقصد الرّجاء.

المسألة 78:

إذا ملك المكلف نصابا من النقد الجيد لم يجز له أن يخرج زكاته من النقد المغشوش، إلا إذا علم بأن الخالص مما يدفعه يبلغ مقدار الزكاة الواجبة عليه، و يجوز له أن يدفع النقد المغشوش و يجعله قيمة للزكاة الواجبة عليه، إذا كانت له قيمة تساوي المقدار الواجب أو تزيد عليه، و كذلك الحكم إذا ملك نصابا من النقد المغشوش- كما ذكرنا في المسألة السابقة- و أراد إخراج زكاته من النقد المغشوش، فلا بد و أن يكون دفعه على الوجه المذكور.

المسألة 79:

إذا ملك الرجل نقدا بمقدار النصاب الشرعي ذهبا أو فضة و شك في أن ما يملكه من النقد الخالص أو من النقد المغشوش، فلا يترك الاحتياط إما بتصفية المال لمعرفة حاله أو بدفع زكاته من باب الرجاء.

المسألة 80:

إذا ملك الإنسان دنانير مغشوشة بالفضة، فإن علم المكلّف بأن ما في الدنانير من الذهب وحده لا يبلغ نصاب الذهب، و ما فيها من الفضة وحده لا يبلغ نصاب الفضة، لم تجب عليه الزكاة فيها، و إن كان المجموع منهما بمقدار قيمة النصاب،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 176

و كذلك الحكم إذا ملك دراهم مغشوشة بالذهب، فلا تجب الزكاة فيها إذا كانت فضتها وحدها لا تبلغ نصاب الفضة، و ذهبها وحده لا يبلغ نصاب الذهب.

و إذا علم بأن ما في الدنانير أو الدراهم المذكورة من الذهب وحده أو من الفضة وحدها أو من كلّ منهما على انفراده يبلغ مقدار نصابه، وجبت عليه الزكاة في ما يبلغ النصاب من أحدهما أو من كليهما، فان علم بالمقدار أدّى زكاته و إن لم يعلم بالمقدار وجبت عليه تصفية المال أو الاحتياط بدفع ما يتيقن معه ببراءة ذمته.

و إذا شك في ان ما في الدنانير و الدراهم من الذهب وحده أو الفضة وحدها أو كلّ من الجنسين على انفراده يبلغ مقدار النصاب أو لا، فلا يترك الاحتياط إما بتصفية المال ليعلم حاله أو دفع الزكاة بقصد الرجاء.

المسألة 81:

إذا ترك الرجل عند أهله مالا من الذهب أو الفضة لنفقتهم أو لغير ذلك و غاب عنهم حولا، ففضل من المال مقدار النصاب، فان كان مالك المال في مدة الحول متمكنا من التصرف في المال المذكور كيفما يريد بتوسط وكيله مثلا، أو باتصاله الدائم بالمكالمات الهاتفية و نحوها، وجبت عليه الزكاة في المال الباقي عند أهله، و إن لم يتمكن من التصرف في المال في حال غيبته لم تجب عليه زكاته.

المسألة 82:

إذا ملك الرجل أموالا زكوية مختلفة في جنسها، لم تجب الزكاة في أي جنس منها حتى يبلغ ما يملكه الرجل من ذلك الجنس بمفرده مقدار النصاب الشرعي المحدّد له، و لا يضم بعض الأجناس إلى بعض، فإذا كان يملك تسعة عشر دينارا من نقد الذهب، و يملك مائة و تسعين درهما من نقد الفضة، لم يضم أحد الجنسين الى الآخر، و لم تجب الزكاة فيهما، و كذلك في الأنعام و الغلات.

و إذا كانت الأموال الزكوية التي يملكها متحدة في الجنس و مختلفة في الصنف، ضم بعضها الى بعض، و مثال ذلك: أن يملك نقودا ذهبية من ضرب دول متعددة، أو يكون مالكا لنقود من الفضة مختلفة في السكة، فيضم بعض النقود الى جنسها، و لا يضر بوحدة النصاب منها أنها مختلفة في الضرب أو السكة، فإذا بلغ مجموعها مقدار النصاب و تمت الشروط المعتبرة فيها وجبت فيها الزكاة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 177

الفصل الرابع في زكاة الغلات الأربع

المسألة 83:

تجب الزكاة في كلّ واحدة من الغلات الأربع، و هي الحنطة و الشعير، و التمر و الزبيب، و لا يلحق السّلت بالحنطة و الشعير بالحكم، على الأقوى، و قد قال بعض علماء اللغة: السّلت بضم السين ضرب من الشعير أبيض لا قشر له، و قيل هو نوع من الحنطة، و المستفاد من النصوص الشرعية المعتبرة أنه غيرهما، فلا تجب الزكاة فيه على القول الأصح.

و في إلحاق العلس بالحنطة إشكال، فقد قيل بأنه نوع منها يكون بناحية اليمن، و تكون منه حبتان في قشر، و قيل هو طعام أهل صنعاء، و لذلك فلا يترك الاحتياط بإخراج زكاته إذا بلغ مقدار النصاب.

و لا تجب الزكاة في ما عدا الغلات الأربع من الحبوب و الثمار

التي تنبتها الأرض، و يستحب إخراج الزكاة من الحبوب مما يكال أو يوزن إذا بلغت مقدار النصاب، و قد أشرنا الى هذا في المسألة الثلاثين، و سيأتي بيانه- إن شاء الله تعالى- في الفصل الخامس.

المسألة 84:

يشترط في وجوب الزكاة في الغلات الأربع زائدا على ما سبق ذكره في الفصل الأول من الشروط العامة لوجوب الزكاة في الأموال الزكوية، أن تتوفر فيها عدة أمور.

(الأمر الأول من الشروط المعتبرة في وجوب الزكاة في الغلات): أن تبلغ الغلة مقدار النصاب.

و النصاب الشرعي في الغلة هو ان يبلغ المقدار الذي يملكه المكلف منها:

ثلاثمائة صاع، وزنة كل صاع تسعة أرطال بالرطل العراقي، و على هذا فالنصاب الشرعي من الغلة هو ما بلغ وزنه ألفين و سبعمائة رطل عراقي.

و وزن النصاب بحسب الدراهم الصيرفية المتعارفة: مائتا ألف و ستة و سبعون ألفا و أربعمائة و اثنا عشر درهما و نصفا، و وزنه بحسب المثاقيل الصيرفية المتعارفة: مائة ألف و أربعة و ثمانون ألفا و مائتان و خمسة و سبعون مثقالا صيرفيا،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 178

و على هذا التحديد فوزن النصاب بحسب الحقق الاسلامبولية الموجودة، يبلغ ستمائة و احدى و تسعين حقة و اثني عشر درهما و نصفا و هو ثمن ربع الحقة.

و هذا المقدار من الحقق الاسلامبولية يعني ثماني و عشرين وزنة اسلامبولية و ثلاثة أرباع الوزنة و يزيد على ذلك بحقة واحدة و اثني عشر درهما و نصفا، و يراد بالوزنة الاسلامبولية الواحدة ما يساوي أربعا و عشرين حقة اسلامبولية.

و إذا كان المن البصري يزن ستين حقة اسلامبولية- كما اشتهر في تلك البلاد في بعض الأوقات- كان النصاب فيه احد عشر منّا و نصفا، و زاد على ذلك بحقة

اسلامبولية واحدة و ثمن ربعها.

و النصاب بحسب الحقة الكبيرة المعروفة في مدينة النجف و ما قاربها من الضواحي،- و هذه الحقة تزن تسعمائة و ثلاثة و ثلاثين مثقالا صيرفيا و ثلث مثقال- يبلغ مائة و سبعة و تسعين حقة كبيرة و أربعمائة و ثمانية مثاقيل صيرفية و ثلث المثقال، و هذا المقدار عبارة ثانية عن ثماني وزنات و خمس حقق و نصف، ينقص منها ثمانية و خمسون مثقالا صيرفيا و ثلث المثقال.

و الوزنة الواحدة من هذه الوزنات أربع و عشرون حقة كبيرة، و تسمى (وزنة كبيرة) للتفرقة بينها و بين الوزنة الاسلامبولية التي تقدم ذكرها، و تسمى أيضا هذه الحقة (كبيرة) للتفرقة بينها و بين الحقة الاسلامبولية و جميعها معروفة في تلك البلاد.

و النصاب بالمن الشاهي المعروف في بلاد إيران، يبلغ مائة و أربعة و أربعين منّا، ينقص منها خمسة و أربعون مثقالا صيرفيا، و وزن المن الشاهي ألف و مائتان و ثمانون مثقالا صيرفيا.

و النصاب بالمن التبريزي- و هو نصف المن الشاهي الذي ذكرناه- يبلغ ضعف المقدار المذكور فهو مائتان و ثمانية و ثمانون منّا تبريزيا ينقص منها خمسة و أربعون مثقالا صيرفيا.

و النصاب بوزن الربعة المعروفة في البحرين و ما والاها من القرى، يبلغ أربعمائة و ستين ربعة و نصفا و يزيد على ذلك بخمسة و سبعين مثقالا صيرفيا، و وزن الربعة المذكورة أربعمائة مثقال صيرفي.

و النصاب بوزن الكيلو غرام (و هو الوحدة الغربية التي اشتهرت في أكثر البلاد في الأزمنة الأخيرة) يبلغ ثمانمائة و أربعة و ثمانين كيلو غراما و نصفا،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 179

و عشرين غراما على وجه التقريب.

المسألة 85:

قد سبق في المسألة الرابعة أنه يشترط في وجوب الزكاة على

المكلف أن يكون مالكا للمال في وقت تعلق الزكاة به، فيعتبر أن يكون مالكا للغلة في ذلك الحين، سواء كان مالكا للشجرة نفسها ببيع أو إرث أو غيرهما من موجبات التملك فيكون مالكا للثمرة بتبعها إلى حين تعلق الزكاة بها، أم ملك الشجرة و الثمرة معا قبل ذلك الوقت إلى أن حضر، أم ملك الثمرة منفردة قبل الوقت فحضر و هي مملوكة له.

و كذلك ما يزرع من الغلات، سواء ملكه بالزراعة أم بانتقال الزرع إليه قبل الوقت حتى حلّ و تعلقت الزكاة بالمال.

المسألة 86:

الأقوى أن الزكاة تتعلق بالغلة في الوقت الذي يصدق عليها اسم الحنطة أو الشعير، أو التمر عند أهل العرف، و في الوقت الذي يصدق اسم العنب في الزبيب، و إن كان الأحوط استحبابا أن تتعلق بها عند انعقاد الحبّ في الحنطة و الشعير، و عند اصفرار التمر أو احمراره في ثمر النخيل و عند صيرورته حصرما في ثمرة الكرم كما هو القول المشهور، و أحوط من ذلك أن يؤخذ بأحوط القولين في كل مورد بخصوصه، و ستأتي في المسائل الآتية أمثلة لذلك.

المسألة 87:

المدار في بلوغ الغلة مقدار النصاب على أن تبلغه عند جفاف الثمرة و يبسها و إن كان وقت تعلق الزكاة بها قبل ذلك، فإذا كان الرطب أو العنب يبلغ مقدار النصاب في حال كونه رطبا أو عنبا، و لكنه يقل عن النصاب إذا جفّ و صار تمرا و زبيبا، لم تجب فيه الزكاة.

المسألة 88:

أصناف التمر التي تؤكل بحسب العادة الجارية بين الناس في حال كونها رطبا، و إذا لم تؤكل حتى تجفّ يقلّ ثمرها، يقدر النصاب في هذه الأصناف مع فرضها جافة يابسة، فإذا كان الرطب منها على تقدير بقائه إلى أن يجف و ييبس يبلغ مقدار النصاب وجب إخراج زكاته على الأحوط، و إلا لم يجب. و إذا كان بعد يبسه مما لا يصدق عليه اسم التمر، ففي وجوب الزكاة فيه إشكال، و لا يترك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 180

الاحتياط فيه، و كذلك الحكم في أصناف الزبيب التي تؤكل عنبا بحسب العادة، و إذا لم تؤكل حتى تجف قلّ زبيبها أو لم يصدق اسم الزبيب عليها.

المسألة 89:

إذا أراد مالك الغلة إن يقتطف ثمرته كلها في حال كونها رطبا أو عنبا، و قبل أن تجف فتكون تمرا أو زبيبا، فالأحوط له أن يؤدي الزكاة حين ذلك، إذا كانت الغلة تبلغ مقدار النصاب لو أنها بقيت حتى تجف، و إذا بذل المالك الزكاة حين ذلك وجب على الساعي قبولها منه. و إذا أراد المالك أن يتصرف في الثمرة و هي بسر أو حصرم، و كان تصرّفه فيها أكثر مما يتعارف فالأحوط له أن يضمن حصة المستحق بمراجعة الحاكم الشرعي.

المسألة 90:

وقت إخراج الزكاة هو حين جذاذ التمر، و اقتطاف الزبيب، و تصفية الحنطة و الشعير، فإذا أخر المالك إخراجها عن هذا الوقت مع وجود من يستحق الزكاة من غير عذر يمنعه من الإخراج كان ضامنا، و جاز للساعي أن يطالبه بها، و لا تجوز مطالبته بها قبل ذلك.

و إذا دفع المالك الزكاة قبل وقت إخراجها و بعد تعلق الوجوب بها وجب على الساعي قبولها منه.

المسألة 91:

يجوز لمالك المال أن يدفع الزكاة و الثمر لا يزال على الشجر إذا كان الدفع بعد تعلق الزكاة بالمال، سواء دفع الزكاة من العين، أم دفع قيمته تمرا أو زبيبا، و يشكل الحكم بجواز الدفع إذا بذل الزكاة بسرا أو حصرما إلا إذا أراد اقتطاف الثمرة كلها بسرا أو حصرما، و تلاحظ المسألة التاسعة و الثمانون.

المسألة 92:

يجوز للمالك أن يدفع القيمة بدلا عن العين، سواء كانت القيمة التي يدفعها عنها من الذهب أو الفضة و ما هو بحكمهما، أم كانت من غير ذلك إذا كانت من غير جنس الفريضة، و قد تقدم ذكر هذا في المسألة الثالثة و الأربعين، فلتراجع هي و ما بعدها فان لهما صلة بالمقام.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 181

المسألة 93:

إذا أدى المكلف زكاة الغلة ثم حال على الغلة حول أو أكثر و هي لا تزال في ملكه لم تجب فيها الزكاة مرة أخرى، نعم إذا باع الغلة بأحد النقدين و كان الثمن بمقدار نصاب ذلك النقد وجبت فيه الزكاة كلما حال عليه حول و هو لا يزال بمقدار النصاب، و قد سبق ذكر هذا.

المسألة 94:

إذا بلغت الغلة مقدار النصاب الشرعي أو زادت عليه بالغة ما بلغت، و اجتمعت فيها بقية الشروط، وجبت فيها الزكاة، و مقدار الزكاة التي يجب إخراجها من المال هو العشر إذا كانت الغلة تسقى سيحا بالمياه الجارية على الأرض، سواء كانت تنبع من الأرض أم تنحدر عليها من أعالي الجبال، أم تتجمع فيها من مياه الأمطار و السيول و نحوها، أو تسقى بماء السماء أو بما تمتصّه جذور الشجر و الزرع من مياه الأرض، و لا ينافي ذلك أن يحتاج الري إلى شق جداول و مجاري، ليعم الماء على أنحاء الأرض المغروسة أو المزروعة.

و إذا كانت الغلة تسقى بالدّوالي و النواضح و شبهها أو بالوسائل الحديثة للري، فمقدار الزكاة فيها هو نصف الشعر، و إذا كانت الغلة تسقى بالأمرين معا، بحيث يصدق عند أهل العرف أن سقي الغلة بهما معا على التساوي، وجب في نصف الغلة إخراج العشر منه و في النصف الآخر منها إخراج نصف العشر، و إذا غلب أحدهما بحيث ينسب السقي إليه و لا يعتد بالآخر لقلّته فمقدار الزكاة يتبع ما غلب منهما.

و إذا شك المكلف في أن الأمرين متساويان في سقاية الغلة بهما معا أو أن أحدهما أغلب، كفاه أن يدفع في الزكاة نصف العشر، و إن كان دفع العشر أحوط له استحبابا.

المسألة 95:

إذا كان النخيل أو الكرم أو الزرع يسقى بالسيح أو بماء المطر و كان ذلك كافيا في إنمائه و إرواء غلته و سقاه مالكه مع ذلك بالمكائن و نحوها، و لم يؤثر ذلك في كثرة الغلة، وجب على المالك في زكاة غلته دفع العشر، و إن كان يسقى بالأدوات و الوسائل الحديثة و نحوها و كان ذلك مستمرا،

و كافيا، و سقاه المالك مع ذلك بالسيح من غير أن يؤثر فيه وجب في زكاته نصف العشر.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 182

المسألة 96:

إذا سقي المالك نخيله أو كرمه أو زرعه بالدوالي و الأدوات، و أصابته الأمطار، فإن استغنى بها لكثرتها و غزارتها عن السقي بالدوالي وجب في غلته إخراج العشر، و إن أوجب ذلك اشتراك الأمرين في السقاية في نظر أهل العرف، وجب في نصف الغلة إخراج العشر و في نصفها الآخر نصف العشر، و إن لم توجب الأمطار شيئا من ذلك ففي الغلة نصف العشر.

المسألة 97:

إذا أخرج أحد الناس الماء من الآبار أو العيون بالدوالي أو المكائن فأجراه في أرض مباحة عبثا أو لبعض أغراض خاصة، ثم بدا له بعد ذلك فزرع الأرض أو زرعها شخص غيره، بحيث اكتفى الزرع بذلك الماء الموجود في الأرض، ففي وجوب العشر في زكاة غلته إشكال، و لكنه أحوط.

و كذلك إذا صرف ذلك الماء بعد أن استخرجه أو صرفه غيره فسقي به زرعه في غير تلك الأرض فيجري فيه الإشكال و الاحتياط المتقدم.

و إذا أخرج الماء لسقاية زرع معيّن ثم بدا له بعد ذلك و سقى به زرعا آخر، أو زاد الماء عن كفايته فسقي بالزائد منه زرعا آخر فالظاهر وجوب نصف العشر في زكاته.

المسألة 98:

ما ذكرناه من التفصيل في الحكم بين ما يسقى بالأدوات و غيرها إنما هو في سقي الغلة نفسها، لا سقي أصول النخيل و الشجر، فالنخيل و الشجر الذي يسقى بالدوالي و الأدوات، إذا اكتفى في وقت إثماره و تنمية غلته و إنضاجها بمص جذوره من الماء الموجود في الأرض لكثرته، يجب في زكاة غلته إخراج العشر تامّا، و النخيل و الشجر الذي يكتفي بالسيح و الماء المخزون في الأرض، إذا احتاج في إثماره و نضوج غلته إلى السقي بالأدوات و الآلات، يجب في زكاة غلته إخراج نصف العشر.

المسألة 99:

لا تجب الزكاة على المالك في حصة السلطان، و المراد بها ما يأخذه السلطان من الثمر و الزرع نفسه باسم المقاسمة، فلا يعدّ ذلك على المالك في النصاب الشرعي و لا يجب عليه دفع زكاته، و كذلك ما يأخذه عمال السلطان و ولاته من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 183

العين الزكوية زائدا على حصة السلطان نفسه إذا لم يكن للمالك بدّ من الدفع إليهم، سواء كان الظلم عامّا له و لغيره أم خاصّا به.

و كذلك ما يأخذه السلطان باسم الخراج إذا كان مرتبطا بالغلة و منسوبا بالمقدار إليها، فلا تجب على المالك زكاة ذلك، بل يخرج الخراج من وسط المال ثم يؤدي الزكاة مما بقي، و الأحوط اعتبار النصاب قبله، بخلاف المقاسمة.

المسألة 100:

الأحوط لزوما عدم استثناء المؤن مطلقا من وجوب الزكاة، فيعتبر النصاب في أصل المال فإذا بلغ مقدار النصاب أخرجت الزكاة منه ثم أخرجت المؤن بعد ذلك.

و المؤن هي ما يحتاج الشجر أو الزرع إليه من أجرة فلّاح أو عامل أو ساق أو حارس، أو أجرة حيوانات للحراثة و الدياسة، أو إصلاح موضع لتشميس الغلة و تصفيتها و ما يشبه ذلك، و منها أجرة الأرض إذا كانت مستأجرة، و أجرة مثلها إذا كانت مغصوبة، و منها خراج السلطان إذا لم يكن مرتبطا بالغلة أو لم يكن منسوبا بالمقدار إليها، و ما يأخذه عمّال السلطان إذا كان من غير العين الزكوية و لم يمكن الامتناع عليهم، فلا يستثنى جميع ذلك من وجوب الزكاة على الأحوط كما تقدم، سواء كانت المؤمن سابقه على وقت تعلق الزكاة بالغلة أم كانت متأخرة عنه.

المسألة 101:

تضم غلة النخيل بعضها إلى بعض و إن كانت متفرقة في المكان أو كانت متباعدة في البلاد إذا كان مالك المال واحدا، فإذا بلغ المجموع حدّ النصاب أو زاد عليه وجبت فيه الزكاة، و إن كانت ثمرة كل قطعة على انفرادها دون النصاب، و كذا إذا اختلفت في زمان الإثمار أو زمان الإدراك، فأثمر بعضها أو أدركت غلته قبل الآخر بشهر أو أكثر فيضم اللاحق إلى السابق إذا كان الجميع ثمرة عام واحد و يزكى الجميع إذا بلغ النصاب.

و كذلك الحكم في غلة الكرم إذا كانت مملوكة لمالك واحد فيجري فيها البيان المتقدم، و مثلهما الحكم في غلة الزروع المتعددة في المكان و البلاد و الوقت إذا كانت مملوكة لشخص واحد.

و إذا أثمرت النخيل المملوكة لمالك واحد مرتين في عام واحد، ضمت

كلمة التقوى، ج 2، ص: 184

الثمرة الثانية إلى الثمرة الأولى، فإذا بلغ مجموعهما مقدار النصاب زكّاه على الأحوط احتياطا لا يترك، و إذا بلغت إحدى الثمرتين مقدار النصاب و نقصت الأخرى عنه زكاهما جميعا على الأحوط كذلك.

المسألة 102:

لا يجوز للمالك أن يدفع الرطب زكاة عن التمر فريضة، و يجوز له أن يدفعه عنه على أن يكون قيمة له، و أحوط من ذلك أن يبيع الرطب بأحد النقدين أو ما هو بحكمهما ثم يدفع ذلك قيمة للتمر، و الأحوط في العنب ذلك فلا يدفعه زكاة عن الزبيب إلا أن يجعله قيمة له و يجري فيه القول المتقدم.

و إذا وجبت عليه الزكاة في نصاب التمر أو الزبيب، فأراد أن يدفع زكاته من تمر آخر أو من زبيب آخر، فالأحوط له أن يدفعه بقصد الواقع فريضة أو قيمة، و كذلك إذا أراد أن يدفع زكاة الحنطة من حنطة أخرى و زكاة الشعير من شعير آخر فيقصد ما وجب عليه في الواقع من الفريضة أو القيمة.

المسألة 103:

إذا وجبت على الإنسان زكاة التمر مثلا، فأراد أن يدفع زكاته من تمر آخر على أن يكون قيمة له، و أراد أن يزيد فيها على المقدار الواجب، لأن التمر المدفوع أدنى منه، أو أراد أن ينقص عن المقدار الواجب لأن التمر المدفوع أجود من تمر النصاب- لم يكن ذلك من الربا المحرم، و لكن قد سبق منّا الإشكال في القيمة إذا كانت من جنس الفريضة، و لذلك فالأحوط الترك و كذلك الأمر في الغلات الأخرى.

المسألة 104:

إذا كان المكلف مدينا لأحد من الناس، و حلّ عليه وقت إخراج الزكاة الواجبة، فالزكاة مقدمة على الدين إذا كانت العين التي تعلقت بها الزكاة موجودة، فيجب عليه دفع الزكاة، و إن كان الدين مطالبا به من صاحبه، و لا يصح له وفاء الدين بالنصاب ما لم يؤدّ الزّكاة منه أو من مال آخر.

و إذا اتفق أن العين الزكوية تلفت مع التفريط كان المكلف ضامنا للزكاة و استقرت دينا في ذمته و كان حكمها كبقية الدين فلا تقدم عليه.

المسألة 105:

إذا مات مالك المال بعد أن تعلق وجوب الزكاة بماله، وجبت الزكاة و لم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 185

تسقط بموته، فيجب على ورثته إخراجها، و إذا مات قبل تعلق الوجوب انتقل المال بموته الى ورثته، فتجب الزكاة على من بلغت حصته منه مقدار النصاب و اجتمعت فيه بقية شروط وجوب الزكاة، و لا زكاة على من لم يملك النصاب منهم، أو لم تجتمع فيه شروط الوجوب، كالطفل الصغير و المجنون، و المحجور عن التصرف.

المسألة 106:

إذا انتقل المال الزكوي إلى ورثة المالك بعد موته- كما فرضنا في المسألة المتقدمة- و كانت حصة بعض الورثة من المال الموروث لا تبلغ مقدار النصاب، و كان لذلك الوارث مال زكوي غيره قد ملكه بسبب غير الميراث المذكور، ضم بعض ماله الى بعض، فإذا بلغ الجميع النصاب الشرعي وجبت عليه فيه الزكاة، و لا تسقط الزكاة عنه لنقصان حصته من الميراث عن النصاب.

المسألة 107:

إذا مات مالك المال بعد أن تعلق وجوب الزكاة بماله و كانت عين المال موجودة حين موته، وجب إخراج الزكاة و ان كان الميت مدينا لغير أرباب الزكاة، و كان الدين الذي عليه يستوعب جميع تركته أو يزيد عليها، و لا نصيب لأصحاب الدين الآخرين في مقدار الزكاة من ماله الزكوي.

و إذا كانت الزكاة قد استقرت في ذمة الميت لا في عين المال، و مثال ذلك: ما إذا تعلقت الزكاة بالمال و مالك المال حي، ثم أتلف المالك المال في حياته، أو تلف المال بنفسه و كان التلف بتفريط المالك فتكون الزكاة في ذمته قبل موته في كلتا الصورتين، فإذا مات بعد ذلك و عليه ديون تستوعب التركة أو تزيد عليها كانت الزكاة دينا كسائر الديون التي في ذمته و لم تتقدم عليها، فيجمع جميع ما على الميت من الديون و منها الزكاة المستقرة في ذمته، ثم ينسب كل واحد من هذه الديون الى مجموعها، فيأخذ صاحب ذلك الدين من تركة الميت بمقدار تلك النسبة، فإذا كان لأحد أصحاب الدين نصف مجموع الديون أخذ نصف التركة، و إذا كان للثاني ربع مجموع الديون أو خمسة أخذ من التركة بتلك النسبة، و هكذا حتى توزع التركة على أصحاب الديون بنسبة ديونهم، و

منهم أرباب الزكاة، فيأخذون من التركة بنسبة مقدار الزكاة إلى مجموع الدين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 186

المسألة 108:

إذا مات مالك المال الزكوي قبل أن تظهر الغلة فيه، أو بعد أن ظهرت في المال و قبل أن يتعلق وجوب الزكاة بها، و كان على المالك الميت دين يستوعب التركة أو يزيد عليها، فإن أدّى ورثة الميت دين مورثهم من مال آخر قبل أن يتعلق وجوب الزكاة بالمال كانت تركة الميت لهم، و ملكوا المال الزكوي بالميراث، فإذا حضر وقت تعلق الزكاة بالغلة وجبت الزكاة على كل وارث منهم بلغت حصته حدّ النصاب أو زادت عليه.

و كذلك الحكم إذا ضمن الورثة دين مورثهم قبل تعلق وجوب الزكاة بالمال و رضي أصحاب الدين بضمانهم فتبرأ ذمة الميت من الدين، و تنتقل التركة إلى ملك الورثة، و تجب الزكاة على من بلغت حصته مقدار النصاب.

و إذا لم يؤدّ الدّين الذي في ذمة المالك و لم يضمنه ضامن، فالأقوى عدم وجوب الزكاة في المال سواء كان موت مالك المال قبل ظهور الثمرة فيه أم كان بعده و قبل تعلق الوجوب بها.

و إذا كان الدين الذي في ذمة المالك لا يستوعب المال وجبت الزكاة في ما زاد على الدين من المال الزكوي على من بلغت حصته حد النصاب من الورثة.

المسألة 109:

إذا ملك الإنسان النخيل أو الكرم أو الزرع قبل أن تظهر ثمرته، أو بعد أن ظهرت الثمرة فيه و قبل تعلّق وجوب الزكاة بها، و بقيت في ملكه حتى حل وقت تعلق الزكاة بالغلة، كانت عليه زكاتها مع اجتماع شروط الوجوب، و إذا ملكها بعد زمان تعلق الوجوب بالغلة، فالزكاة على مالكها الأول الذي تعلق الوجوب بها و هي في ملكه، فإذا علم المالك الأخير أن الأول المكلف قد أدّى الزكاة فلا شي ء عليه، و كذلك إذا أداها

بعد ذلك، فلا شي ء على المالك الأخير.

و إذا لم يؤدها المالك الأول، أخذ الساعي زكاة الغلة من العين، و رجع المالك الثاني بها على المالك الأول، و إذا شك في أن المالك الأول أدى زكاة الغلة أم لم يؤدها، ففي الحكم إشكال.

المسألة 110:

إذا اختلفت أنواع الغلة الواحدة التي يملكها الإنسان، فبعضها من النوع الجيد، و بعضها من الأجود و بعضها من الردي ء، ضم بعض الأنواع الموجودة الى

كلمة التقوى، ج 2، ص: 187

بعض في عدّ النصاب، و جاز للمالك أن يدفع الجيد زكاة عن الجيّد و عن الأجود، و جاز له أن يدفع الردي ء زكاة عن الردي ء، و لم يجز له أن يدفع الردي ء زكاة عن الجيد- على الأحوط- فضلا عن الأجود.

المسألة 111:

الزكاة حق يتعلق بالعين الزكوية إذا اجتمعت فيها الشروط المتقدمة، و هذا الحق يختلف في أحكامه عن سائر الحقوق المعروفة، و من أحكامه أنه لا يجوز لمالك العين الزكوية أن يتصرف فيها تصرفا ينافي الحق المذكور قبل أن يؤدي الزكاة من المال أو من غيره، فليس له- مثلا- أن يتلف جميع النصاب أو يبيعه، بحيث لا يبقى منه مقدار الزكاة.

و إذا باع جميع النصاب كذلك لم يصح بيعه حتى يدفع الزكاة أو يدفعها المشتري بعد ذلك، فإذا دفعها أحدهما صح البيع، و لم يحتج إلى إجازة منه أو من الحاكم الشرعي، و إذا دفعها المشتري رجع بها على البائع، و كذلك غير البيع من التصرفات و أسباب النقل كالهبة و الصلح و غيرهما.

المسألة 112:

يجوز للمكلف أن يعزل زكاة ماله، من عين النصاب أو من مال آخر، حتى مع وجود المستحق على الأقوى، فيتعين ما عزله زكاة، فإذا تجدّد له نماء بعد عزله فهو بحكم الزكاة، سواء كان النماء متصلا كالسمن و الصوف و الوبر، أم منفصلا كاللبن و الدهن و الولد.

و إذا عزل المالك الزكاة أصبحت أمانة في يده، فلا يكون ضامنا لها إذا تلفت عنده إلا إذا فرّط فيها أو أخر دفعها مع وجود من يستحقها، و إذا عزل الزكاة فليس له أن يبدل عينها بعد العزل بعين أخرى.

المسألة 113:

يجوز للحاكم الشرعي أو وكيله أن يخرص ثمرة النخيل أو الكرم أو الزرع على مالكها، فإذا عين الخارص مقدار الغلة و مقدار الزكاة منها، و قبل المالك بذلك على الوجه الذي يأتي بيانه، جاز للمالك أن يتصرف في المال كيف يشاء، و فائدة الخرص الأخرى هي أنه يجوز للمالك و للسّاعي الاعتماد على ذلك التقدير في الأداء من غير حاجة إلى كيل أو وزن لجميع الغلة، فيؤدي مقدار ما عيّنه الخارص للزكاة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 188

و انما تترتب هذه الآثار على الخرص إذا انضمت إليه المعاملة من الحاكم الشرعي أو وكيله التي تشغل ذمة المالك بحصة الفقراء أو تثبتها في العين بنحو الكلي في المعين، و الأحوط أن تكون المعاملة المذكورة بصيغة الصلح، و ان كان الأقوى الصحة إذا وقع الخرص بقصد إنشاء المعاملة المذكورة، و لا بدّ فيها من قبول المالك، و سيأتي بيان هذه المعاملة و تفصيل بعض أحكامها و آثارها في كتاب المزارعة و المساقاة من هذه الرسالة إن شاء الله تعالى.

و وقت الخرص هو وقت تسمية الغلة تمرا و عنبا و حنطة و

شعيرا، و لا يتولى المالك الخرص بنفسه أو بالاستنابة أو التوكيل لغيره إلا إذا اعتمد الحاكم الشرعي على عمله فأنشأ المعاملة معه اعتمادا على خرصه.

و إذا انكشف الخلاف و تبين خطأ الخارص في التقدير وجبت مراعاة الواقع، كما في سائر الموارد التي يتبين فيها خطأ الطريق و مخالفته للواقع.

المسألة 114:

إذا باع المالك الثمر أو الزرع، ثم شك في أن بيعه كان بعد تعلق وجوب الزكاة بالغلة فتكون الزكاة عليه لأنه المالك الأول لها كما ذكرنا في المسألة المائة و التاسعة، أو كان بيعه قبل تعلق الوجوب بها، فتكون الزكاة على المشتري، لم يجب عليه شي ء.

نعم، إذا علم بوقت تعلق الوجوب بالغلة على التعيين، و شك في أن البيع وقع قبل ذلك الوقت المعين أم بعده، لزمه إخراج الزكاة على الأحوط، بل هو الأقوى.

و إذا كان الشاك في ذلك هو المشتري، فالأقوى عدم وجوب الزكاة عليه، نعم إذا علم بأن البائع لم يؤد زكاة المال، فليس له أن يتصرف فيه حتى يؤدي زكاته، و إذا هو أدى الزكاة لم يرجع بها على البائع، و للحاكم الشرعي أو وكيله أن يتبع المال الموجود فيأخذ منه زكاته، و إذا أخذها منه لم يرجع المشتري بها على البائع كذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 189

الفصل الخامس في ما تستحب فيه الزكاة

اشارة

و قد تقدم في المسألة الثلاثين أن الزكاة تستحب في عدة أمور:

(الأول منها): مال التجارة.
المسألة 115:

مال التجارة هو المال الذي يتملكه الإنسان بعقد معاوضة، و كان تملّكه لذلك بقصد الاكتساب به، فلا يشمل الحكم باستحباب الزكاة ما يملكه الإنسان بهبة أو صلح بغير عوض، أو إرث، و لا يكفي مجرد إعداد المال للتجارة و التكسب به، و لا يشمل ما يتملكه بقصد الاقتناء لا بقصد التكسب، و ان كان قد تملكه بعقد معاوضة.

و لا فرق في مال التجارة بين ما تتعلق بمثله الزكاة وجوبا أو استحبابا عند وجود الشرائط كالغلات الأربع، و كالحبوب الأخرى على ما سيأتي من استحباب الزكاة فيها، و ما لا تتعلق الزكاة به كالخضروات و الفاكهة، و لا بين الأعيان و المنافع، فإذا ابتاع الرجل الخضروات أو استأجر الدار أو العقار بقصد الاكتساب بها شملها عنوان مال التجارة و استحبت الزكاة فيها، و كذلك إذا اشترى العقارات من بساتين و مساكن و محلات، و دكاكين و خانات و عمارات و حمامات و غيرها للاكتساب بما تدرّه عليه من منافع و حاصل و نتاج، أو استأجرها لهذه الغاية.

المسألة 116:

يشترط في استحباب الزكاة في مال التجارة أن تتحقق فيه أمور:

(الأول): أن يبلغ ذلك المال مقدار النصاب في أحد النقدين: الذهب أو الفضة. قالوا و لا تستحب الزكاة في مال التجارة إذا كان دون النصاب، و قد استفاض بين العلماء نقل الإجماع على هذا الشرط و لا دليل لهذا الشرط سوى هذا الإجماع المستفيض نقله.

(الشرط الثاني): أن يتم لمال التجارة حول من حين تملك المالك له بقصد الاسترباح به.

(الشرط الثالث): أن يستمر مالك المال على قصد الاكتساب به طول

كلمة التقوى، ج 2، ص: 190

الحول، فإذا عدل عن هذا القصد في بعض الحول، سقط استحباب الزكاة عنه، و إذا

رجع فقصد الاكتساب بالمال مرة ثانية بعد عدوله عنه، استأنف الحول من حين قصده الثاني.

(الشرط الرابع): أن يبقى مال التجارة طول الحول في ملك المالك و لو بملك أعواضه و أبداله و لا يشترط بقاء المتاع بعينه.

(الشرط الخامس): أن يطلب المالك بعوض المتاع رأس ماله أو الزيادة عليه في طول الحول، و رأس المال هو العوض الذي ملك به المتاع، فإذا اتفق للمالك- و لو في بعض الحول- أنه طلب بيع المتاع بنقيصة عن رأس المال لبعض الطواري التي تحوجه الى ذلك سقط استحباب الزكاة.

المسألة 117:

إذا اجتمعت الشروط التي مرّ ذكرها في المسألة المتقدمة في مال التجارة، استحب للمالك أن يخرج زكاة المال، و مقدار الزكاة فيه هو ربع العشر كما في زكاة النقدين.

و الزكاة المستحبة في مال التجارة أيضا حق يتعلق بالعين يختلف في أحكامه عن سائر الحقوق المعروفة كما في الزكاة المالية الواجبة، و يكفي في تعلق الاستحباب بمال التجارة إذا كان من العروض و الأمتعة أن تبلغ قيمته النصاب في أحد النقدين، و إن لم تبلغ النصاب في النقد الآخر، بل و ان لم يستبدل المتاع بالنقد فعلا، و كذلك إذا كان مال التجارة نقدا غير الذهب و الفضة، كالأوراق النقدية الدارجة بين الناس و شبهها.

المسألة 118:

إذا اشترى الإنسان أحد النصب التي تجب فيها الزكاة بعد الحول و قصد بشرائه الاتجار به و التكسب، فإذا حال عليه الحول و اجتمعت فيه شرائط الزكاة الواجبة وحدها، وجب عليه إخراجها دون زكاة التجارة، و إذا اجتمعت فيه شروط زكاة التجارة وحدها استحب له إخراجها دون الزكاة الواجبة، و إذا اجتمعت في المال شروط كل من الزكاة الواجبة و الزكاة المستحبة وجب على المالك إخراج الزكاة الواجبة على الأحوط و سقطت المستحبة.

المسألة 119:

إذا اتجر الإنسان بأحد النصب الزكوية- كما فرضنا في المسألة المتقدمة-،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 191

و تم حول الزكاة المالية قبل أن يتم حول التجارة، وجب عليه إخراج الزكاة المالية و سقطت زكاة التجارة، و إن سبق حول التجارة، فإن أدّى المالك زكاة التجارة قبل أن يتم حول الزكاة الواجبة، سقطت الزكاة المالية عنه، و ان أخّر الزكاة المستحبة و لم يؤدّها حتى تم حول زكاة المال الواجبة، وجب عليه إخراج الزكاة الواجبة، على الأحوط و سقطت زكاة التجارة، و كذلك الحكم إذا حال الحولان معا في وقت واحد.

المسألة 120:

إذا اشترى الرجل أربعين شاة سائمة مثلا و قصد بشرائها أن يتجر بها، ثم استبدلها قبل أن يتم الحول عليها من وقت شرائها بأربعين شاة سائمة غيرها، سقط حول الزكاة المالية الواجبة بتبديل النصاب، و بقي حول زكاة التجارة، فان زكاة التجارة لا يشترط فيها بقاء العين، و يكفي بقاء عوضها كما تقدم في الشرط الرابع، فإذا تم الحول مع اجتماع الشرائط استحب له إخراج زكاة التجارة.

المسألة 121:

إذا كان رأس المال في المضاربة بين الشخصين يبلغ حد النصاب أو يزيد عليه، و اجتمعت شروط زكاة التجارة فيه، فزكاته على ربّ المال خاصة، و إذا ربحت المضاربة و بلغت حصة رب المال من الربح مقدار النصاب كانت زكاتها عليه أيضا، إذا حال حولها و تمت الشرائط فيها، و كذلك حكم العامل إذا بلغت حصته من الربح مقدار النصاب و اجتمعت الشرائط فيها استحب له إخراج زكاتها.

المسألة 122:

إذا كان الشخص مدينا و حلّ عليه وقت إخراج زكاة التجارة، فإن كان الدين الذي اشتغلت به ذمته مطالبا به من أصحابه فهو مقدّم على هذه الزكاة عند المزاحمة و عدم إمكان الوفاء بهما معا، لأن الزكاة مستحبة فلا تزاحم الواجب، و إذا أخّر الدين و أدّى الزكاة صحت منه و ان أثم بترك الواجب و هو وفاء الدين، و إذا كان الدين غير مطالب به جاز للمكلف تقديم الزكاة المستحبة عليه.

المسألة 123:

إذا اتجر الإنسان برأس مال لا يبلغ مقدار النصاب لم تستحب الزكاة فيه كما تقدم، فإذا ظهر الربح في التجارة و بلغ المجموع من رأس المال و من الربح

كلمة التقوى، ج 2، ص: 192

الحاصل له مقدار النصاب ابتدأ الحول منذ ذلك الوقت، فإذا تم الحول و الشرائط استحبت الزكاة فيه.

المسألة 124:

إذا كانت للشخص تجارات متعددة، فكان لكل تجارة منها رأس مال خاص، كان لكل واحدة من التجارات على انفرادها شروطها و أحكامها، فإذا توفرت شرائط الحكم في واحدة منها و لم تجتمع في الثانية استحبت الزكاة في الأولى و لم تستحب في الأخرى، و إذا خسرت إحداها لم تحمل خسارتها على ربح الثانية.

[ (الأمر الثاني: مما تنبته الأرض مما يكال]
المسألة 125:

(الأمر الثاني مما تستحب فيه الزكاة): ما تنبته الأرض مما يكال، كالأرز، و العدس، و الماش، و الحمص، و السمسم، و الدخن، و الذرة، و أمثالها، عدا الغلات الأربع، فقد تقدم بيان الحكم بوجوب الزكاة فيها و تفصيل أحكامها، و لا يشمل الحكم باستحباب الزكاة: البقل، و الريحان، و النعناع، و الفجل، و الجرجير، و شبهها مما يسرع إليه الفساد، و لا يشمل الثمار كالبطيخ، و الخيار، و الباذنجان، و البطاطس، و الجزر، و لا يشمل الفاكهة كالتفاح و الخوخ و المشمش و نحوها، و لا القت، و الأشنان و أوراق الشجر و أزهارها كورق السدر، و التوت، و الآس، و الحناء، و قد ورد في بعض النصوص نفي الزكاة في القطن و الزعفران.

المسألة 126:

يشترط في استحباب الزكاة في ما تنبته الأرض مما تقدم ذكره أن يبلغ مقدار النصاب، و حدّ النصاب الشرعي فيه هو النصاب في الغلات الأربع، و قد بيّناه مفصلا في المسألة الرابعة و الثمانين فلتلاحظ، و مقدار الزكاة المستحبة فيه هو مقدار الزكاة الواجبة في الغلات الأربع، فما سقاه مالكه بالدّوالي و الآلات ففيه نصف العشر، و ما سقي بغيرها ففيه العشر.

[الأمر الثالث: إناث الخيل]
المسألة 127:

(الأمر الثالث مما تستحب فيه الزكاة): الإناث من الخيل، و لا زكاة في الذكور منها، و يشترط في استحباب الزكاة فيها أن تكون سائمة، فلا زكاة فيها إذا كانت معلوفة، و ان يحول عليها الحول و هي في ملك صاحبها، فلا زكاة فيها إذا لم يتم عليها الحول.

و مقدار الزكاة التي يستحب إخراجها عنها هو ديناران شرعيان في كل سنة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 193

عن كل فرس عتيق، و المراد بها الفرس التي تتولد من ذكر و أنثى من الخيل عربيين، و دينار واحد في كل سنة عن كلّ برذون، و هي غير العتيق، و الدينار الشرعي هو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي من الذهب، و قد سبق بيانه في زكاة النقدين، فيكون مقدار الزكاة المستحبة مثقالا صيرفيا و نصفا من الذهب في كل سنة عن الفرس العتيق، و ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي في كل سنة عن البرذون.

و لا فرق في ثبوت هذا الاستحباب بين أن تكون الخيل عوامل أو غيرها، و لا بين أن تكون الفرس مملوكة لمالك واحد أو أكثر، فإذا تعدّد مالك الفرس أخرجت الزكاة المذكورة بنسبة الحصص من الملك، فإذا كانت الفرس مملوكة لمالكين بالمناصفة فالزكاة بينهما بالمناصفة، و إذا كانت مملوكة لأكثر من اثنين أو بالتفاوت فالزكاة بالنسبة.

[مسائل]
المسألة 128:

تقدم منا في المسألة الخامسة و العشرين حكم المال الذي يكون غائبا عن صاحبه فلا تصل إليه يده و لا يد وكيله فلا يمكن له التصرف فيه كما يريد، و المال الذي دفنه مالكه و نسي موضع دفنه و مضت عليه سنة واحدة أو أكثر، ثم تمكن بعد ذلك من التصرف في المال الغائب، و تذكر موضع المال الذي دفنه فيه فأخرجه،

و ذكرنا أنه يستحب له أن يزكي ذلك المال لسنة واحدة.

المسألة 129:

إذا أبدل المالك النصاب الزكوي الذي يملكه في أثناء الحول بنصاب آخر بقصد الفرار من وجوب الزكاة عليه بطل الحول بتبديل النصاب، و سقط عنه وجوب الزكاة، و قد ذكرنا هذا في فصل زكاة الأنعام، و في فصل زكاة النقدين.

نعم، يستحب له أن يخرج زكاة المال إذا تم عليه الحول الأول، و ان بدّل فيه عين النصاب.

المسألة 130:

ذكرنا في فصل زكاة النقدين أن الزكاة لا تجب في غير المسكوك من الذهب و الفضة، فلا تجب في الحلي و المصوغات منهما، نعم، ورد في بعض الأخبار عن الحلي: (و لكن تعيره مؤمنا إذا استعار منك فهو زكاته) و لا بأس بالعمل بذلك برجاء المطلوبية.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 194

الفصل السادس في مصارف الزكاة و مستحقيها و هي ثمانية:

[الأول و الثاني: الفقير و المسكين.]
المسألة 131:

(الأول و الثاني من مستحقي الزكاة): الفقير و المسكين.

و المراد بالفقير: الشخص الذي لا يملك مئونة السنة لنفسه و لمن يعول به لا بالفعل و لا بالقوة، و يقابله الغني، فهو الإنسان الذي يملك المئونة له و لعياله بالفعل أو بالقوة، و يراد بمن يملك مئونته بالفعل من تكون لديه أعيان جميع ما يحتاج إليه في مدة سنته لنفسه و لعياله من مآكل و مشارب و ملابس و غير ذلك من ضروريات الحياة، أو تكون لديه قيمة ذلك من نقود أو أجناس أخرى يمكنه أن يجعلها أثمانا و أعواضا يشتري بها ما يحتاج إليه في سنته، أو يكون له رأس مال يخرج له من الربح ما يقوم بكفايته لذلك، أو تكون لديه مصادر أخرى من ضيعة أو عقار أو حيوان يقوم نماؤها و منافعها بمئونته و شؤونه.

و يراد بمن يملك المئونة بالقوة من يكون ذا صنعة أو عمل أو كسب يقوم إنتاجه و حاصله بما يكفيه لجميع حاجاته في حياته. و الفقير هو من لا يكون له ذلك، و ان ملك شيئا مما تقدم ذكره، بمقدار لا يفي بكفايته و اقامة شؤونه.

و المسكين أسوأ من الفقير حالا و أشد حاجة. و المراد بعيال الشخص من يقوم بنفقاتهم و الصرف عليهم، سواء كانوا ممن تجب نفقاتهم عليه شرعا، أم ممن يستحب له القيام بها، أم

ممن يجوز له ذلك.

المسألة 132:

المدار في الفقر و الغنى على مئونة السنة كما ذكرنا، فمن ملك المقدار الذي يكفيه لذلك كان غنيا، و حرم عليه أن يأخذ الزكاة، فإذا صرف بعض ذلك في حاجاته و أصبح الباقي في يده لا يكفي لمئونة سنة تامة له و لعياله، جاز له أن يأخذ من الزكاة، إذا لم يكن لديه مصدر آخر لبقية المئونة بالفعل أو بالقوة، و لا يجب عليه الصبر الى أن ينتهي جميع ما عنده من المال أو الأعيان المملوكة.

المسألة 133:

لا يجوز لمن يقدر على الاكتساب من الناس أن يأخذ الزكاة، و ان هو ترك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 195

التكسب تكاسلا، و لكنه إذا ترك التكسب متكاسلا في أول الأمر، فعجز عنه بعد ذلك و أصبح غير قادر عليه بالفعل، جاز له أن يأخذها، و مثال ذلك: أن يكون لكسبه وقت مخصوص فيتكاسل عنه حتى يخرج وقته، فيصبح بعد الوقت عاجزا عن المئونة و عن التكسب لها، فيجوز له أخذ الزكاة بعد عجزه و افتقاره و ان كان عاصيا بترك التكسب في وقته.

المسألة 134:

إذا كان الرجل مالكا لضيعة أو عقار لا يكفيه حاصلهما لمئونته فهو فقير بالفعل، فيجوز له أخذ الزكاة، و لا يجب عليه أن يبيع ضيعته أو عقاره و يصرف ثمنهما في المئونة، و ان كان الثمن لو باعهما كافيا لحاجته، و كذلك الحكم في صاحب الحرفة و الصنعة إذا قصر نتاجها عن مقدار كفايته و كانت أثمان الآلات و الأدوات التي يستخدمها في صنعته وافية بمئونته، فيجوز له أخذ مئونته من الزكاة و لا يجب عليه بيع الآلات و التعيش بأثمانها.

و نظيره مالك رأس المال إذا كان الربح الذي يدرّ عليه من رأس ماله لا يفي بمئونته و كان صرف رأس المال وافيا بها، فيجوز له أخذ الزكاة و لا يجب عليه صرف رأس المال في المئونة.

المسألة 135:

يجوز لمالك المال أن يدفع للفقير من زكاة ماله ما يزيد على مئونة سنته التي يحتاج إليها إذا كان الإعطاء له دفعة واحدة، و يجوز للفقير أن يأخذ ذلك منه و تبرأ ذمة المالك بذلك من الحق الواجب عليه، و بحكمه الكاسب الذي يقصر كسبه عن الوفاء بمئونته، بل و التاجر الذي يقصر ربحه عن الوفاء بمقدار حاجته و أمثالهما، فيجوز لمالك المال أن يدفع إليهم من الزكاة أكثر من مئونة السنة إذا كان الإعطاء لهم دفعة واحدة.

و إذا أعطي الفقير أو أحد المستحقين المذكورين من الزكاة دفعات متعددة حتى ملك مقدار مئونة السنة له و لمن يعول به لم يجز أن يعطى من الزكاة شيئا بعد ذلك، و لا تبرأ ذمة المالك بدفع الزائد و لا يجوز للمستحق في هذه الصورة أن يأخذ من الزكاة شيئا حتى ينقص ما بيده عن مئونة سنته.

المسألة 136:

مئونة السنة التي ذكرناها و قلنا أن المدار في الحكم بالغنى و الفقر عليها، هي

كلمة التقوى، ج 2، ص: 196

ما يحتاج إليه الإنسان في حياته و بقائه بما يناسب حاله و شرفه و منزلته في المجتمع الذي يعيش فيه من دار للسكنى تليق به، و أثاث للدار تامة، من فرش و أمتعة، و أدوات و ظروف و أواني، و مطعم و مشرب، و أكسية و أغطية، و ملابس صيفية و شتوية، و وسائل إنارة، و غسل و طبخ و راحة و غير ذلك.

و يراعى في جميع ذلك ما يليق بالفرد و يناسب أمثاله في البلد الذي يسكن فيه، بل و خادم و كتب علمية، و ثياب للتجمل، و سيارة للتنقل إذا كان في مكانته الاجتماعية ممن يحتاج الى ذلك، و

لم يمكن الوفاء بالحاجة، باستئجار و استعارة و نحوهما على الأحوط.

فلا يكون وجود مثل هذه الأمور عند الرجل مانعا من صدق الفقير عليه إذا قصر ما يملكه عما يحتاج إليه، و لا يجب عليه بيعها لشراء باقي مئونته، و يجوز له شراؤها من مال الزكاة الذي يدفع إليه إذا لم تكن موجودة لديه.

و إذا كان لدى الرجل من هذه الأشياء أكثر مما يحتاج إليه بحيث كان ثمن الزائد منها- لو أنه باعه- كافيا له في مئونته، لم يجز له أخذ الزكاة، و كذلك إذا كانت الدار التي يسكنها أو السيارة التي يملكها أو الأثاث الذي يجده أرقى درجة مما يحتاج إليه بحسب حاله و شأنه، و كان التفاوت ما بينهما في القيمة كافيا له في مئونته، فلا يجوز له أخذ الزكاة في هذه الفروض على الأحوط، بل لا يخلو عن قوة، فيجب عليه بيع ذلك و شراء ما يناسب حاله و صرف مقدار التفاوت في مئونته.

المسألة 137:

إذا كان الرجل قادرا على نوع من الاكتساب أو وجه من وجوهه و كان في ذلك مهانة للرجل أو منقصة عليه، أو كانت فيه مشقة شديدة عليه لمرض فيه أو كبر سن أو ضعف، لم يجب عليه التكسب بذلك النوع، و جاز له أخذ الزكاة إذا لم يقدر على غيره.

المسألة 138:

إذا كانت للرجل صنعة أو حرفة و لم يستطع الاكتساب بها لأنه يفقد الآلات و الوسائل التي يحتاج إليها في ذلك العمل، أو لعدم الطالب لما ينتجه في تلك الصنعة، جاز له أخذ الزكاة، و إذا كانت الآلات التي يحتاج إليها في صنعته قليلة المئونة، بحيث يصدق عليه عند أهل العرف أنه قادر على التكسب، أخذ من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 197

الزكاة مقدار ما يشتري به الآلات أو يستأجرها، و اكتسب بها و لم يأخذ من الزكاة غير ذلك.

المسألة 139:

إذا كان الرجل قادرا على تعلّم صنعة أو حرفة تكفيه للتكسب بها و كان تعلم تلك الصنعة ميسورا له و غير محتاج إلى مدة طويلة حرم عليه أخذ الزكاة، و إذا كان تعلم الصنعة شاقا عليه أو كان محتاجا الى وقت طويل جاز له أخذ الزكاة، و إذا كانت المدة التي يحتاج إليها في تعلم الصنعة قليلة و اشتغل بتعلّمها، فإن أمكن له أن يستدين لنفقته في تلك المدة ثم يؤدي الدين بعد ذلك من نتاج صنعته وجب عليه أن يفعل ذلك، و ان لم يتمكن من ذلك أخذ الزكاة في تلك المدة.

المسألة 140:

إذا كان طالب العلم قادرا على الكسب لنفقته، و لكن طلبه للعلم و اشتغاله به يمنعه من ذلك، أو كان التكسب لا يليق بمنزلته الاجتماعية، فإن كان العلم الذي يطلبه و يشتغل به مما يجب تعلمه وجوبا عينيا عليه، جاز له أن يأخذ من حصة الفقراء من الزكاة، و كذلك إذا كان العلم مما يجب تعلّمه على سبيل الكفاية مع عدم من يقوم به غيره، فيجوز له أن يأخذ لنفقته من سهم الفقراء في الزكاة، و ان كان العلم الذي يطلبه مما يستحب تعلمه، لم يأخذ من ذلك.

و يجوز الصرف على طالب العلم من سهم سبيل اللّه، سواء كان العلم الذي يطلبه مما يجب عينا أم كفاية أم مما يستحب، و إذا كان الرجل في طلبه للعلم الديني أو الدنيوي قاصدا لما يحرم من الغايات لم يجز له الأخذ من الزكاة، و إذا كان العلم الذي يطلبه مما لا يجب و لا يستحب شرعا، لم يجز له أخذ الزكاة الا إذا كان فقيرا و غير قادر على الكسب.

المسألة 141:

إذا ملك الرجل مقدارا من المال، و شك في أن المقدار الذي يملكه منه يكفيه لمئونة سنته أو لا يكفيه، لم يجز له أن يأخذ من الزكاة، حتى يعلم أن المال الموجود لديه لا يكفيه، و إذا كان الرجل فقيرا في حالته السابقة، ثم حصل له مقدار من المال و شك في أن ما ملكه من المال يكفيه لسنته أو لا، استصحب فقره السابق و جاز له أخذ الزكاة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 198

المسألة 142:

إذا علم المكلف بدفع الزكاة أن الرجل فقير لا يملك مئونة سنته، أو علم بأنه غني غير مستحق عامله بما علم من أمره، فيجوز له إعطاؤه من الزكاة إذا علم فقره، و لا يجوز له أن يدفع له شيئا منها إذا علم بغناه، و إذا شك في فقره و غناه و كان يعلم بأنه فقير سابقا، جاز له إعطاؤه من الزكاة، و ان علم بغناه سابقا أو جهل أمره في حالته السابقة و اللاحقة لم يعطه من الزكاة، و لم يصدقه في قوله إذا ادعى الفقر، إلا إذا حصل له الوثوق بصدقه.

المسألة 143:

إذا كان لمالك المال دين على الفقير، جاز للمالك الدائن أن يحتسب دينه عليه من الزكاة، فيكون ذلك وفاء لما في ذمة الفقير و أداء لزكاة المالك، و كذلك إذا كان للمالك دين في ذمة ميت و لم تكن للميت تركة تفي بالدين فيجوز له أن يحتسب الدين من الزكاة، و إذا كانت للميت تركة تفي بالدين الذي في ذمته لم يجز للمالك المكلف أن يحتسب الدين زكاة، و إذا كانت للميت المدين تركة و امتنع ورثته عن وفاء دينه من التركة، ففي جواز احتساب الدين من الزكاة إشكال.

المسألة 144:

يجوز لمالك المال أن يدفع زكاته إلى الفقير و لا يعلمه بأنها زكاة، و إذا كان الفقير ممن يترفع في نفسه عن قبض الزكاة و يدخله الحياء من أخذها، استحب للمالك المكلف بالزكاة أن يدفعها له على وجه الصلة ظاهرا، و يقصد في نفسه إيتاء الزكاة، فإذا أخذها الفقير و تملكها صحت زكاة، و لا يجوز للمالك المكلف أن يكذب في ذلك فيقول له مثلا: هذه صلة مني لك و ليست زكاة، و لا بأس بالتورية عند الحاجة إليها، فيقول له: هي صلة و يقصد في نفسه اني أصلك بإيتاء زكاتي لك، و العبرة بقصد الدافع لا بقصد القابض على الأقوى.

المسألة 145:

إذا اعتقد مالك المال أن الرجل فقير يستحق الزكاة فدفع إليه زكاة ماله، ثم ظهر له بعد أن دفعها إليه أنه غني لا يستحق الزكاة، فلذلك صورتان مختلفتان.

(الصورة الأولى): أن يكون المالك قد عزل المبلغ الذي دفعه الى الرجل و قصد أنه زكاة معزولة قبل أن يدفعه الى الرجل، و قد سبق منا في المسألة المائة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 199

و الثانية عشرة ان المالك إذا عزل الزكاة تعينت زكاة، و ليس له بعد العزل أن يبدل عينها بعين أخرى، و الحكم في هذه الصورة أنه يجب على المالك استرجاع عين الزكاة المدفوعة إذا كانت باقية بيد الرجل، فإذا أخذها منه دفعها لمن يستحقها أو صرفها في مصارف الزكاة الأخرى.

و إذا كانت العين تالفة كان الرجل الذي قبضها ضامنا لها، سواء كان عالما بأنها زكاة و قبضها و هو غير مستحق، أم كان جاهلا، فيلزمه دفع مثلها إذا كانت مثلية و دفع قيمتها إذا كانت قيمية، و لا ضمان عليه إذا كان المالك

الدافع للزكاة قد غرّه فقبضها منه مغرورا، فيكون ضمانها على المالك.

و إذا كانت عين الزكاة موجودة و تعذر على المالك استرجاعها من القابض، أو كانت تالفة و تعذر عليه أخذ عوضها منه فلا ضمان على المالك إلا إذا كان مفرّطا في دفعها لذلك الرجل، فدفعها إليه من غير اعتماد على حجة تثبت أنه مستحق فيكون ضامنا لتفريطه، أو كان قد غرّ الرجل كما ذكرنا فقبضها منه مغرورا، فيكون المالك ضامنا للزكاة في الصورتين.

و إذا تمكن المالك فاسترجع العين أو أخذ عوضها من القابض صرف ذلك في مصرف الزكاة.

(الصورة الثانية): أن يكون مالك المال قد دفع المبلغ لذلك الرجل و لم يكن قد عزل المبلغ قبل دفعه إليه، فإذا تبين له بعد الدفع إليه أنه غني غير مستحق للزكاة، لم يكفه ما دفعه إليه عن الزكاة الواجبة، و وجب عليه دفعها لمن يستحقها، و كان المال الذي أعطاه الى الرجل من أموال المالك المكلف، فيجوز له أن يسترجعه من قابضه إذا كان موجودا، و يجوز له أن يتغاضى عنه فلا يطالبه به، و إذا كان المال تالفا تخير المالك بين أن يأخذ منه عوضه و ان يدعه فلا يأخذ منه شيئا، و إذا كان القابض قد غرّه المالك فدفع المال إليه لم يرجع عليه بالعوض إذا كان تالفا.

المسألة 146:

إذا دفع المكلف زكاة ماله الى رجل فقير، و ظهر للمالك بعد دفع المال أن الرجل الذي أعطاه الزكاة هاشمي لا تحل له زكاة غير الهاشمي، و كان المالك الدافع غير هاشمي، جرت فيه الفروض التي ذكرناها في المسألة المتقدمة و ترتبت عليها الأحكام و الآثار التي بيناها.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 200

و كذلك إذا دفع المالك زكاته

الى مستحق ثم ظهر للمالك أن المدفوع إليه ممن تجب عليه نفقته لا تحل له زكاته، فتجري فيه الفروض و الأحكام المتقدمة كلها.

المسألة 147:

إذا دفع المالك زكاة ماله الى الفقيه العادل، لأنه الولي العام للفقراء و لمال الزكاة، برئت ذمة المالك من الزكاة الواجبة عليه، و كذلك إذا دفعها الى الوكيل الذي استنابه الفقيه العادل في ذلك، و اعتمد عليه في تصرّفاته، فتبرأ ذمة المكلف من الزكاة الواجبة عليه بالدفع إليهما.

فإذا دفع الحاكم الشرعي أو وكيله المذكور مال الزكاة الى رجل و لم يقصّر في التعرف على حال الرجل و في الفحص عن أمره من الفقر أو الغنى مثلا أو غير ذلك من الشروط و الصفات المعتبرة في المستحق، ثم ظهر بعد ذلك أن الرجل لا يستحق الزكاة، فلا ضمان على الحاكم الشرعي و لا على وكيله، و إذا قصّر في التعرف و الفحص كان ضامنا للمال المدفوع و كان ضمانه في ماله الخاص لا في مال الزكاة أو بيت المال، و لا ضمان على مالك المال كما تقدم.

المسألة 148:

إذا اعتقد المكلف أن للرجل الفقير صفة خاصة يتميز بها على الفقراء الآخرين، كالعدالة أو المعرفة أو الاجتهاد أو القرابة منه أو غير ذلك من الأوصاف المميزة، و دفع إليه زكاة ماله بانيا على ذلك، ثم ظهر له بعد دفع المال إليه أن الرجل لا يتصف بتلك الصفة التي اعتقدها فيه، فان كان قد قيّد دفع الزكاة إليه بأن تكون تلك الصفة موجودة فيه كان دفعه إليه باطلا و لم يكن إيتاء للزكاة، و لم يجزه ما دفعه عن الواجب الذي كلف به، و جاز له أن يسترجعه منه إذا كانت عين المال موجودة بيد القابض، و أن يأخذ منه عوضه إذا كانت العين تالفة، و لا ضمان على القابض إذا كان الدافع قد غرّه فأوهمه بوجود الصفة و

انطباقها عليه كما سبق في نظيره فلا يأخذ منه عوض المال إذا تلف بيده بعد قبضه.

و يجوز للمالك في هذه الصور كلها أن يجدّد نية إيتاء الزكاة في ما دفعه الى الرجل، فان المفروض أن الرجل فقير يستحق دفع الزكاة إليه و ان لم يتصف بالصفة التي توهمها فيه، فإذا جدد النية أجزأت عنه و برئت ذمته من الواجب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 201

سواء كانت عين المال باقية أم تالفة.

و إذا لم يقيد المالك المكلف دفع الزكاة الى الرجل بوجود تلك الصفة، بل كان اعتقاده بوجود الصفة المميزة فيه داعيا إلى إعطائه، صح ما دفعه إليه زكاة و برئت ذمته من الواجب، و لم يجز له أن يسترد المال من القابض و ان كانت العين باقية.

[الثالث: العاملون عليها]
المسألة 149:

(الثالث ممن يستحق الزكاة: العاملون عليها).

و العمل المراد هنا ولاية خاصة يجعلها إمام المسلمين (ع) أو النائب عنه لبعض الناس على عمل من أعمال الزكاة، كجباية مالها، و ضبط مقاديرها، و ضبط الأموال التي تتعلق بها، و تدوين حسابها، و إيصالها إلى الولي العام أو إلى مستحقيها، و غير ذلك من وجوه العمل فيها.

و يشترط في عامل الزكاة أن يكون بالغا و أن يكون عاقلا، و أن يكون مؤمنا عادلا، و ان يكون حرّا على الأحوط في جميع ذلك، و يشترط فيه أن يكون عارفا بالمسائل التي تتعلق بعمله، و بأحكامها، و ان لا يكون هاشميا.

المسألة 150:

إذا قام العامل في الزكاة بوظيفته المحددة له من الولي العام على الوجه المطلوب منه، استحق قسطه من الزكاة و ان كان غنيا، فلا يعتبر فيه ان يكون فقيرا، و استحقاق العامل لهذا السهم بجعل الشارع الأعظم، كما ذكرته الآية الكريمة، لا بعنوان الاستئجار للعمل و المعاوضة عليه.

و يجوز لإمام المسلمين (ع) أو نائبه أن يستأجر موظفين أكفاء للزكاة و القيام بأعمالها و يحدّد لهم وظائفهم و أعمالهم التي يقومون بها، و يعيّن للأجير منهم أجرة معينة أو يجعل له راتبا مقدّرا كفاء عمله، و هؤلاء يستحقون ذلك على وجه المعاوضة، و يصح أن يجعل مصدر الرزق لهم من بيت المال أو من الزكاة.

و يجوز أن يكون الأجير من هذه الفئة هاشميا، و ان لا تجتمع فيه شروط العامل التي تقدم ذكرها في المسألة الماضية، و إذا كان الأجير هاشميا وجب ان يكون رزقه من بيت المال لا من الزكاة، و كذلك إذا كان ممن لا تجتمع فيه شروط العامل المتقدمة على الأحوط، فلا يكون رزقه من الزكاة، بل

يكون من بيت المال.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 202

المسألة 151:

لا يسقط نصيب العاملين على الزكاة في زمان غيبة الإمام (ع) على الأصح، فإذا بسطت يد الفقيه العادل في بعض الأقطار، فعيّن للزكاة سعاة و جباة، و عمّالا، شملهم الحكم و جاز إعطاؤهم من هذا النصيب.

و لا يشمل هذا الحكم من تصدّى بنفسه لإخراج زكاته و جباية زكاة من قبله من الناس و إيصالها إلى الفقيه أو الى المستحقين من الفقراء و غيرهم، فلا يستحق سهم العاملين، و كذلك من تصدى لذلك بإذن الفقيه إذا لم تبسط يده على الوجه الذي تقدم بيانه على الأحوط.

[الرابع: المؤلفة قلوبهم.]
المسألة 152:

(الرابع من مستحقي الزكاة: المؤلفة قلوبهم).

و الذي يستفاد من الأدلة الشرعية الواردة في المسألة ان الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ قوم من المسلمين يكونون ضعفاء في عقائدهم و البصائر في دينهم، فيسهم لهم من الزكاة لتثبت بذلك عقائدهم و يستمالوا إلى السلوك الحسن و العمل الصالح للإسلام.

و الظاهر ان الحكم يختص بمن يعلم أو يحتمل أن إعطاءه المال يوجب له ثبات العقيدة و حسن الإسلام فلا يشمل من يعلم أو يظن بعدم حصول هذه الغاية من إعطائه، فلا يعطى من سهم الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ.

[الخامس: الرقاب.]
المسألة 153:

(الخامس من مصارف الزكاة: الرقاب).

و هم العبيد المماليك الذين يكاتبهم مواليهم على أداء مقادير معينة من المال، فإذا أدّى العبد لسيده المبلغ المعيّن الذي كاتبه عليه كان حرّا، فإذا عجز العبد عن الاكتساب ليؤدي مال الكتابة إلى مولاه و يفك رقبته جاز أن يدفع إليه من سهم الرقاب من الزكاة، و كذلك إذا ضعف كسبه، و احتاج إلى مدة طويلة يكتسب فيها حتى يؤدي ما عليه، فيجوز الدفع إليه من السهم المذكور ليعتق سواء كانت مكاتبة سيده له مطلقة أم مشروطة.

و العبيد الذين يقعون تحت الشدة من قسوة مواليهم، فيشترى العبد منهم من مولاه و يدفع ثمنه من مال الزكاة ثم يعتق، بل يجوز صرف السهم المذكور في عتق مطلق الرقاب، فيشترى العبد من مال الزكاة و يعتق، و ان لم يكن مكاتبا و لم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 203

يكن تحت شدة، و يشترط في هذا الوجه الأخير و هو عتق مطلق الرقاب أن لا يوجد مستحق للزكاة.

[السادس: الغارمون]
المسألة 154:

(السادس من مصارف الزكاة: الغارمون) و الغارم هو الشخص المدين الذي عجز عن أداء دينه، و ان كان مالكا لقوت سنته بالفعل أو بالقوة، فإذا قصر كسب الرجل و ما يملكه من المال عن وفاء دينه، جاز أن يقضى دينه من سهم الغارمين من الزكاة، و يشترط في الدين الذي يقضى من سهم الغارمين، ان لا يكون المدين قد صرفه في معصية، فلا يجوز أن يقضى من هذا السهم دين صرف في ذلك، سواء تاب المدين من تلك المعصية أم لم يتب، بل و ان كان الصارف له في المعصية غير المدين، إذا كان المدين مختارا في ذلك و غير معذور، كما إذا استدان الأب، و

صرفه ولده في معصية و الأب مختار غير معذور في تمكينه من المال.

المسألة 155:

إذا كان المدين قد صرف الدين في معصية و عجز عن وفاء ذلك الدين، ثم تاب من معصيته جاز إعطاؤه من الزكاة من سهم الفقراء إذا كان ممن لا يملك قوت سنته، و لا يمنع من وفاء دينه بما يأخذه من سهم الفقراء، و إذا هو لم يتب من معصيته ففي جواز إعطائه من سهم الفقراء إشكال.

و سيأتي الكلام في جواز دفع الزكاة للفقير إذا كان فاسقا أو متجاهرا بالمحرمات أو بترك الواجبات، و تلاحظ المسائل المتعلقة بذلك في الفصل السابع.

المسألة 156:

إذا شك المكلف بدفع الزكاة في رجل غارم، هل كان قد صرف دينه في معصية أو لا، أشكل الحكم بجواز الدفع اليه لوفاء دينه من سهم الغارمين، و الأقوى جواز ذلك و ان كان الأحوط له الترك.

و لا يجوز للمدين الغارم أن يأخذ من سهم الغارمين ما يسدّ به دينه إذا كان قد صرفه في معصية الله، فإذا دفع إليه مالك الزكاة من هذا السهم ليفي دينه و الدافع يجهل أمر الدين الذي عليه فلا يحل للمدين أن يأخذه منه.

المسألة 157:

إذا صرف المدين دينه في المعصية و هو صبي غير بالغ في حال فعله، أو و هو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 204

مجنون غير عاقل، جاز له أن يفي دينه من سهم الغارمين، و كذلك إذا كان المدين معذورا في صرف الدين في المعصية، و مثال ذلك: أن يفعله و هو مضطر إلى فعله أو و هو ناس، أو و هو جاهل بالموضوع فلم يدر ان ذلك المائع الذي اشتراه بمال الزكاة خمر يحرم شراؤه و شربه، أو ان هذا العمل الذي عمله مقامرة يحرم فعلها و صرف المال فيها، أو يكون جاهلا بالحكم غير مقصر في جهله، فيقضى دينه من سهم الغارمين في جميع هذه الصور، و إذا كان جاهلا بالحكم مقصرا في جهله فهو عاص غير معذور، فلا يقضى دينه من سهم الغارمين.

المسألة 158:

لا فرق في الدين الذي يكون في ذمة الرجل المدين و يجوز وفاؤه من سهم الغارمين بين أن يكون بدل مال استقرضه الرجل فبقي في ذمته، و ثمن مبيع اشتراه نسيئة و لم ينقد ثمنه، و عوض شي ء ملكه بالصلح أو بالهبة المعوضة و لم يؤدّ العوض لصاحبه، و مهر امرأة تزوجها و لم يدفع لها مهرها و بقي في ذمته، و غير ذلك من الأموال التي تشتغل بها الذمة في إحدى المعاملات الشرعية، و حتى إذا كان غرامة عن شي ء أتلفه جاهلا أو ناسيا، لا عمدا و عدوانا على الأحوط.

المسألة 159:

إذا كان الدين الذي اشتغلت به ذمة الرجل الغارم مؤجلا فحل أجله، جاز ان يعطى من سهم الغارمين ليفي دينه، و كذلك قبل حلول أجل الدين، فيجوز ان يدفع له من هذا السهم إذا يئس من القدرة على وفاء الدين حين يحلّ أجله.

المسألة 160:

إذا كان المدين قادرا على وفاء دينه من كسبه على سبيل التدريج، فيؤديه للدائن شيئا فشيئا حتى يتمه، و كان الدائن لا يطالبه بدينه بالفعل، فالأحوط عدم إعطائه من سهم الغارمين.

و إذا طالبه الدائن بدفع دينه تاما، و كان المدين عاجزا عن أدائه الّا على نحو التدريج، و لم يتمكن من الاستدانة لوفائه، و لم يمهله الدائن، جاز إعطاؤه من السهم المذكور، لا مطلقا.

المسألة 161:

إذا أعطى مالك الزكاة إلى المدين من سهم الغارمين ليفي دينه، ثم تبين للمالك بعد ان دفع اليه المال ان المدين قد صرف الدين في معصية، لم تبرأ ذمة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 205

المالك من الواجب، و وجب عليه أن يسترجع من المدين ما أعطاه من السهم، و ان كان المدين قد تاب من معصيته التي صرف فيها الدين، و يصح له ان يحتسب المقدار الذي دفعه اليه من سهم الفقراء إذا كان الرجل لا يملك قوت سنته و قد تاب من المعصية، و يشكل أن يحتسبه عليه من سهم الفقراء إذا هو لم يتب.

و كذلك الحكم إذا دفع اليه من سهم الغارمين ثم ظهر له بعد الدفع إليه انه لم يكن مدينا، أو علم بأن الدائن قد ابرأ ذمته من الدين، فيجب على مالك الزكاة ان يسترجع منه ما أعطاه من سهم الغارمين، و يجوز له ان يحتسب المقدار الذي دفعه اليه من سهم الفقراء إذا كان الرجل فقيرا بالفعل.

المسألة 162:

إذا ادعى الشخص أنه مدين لا يقدر على وفاء دينه و اقام البينة على صحة قوله، جاز للمالك ان يدفع له من سهم الغارمين، و إذا ادعى ذلك و لم يقم بينة على ما يدعيه لم يصدّق قوله على الأحوط بمجرد دعواه، و ان صدّقه الدائن في ما يقول.

المسألة 163:

إذا دفع مالك الزكاة إلى المدين العاجز عن وفاء دينه مبلغا من سهم الغارمين ليفي به دينه، ثم علم أن الرجل قد صرف المبلغ الذي أخذه منه في غير وفاء دينه، وجب عليه ان يسترجع المال منه، الا إذا كان الرجل فقيرا، فيصح للمالك أن يحتسب المال عليه من سهم الفقراء أو من سهم سبيل الله.

المسألة 164:

تقدم منا في المسألة المائة و الرابعة و الخمسين: أنه يشترط في الدين ان لا يكون قد صرف في معصية، و المدار في هذا الشرط على نفس صرف الدين فيها، لا على قصد الرجل المدين من الاستدانة، فإذا كان الرجل قد استدان المال لطاعة أو لأمر مباح، ثم صرفه بعد أن قبضه في معصية، لم يجز إعطاؤه لوفاء ذلك الدين من سهم الغارمين. و إذا استدان المال للمعصية، ثم صرفه بعد ما قبضه في طاعة أو في أمر مباح، جاز إيتاؤه لوفاء الدين من سهم الغارمين.

المسألة 165:

إذا كان المدين غير قادر على وفاء دينه بالفعل، و لكنه يستطيع وفاءه بعد مدة، و مثال ذلك: أن تكون للمدين غلة تكفيه لذلك، و هو يرتقب ميعاد حصول

كلمة التقوى، ج 2، ص: 206

تلك الغلة في وقتها، أو يكون له دين عند بعض الناس يفي بما في ذمته، و هو ينتظر حلول أجل دينه، فالظاهر عدم جواز الدفع اليه من سهم الغارمين، إلا إذا طالبه الدائن بتسديد ما في ذمته بالفعل، و لم يمهله، و لم يتمكن من تسديد ذلك بالاستدانة له، فيجوز الدفع اليه من السهم المذكور.

المسألة 166:

إذا كان الغارم مدينا للمالك الذي وجبت عليه الزكاة جاز لدائنه هذا أن يحتسب الدين الذي يملكه في ذمة غارمه عليه زكاة، و ان لم يعلمه بذلك، و يجوز له أن يحتسب بعض أعيان الزكاة التي عليه للغارم ثم يأخذ ذلك لنفسه وفاء لدينه الذي يملكه في ذمة الغارم، و ان لم يقبضها المديون و لم يوكله في قبضها عنه، و لا يجب عليه اعلام المديون بأنه قد احتسبها عليه زكاة و أخذها وفاء للدين.

المسألة 167:

إذا علم المالك المكلف بالزكاة بأن زيدا مدين لبعض الناس و هو عاجز عن وفاء دينه الواجب عليه جاز له أن يفي دينه من الزكاة، و ان لم يعلم زيد الغارم بذلك، و كذلك إذا شهدت عنده بينة عادلة بأن زيدا مدين و عاجز عن وفاء دينه.

المسألة 168:

يصحّ للمالك المكلف بالزكاة أن يفي من زكاته الواجبة عليه دين أبيه و دين ابنه و دين زوجته و غيرهم ممن تجب عليه نفقته إذا كان غارما، و يجوز له أن يدفع زكاته إليه ليفي بها دينه و لا يمنع من ذلك، و لا يجوز له إعطاؤه من الزكاة لنفقته إذا كان فقيرا، و سيأتي بيان هذا في الفصل السابع.

المسألة 169:

إذا كان الغارم- و هو زيد مثلا- مدينا لعبد اللّه، و كان دائنه عبد اللّه مدينا لخالد، و هو المالك الذي وجبت عليه الزكاة في ماله، جاز لعبد اللّه أن يحيل دائنه خالدا بماله من دين في ذمته على مدينة زيد، فيكون زيد بعد الحوالة مدينا لخالد، و تبرأ بذلك ذمة عبد اللّه من دينه، و يحتسب خالد دينه على زيد زكاة على نهج ما تقدم في المسألة المائة و السادسة و الستين.

المسألة 170:

إذا ضمن زيد ما في ذمة أخيه عمرو لدائنه، اشتغلت ذمة زيد بالمال و برئت ذمة أخيه عمرو من الدين، فإذا لم يكن هذا الضمان مقدمة لمعصية ثم أعسر زيد

كلمة التقوى، ج 2، ص: 207

و لم يتمكن من أداء المال الذي ضمنه، جاز إعطاؤه من سهم الغارمين لوفاء الدين.

المسألة 171:

إذا استدان الرجل دينا ليطفئ بالمبلغ فتنة قائمة بين جماعة من المؤمنين، أو ليصلح به ذات بين، أو ليعمر به مسجدا، أو لغير ذلك من المصالح العامة، ثم أعسر المدين فلم يتمكن من أداء الدين جاز إعطاؤه من سهم الغارمين، و لا يعطى منه إذا أمكنه الأداء، و يجوز أن يعطى لذلك من سهم سبيل الله كما سنذكره في المسائل الآتية ان شاء الله تعالى.

[السابع: سبيل الله]
المسألة 172:

(السابع من مصارف الزكاة: سبيل الله) و المراد بسبيل الله ها هنا ما يعم جميع سبل الخير التي تقرب الإنسان الى الله و توجب له مرضاته، و منها بناء القناطر و المدارس و تعمير المساجد و مساكن الحجاج و الزوار و المسافرين في طرق الطاعات، و المستشفيات و الملاجئ و البيوت للضعفاء و الغرباء و تعميرها و تجديدها إذا احتاجت الى الترميم و التجديد، و منها إصلاح ذات البين، و حسم الفتن و الشرور و المخاصمات التي تقع بين المسلمين، و إعطاء أهل الشر و الظلم و مصانعتهم لتخليص المؤمنين و الضعفاء من شرهم و ظلمهم إذا لم يمكن ردعهم و دفع عاديتهم الا بذلك، و كل قربة من القربات إذا كانت لموقعها و جميل أثرها في الشريعة تعدّ سبيلا من سبل الخير.

و الأحوط ان يكون الشخص المدفوع اليه ممن لا يتمكن من فعل تلك القربة بغير الزكاة، فيدفع اليه من هذا السهم عند ذلك، و ان كان الأقوى عدم اشتراط هذا الشرط إذا كان ما يصرف فيه مال الزكاة هو نفس الفعل المقرّب الى الله لا نفس الشخص الذي يفعل القربة.

[الثامن: ابن السبيل]
المسألة 173:

(الثامن من مصارف الزكاة: ابن السبيل)، و هو المسافر الذي ينقطع به الطريق في سفره لنفاد نفقته أو تلفها أو سرقتها أو تلف راحلته، و لا بدل عنده لها، و نحو ذلك، بحيث لا يستطيع مواصلة سفره، و لا يمكن له سدّ حاجته باستدانة مال أو حوالة، أو بيع ما يملكه من مال حاضر أو غائب، و ان كان الرجل غنيا في بلده.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 208

فيدفع اليه من الزكاة ما يكفيه لحاجته و ما يليق بحاله و بمنزلته في الشرف من

مأكول و مشروب و متاع و أثاث، و مركب و وسيلة انتقال و استراحة الى ان يقضي وطره من سفره و الى ان يصل الى بلده، و إذا أمكن أن يدفع اليه ما يحتاج اليه من ذلك حتى يصل الى بلد أو موضع يقدر فيه على الاستدانة أو على التحويل أو على بيع بعض ما يملك من الأموال تعيّن ذلك، إذا كانت نفقته لذلك أقل من نفقة وصوله الى بلده.

و يتخير دافع الزكاة بين ان يدفع الى ابن السبيل أعيان ما يحتاج اليه من الأشياء أو أثمانها ليشتريها، أو أعواضها ليستأجرها إذا تيسر له ذلك، و يراعى ما هو أقل كلفة و ما يليق بحاله من ذلك، و يجوز له أن يدفع اليه ما يليق بحاله و ان كان أكثر كلفة.

المسألة 174:

المراد في ابن السبيل الذي يدفع له من الزكاة عند الحاجة، من يكون مسافرا عن بلده في نظر أهل العرف، و ان لم يكن سفره موجبا للقصر في الصلاة و الإفطار في الصوم، فلا يشترط فيه أن يكون قاصدا للمسافة الشرعية، و لا يضرّ به ان يقيم عشرة أيام أو يكون ممن عمله السفر أو غير ذلك مما يسقط به وجوب القصر في السفر.

و يشترط في ترتب الحكم المذكور لابن السبيل ان لا يكون مسافرا في معصية، فلا يجوز أن يدفع اليه من الزكاة إذا انقطع به الطريق و كان سفره في معصية.

المسألة 175:

إذا فضل في يد ابن السبيل شي ء من الأعيان أو الأثمان التي دفعت اليه من الزكاة، و ان كانت زيادة ذلك الشي ء في يده بسبب تقتيره على نفسه، وجبت عليه إعادته إلى مالك الزكاة الذي دفعه اليه أو الى وكيله، سواء كان الزائد نقدا أم ثيابا أم متاعا أم غيرها، و إذا لم يمكن له دفعه الى المالك نفسه أو الى وكيله، دفعه الى الحاكم الشرعي، و أعلمه بأنه من الزكاة، و إذا أمكن للحاكم الشرعي إيصال ذلك الى المالك أو استئذانه فيه، فالأحوط له ذلك.

المسألة 176:

لا يصدق عنوان ابن السبيل على الرجل حتى يسافر بالفعل و ينقطع به

كلمة التقوى، ج 2، ص: 209

الطريق كما بيّناه، و ليس منه من يعزم على السفر قبل أن يسافر، فلا يدفع اليه من سهم ابن السبيل، و ان كان محتاجا الى السفر، و محتاجا الى المئونة فيه، و يجوز أن يدفع اليه من سهم الفقراء إذا كان فقيرا، و يمكن أن يدفع اليه من سهم سبيل الله إذا كان سفره من القربات و سبل الخير الّتي توصل الى الله كما ذكرنا في ما تقدم، و إذا سافر بالفعل و صدق عليه ابن السبيل دفع اليه من هذا السهم، و ان كان ذلك لقصور ما في يده من المال عن حاجته.

[مسائل]
المسألة 177:

يجزي المكلف في إيتاء الزكاة أن يدفع زكاته الى الرجل إذا علم بأنه ممن يستحق الزكاة، و ان لم يدر أنه من أي الأصناف على نحو التعيين، و يجزيه أن يدفع الزكاة الى الرجل إذا علم بأنه ممن يستحق الزكاة بسببين أو أكثر، و ان لم يقصد حين دفع المال إليه إحدى الجهات التي يستحق الزكاة بسببها.

المسألة 178:

إذا اعتقد الرجل أن الزكاة واجبة عليه في ماله فدفعها الى الفقير، ثم علم بعد دفع المال اليه أن الزكاة لم تكن واجبة عليه، و انه كان مخطئا في اعتقاده، جاز له أن يسترجع المال من الفقير إذا كانت عين المال التي دفعها إليه موجودة، و أمكن له ان يسترجع منه عوضها إذا كانت تالفة، و إذا كان الفقير الذي قبض الزكاة مغرورا من الدافع، فلا ضمان عليه إذا تلفت الزكاة عنده.

المسألة 179:

إذا شك الرجل في ان الزكاة واجبة عليه أو غير واجبة، فدفعها الى الفقير احتياطا، ثم علم بعد ذلك ان الزكاة لم تجب عليه، فقد يقصد حينما يدفع المال الى الفقير ان هذا المال المدفوع أما زكاة و اما صدقة مندوبة، و في هذه الصورة لا يجوز له أن يسترجع المال من الفقير إذا كان موجودا، و لا يأخذ منه عوضه إذا كان تالفا، و قد ينوي حين يدفع المال أنه إما زكاة واجبة و إما هبة، و في هذه الصورة يجوز له أن يسترجع العين إذا كانت باقية، و كانت الهبة التي قصدها لغير رحم، و إذا كانت هبة لذي رحم لم يسترجعها.

المسألة 180:

إذا كان للمكلف مال غائب عنه فأخرج زكاته من مال آخر، ثم علم بعد ذلك أن المال قد تلف قبل دفع الزكاة، جاز له أن يسترد العين من الفقير إذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 210

كانت موجودة، و أن يسترد منه مثلها أو قيمتها إذا كانت تالفة، و إذا كان قد غرّ الفقير فقبضها منه مغرورا فلا ضمان عليه إذا تلفت العين، و لا حق للدافع في الرجوع عليه.

المسألة 181:

إذا نذر المالك أن يدفع زكاة ماله الى فقير معين من أرحامه أو من غيرهم، وجب عليه أن يدفع الزكاة إليه، و إذا نسي أو غفل فدفع الزكاة إلى فقير آخر، أجزأت عما في ذمته و برئت ذمته من التكليف، و لم يجز له أن يسترد الزكاة من الفقير الذي أخذها و ان كانت العين موجودة.

و إذا فعل ذلك عامدا فأعطى الزكاة الى غير الفقير الذي نذرها له لم تجز عنه، و وجب عليه أن يسترجعها إذا كانت العين باقية و يدفعها للفقير الذي نذر اعطاءها له، و ان يسترجع مثلها أو قيمتها إذا كانت تالفة و يدفعه لمن نذر إعطاءه، و إذا كان الفقير الذي قبض الزكاة مغرورا من الدافع فلا ضمان عليه، و على المالك أن يدفع الزكاة لمن نذر إعطاءه على الأحوط في هذه الصورة.

الفصل السابع في أوصاف من يستحق الزكاة

اشارة

الأوصاف المعتبرة شرعا في من يستحق الزكاة عدة أمور.

[الأمر الأول: الإيمان]
المسألة 182:

(الأمر الأول): يعتبر في من يستحق الزكاة أن يكون مؤمنا، فلا تعطى الزكاة لكافر غير مسلم، من غير فرق بين أصناف الكفار و مللهم، و لا تدفع الزكاة لمن يعتقد خلاف الحق ممن ينتسب إلى الإسلام، و ان كان من فرق الشيعة، حتى المستضعفين منهم، و قد تقدم الكلام في المؤلفة قلوبهم في المسألة المائة و الثانية و الخمسين.

المسألة 183:

أطفال المؤمنين و غير البالغين منهم، و مجانينهم بحكم المؤمنين، فيجوز إعطاؤهم من سهم الفقراء من الزكاة إذا كانوا ممن لا يملك قوت سنته بالفعل و لا بالقوة، سواء كانوا مميّزين أم غير مميزين، و سواء كانوا ذكورا أم إناثا،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 211

و يجوز أن يكون إعطاء الزكاة لهم بنحو التمليك، و في هذه الصورة تدفع الزكاة لولي الطفل و ولي المجنون بقصد تمليك المولّى عليه، و يقبضها الولي عليهما من دافع الزكاة بهذا القصد، و تكون نية إيتاء الزكاة من المالك عند الدفع إلى الولي، فيتم التمليك و تبرأ ذمة الدافع، و يجوز أن يكون إعطاء الزكاة لهم بنحو الصّرف عليهم مباشرة من مالك الزكاة أو بتوسط الولي عليهم، أو بيد أمين آخر إذا لم يكن لهم ولي، و تكون نية إيتاء الزكاة عند الصرف عليهم.

المسألة 184:

إذا كانت ولادة الطفل من أب مؤمن، ألحق الطفل بأبيه في الحكم، فيجوز أن يدفع إليه من سهم الفقراء من الزكاة إذا كان فقيرا، و ان كانت أمه غير مؤمنة، و يشكل الحكم في الطفل إذا كانت الأم التي ولدته مؤمنة و كان الأب غير مؤمن، و يشكل الحكم فيه أيضا إذا كان جدّه أبو أبيه مؤمنا و كان أبوه غير مؤمن، و الأحوط عدم إعطائه من الزكاة في الصورتين.

المسألة 185:

لا يعطى ابن الزنا في حال صغره و قبل بلوغه من الزكاة و ان كان أبواه اللذان تكون من نطفتهما مؤمنين، و هذا الحكم موضع تأمل، و لكنه أحوط.

المسألة 186:

لا يمنع السفه من أن تدفع الزكاة إلى الشخص السفيه إذا كان مستحقا لها، سواء كان رجلا أم امرأة، فيجوز أن تدفع الزكاة إليه بنحو التمليك، فإذا قبضها و ملكها حجر عليه عن التصرف في المال لأنه سفيه حتى يأذن له الولي كسائر أموال السفيه الأخرى، و يجوز أن يصرف على السفيه من سهم سبيل اللّه و من سهم الفقراء، بل و من السهام الأخرى للزكاة إذا كان موردا لها.

المسألة 187:

إذا أدى من يخالف المذهب زكاته الى أهل مذهبه ثم استبصر و اهتدى، فعليه إعادة الزكاة، و كذلك إذا دفع الزكاة الى أهل المذاهب الأخرى من الفرق، فتجب عليه إعادة الزكاة، و ان لم تجب عليه اعادة صلاته و صومه و حجه إذا كان قد أتى بها على طبق مذهبه ثم استبصر، و إذا دفع الزكاة إلى مؤمن ثم استبصر أجزأت عنه و صحت.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 212

المسألة 188:

يكفي في ثبوت ايمان الرجل العامي من الناس و ترتب أحكامه أن يقرّ على وجه الإجمال بأنه مسلم مؤمن، اثنا عشري يعتقد ما يعتقده المسلمون المؤمنون الاثنا عشريون، و ان لم يعرف العقائد الصحيحة لأهل المذهب على وجه التفصيل، و لا أسماء الأئمة و الترتيب في إمامتهم واحدا بعد واحد، و إذا ادّعى أنه من المؤمنين الاثني عشريين، قبل قوله و دفع إليه من الزكاة إذا كان فقيرا، و لم يجب الفحص عنه الا أن تقوم قرينة على كذبه في الدعوى.

المسألة 189:

إذا اعتقد مالك المال في أحد بأنه مؤمن، فأعطاه من زكاة ماله، ثم علم بعد الدفع إليه أنه مخطئ في ما اعتقد، فالأقوى عدم الاجزاء و عليه الإعادة.

[الثاني: عدم كون الدفع إعانة على الإثم]
المسألة 190:

(الثاني من أوصاف مستحق الزكاة): أن لا يكون الرجل الذي تدفع إليه الزكاة ممن يستعين بالزكاة و أمثالها على فعل المعاصي. فلا يجوز دفع الزكاة لمن تكون هذه صفته، و لا لمن يكون الدفع إليه اعانة على الإثم، أو إغراء له أو لغيره بالقبيح، و لا يترك الاحتياط لزوما بمنع شارب الخمر منها، و منع مطلق من يتجاهر بفعل المحرمات الكبيرة، أو بترك الواجبات، و ان لم يصرف الزكاة نفسها و أمثالها في المحرمات.

المسألة 191:

لا يشترط في الفقير الذي يستحق الزكاة أن يكون عادلا، و يكفي في جواز الدفع إليه أن يكون غير متجاهر بالمحرمات أو بترك الواجبات كما ذكرنا، و لا تشترط العدالة في المؤلفة قلوبهم، و لا في الرقاب التي تعتق من الزكاة، و لا في الأشخاص الغارمين الذين تؤدى ديونهم من الزكاة، و لا في سبيل اللّه، و لا في ابن السبيل إذا روعيت الشروط المعتبرة في هذه الأصناف و أحكامها التي تقدم تفصيلها، و الأحوط اشتراط العدالة في الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، و قد تقدم ذكر هذا.

[الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته]
المسألة 192:

(الثالث من أوصاف مستحقي الزكاة): أن لا يكون المستحق الذي تدفع إليه زكاة المالك ممن تجب نفقته على المالك نفسه، و هم أبوه و أمه، و جده لأبيه سواء كان بواسطة أم بوسائط، و أولاده و أولاد ولده و ان تعددت الواسطة ما بينه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 213

و بينهم، سواء كانوا ذكورا أم إناثا، و زوجته، و عبده المملوك له، فلا يجوز للمكلف أن يدفع زكاة ماله أو يدفع شيئا منها الى أحد هؤلاء، للنفقة عليه، بل و لا للتوسعة على الأحوط، و يجوز له أن يدفع زكاته إليهم للإنفاق على عيالهم الذين لا تجب نفقتهم على المالك نفسه، و مثال ذلك: أن تكون لأبيه زوجة غير أمه و أولاد، فيدفع زكاته لأبيه للإنفاق على هؤلاء، و ان تكون لابنه زوجة و مملوك فيدفع إليه زكاته للإنفاق عليهما، و هكذا في عيال الجد أبى الأب و عيال ولد الولد، و لا يجوز له أن يدفع الزكاة إلى أبيه للإنفاق على أمه، أو يدفعها الى ابنه للإنفاق على أولاد الابن.

و يجوز له أن يدفع الزكاة إليهم لأمور أخرى لا

تتعلق بالنفقة، فيدفع الزكاة إلى أبيه أو الى ولده ليتزوج بها إذا كان محتاجا الى التزويج أو ليفي بها دينه إذا كان عليه دين يجب عليه وفاؤه، أو ليشتري بها كتبا علمية أو ثقافية يحتاج إليها.

المسألة 193:

لا يجوز للمكلف أن يدفع شيئا من زكاته لأحد هؤلاء الذين تجب نفقتهم عليه، إذا كان الإعطاء للنفقة الواجبة، سواء كان القسط الذي يدفعه إليهم من سهم الفقراء أم من السهام الأخرى، فإذا كان الشخص الذي تجب نفقته على المكلف موردا للسهام الأخرى من الزكاة، فكان من العاملين في الزكاة أو من المؤلفة قلوبهم، أو من الرقاب التي تعتق من الزكاة أو من الغارمين، أو كان موردا لسهم سبيل اللّه أو ابن السبيل، جاز للمكلف أن يدفع الزكاة إليه في غير النفقة الواجبة و لا يجوز له و لا يجزيه أن يدفع له شيئا منها للنفقة.

المسألة 194:

إذا كان مستحق الزكاة ممن تجب نفقته على بعض المكلفين، و لكن ذلك المكلف لم يبذل له نفقته، أو كان غير قادر على الإنفاق عليه، أو كان باذلا للنفقة مع منة لا تتحمل عادة، جاز للآخرين دفع زكاتهم اليه، و جاز له أن يأخذ الزكاة منهم إذا أعطوه، و كذلك الحكم في الزوجة إذا امتنع زوجها من الإنفاق عليها، و لم يمكن إجباره على بذل النفقة لها، فيجوز للآخرين إعطاؤها من الزكاة، و يجوز لها أن تأخذ الزكاة منهم.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 214

المسألة 195:

إذا كان الشخص الذي تجب عليه نفقة الفقير المستحق قادرا على النفقة و باذلا لها، أشكل الحكم بجواز دفع الزكاة من الآخرين الى ذلك المستحق للنفقة، بل الأحوط لهم عدم دفع الزكاة إليه للتوسعة إذا كان من تجب عليه النفقة باذلا للتوسعة أيضا.

و لا يجوز للآخرين دفع الزكاة إلى المرأة إذا كان زوجها باذلا لنفقتها، أو كان ممتنعا عن الإنفاق عليها مع إمكان إجباره على البذل، و لا يجوز لها أخذ الزكاة من الدافعين لها في الصورتين.

المسألة 196:

إذا خرجت المرأة من بيت زوجها بغير إذنه فسقطت نفقتها شرعا عن الزوج بسبب ذلك و لم ينفق عليها زوجها لذلك، أشكل الحكم بجواز دفع الزكاة إليها من الآخرين، لأنها قادرة على إزالة سبب الامتناع و عدم النفقة من الزوج.

المسألة 197:

لا تجب على الرجل نفقة زوجته المعقودة عليه بالعقد المنقطع، فإذا كانت فقيرة جاز له أن يدفع زكاته إليها، و جاز ذلك للناس الآخرين، و إذا شرطت عليه في عقد النكاح بينهما أن ينفق عليها و قبل الزوج الشرط منها، وجبت عليه نفقتها، و لم يجز له في هذه الصورة أن يدفع لها من زكاته إذا كان موسرا، و لم يجز ذلك من الآخرين إذا كان الزوج موسرا و باذلا للنفقة المشروطة عليه، و كذلك إذا امتنع عن بذل النفقة و أمكن إجباره على بذلها، و الوفاء بالشرط فلا يدفع لها الآخرون من الزكاة، و إذا كان الزوج معسرا أو ممتنعا و لم يمكن إجباره، جاز للآخرين دفع الزكاة إليها، و جاز لها الأخذ منهم.

المسألة 198:

يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها الى زوجها إذا كان مستحقا للزكاة، و ان أنفق الزكاة عليها بعد أن قبضها، و كذلك الأجير الذي شرط على المستأجر في عقد الإجارة بينهما أن تكون نفقته عليه، و الشخص الذي نذر أحد من الناس أن ينفق عليه، فيجوز لذلك الأجير أن يدفع زكاته لمستأجره إذا كان مستحقا، و للشخص المنذور النفقة ان يدفع زكاته للناذر و إن أنفق الزكاة عليه بعد أن قبضها منه و تملكها.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 215

المسألة 199:

يجوز للمالك المكلف بالزكاة أن يدفع زكاته الى من يعول به إذا كان مستحقا للزكاة، و غير واجب النفقة عليه شرعا، سواء كان من أرحامه أم من الغرباء عنه، و يجوز للآخرين أيضا دفع زكاتهم إليه.

المسألة 200:

إذا عجز المكلف عن الإنفاق على أبيه أو ولده أو على غيرهما ممن تجب عليه نفقته عجزا تاما يوجب سقوط التكليف عنه، فلا يبعد الحكم بجواز دفع زكاة المكلف اليه، و كذلك إذا عجز عن بعض النفقة الواجبة بمثل ذلك العجز الموجب لسقوط التكليف، بحيث لا يقدر على إتمام النفقة، فالظاهر جواز دفع الزكاة إليه من المكلف، و ان كان الأحوط استحبابا عدم الدفع، و يجوز للآخرين دفع زكاتهم اليه بلا ريب.

المسألة 201:

إذا أعسر مالك العبد فلم ينفق على عبده لعسره، أو ترك الإنفاق عليه لسبب آخر و لم يمكن إجباره على دفع النفقة، جاز للآخرين صرف زكاتهم على العبد إذا كان مستحقا، سواء كان مطيعا لسيده أم آبقا، إذا لم يكن إباقه هو السبب في عدم إنفاق السيد عليه، و إذا كان إباقه هو السبب في ذلك أشكل جواز صرف الزكاة عليه، لأنه قادر على إزالة السبب المانع من الإنفاق.

[الرابع: أن لا يكون هاشميا،]
المسألة 202:

(الرابع من أوصاف مستحق الزكاة): أن لا يكون هاشميا، و الزكاة المدفوعة إليه من غير هاشمي، فلا يجوز دفعها للهاشمي و لا يحل له أخذها أو أخذ شي ء منها، حتى من سهم الغارمين، و سهم سبيل اللّه على الأحوط، و قد تقدمت الإشارة الى هذا في المسألة المائة و السادسة و الأربعين، و المسألة المائة و التاسعة و الأربعين.

و يجوز له أخذ الزكاة من الهاشمي، حتى من سهم الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا، و لذلك فيصح للحاكم الشرعي إذا بسطت يده أن يستعمل الهاشمي لجباية زكاة الهاشميين خاصة، و يدفع له نصيب العاملين منها، و يجوز له أن يستأجره للعمل في الزكاة و يجعل رزقه من بيت المال، كما قلنا في المسألة المائة و الخمسين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 216

المسألة 203:

يجوز للهاشمي أن ينتفع و أن يسكن في المدارس و الرباطات و المنازل المعدة للحجاج و الزوار، و الملاجئ و أشباهها المتخذة من سهم سبيل اللّه من الزكاة، و أن ينتفع بالكتب الموقوفة المشتراة من هذا السهم.

المسألة 204:

إذا اضطر الهاشمي إلى أخذ الزكاة الممنوعة عليه، و لم يكفه الخمس و بقية الوجوه الشرعية التي يجوز له التناول منها لسدّ اضطراره و حاجته، جاز له أخذ الزكاة، و يقتصر منها على ما يسدّ الضرورة يوما بعد يوم على الأحوط مع الإمكان.

المسألة 205:

يختص الحكم بتحريم الزكاة على الهاشمي بزكاة المال الواجبة و زكاة الفطرة، و لا تحرم عليه الزكاة المندوبة من مال التجارة و غيرها، و لا تحرم عليه الصدقات المستحبة، و لا تحرم عليه الصدقات الواجبة الأخرى كالكفارات و المظالم و الصدقات المنذورة و الموصى بها، و ان كان الأحوط عدم إعطائه من الصدقات الواجبة كلها.

المسألة 206:

يثبت كون الرجل هاشميا بقيام البينة العادلة على صحة نسبه، و بالشياع التام المفيد للعلم بذلك، و بالشياع المفيد للوثوق و الاطمئنان به، و بكل امارة تفيد ذلك، و يصدق قوله إذا أوجب الوثوق بصدق دعواه، أو عضدته القرائن الموجبة لذلك، و إذا تجرّد قوله عن جميع ذلك لم يقبل.

المسألة 207:

إذا ادعى الرجل أنه ليس بهاشمي، جاز إعطاؤه من الزكاة إذا كان مستحقا، إلا إذا علم كذبه في قوله أو اطمأن بكذبه، و يجوز أن تدفع الزكاة لمن يجهل نسبه كاللقيط و نحوه، و الغريب الذي لا تعرف قبيلته إذا كان مستحقا.

المسألة 208:

من كانت أمه هاشمية و أبوه ليس بهاشمي لا يعدّ هاشميا، فيجوز دفع الزكاة إليه إذا كان فقيرا مستحقا، و يجوز له أخذ الزكاة من الهاشمي و غيره.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 217

المسألة 209:

لا فرق في الاحكام التي ذكرناها للهاشمي بين الرجل و المرأة، و الصغير و الكبير، و العاقل و المجنون.

المسألة 210:

يشكل الحكم في ابن الهاشمي من الزنا، و لذلك فلا يجوز- على الأحوط- إعطاؤه من الخمس و لا من زكاة غير الهاشمي، و يجوز له أن يأخذ من زكاة الهاشمي و من فطرته إذا كان مستحقا، و يجوز له أن يأخذ من الزكوات المندوبة، و من الصّدقات الأخرى الواجبة و المندوبة.

الفصل الثامن في جملة من أحكام الزكاة

المسألة 211:

لا يجب على المالك المكلف بالزكاة أن يبسط زكاته على الأصناف الثمانية المستحقين للزكاة، فيقسم المبلغ الواجب عليه ثمانية أقسام متساوية أو متفاوتة في المقدار، و يخصّص لكل صنف قسما من المال ينفق فيه، لا يجب ذلك على الأقوى، بل يجوز له أن يخصّ بزكاته صنفا واحدا من الأصناف أو أكثر، و ان كان البسط على الأصناف أفضل إذا كان المقدار الذي يجب على المكلف يتسع لذلك و كانت الأصناف موجودة.

و لا يجب عليه أن يستوعب الافراد الموجودين من الصنف الذي أراد الدفع اليه، فيصح له أن يدفع جميع زكاته الى فرد واحد منهم، و يجوز له أن يميّز بعض الأصناف على بعض، و ان يفضل بعض الأفراد على بعض.

المسألة 212:

لا تتعين الزكاة لمن حضر من الفقراء و ان طالبوا بها، فيجوز لمالك المال أن يعدل بزكاته الى غيرهم ممن لم يحضر، و خصوصا مع وجود مرجحات للغائبين و ان كانوا من غير أهل البلد.

المسألة 213:

يجوز لمالك المال أن ينقل زكاته الى بلد آخر غير البلد الذي تكون فيه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 218

الزكاة و ان كان المستحق موجودا في بلد الزكاة، و إذا نقل الزكاة- مع وجود المستحق في البلد- فمؤنة النقل على المكلف، لا على الزكاة، و إذا نقل الزكاة فتلفت عين الزكاة بسبب النقل كان على المالك الناقل ضمانها، حتى إذا كان نقلها باذن الفقيه على الأحوط.

و إذا وكل الفقيه مالك المال في أن يقبض زكاة ماله بالوكالة عنه، فقبضها المالك بالوكالة عنه ثم نقلها الى بلد آخر بالإذن من الفقيه أيضا، كانت مؤنة النقل على الزكاة، و لا ضمان على المالك إذا تلفت بالنقل في هذه الصورة.

المسألة 214:

إذا لم يجد المالك المكلف مستحقا في بلد الزكاة، و لم يرج وجوده فيه، و لم يتمكن في ذلك البلد من صرف الزكاة في مصارفها الأخرى، وجب على المكلف نقل الزكاة إلى بلد آخر يمكنه إيتاء الزكاة فيه، فإذا هو عزل مقدار المال الواجب عليه و عيّنه زكاة قبل أن ينقله، فمئونة النقل على الزكاة، و ان هو لم يعزل الزكاة، أشكل الحكم في كون المئونة على المالك نفسه أو على الزكاة، و لا يترك الاحتياط في هذه الصورة بأن يدفع المالك مئونة النقل، و إذا نقل الزكاة فتلفت بسبب النقل فلا ضمان عليه.

و إذا كان المالك يرجو أن يجد المستحق في البلد، و أمكن له صرف الزكاة في مصارفها الأخرى، تخيّر بين أن ينقل الزكاة إلى بلد آخر، و أن يحفظها في موضعها الى أن يجد المستحق الذي يرجو وجوده في البلد و يدفعها اليه، و أن يصرفها في مصارفها التي يتمكن منها بالفعل، و إذا نقلها

في هذه الصورة فتلفت كان عليه ضمانها، و إذا لم يجد من يستحق الزكاة في البلد و لم يرج وجوده فيه، و أمكن له أن يصرف الزكاة في بعض مصارفها في البلد، فنقلها الى بلد آخر، و تلفت بسبب نقلها كان ضامنا لها، و إذا لم يجد المستحق في البلد فعلا و لكنه رجا وجوده في ما يأتي، و لم يتمكن من صرف الزكاة في المصارف الأخرى، فنقلها الى بلد آخر و تلفت بنقلها فلا ضمان عليه، و مئونة النقل تكون على المالك في هذه الصور الثلاث على الأحوط.

المسألة 215:

إذا كان البلد الذي يوجد فيه مال الزكاة غير بلد المالك جاز له أن ينقل الزكاة الى بلده، فإذا تلفت بسبب النقل، فالضمان فيها على نهج ما فصّلناه في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 219

المسألتين السابقتين و على حسب ما ذكرنا فيهما من الصّور.

المسألة 216:

إذا كان للمكلف بالزكاة مال في بلد آخر، جاز له أن يجعله زكاة بدلا عن المال الذي تعلقت به الزكاة، و كذلك إذا نقل مقدار الزكاة من ماله الى بلد آخر، فيجوز له بعد أن يصل ذلك المال أن يجعله زكاة عوضا عما في بلده.

و إذا كان له دين في ذمة أحد في بلد آخر، فيجوز له ان يحتسب دينه على ذلك الرجل عوضا عن زكاته الواجبة عليه إذا كان المدين مستحقا، و يجوز له أن يحوّل عليه مستحقا آخر عوضا عن زكاته في البلد.

المسألة 217:

إذا قبض الفقيه العادل الزكاة من المالك المكلف بها، بحسب ولايته على الفقراء، برئت ذمة المالك من تكليفه بها، و لا ضمان عليه إذا تلفت الزكاة بعد ذلك قبل وصولها الى المستحق، أو كان الدفع لغير من يستحقها اشتباها، و تلاحظ المسألة المائة و السابعة و الأربعون.

المسألة 218:

إذا احتاج المالك في إخراج زكاته من المال أو في معرفة مقدار الزكاة إلى كيل أو وزن فأجرة الكيّال و الوزّان على مالك المال- على الأحوط- لا من الزكاة.

المسألة 219:

إذا استحق الرجل من الزكاة لسببين أو أكثر، و مثال ذلك أن يكون فقيرا و عاملا للزكاة و غارما مثلا، جاز أن يدفع له من الزكاة لكل سبب نصيبا

المسألة 220:

لا حدّ لأقلّ ما يدفع الى الفقير من الزكاة، و الأحوط استحبابا أن لا يدفع إليه أقلّ من خمسة دراهم من زكاة الفضة، و لا أقل من نصف دينار في زكاة الذهب، و مراعاة هذا المقدار في غير النقدين، و قد سبق أنه لا حدّ لأكثر ما يدفع اليه و ان أوجب ذلك غناه أو زاد عليه إذا كان الإعطاء له دفعة واحدة و تراجع المسألة المائة و الخامسة و الثلاثون.

المسألة 221:

يجب إخراج الزكاة في الأنعام و في النقدين بدخول الشهر الثاني عشر من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 220

الحول، و قد بيّنا هذا في المسألة الثالثة و الخمسين و المسألة الثالثة و السبعين، و يجب إخراجها من الغلات الأربع عند جذاذ التمر و اقتطاف الزبيب كما ذكرنا في المسألة التسعين، و الأحوط الأولى أن يكون إخراج الزكاة فورا حسب المستطاع و لو بالعزل، و ان كان الأقوى جواز التأخير، ما لم يؤد ذلك الى حبس الزكاة و منع الحق عن أهله، أو التساهل في أمرها أو في حكم اللّه فيها، فيكون التأخير محرما.

و إذا أخّر المكلف إخراجها مع إمكان الدفع فتلفت الزكاة بسبب ذلك كان ضامنا لها، بل و ان كان التأخير مدة قليلة على الأحوط في هذا الفرض الأخير.

المسألة 222:

إذا أخر المالك إخراج زكاته و هو يعلم بوجود المستحق فتلفت فهو ضامن، و قد تكرّر منا ذكر ذلك، و إذا أخر إخراجها مع وجود المستحق و كان لا يعلم بوجوده، فان فحص عنه و لم يجده فلا ضمان عليه إذا تلفت، و ان أخّرها من غير فحص عن وجوده و تلفت بسبب ذلك فعليه الضمان.

المسألة 223:

إذا عزل المالك زكاة ماله و أتلفها غيره قبل دفعها للمستحق، فان كان المالك قد أخر دفعها بعد العزل و هو يعلم بوجود المستحق- كما فرضنا في أول المسألة المتقدمة- فالضمان ثابت على كل من المالك و المتلف، و للحاكم أن يرجع بمثلها أو قيمتها على أيهما شاء، فإذا هو أخذ البدل من المالك رجع المالك بما غرمه للحاكم على المتلف، و إذا أخذ البدل من المتلف لم يرجع المتلف بما غرمه على المالك.

و ان كان المالك لم يؤخر دفع الزكاة بعد عزلها، فالضمان على المتلف وحده، و كذلك الحكم إذا عزل المالك الزكاة و لم يوجد المستحق، و أتلف الزكاة غيره فالضمان على المتلف، و لا شي ء على المالك، و يجري هذا التفصيل أيضا و ما ذكرناه فيه من الأحكام إذا أتلف المتلف جميع النصاب و فيه الزكاة، و لا موجب لإعادة بيانه.

المسألة 224:

لا يقدم إخراج الزكاة قبل تعلق وجوبها في المال، و إذا قدّمها المالك فأخرجها و دفعها الى المستحق قبل وجوبها في المال لم تقع زكاة، و بقي المال

كلمة التقوى، ج 2، ص: 221

المدفوع الى الفقير على ملك مالكه الأول، و إذا تلف في يد الفقير و هو يعلم بأن المال ملك صاحبه و ليس زكاة، كان ضامنا له، و إذا بقي الفقير على استحقاقه حتى حل وقت وجوب الزكاة في المال، صح للمالك في ذلك الوقت أن يحتسب المال الذي دفعه الى الفقير زكاة عليه إذا كانت عينه موجودة، و ان يحتسب عليه عوضه إذا كان تالفا، و يجوز له أن يأخذ المال منه أو يأخذ العوض و يدفعه زكاة إلى مستحق آخر.

و إذا قبض الفقير ذلك المال و هو

مغرور من المالك، فلا ضمان عليه إذا تلف في يده، و وجب على المالك دفع زكاة المال إذا حل وقت وجوبها.

المسألة 225:

يجوز للمالك أن يقرض الفقير بعض المال قبل أن تجب عليه الزكاة في ماله، فإذا حل وقت وجوب الزكاة عليه و الفقير الذي أقرضه لا يزال مستحقا للزكاة احتسب عوض قرضه عليه زكاة.

و إذا أقرض المالك الفقير- كما ذكرناه- كان مال القرض مملوكا للفقير، فيملك نماءه و نتاجه سواء كان النماء متصلا أم منفصلا، و إذا نقص المال كان النقص داخلا عليه، فإذا حل وقت وجوب الزكاة احتسب المالك عوض مال القرض زكاة على الفقير و لم يحتسب الزيادة التي زادت و النماء الذي حصل، لأنه ملك الفقير، و لم ينقص من المال المدفوع شي ء لأن النقص إذا وقع فهو على الفقير، و إذا خرج الفقير عن وصف الاستحقاق للزكاة، استرد المالك عوض مال القرض، دون زيادة و لا نقيصة، و دفعه زكاة الى من يستحق، و يجوز له أن يدفع الزكاة من مال آخر.

المسألة 226:

إيتاء الزكاة إحدى العبادات الشرعية، و لذلك فتجب فيه نية القربة، و التعيين، و الإخلاص، و غير ذلك مما يعتبر في نية العبادة، و لا يعتبر فيها قصد الوجوب أو الندب، و إذا دفع المالك زكاة ماله و لم ينو القربة في إيتائها بطل دفعه و بقي المال المدفوع مملوكا لدافعة، فإذا نوى القربة فيها بعد ذلك و كانت عين المال موجودة صحت زكاته إذا كانت الشرائط موجودة.

و إذا كانت العين قد تلفت و كانت مضمونة على القابض- كما إذا كان عالما بالحال- جاز للمالك أن يحتسب ما في ذمة القابض زكاة عليه إذا كان لا يزال

كلمة التقوى، ج 2، ص: 222

مستحقا للزكاة، و يجوز له أن يدفع الزكاة إلى فقير آخر، و يبقى ما في ذمة الفقير الأول

دينا عليه، و إذا كانت عين الزكاة قد تلفت و هي غير مضمونة على القابض كما إذا كان مغرورا من المالك الدافع وجب على المالك دفع الزكاة ثانيا.

المسألة 227:

يجوز للمالك المكلف بالزكاة أن يوكل غيره في إيتاء زكاته، فيتولى الوكيل نية إيتاء الزكاة بالوكالة عن المالك حينما يدفعها الى الفقير، و الأحوط أن ينوي المالك أيضا حينما يدفع الوكيل الزكاة إلى الفقير مع الإمكان، كما إذا كان المالك حاضرا حين الدفع.

و يجوز للمالك أيضا أن يوكل شخصا غيره في أن يوصل زكاته الى الفقير، فإذا وكله في ذلك نوى المالك إيصال الزكاة إلى الفقير بالدفع الى الوكيل، و الأحوط أن تبقى نيته مستمرة الى أن يدفع الوكيل المال الى الفقير، و لا بد و أن يكون الوكيل في كلتا الصورتين ثقة مأمونا يصح الاعتماد عليه.

المسألة 228:

إذا دفع المالك زكاته الى الحاكم الشرعي بحسب ولايته العامة على الفقراء، تولى المالك نية إيتاء الزكاة حينما يدفع الزكاة إلى الحاكم، و إذا وكّل المالك الحاكم الشرعي عن نفسه في إيتاء زكاته الى الفقير، تولى الحاكم النية بالوكالة عن المالك عند ما يدفع الزكاة إلى الفقير كما ذكرنا في الصورة الأولى من المسألة السابقة، و إذا وكّل المالك الحاكم الشرعي في إيصال زكاته الى الفقير، نوى المالك الإيصال إلى الفقير بدفع الزكاة إلى الحاكم الوكيل عنه كما في الصورة الثانية من تلك المسألة.

المسألة 229:

إذا اتّجر الولي الشرعي على الطفل أو على المجنون بمالهما، استحب له أن يخرج زكاة مال التجارة، فإذا أخرج الزكاة تولى النية عند الإخراج بحسب ولايته عليهما.

المسألة 230:

إذا تعدّد الحق الواجب على الإنسان، و أراد أن يخرج بعض ما وجب عليه، وجب عليه في نية الأداء أن يعيّن ما يقصد إخراجه من الحق، و مثال ذلك: أن يكون الرجل مكلفا بزكاة و كفارة، فإذا أراد أن يدفع للفقير مقدارا من المال عمّا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 223

عليه، وجب عليه أن يعين في نيته أن ما يدفعه هو الزكاة أو الكفارة، و من أمثلة ذلك أن يكون الشخص مكلفا بزكاة مال و زكاة فطرة، فإذا أراد الدفع الى المستحق، وجب عليه أن يعيّن ما يقصده من الواجبين، و من أمثلة ذلك: أن يكون الإنسان مكلفا في ذمته بخمس و زكاة، و أراد أن يدفع بعض ما عليه، فعليه التعيين، و خصوصا إذا كان المكلف هاشميا و أراد الدفع إلى هاشمي.

و من ذلك أيضا: ما إذا تعدّد محل الوجوب، كما إذا وجبت على الرجل زكاة الأنعام و زكاة الغلات أو النقدين، و أراد أن يخرج القيمة، فعليه أن يعين عند النية أنه يخرج هذا المقدار عن أيها، و ان كان نوع الحق الواجب عليه واحدا، و مثاله: أن يكون الرجل مالكا لخمس من الإبل و أربعين من الغنم، فان الواجب عليه في كل واحد من النصابين المذكورين شاة، فإذا أراد أن يخرج الشاة أو قيمتها، فلا بد و أن يعيّن ان ما يدفعه زكاة عن أي النصابين.

و إذا اتحد الحق الواجب على المكلّف، و اتحد محل الوجوب، كفاه عند النية أن يدفع المال و يقصد بدفعه

أداء ما في ذمته و لا يلزمه التعيين أكثر من ذلك، و مثاله: أن يملك الرجل عشرين من الإبل، فان الواجب عليه فيها هو أربع شياه، فإذا أراد أن يخرج شاة أو يدفع قيمتها، لم يجب عليه في النية أن يعيّن أنها زكاة عن أي النصب الأربعة الموجودة لديه، و كذلك إذا ملك أربعمائة من الغنم، فان الواجب عليه فيها هو شاة في كل مائة منها، فإذا أراد إخراج الشاة أو قيمتها، كفاه أن يدفعها بقصد ما في ذمته، و لا يجب عليه أن يعيّن أنها زكاة أي المئات الأربع التي يملكها.

المسألة 231:

يجوز للفقير الذي يستحق الزكاة أن يوكل أحدا في أن يقبض عنه الزكاة من شخص معين، و يجوز أن يوكله في القبض عنه من أي دافع كان، فإذا أراد مالك الزكاة دفع زكاته الى وكيل الفقير نواها عند الدفع اليه و برئت بذلك ذمته، و ان تلفت الزكاة قبل أن تصل الى الفقير نفسه.

المسألة 232:

إذا وجبت الزكاة على المكلف، و شك في أنه أدى ما وجب عليه أو لم يؤده، وجب عليه أن يخرج الزكاة، و لا فرق في الحكم بين أن تكون الزكاة التي يشك في أدائها للسنة الحاضرة و ان تكون للسنة أو السنين الماضية، نعم، إذا تلف النصاب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 224

من غير تفريط منه و هو يحتمل أنه قد أدّى زكاته، فلا ضمان عليه، من غير فرق أيضا بين أن يكون للسنة الحاضرة و ما قبلها.

المسألة 233:

إذا علم الإنسان إجمالا بأنه قد كلف إما بالخمس و إما بالزكاة، وجب عليه أن يدفعهما معا، و لا يكفيه أن يؤدي أحدهما فقط، و ان كان ما أداه هو الأكثر منهما، و إذا كان المالك الذي حصل له هذا العلم الإجمالي هاشميا، جاز له أن يدفع المقدار المعلوم وجوبه عليه الى مستحق هاشمي، و ينوي به أداء ما في ذمته خمسا كان أم زكاة، و يرجع في ما يعود الى حق الامام (ع) من الخمس الى الفقيه العادل على الأحوط.

و إذا اختلف المقدار فيهما، كما إذا علم أن الواجب عليه إذا كان زكاة فهو عشرة، و ان كان خمسا فهو عشرون، وجب عليه أن يدفع الأكثر للهاشمي في الفرض المذكور.

المسألة 234:

إذا كان المكلف مشغول الذمة بحق واجب معلوم من زكاة أو خمس أو غيرهما من الحقوق المالية الواجبة و ظهرت عليه أمارات الموت، وجب عليه أن يوصي بأداء ما عليه من الحق، و أن يبينه إذا كان خفيا على الوصي، و يذكر في الوصية به ما يزيل الخفاء و الالتباس فيه، و يذكر مقداره إذا كان محتاجا الى البيان، و إذا مات جاز للوصي من بعده أن يدفع زكاته أو خمسه الى وارثه إذا كان مستحقا لأحدهما، و ان كان ذلك الوارث واجب النفقة على المالك الميت حين كان حيّا.

المسألة 235:

إذا تعلق وجوب الزكاة بالنصاب، و باعه مالكه على شخص آخر، و شرط على المشتري في عقد البيع أن يؤدي زكاة النصاب عن البائع، و قبل المشتري بالشرط صح ذلك و وجب على المشتري الوفاء بالشرط، فيجب عليه أداء الزكاة، و ان لم يفعل كان آثما، و لا تبرأ ذمة المالك البائع من التكليف بمجرد الشرط حتى يؤدي المشتري الزكاة بالفعل و يفي بالشرط.

و لا يصح للبائع أن يشترط في العقد ان ينتقل وجوب الزكاة من البائع إلى المشتري، و لا يثمر هذا الشرط شيئا و ان قبل به المشتري.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 225

المسألة 236:

إذا تبرع أحد عن مالك المال فدفع عنه الزكاة الواجبة عليه، صح تبرعه و أجزأ ذلك عن المالك، و لا يرجع المتبرع على المالك بشي ء و ان كان تبرعه بالزكاة بطلب من المالك نفسه، و إذا طلب المالك من ذلك الشخص ان يدفع عنه زكاة المال و لم يذكر التبرع، فدفعها ذلك الشخص عنه، جاز له ان يرجع على المالك بالزكاة التي طلب دفعها عنه.

المسألة 237:

إذا وكل المالك رجلا في إيتاء زكاته عنه، أو وكّله في إيصال زكاته الى المستحق، فالمدار في براءة ذمة المالك من الوجوب على وثوقه بان الوكيل أوصل الزكاة إلى الفقير المستحق، سواء كان الوكيل عدلا أم لا، و تلاحظ المسألة المائتان و السابعة و العشرون.

المسألة 238:

لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بين ما وجب على المكلف أولا و ما وجب بعده، فيجوز للمكلف أن يدفع زكاة السنة الحاضرة قبل زكاة السنة الماضية إذا كان مشغول الذمة بهما معا، و كذلك إذا حال الحول على النصاب من الأنعام أو من النقدين فتعلق وجوب الزكاة به، ثم تعلق الوجوب بالغلة بعد ذلك، فيجوز له ان يدفع زكاة الغلة قبل زكاة الأنعام أو النقدين.

المسألة 239:

لا يعطى الفقير- على الأحوط- من سهم الفقراء من الزكاة ليحج بالمبلغ المدفوع اليه أو ليعتمر به أو ليزور، أو ليؤدي به بعض القربات الأخرى، و يجوز ان يعطى لذلك من سهم سبيل الله.

المسألة 240:

إذا وكل المالك المكلف بالزكاة رجلا فقيرا في ان يدفع عنه زكاة ماله أو وكله في ان يوصل زكاته الى الفقراء، فان علم من القرائن الحافّة بالكلام ان وكالته عامة تشمل الدفع لنفسه و الإيصال إليه صح له أن يأخذ لنفسه نصيبا من الزكاة الموكل بدفعها أو بإيصالها، و ان لم يعلم ذلك لم يجز له ان يأخذ منها شيئا.

المسألة 241:

إذا أعطي الفقير من الزكاة نصابا زكويا تاما و حال عليه الحول و هو في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 226

ملكه، وجب عليه إخراج زكاته إذا كانت الشرائط مجتمعة فيه.

المسألة 242:

يجوز على الأقوى إعطاء الزكاة المالية، و إعطاء زكاة الفطرة إلى الفقير و ان كان ممن يسأل الناس بكفه.

المسألة 243:

يستحب لمن يدفع الزكاة من أرباب المال: ان يميز أهل الفضيلة و العلم و أهل الفقه و التقوى و أهل العقل و الاتزان بزيادة نصيبهم من الزكاة على من سواهم، و أن يلاحظ مراتبهم في ذلك، و أن يرجّح الأرحام و الأقرباء على غيرهم، و أن يوفر المتعففين على من سواهم، و من لا يسأل من الفقراء على أهل المسألة منهم، و يستحب له أن يصرف صدقة المواشي الى أهل التجمل، و إذا زاحم هذه الجهات ما هو أكثر أهمية منها قدّمه عليها.

و يستحب للفقيه أو العامل في الزكاة، أو الفقير المستحق أو وكيله إذا أخذ الزكاة ان يدعو لمالك المال، و يتأكد ذلك و يكون أحوط للفقيه إذا أخذ الزكاة بحسب ولايته على الفقراء.

المسألة 244:

دفع الزكاة الواجبة جهرا أفضل من دفعها سرا، و دفع الصدقات المندوبة في السّر أفضل من الجهر بها.

المسألة 245:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 2، ص: 226

يكره لصاحب المال ان يطلب تملّك ما أخرجه في زكاته و في صدقاته الواجبة أو المندوبة بشراء و نحوه من المعاملات، و لا كراهة إذا عاد المال اليه بميراث أن يبقيه في ملكه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 227

الفصل التاسع في زكاة الفطرة

المسألة 246:

يشترط في وجوب زكاة الفطرة على الإنسان أن تجتمع فيه عدة أمور.

(الأول): أن يكون مكلفا، فلا يجب على الصبي غير البالغ، و لا على المجنون غير العاقل أداء زكاة الفطرة عن نفسه و لا عمّن يعول به، و لا يجب على وليهما الشرعي أن يؤدي هذه الزكاة من مالهما بحسب ولايته عليهما عنهما و عمن يعولان به، و إذا كان الصبي أو المجنون عيالا على الولي أو على غيره وجب على المعيل بهما أداء الفطرة عنهما.

المسألة 247:

(الشرط الثاني) في وجوب الفطرة: أن يكون المكلف غير مغمى عليه عند هلال شهر شوال، و قد نسب القول باشتراط ذلك الى الأصحاب، و هو مشكل، فلا يترك الاحتياط.

المسألة 248:

(الشرط الثالث) في وجوبها: أن يكون الشخص حرّا، فلا تجب هذه الزكاة على العبد المملوك إذا كان قنّا أو مدبّرا أو كانت الأمة أم ولد لسيّدها، و الأحوط للعبد إذا كان مبعّضا قد أعتق بعضه أو كان مكاتبا قد كاتبه سيده على أداء مبلغ من المال ليكون بذلك حرّا، سواء كانت مكاتبته إياه مطلقة أم مشروطة، أن يؤديا زكاة الفطرة عنهما و عمّن يعولان به.

المسألة 249:

(الشرط الرابع) في وجوبها: أن يكون المكلف غنيّا، و هو الذي يملك بالفعل أو بالقوة قوت سنة تامة لنفسه و لعياله، فلا تجب الفطرة على من لا يملك ذلك، و قد سبق بيان هذا في المسألة المائة و الحادية و الثلاثين، و تجب زكاة الفطرة على من ملك قوت سنته على الوجه الذي بيّناه و ان كان مدينا، فلا يكون الدين مانعا من وجوب الفطرة عليه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 228

المسألة 250:

تجب زكاة الفطرة على الكافر و ان كان لا يصح منه أداؤها، و للحاكم الشرعي مع الإمكان و القدرة أن يأخذها منه في حال كفره، و إذا أمكن للحاكم ذلك و أخذها منه تولى الحاكم نية أخذ الزكاة و دفعها للمستحق.

و إذا أسلم الكافر بعد هلال شهر شوال سقط عنه وجوب أدائها، و لا يسقط وجوب الفطرة عن المخالف في المذهب إذا ترك مذهبه و اعتنق مذهب الشيعة بعد هلال العيد، فيجب عليه أداء الفطرة إذا لم يخرج وقتها.

المسألة 251:

دفع هذه الزكاة من العبادات فلا بد فيها من النية، و لا تصحّ إلا بقصد القربة كسائر العبادات، و لا يعتبر فيها قصد الوجوب أو الندب على نهج ما ذكرناه في إيتاء زكاة المال.

المسألة 252:

يستحب للفقير الذي لا يملك قوت سنته أن يخرج زكاة الفطرة عن نفسه و عن عياله، و إذا ملك صاعا واحدا من الطعام لا أكثر، استحب له أن يتصدق بالصاع على بعض عياله، و يتصدق به هذا على الثاني منهم، و هكذا حتى يدور التصدق بالصاع على جميع عياله، ثم يتصدق به على فقير أجنبي، و يتولى الولي الأخذ و العطاء عن الصغير و المجنون منهم.

المسألة 253:

إذا أدرك الإنسان المكلف آخر جزء من شهر رمضان إلى أول جزء من ليلة هلال العيد و هو جامع لشروط وجوب الفطرة التي تقدم ذكرها، وجبت عليه الفطرة، و لا تجب عليه هذه الزكاة إذا لم يدرك ذلك، ففقد بعض الشرائط المذكورة في ذلك الوقت، سواء اجتمعت له الشرائط في ما قبل ذلك أو في ما بعده أم لم تجتمع له.

المسألة 254:

إذا بلغ الصبي الحلم، أو أفاق المجنون من جنونه، أو أسلم الكافر من كفره، أو أعتق العبد المملوك من رقه، أو ملك الفقير قوت سنته و استغنى، بعد أن غربت الشمس من ليلة الفطر الى ما قبل الزوال من نهار يوم العيد لم تجب عليه الفطرة كما قلنا، و استحب له إخراجها عن نفسه و عمّن يعول به.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 229

المسألة 255:

إذا تمت الشروط التي ذكرناها في المكلّف، وجب عليه إخراج زكاة الفطرة عن نفسه و عن كل فرد ممن يعول به، سواء كان الفرد ممن تجب نفقته على المكلف أم لا، و سواء كان من أرحامه أم أجنبيّا عنه، و سواء كان ذكرا أم أنثى، و كبيرا أم صغيرا، و حرّا أم مملوكا له أم لغيره، و مسلما أم كافرا، و حتى الضيف النازل به إذا صدق في نظر أهل العرف أنه ممن يعول به مضيّفه و لو مؤقتا، و المدار في جميع من ذكرناه أن يكون الفرد منهم ممن يعول به المكلّف في جزء من شهر رمضان الى دخول ليلة الفطر.

المسألة 256:

لا تجب على المضيّف فطرة ضيفه إذا لم يصدق عليه، أنه ممن يعول به، بل تجب فطرته على نفسه أو على من يعول به إذا كان من عيال شخص آخر، و لا تجب فطرته على المضيّف إذا نزل به بعد دخول ليلة الفطر، أو مقارنا لغروب الشمس منها، و ان كان ممن يعدّ من عياله عرفا أو كان مدعوّا للضيافة عنده قبل ذلك، و لا تجب على صاحب المنزل فطرة من يدعوه للوليمة و ان حضر قبل دخول الليلة.

المسألة 257:

إذا ولد للمكلف مولود قبل غروب الشمس من آخر شهر رمضان وجبت على المكلف فطرته، و كذلك إذا كان المولود بعض عياله فكان هو المنفق على مرضعته أو كانت المرضعة مستأجرة من ماله، و كذلك إذا تزوج امرأة أو ملك عبدا، أو استأجر خادما، بحيث دخل المذكورون في ضمن من يعول به قبل غروب الشمس من آخر شهر رمضان فتجب عليه فطرتهم.

و إذا كانت ولادة المولود و الزواج بالمرأة و تملك المملوك بعد غروب الشمس من ليلة الفطر أو مقارنا له لم تجب على الشخص فطرتهم، و يستحب له إخراج الفطرة عنهم إذا تحقق دخولهم في ضمن عائلته بعد الغروب أو قبل زوال الشمس من يوم الفطر.

المسألة 258:

إذا وجبت فطرة الإنسان على غيره لضيافة أو غيرها مما يوجب دخوله في ضمن عياله لم يجب عليه إخراج فطرة أخرى عن نفسه، و ان كان ممن تجب عليه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 230

الفطرة لو كان منفردا، فان لم يؤد المعيل الفطرة عنه عاصيا أو ناسيا أو غافلا، و علم الرجل المعال به بأن المعيل لم يؤد فطرته، فلا يترك الاحتياط بإخراج الفطرة عن نفسه إذا كان غنيا.

المسألة 259:

إذا كان المعيل فقيرا لا تجب عليه الفطرة لفقره، و كان الشخص المعال به غنيّا كالضيف الغني إذا أضافه الفقير، و كالمرأة الغنية إذا تزوجها فقير، وجب على المعال به إخراج الفطرة عن نفسه، و لا يسقط عنه الوجوب إذا تكلف المعيل الفقير فأدّى الفطرة عنه، و إذا أخرج الفقير المعيل الفطرة في هذه الصورة، و قصد بإخراجه التبرع عن المعال به سقطت الفطرة عنه بذلك.

المسألة 260:

تجب فطرة الزوجة على زوجها إذا كانت ممن يعول به الزوج بالفعل، حتى إذا كانت متمتعا بها أو كانت غير واجبة النفقة على الزوج لسبب اقتضى ذلك، و تسقط فطرتها عنه إذا كانت ممن لا يعول به بالفعل و ان كانت ممن تجب نفقتها عليه، و كذلك الحكم في العبد المملوك و غيره من واجبي النفقة، فالمدار في وجوب الفطرة على كونه ممن يعول به بالفعل لا على وجوب نفقته.

و إذا عال بالمرأة المتزوجة غير زوجها، وجبت فطرتها على ذلك المعيل إذا كان غنيا، و كذلك المملوك إذا عال به غير مالكه، فتجب فطرته على المعيل به، و إذا انفردت الزوجة فلم يعل بها زوجها و لا غيره، وجبت فطرتها على نفسها إذا كانت غنية.

المسألة 261:

إذا أنفق الولي الشرعي على الطفل أو المجنون من مالهما، لم تجب فطرتهما على الولي و لا عليهما.

المسألة 262:

يجوز للمكلف أن يوكل غيره إذا كان ثقة في دفع الفطرة الواجبة عليه من مال المكلف نفسه، و يجوز أن يوكله في إيصال الفطرة إلى الفقير، فإذا وكله في دفع الفطرة عنه تولى الوكيل النية عند دفع الفطرة إلى الفقير، و إذا وكله في الإيصال تولى المكلف بنفسه النية، فينوي الإيصال إلى الفقير بالدفع الى الوكيل، و قد ذكرنا مثل هذا في زكاة المال، و يجوز للمكلف أن يأذن للثقة في دفع الفطرة عنه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 231

من مال ذلك الثقة المأذون، فيتولى المأذون النية عنه كما في الصورة الأولى.

و لا يكفي مجرد توكيله لأحد أو الإذن له في براءة ذمة المكلّف من الوجوب ما لم يحصل له الوثوق بالإيصال إلى الفقير، و قد ذكرنا نظير هذا في زكاة المال.

المسألة 263:

إذا وجبت على المكلف فطرة غيره من ضيف أو أجير أو غيرهما، فأخرج ذلك الشخص المعال به الفطرة عن نفسه لم يجز ذلك عن المكلّف المعيل، و لم يسقط عنه الوجوب، و لا يكون ما دفعه عن نفسه فطرة، و هو غير مكلّف بها، إلا إذا قصد التبرع بما دفعه عن المكلّف المعيل، فيجزي عنه حين ذلك، و قد تقدّم مثل هذا الحكم في المسألة المائتين و التاسعة و الخمسين.

المسألة 264:

تحرم على الهاشمي فطرة غير الهاشمي، فلا يجوز له أن يأخذها منه و لا تجزي عن الدافع إذا دفعها إليه، و قد ذكرنا نظير هذا في زكاة المال، و لا فرق بين الرجل و المرأة، و تجوز فطرة الهاشمي للهاشمي، و يجوز للهاشمي دفع فطرته الى غيره.

المسألة 265:

المدار في الحكم الذي بيناه في المسألة الماضية على الشخص المعيل لا على من يعول به، فإذا كان الرجل المعيل غير هاشمي و كانت زوجته مثلا هاشمية، لم يجز له أن يدفع فطرتها إلى هاشمي، و إذا كان الرجل المعيل هاشميا و كانت زوجته غير هاشمية جاز له أن يدفع فطرتها إلى هاشمي و كذلك فطرة الآخرين غير الهاشميين من عياله، فيجوز له دفعها الى هاشمي.

المسألة 266:

المدار في وجوب فطرة الغير على المكلّف هو أن يكون ذلك الشخص ممن يعول المكلّف به، سواء كان مقيما معه في منزله أم كان في منزل آخر، و سواء كان معه في بلده أم كان في بلد آخر، فإذا كانت للرجل زوجة أو ولد أو مملوك أو غيرهم يقيمون في غير منزله أو في غير بلده، و كانوا ممن يعول ذلك الرجل بهم و ينفق عليهم من ماله وجبت عليه فطرتهم.

و إذا سافر الرجل عن أهله و تركهم في بلده و خلّف عندهم ما ينفقون منه على أنفسهم من ماله، وجبت عليه فطرتهم.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 232

المسألة 267:

إذا عال بالمرأة المتزوجة شخص آخر غير زوجها و كان المعيل بها فقيرا لا تجب عليه زكاة الفطرة لفقره أو كان عاصيا لا يؤدّي الفطرة عنها، فالأحوط لزوجها أن يدفع الفطرة عنها و ان لم يكن معيلا بها، و كذلك إذا كانت الزوجة منفردة ليست في عيال زوجها و لا في عيال غيره، و كانت فقيرة لا تؤدي الفطرة عن نفسها لفقرها، فالأحوط للزوج أن يدفع الفطرة عنها.

و كذلك الحكم في العبد المملوك إذا كان المعيل به غير سيّده، و كان المعيل فقيرا لا تجب عليه الفطرة، أو كان عاصيا لا يؤديها، أو لم يكن المملوك في عيال أحد، فالأحوط لسيده أن يؤدي الفطرة عنه.

المسألة 268:

يجب على المكلف أن يخرج الفطرة عن عياله و ان كان غائبا عنهم، و يجوز له أن يوكل بعضهم أو بعض الناس الآخرين فيخرج الوكيل فطرتهم من أموال المكلّف، و يجوز له أن يأذن له بذلك، و إذا وكل أحدا أو أذن له بإخراج الفطرة، فلا تبرأ ذمة المكلف من التكليف إلا إذا حصل له الوثوق بأن الوكيل أو المأذون قد أدى ما وجب عليه.

المسألة 269:

إذا كان الشخص ممن يعول به كافلان من الناس، وجبت فطرته على المعيلين به معا إذا كانا موسرين، و تكون الفطرة بينهما على نحو الاشتراك، و مثال ذلك: أن يكون للأب و الأم ولدان غنيان يعولان بهما، فتجب الفطرة على كل من الولدين، و يشتركان في دفع الصاع الذي يجب إخراجه عن الأب، و الصاع الذي يجب إخراجه عن الأم، و الأحوط للكافلين أن يتفقا في الجنس الذي يخرجان عن الفرد من حنطة أو شعير أو غيرهما.

و إذا كان أحد المعيلين غنيّا و الثاني فقيرا، وجب على الغني أن يخرج حصته من صاع الفطرة على الأحوط، و سقط الوجوب عن الفقير في حصته، و إذا كانا معسرين معا سقط الوجوب عنهما معا.

المسألة 270:

لا يكفي على الظاهر في عدّ الشخص عيالا للمكلف في نظر أهل العرف أن يبذل له المكلف من المال ما يكفيه في النفقة، بل يعتبر في عدّه عيالا أن يكون تابعا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 233

للمعيل في نظر أهل العرف.

المسألة 271:

تجب فطرة الرضيع على أبيه إذا كان أبوه هو المنفق على مرضعة الطفل و ان كانت المرضعة غير أمه، أو كانت المرضعة مستأجرة لرضاعه من مال الأب، و ان كان المنفق على المرضعة غيره، و كذلك الحكم في طفل غيره، فإذا كان الشخص هو الذي ينفق على المرضعة، أو كان هو الذي استأجرها لإرضاع الطفل من ماله ففطرة الطفل عليه، و قد سبقت الإشارة الى هذا في المسألة المائتين و السابعة و الخمسين.

و إذا كانت نفقة المرضعة من مال الرضيع نفسه، أو كانت مستأجرة لرضاعه من ماله، لم تجب فطرة الطفل على أحد، و ان كان القائم بنفقتها أبا الطفل أو قريبه.

المسألة 272:

لا يجب إخراج الفطرة عن الجنين في بطن أمه، إذا لم يولد قبل غروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان، و إذا ولد في ليلة الفطر أو في يوم الفطر قبل زوال الشمس منه، استحب إخراج الفطرة عنه، و قد سبق منا ذكر هذا.

المسألة 273:

يجب على المعيل أن يخرج زكاة الفطرة عن جميع من يعول به، و ان كان إنفاقه عليهم من مال حرام أو مغصوب.

المسألة 274:

إذا دفع الرجل المال الى عياله لينفقوه على أنفسهم، فلم يصرفوا المال المدفوع إليهم في النفقة، و صرفوا على أنفسهم من غير ماله، وجبت الفطرة عليه بعد صدق العيلولة و التبعية له عرفا بالدفع إليهم.

المسألة 275:

إذا مات المكلف بعد طلوع الفجر من يوم الفطر وجب إخراج الفطرة من تركته، عنه و عمّن يعول به، و كذلك إذا مات بعد غروب الشمس من ليلة الفطر و قبل طلوع الفجر على الأحوط، و إذا مات قبل أن تغرب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان لم يجب في التركة شي ء.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 234

المسألة 276:

إذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا، أو طلاقا بائنا، فالمدار في الحكم بوجوب فطرة المطلقة على الرجل و عدم وجوبها على وجود العيلولة بها و عدمه، فان كانت المطلقة من عيال الرجل وجبت عليه فطرتها و ان كان طلاقها بائنا، و ان لم تكن من عياله لم تجب عليه فطرتها، و ان كانت رجعيّة أو حاملا منه.

الفصل العاشر في جنس زكاة الفطرة و مقدارها

المسألة 277:

الضابط في الجنس الذي يجب أداء هذه الزكاة منه أن يكون قوتا في الجملة، من الأقوات الغالبة بين الناس في بلد المكلف، سواء كان من الأجناس المعروفة، كالحنطة و الشعير و الأرز و التمر و الزبيب، و الدخن و الذرة، أم كان من الأجناس غير المعروفة في البلاد الأخرى، و يراد بكونه قوتا في الجملة غالبا في البلد، أن يكون كثير الوجود و التقوت به بين الناس في بلد المكلف، و ان لم يقتصر عليه، كالعدس و الماش و اللبن و الدقيق و الخبز.

المسألة 278:

الأفضل في زكاة الفطرة إخراج التمر ثم إخراج الزبيب، و ما كان انفع للفقير و أصلح لحاله، و إذا دفع المكلف بعض الأجناس الأخرى و قصد بما دفعه أن يكون قيمة للتمر أو الزبيب، لم تحصل له فضيلة نفس التمر أو الزبيب، فإذا أراد دفع القيمة، فالأفضل له أن يختار ما هو أنفع للفقير و أصلح لحاله.

المسألة 279:

يعتبر في الجنس الذي يدفعه المكلف في الفطرة أن يكون صحيحا على الأحوط، فلا يكفي ما يكون معيبا، و يشترط فيه أن يكون خالصا، فلا يكفي إذا كان ممزوجا بجنس آخر أو بتراب و ما يشبهه، و يكفي دفعه إذا كان الشي ء الممزوج به مما يتسامح به لقلته، كالحشف القليل في التمر، و الزوان القليل في الحنطة، و أمثال ذلك مما يتعارف وجوده في الأقوات الدارجة، و يكفي دفع الممزوج إذا كان الخالص من الجنس بمقدار الواجب أو يزيد عليه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 235

المسألة 280:

يكفي في أداء الواجب دفع القيمة لأحد الأجناس التي ذكرناها، إذا كانت القيمة المدفوعة من النقدين أو مما يعدّ بحكم الدراهم و الدنانير في كونه ثمنا رائجا في المعاملات كالأوراق النقدية، و النقود المسكوكة من النيكل و النحاس و شبهها، و يصح أن تكون القيمة من غير ذلك إذا كانت من غير جنس الفريضة، و إن كان الاقتصار على النقدين و ما هو بحكمهما أحوط استحبابا.

المسألة 281:

يجزي دفع الجنس المعيب، و الجنس الممزوج بغيره، و الجنس المشكوك في كفايته و عدمها، إذا دفع المكلف ذلك على أن يكون قيمة لما يريد إخراجه من الأجناس المجزية في زكاة الفطرة، و هذا إذا كانت القيمة من غير جنس الفريضة، و قد نبّهنا على هذا في ما تقدم.

المسألة 282:

إذا أراد المكلف أن يخرج القيمة عن أحد الأجناس المجزية في زكاة الفطرة، اعتبر قيمة ذلك الجنس وقت إخراج الفطرة، لا وقت وجوبها عليه، و اعتبر قيمته في بلد إخراج الفطرة لا في بلد المكلف أو أي بلد آخر.

المسألة 283:

يصح للمكلف أن يخرج الفطرة عن نفسه من جنس، و عن عياله من جنس آخر، و يجوز له أن يعدّد الأجناس بعدد من يعول به من الأفراد، فيخرج عن كل فرد منهم صاعا من جنس غير أجناس الآخرين، و يجوز له أن يدفع عن بعضهم الجنس و عن بعضهم القيمة.

المسألة 284:

المقدار الذي يجب على الإنسان إخراجه في زكاة الفطرة عن نفسه و عن كل فرد ممن يعول به هو صاع واحد من أي جنس أراد إخراجه من الأجناس المتقدم ذكرها.

و الصاع أربعة أمداد بالمدّ الشرعي، و هو عبارة أخرى عن تسعة أرطال بالرطل العراقي، و يبلغ وزنه ألفا و مائة و سبعين درهما بالدراهم الشرعية، و يكون تسعمائة و واحدا و عشرين درهما و ثلاثة أثمان الدرهم بالدراهم المتعارفة في السوق، و هو أيضا عبارة عن ثمانمائة و تسعة عشر مثقالا بالمثاقيل الشرعية،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 236

فيكون ستمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع المثقال بالمثاقيل الصيرفية.

و على هذا التحديد فيكون وزن الصاع بحساب الحقة الاسلامبولية المعروفة، عبارة عن حقتين اسلامبوليتين و ربع حقة، و يزيد على ذلك بواحد و عشرين درهما و ثلاثة أثمان الدرهم من الدراهم المتعارفة.

و الحقة الاسلامبولية الواحدة تساوي أربعمائة درهم متعارف، و تزن مائتين و ستة و ستين مثقالا صيرفيا و ثلثي المثقال على الأصح.

و الصاع بحسب الحقة الكبيرة المعروفة في مدينة النجف و توابعها يبلغ نصف حقة و ثمن حقة و يزيد على ذلك بواحد و ثلاثين مثقالا صيرفيا إلا حمصتين، و الحقة الكبيرة المذكورة تزن تسعمائة و ثلاثة و ثلاثين مثقالا صيرفيا و ثلث المثقال.

و الصاع بحسب المن الشاهي المعروف في بلاد إيران يزن نصف منّ و

ينقص عنه بخمسة و عشرين مثقالا صيرفيا و ثلاثة أرباع المثقال، و المن الشاهي المذكور يساوي ألفا و مائتين و ثمانين مثقالا صيرفيا.

و الصاع بحسب الربعة المعروفة في البحرين- و هي أربعمائة مثقال صيرفي- يكون ربعة واحدة و نصف ربعة و أربعة عشر مثقالا صيرفيا و ثلاثة أرباع المثقال.

و الصاع بحسب الكيلو غرام- و هو الوزن الغربي المعروف في أكثر البلاد- يبلغ كيلوين و يزيد عليهما بتسعمائة و ثمانية و أربعين غراما و خمسي الغرام، فمن دفع في فطرته ثلاثة كيلوات فقد زاد على الصاع واحدا و خمسين غراما و نصفا على وجه التقريب.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 237

الفصل الحادي عشر في وقت وجوب الفطرة و مصرفها

المسألة 285:

وقت وجوب زكاة الفطرة هو دخول ليلة الفطر على الأحوط، و اما وقت إخراجها فهو يوم الفطر، فلا يخرجها المكلف ليلا إلا من باب التقديم، و إذا مات المكلف قبل الفجر أخرجت من تركته احتياطا كما ذكرنا في المسألة المائتين و الخامسة و السبعين، و يستمر وقت إخراج زكاة الفطرة إلى زوال الشمس من نهار يوم الفطر، و لكن الأحوط أن لا يؤخر دفعها أو عزلها عن صلاة العيد، و ان صلّاها في أول وقتها.

المسألة 286:

إذا عزل المكلف فطرته الواجبة عليه في وقتها صحت، و وجب عليه دفعها الى المستحق و ان خرج الوقت، بل و ان تأخر دفعها يوما أو أياما أو أكثر، سواء كان معذورا في تأخيرها أم لا.

و إذا هو لم يدفع الفطرة و لم يعزلها حتى زالت الشمس و خرج وقتها، فالأقوى عدم سقوطها عنه فيجب عليه دفعها، و الأحوط له أن يؤديها بقصد القربة و لا يتعرض عند الدفع لنية الأداء و القضاء.

المسألة 287:

لا يبعد جواز تقديم الفطرة من أول شهر رمضان، و إذا قدّمها المكلف فالأحوط له أن لا ينوي الوجوب بها إلّا في يوم الفطر، و لا يجوز له أن يقدّمها قبل شهر رمضان، و إذا أراد ذلك لبعض الدواعي- كما إذا خاف عدم وجود أجناس الزكاة لديه إذا لم يدفعها في ذلك الوقت أو خاف عدم تيسّر المال عنده- دفع المال للفقير قرضا، ثم احتسبه عليه في يوم العيد فطرة إذا بقي الفقير على صفة الاستحقاق.

المسألة 288:

عزل الفطرة هو أن يفردها المكلف عن سائر أمواله، سواء كانت من الأجناس المجزية في الفطرة، أم من القيمة و ينويها فطرة حين عزلها في الوقت،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 238

و الأقوى لزوم تجديد النية عند ما يدفعها للمستحق، و يصح للمكلف أن يعزل بعض فطرته فيكون لهذا البعض حكم الفطرة المعزولة، و يكون لبقية فطرته حكم غير المعزولة.

و تشكل صحة العزل إذا جعلها في مال أكثر منها، بحيث يكون المال المعزول مشتركا بين المكلف و الزكاة. و يجوز له أن يعينها في مال مشترك بينه و بين غيره إذا كانت حصته من المال بقدر الفطرة أو أقل منها، فينوي أن حصته التي يملكها من المال فطرة، و يكون ذلك عزلا لها في ضمن ذلك المال.

المسألة 289:

إذا عزل المكلف فطرته و عينها في مال مخصوص لم يجز له ان يبدلها بعد العزل بعين أخرى.

المسألة 290:

إذا عزل المكلف الفطرة و لم يدفعها الى المستحق بعد عزلها فتلفت العين المعزولة، فإن كان تأخير دفعها لعدم وجود المستحق أو لعدم تمكنه من الدفع لبعض العوارض المانعة منه فلا ضمان عليه للعين التالفة، و ان أخر الدفع مع تمكنه منه كان ضامنا لها على الأحوط.

المسألة 291:

إذا عزل المكلف الفطرة فالأحوط له ان لا ينقلها بعد العزل الى بلد آخر مع وجود من يستحق الفطرة في البلد الذي عزلها فيه، بل و ان كان المكلف قد عزلها في بلد، ثم أراد أن ينقلها الى بلده، و إذا نقلها الى بلده أو الى بلد آخر فتلفت كان ضامنا لها على الأحوط.

المسألة 292:

الأفضل ان يكون أداء الفطرة في البلد الذي وجبت على المكلف فيه الفطرة، إلا إذا استلزم ذلك نقل الفطرة إليه، فقد تقدم ان الأحوط عدم النقل.

المسألة 293:

مصرف زكاة الفطرة هو بذاته مصرف زكاة المال و قد تقدم ذكره مفصّلا، نعم يجوز دفع الفطرة إلى المستضعف من أهل الخلاف إذا لم يوجد المستحق من المؤمنين، فلا تدفع اليه مع وجود فقير مؤمن على الأحوط.

و يجوز صرف زكاة الفطرة على أطفال المؤمنين و يجوز تمليكهم إياها بدفعها

كلمة التقوى، ج 2، ص: 239

إلى أوليائهم، و قد سبق ذكر جميع ذلك في زكاة المال.

المسألة 294:

لا يشترط في من تدفع اليه زكاة الفطرة ان يكون عادلا، و لا يجوز ان تدفع الى من يستعين بها على فعل المعاصي و المحرمات و من يكون الدفع إليه إعانة على الإثم أو إغراء بالقبيح، أو دفعا لغيره على اتباع خطواته في ذلك، و يمنع على الأحوط من دفعها الى شارب الخمر و المتجاهر بالمحرمات الكبيرة أو بترك الواجبات، و ان لم يصرف مال الفطرة في شي ء من ذلك.

المسألة 295:

يجوز للمكلف أن يتولى دفع الفطرة بنفسه مباشرة، و أن يوكل غيره في إعطائها من ماله أو في إيصالها إلى المستحق بعد ان يعزلها هو بنفسه إذا كان الوكيل ثقة و قد ذكرنا هذا في المسألة المائتين و الثانية و الستين، و الأحوط أن يدفعها الى الفقيه الجامع للشرائط.

المسألة 296:

إذا طلب الفقيه الجامع للشرائط دفع الفطرة إليه، فإن كان طلبه على وجه الحكم به وجب الدفع اليه و لم يختص إنفاذ الحكم بمقلديه خاصة، بل يجب الدفع اليه عليهم و على غيرهم، و إذا كان طلبه إياها على سبيل الفتوى بالدفع إليه، فإن كانت الخصوصية التي لاحظها الفقيه تقتضي أن يكون الفقيه هو المباشر بنفسه لقسمة مال الفطرة، وجب على من يقلده دفع الزكاة اليه و لم يجب ذلك على غيرهم، و ان كانت الخصوصية التي لاحظها انما تقتضي تعيين مصرف خاص للفطرة، جاز للمالك من مقلدي ذلك الفقيه ان يتولى بنفسه دفع الفطرة لذلك المصرف الخاص الذي أراده مقلده، إذا أمكن له تعيين الخصوصية التي لاحظها الفقيه، و أوجب ان يكون الفقير المستحق متصفا بها، و لم يجب عليه إعطاؤها إلى الفقيه المقلد نفسه، و كذلك الحكم في زكاة المال.

المسألة 297:

لا يعطى الفقير المستحق الواحد أقل من صاع واحد على الأحوط لزوما، حتى إذا اجتمع من الفقراء المستحقين جماعة لا تسعهم الفطرة الموجودة إذا قسّمها المالك عليهم صاعا صاعا، فلا يدفع الى الفقير منها أقل من صاع و ان أوجب ذلك حرمان بعضهم، و يجوز ان يدفع للفقير أكثر من ذلك بل و ان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 240

أوجبت العطية غناه إذا كان الإعطاء له دفعة واحدة.

المسألة 298:

يستحب ترجيح الأرحام و الجيران و أهل الفضل و العلم و التقوى على من سواهم، فيفضلون على غيرهم في موارد القسمة، و يخصصون في مقامات التعيين، و عند تزاحمهم تلاحظ المرجحات.

المسألة 299:

إذا ادّعى الرجل انه فقير لم يصدّق قوله الا إذا ثبت فقره بعلم أو بيّنة، أو امارة توجب الوثوق بصدقه، أو يعلم بفقره سابقا فيستصحب فقره.

و الحمد لله رب العالمين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 241

كتاب الخمس

اشارة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 243

كتاب الخمس و هو: فرض فرضه الله سبحانه في صريح كتابه الكريم، و جعله للرسول (ص) و عترته و ذريته عوضا لهم عن الصدقات التي حرّمها عليهم، فقال تبارك اسمه وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ.، و ورد في الحديث عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع): (ان الله لا إله إلا هو حيث حرّم علينا الصدقة، أبدلنا بها الخمس، فالصدقة علينا حرام و الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال)، و عنه (ع): (لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئا ان يقول:

يا رب اشتريته بمالي، حتى يأذن له أهل الخمس).

و في هذا الكتاب ثلاثة فصول:

الفصل الأول في ما يجب فيه الخمس

المسألة الأولى:

يجب الخمس في سبعة أشياء: (الأول)، الغنائم التي يغتنمها المسلمون من الكفار بالقتال، إذا كانت الحرب معهم بإذن الإمام المعصوم (ع)، و المراد بالغنائم كل ما يستولي عليه المسلمون من أموال الكفار و أشيائهم بسبب الحرب معهم، و لا تختص بما يحويه الجيش المقاتل لهم من الأموال، نعم، في تعلق وجوب الخمس بالأرض و الأشجار و المساكن التي يأخذها المسلمون منهم نظر.

و إذا كان القتال مع الكفار بغير إذن الإمام (ع) فالغنيمة التي تؤخذ منهم كلها للإمام (ع)، من غير فرق بين زمان ظهور الإمام و زمان غيبته (ع)، و من غير فرق بين أن تكون الحرب معهم لامتناعهم عن الاستجابة للإسلام بعد دعوتهم إليه و غير ذلك.

و من الغنائم التي يجب فيها الخمس أيضا ما يأخذه المسلمون من الكفار في الحروب الدفاعية التي يبدأ الكفار فيها بقتال المسلمين فيدافع المسلمون بها

عن أرضهم و أوطانهم، سواء كانت في ظهور الإمام (ع) أم في غيبته.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 244

و من الغنائم أيضا الفداء الذي يؤخذ من الكفار عن بعض الأسرى أو غيرهم إذا كان ذلك بعد المقاتلة لهم و الغلبة عليهم، و منها الجزية التي يبذلها الكفار للسرية المجاهدة من المسلمين و ما يصالحون به من الأموال لكفّ الحرب عنهم، و إذا كان ذلك من غير قتال و غلبة، جرى فيه حكم الفوائد و أرباح المكاسب، فيجب الخمس في ما يزيد منه على مئونة السنة كما سيأتي بيانه.

المسألة الثانية:

الظاهر ان الحكم في ما يؤخذ من الكفار الحربيين للإسلام بالسرقة و النهب من أموالهم، أو بالاغتيال أو بالربا و أمثال ذلك من أساليب الاستيلاء على أموالهم هو حكم أرباح المكاسب، فيعتبر في وجوب الخمس فيه ان يزيد على مئونة السنة لمن يستولي عليه من المسلمين.

المسألة الثالثة:

يجب الخمس في غنائم الحرب الآنف ذكرها في المسألة الأولى بعد إخراج النفقات و المصارف التي تصرف على الغنيمة في ما تحتاج إليه من حفظ و حراسة، و نقل من موضع إلى موضع و رعاية، و من مأكل و مشرب إذا كانت من الإنسان أو الحيوان و غير ذلك، و بعد إخراج ما يجعله الإمام من أعيان الغنيمة لبعض المجاهدين أو غيرهم مكافأة له على عمل يقوم به في أثناء الجهاد أو الدفاع، أو على أمر دبّره، أو غير ذلك من وجوه المصالح في الحرب، و بعد إخراج ما يصطفيه الإمام (ع) لنفسه من الغنيمة، و ما من شأنه أن يختص به إمام المسلمين (ع).

المسألة الرابعة:

لا يدخل في غنائم الحرب ما يوجد في أيدي الكفار مغصوبا من مسلم، أو من كافر داخل في ذمة الإسلام، أو معاهد له، أو شبه أولئك من الذين تحترم أموالهم في دين الله، و إذا وجد شي ء من ذلك بين أعيان الغنيمة وجب أن يحفظ و يرد إلى أهله، و كذلك الأموال غير المغصوبة إذا اتفق وجودها عند الكفار من ودائع و أمانات و أعيان مستأجرة أو مبيعة و نحو ذلك.

المسألة الخامسة:

إذا وجد في الغنيمة بعض الأموال المغصوبة أو غير المغصوبة لكفار محاربين للإسلام أيضا، غير ان هذه الحرب لم تكن معهم، جاز أخذ تلك الأموال، و لا ريب في وجوب الخمس فيه، و هل يعد ذلك من غنائم الحرب فيجب الخمس فيه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 245

قبل إخراج مئونة السنة للمكلّف؟ أو يعدّ من الفوائد و أرباح المكاسب الداخلة عليه، فيجب الخمس في ما زاد منه على مئونة السنة؟ الأحوط الأول.

المسألة السادسة:

يباح ما يؤخذ من أموال الناصب الذي ثبت نصبه أينما وجده المؤمن، و يخرج خمس المال على الأحوط قبل مئونة السنة كما في الغنيمة.

المسألة السابعة:

إذا خرج البغاة و حاربهم المسلمون ليردّوهم إلى الطاعة، فإن كانوا من النصّاب جاز أخذ أموالهم، و جرى فيها حكم غنائم الحرب فوجب فيها إخراج الخمس، و قد ذكرنا هذا في المسألة السادسة، و ان لم يكونوا من النصّاب أشكل الحكم بحل أموالهم.

المسألة الثامنة:

يجب إخراج الخمس من غنيمة الحرب و ان كانت أقل من النصاب، و مقدار النصاب عشرون دينارا شرعيا من الذهب، فلا يشترط في وجوب الخمس في الغنيمة أن تبلغ هذا المقدار.

المسألة التاسعة:

إذا قتل الشخص المسلم أحدا من الكفار كان سلب ذلك المقتول من الغنيمة و لا يختص به قاتله، فيجب فيه الخمس كسائر أعيان الغنيمة، و إذا جعل الولي العام لأمور المسلمين سلب المقتول لمن يقتله اختص به قاتله دون غيره، فان جعله للقاتل على وجه الإطلاق و لم يذكر الخمس دفع السلب إليه، و كان على القاتل أداء خمسه، و إن جعله له بلا خمس وجب ان يخرج خمس السلب من بيت المال ثم يدفع للقاتل.

المسألة العاشرة:

الثاني من الأشياء التي يجب فيها الخمس: المعدن، كالذهب و الفضة و النحاس و الحديد و الرصاص، و العقيق و الياقوت، و الزبرجد و الفيروزج، و الكبريت و النفط، و القير، و الزيبق، و الملح، و الزرنيخ، و غيرها مما يصدق كونه من المعادن.

و اما الجص و النورة، و حجر الرحى، و طين غسل الرأس و الطين الأرمني، و المغرة، و هي الطين الأحمر، فالأحوط استحبابا اجراء حكم المعدن عليها، و ان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 246

كان الأقوى انها من أرباح المكاسب، فيجب الخمس في ما زاد منها على مئونة السنة، و لا يعتبر فيها ان تبلغ مقدار النصاب المعتبر في خمس المعدن و سيأتي بيان هذا في المسألة الثانية عشرة.

المسألة 11:

يجب إخراج الخمس من المعدن، سواء عثر عليه في أرض مملوكة للواجد أم في أرض مباحة، و سواء كان الواجد له مسلما أم كافرا و ان كان حربيا، و سواء كان بالغا أم صغيرا، و عاقلا أم مجنونا فيجب على ولي الصغير و المجنون إخراج خمسه إذا بلغ مقدار النصاب.

و إذا كان مخرج المعدن كافرا و لم يؤد خمس المعدن باختياره جاز للحاكم الشرعي مع القدرة أن يجبره على تأديته، و إذا أسلم وجب عليه أداء الخمس إذا كانت العين موجودة، و سقط عنه الوجوب إذا كانت العين تالفة.

المسألة 12:

يشترط في وجوب الخمس من المعدن أن يبلغ ما أخرجه الواجد منه مقدار النصاب، و هو أن تكون قيمته عشرين دينارا شرعيا من الذهب، و لو قبل مئونة إخراجه و تصفيته، فإذا بلغ ذلك تعلّق به الخمس، و لكن الخمس يخرج منه بعد استثناء المئونة، و لا يجب الخمس إذا كان ما أخرجه أقل من ذلك، و ان كان الأحوط استحبابا للمكلف أن يدفع الخمس و ان لم تبلغ قيمته المقدار المذكور.

المسألة 13:

إذا أخرج الشخص الذي وجد المعدن منه دفعات متعددة، و كان جميع الدفعات يعدّ إخراجا واحدا في نظر أهل العرف، كفى في وجوب الخمس فيه ان تبلغ قيمة مجموع الدفعات نصابا، سواء أعرض الرجل عنه بين الدفعات ثم عاد أم لم يعرض حتى أتمها، و إذا كانت الدفعات تعدّ إخراجا متعددا عند أهل العرف، اعتبر في كل إخراج أن يبلغ مقدار النصاب، فلا يجب الخمس في ما يكون أقل من ذلك، سواء أعرض عنه في الأثناء أم لم يعرض.

المسألة 14:

إذا اشترك جماعة متعددون من الناس في معدن واحد فأخرجوه إخراجا واحدا مشتركا في ما بينهم وجب الخمس عليهم إذا بلغ مجموع ما أخرجوه مقدار النصاب، و ان كانت حصة الواحد منهم لا تبلغ ذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 247

المسألة 15:

إذا كان المعدن مشتملا على جنسين أو أكثر، كفى في وجوب الخمس فيه ان يبلغ مجموع ما أخرج منه مقدار النصاب، و ان كانت قيمة كل جنس منه على انفراده دون النصاب.

المسألة 16:

إذا وجد المكلف الواحد معادن متعددة اعتبر في وجوب الخمس فيها، أن يبلغ ما أخرجه من كل معدن منها على انفراده نصابا تاما، سواء اتحد الجنس الذي أخرجه من تلك المعادن أم تعدد، فلا يجب الخمس في المعدن الذي لا يبلغ النصاب منها.

و إذا تقاربت المعادن المذكورة في المكان و اتّحد الجنس الذي أخرجه منها، بحيث كان ذلك موجبا لعد الجميع معدنا واحدا في نظر أهل العرف، كفى في وجوب الخمس أن يبلغ المجموع نصابا واحدا.

المسألة 17:

لا يكفي في أداء الواجب من خمس المعدن أن يخرج المكلف خمسا من مجموع تراب المعدن قبل أن يصفيه و يعلم بمقدار ما يحتوي عليه من جوهر ذلك المعدن، إلا إذا علم بان المقدار من التراب الذي أخرجه في الخمس يحتوي على خمس الجوهر الموجود في مجموع التراب أو يزيد عليه، و إذا شك في ذلك فلا بدّ من التصفية أو دفع ما يعلم بأنه يفي بالحق الواجب عليه.

المسألة 18:

إذا عثر الإنسان على معدن قد استخرج ما فيه من الجوهر أو استخرج مقدار منه، فوجد ذلك ظاهرا على وجه الأرض، فإن علم من القرائن الموجودة أو من أمارات أخرى ان مستخرج المعدن انسان و ان ذلك الإنسان الذي أخرجه قد قصد بفعله تملك ما في المعدن، كان ذلك المال الموجود من اللقطة، أو من مجهول المالك، فلا يتملكه واجده و لا يحلّ له و إن أخرج خمسه، و إذا أراد إخراج خمسه، فالأحوط أن يكون ذلك بمراجعة الحاكم الشرعي.

و إذا علم من القرائن الموجودة أو من دلائل أخرى ان الإنسان الذي استخرجه لم يقصد تملك المعدن بحيازته، أو علم بأنه قد اعرض عن المعدن بعد ان تملكه، فهو لواجده، و يجب عليه إخراج خمسه إذا علم بأن الذي استخرجه لم يؤد

كلمة التقوى، ج 2، ص: 248

خمسه، و كذلك إذا شك في أنه أخرج خمسه أو لا على الأحوط.

و كذلك الحكم إذا علم بأن المعدن قد أخرجه السيل أو المطر أو كشفه عاصف من الريح أو نبشه حيوان فهو لمن وجده، و يجب عليه إخراج خمسه، و إنما يجب الخمس في الفروض المذكورة إذا بلغ ما استخرج من المعدن مقدار النصاب.

المسألة 19:

إذا وجد معدن في أرض مملوكة، فهو ملك لمالك تلك الأرض بتبع أرضه، و إذا حازه احد غير مالك الأرض لم يملكه بحيازته، و إذا أخرجه ذلك الغير من الأرض بغير أمر مالكها فلا يثبت له حق على المالك بسبب إخراجه فليس له أن يطالبه بأجرة على عمله أو بمئونة إخراج، و على هذا فيجب على مالك الأرض أداء خمس مجموع المعدن إذا بلغ النصاب، إذ لا مئونة عليه في الفرض المذكور، و

إذا كان مالك الأرض هو الذي أخرج المعدن أو أخرجه غيره بأمره، أو كان محتاجا بعد إخراجه إلى عمل و تصفية، وجب الخمس على المالك بعد المئونة التي يتحملها.

المسألة 20:

إذا وجد المعدن في الأرض التي فتحها المسلمون من بلاد الكفار بالقتال، و كانت الأرض عامرة في وقت الفتح، فالمعدن مملوك لمن أخرجه إذا كان مسلما، و كان إخراجه للمعدن بإذن ولي أمر المسلمين و يجب عليه أداء خمسه، و كذلك الحكم إذا كانت الأرض التي وجد فيها المعدن من الأرض الموات في وقت الفتح، فالمعدن مملوك لمن أخرجه إذا كان مسلما و عليه أداء خمسه.

و إذا أخرج المعدن كافر من الأرض المفتوحة عنوة، ففي تملكه للمعدن إشكال، سواء كان في أرض معمورة في وقت الفتح أم في أرض موات، و كذلك الحال في المخرج المسلم إذا كان المعدن في الأرض المعمورة في حين الفتح، و كان إخراجه للمعدن بغير إذن ولي المسلمين، ففي تملكه للمعدن إشكال.

المسألة 21:

إذا استأجر الرجل عاملا ليستخرج له معدنا معيّنا، و حدّد في عقد الإجارة بينهما العمل المستأجر عليه، و المدّة و مقدار الأجرة، صحت الإجارة و ملك المستأجر على الأجير العمل له، فإذا استخرج العامل المعدن المعيّن و قصد بعمله

كلمة التقوى، ج 2، ص: 249

حيازة المستأجر للمعدن، ملك المستأجر المعدن الذي أخرجه و وجب عليه أداء خمسه بعد إخراج جميع المئونة التي أنفقها عليه، و منها أجرة الأجير.

و إذا كانت الأرض التي استخرج المعدن فيها مملوكة للمستأجر، فالمعدن مملوك له بتبع ملكه للأرض، و قد ذكرنا هذا في المسألة التاسعة عشرة، سواء قصد الأجير بعمله حيازة المعدن للمستأجر المالك أم لم يقصد ذلك، بل و ان قصد بعمله حيازة المعدن لنفسه، فان هذا القصد منه يقع لغوا و لا يؤثر شيئا، و كذلك إذا كان للمستأجر حق اختصاص في الأرض و ليس مالكا لها، كالأرض التي قد حجرها

فكان بذلك أولى بها من غيره، فلا يجوز للأجير أن يتصرف فيها بغير إذن المستأجر المحجر، و لا يملك المعدن الموجود فيها بالحيازة لنفسه.

المسألة 22:

إذا استأجر الرجل عاملا ليستخرج له المعدن كما فرضنا في المسألة المتقدمة، و حدّد له العمل المستأجر عليه و المدة و عيّن الأجرة، و كان المعدن الذي استأجره على إخراجه في أرض مباحة غير مملوكة و لا مختصة بالمستأجر و لا بأحد غيره، فإذا استخرج الأجير المعدن و قصد بعمله الحيازة للمستأجر، ملك المستأجر المعدن كما قلنا، و ملك العامل الأجرة المعيّنة على المستأجر، فيجب عليه خمس المعدن بعد أداء المئونة.

و إذا قصد الأجير بعمله حيازة المعدن لنفسه، فان كان الأجير في عقد الإجارة الواقع بينه و بين المستأجر قد ملّك المستأجر عمله في الإخراج و منفعته الخارجية فيه بالأجرة المعيّنة، لم يصح له أن يقصد بعمله تمليك المعدن لنفسه، بل يكون قصده هذا لغوا لا يؤثر شيئا بعد أن كان عمله الخارجي مملوكا للمستأجر بالعقد الجاري بينهما، و يكون المعدن مملوكا للمستأجر.

و إذا كان الأجير في العقد الواقع بينه و بين المستأجر قد ملّكه عملا في ذمته، و قصد بعمله في استخراج المعدن أن يسلّم المستأجر ما استحقه في ذمته من العمل المستأجر عليه، كان مقتضى ذلك أيضا أن يملك المستأجر المعدن، و إذا قصد الأجير مع ذلك حيازة المعدن لنفسه كان هذا القصد لغوا لا أثر له، فإنه نتيجة لعمله و هو مملوك للمستأجر حسب الفرض.

و إذا كان الأجير قد ملّك المستأجر عملا في ذمته، و لم يقصد بعمله في إخراج المعدن تسليم المستأجر ما استحقه في ذمته من العمل الذي استأجره عليه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 250

كما

قلنا في الفرض المتقدم، بل قصد بعمله حيازة ذلك المعدن لنفسه، فلا يبعد القول بصحة قصده في هذه الصورة، و يحكم بتملكه للمعدن إذا كان في أرض مباحة، و إن بقي مشغول الذمة للمستأجر بعمل الإجارة.

المسألة 23:

إذا شكّ المكلف في ان المقدار الذي أخرجه من المعدن يبلغ النصاب ليجب فيه الخمس أو لا يبلغ فلا يجب فيه شي ء، فالأحوط له الاختبار أو دفع الخمس، و ان كان الأقوى عدم وجوب ذلك.

المسألة 24:

الواجب في المعدن إنما هو إخراج الخمس من مادة الجوهر الذي يخرج من المعدن، فإذا عمل الإنسان في الجوهر عملا يوجب زيادة قيمته قبل أن يخرج خمسه، كما إذا صاغ تراب الذهب الذي أخرجه من المعدن فجعله حليا، أو حك الياقوت فصيّره عقدا أو فصّا، فالواجب عليه أن يخرج خمس المادة فعليه أن يقوّمها بمفردها و يؤدّي خمسها، نعم، يتعلق بما عمله خمس أرباح المكاسب إذا توفرت فيه شروط وجوب الخمس فيه، و سيأتي بيانها في الأمر السابع الذي يجب فيه الخمس.

المسألة 25:

الثالث من الأشياء التي يجب فيها الخمس: الكنز، و هو المال المذخور في أرض أو في جدار أو غيرهما سواء كان المال المذخور ذهبا أم فضة أم جوهرا أم غير ذلك مما يصدق عليه انه كنز في متفاهم أهل العرف، و سواء كان الذهب و الفضة مسكوكين أم لا، و سواء وجد الكنز في بلاد الإسلام أم في بلاد الكفر، إذا لم يعلم أنه مملوك لمسلم أو لكافر ذمي أو معاهد للإسلام، فيكون الكنز مملوكا لمن وجده، و يجب عليه ان يؤدي خمسه إذا بلغ مقدار النصاب.

المسألة 26:

إذا علم واجد الكنز بأنه مملوك لشخص مسلم أو ذمي أو معاهد وجب عليه ان يدفعه لمالكه إذا كان موجودا، و لوارثه إذا كان ميتا، و كان الوارث موجودا معلوما، و إذا كان المالك مجهولا وجب على واجد الكنز التعريف به إذا كان التعريف به ممكنا، فإن لم يعرفه أو كان التعريف بالكنز غير ممكن، تصدّق به بمراجعة الحاكم الشرعي على الأحوط.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 251

و إذا كان الكنز قديما و علم من القرائن و شواهد الحال بأنه مملوك لشخص مسلم أو ذمي أو معاهد جرى فيه حكم ميراث من لا وارث له على الأحوط فهو من الأنفال، و لا يملكه واجده في جميع الصور المذكورة.

المسألة 27:

إذا وجد الإنسان الكنز في أرض موات بالأصل أو في أرض خربة بعد العمارة و ليس لها مالك، أو وجده في أرض مملوكة لواجد الكنز و قد ملكها بالإحياء، فالكنز في جميع هذه الصور مملوك لواجده إذا لم يعلم بأنه مملوك لمالك محترم كما تقدم ذكره، و يجب عليه إخراج خمسه.

المسألة 28:

إذا وجد الإنسان الكنز في أرض مملوكة له و قد انتقلت إليه تلك الأرض من مالك آخر قبله بالشراء منه أو بالصلح أو بإحدى المعاملات الأخرى التي توجب التمليك الاختياري، وجب على واجد الكنز أن يعرّف به مالك الأرض قبله، فان لم يعرفه هذا، عرّف به من كان مالكا للأرض من قبله، و هكذا فان لم يعرفه احد منهم، فالكنز لواجده و يجب عليه فيه الخمس.

و انما يجب على الواجد ان يعرّف به من ملك الأرض قبله في الفرض المتقدم إذا علم من القرائن و شواهد الحال أن الكنز كان موجودا لما كانت الأرض في يد ذلك المالك، و إذا لم يعلم بوجود هذا الشرط و احتمل ان يكون الكنز متأخرا عن زمان يد ذلك المالك على الأرض، لم يجب تعريفه به، و هكذا الحال في المالك السابق عليه إذا لم يعرفه الأقرب، و هكذا من قبله، فلا يجب التعريف بالكنز على واجده إلا لمن أحرز جريان يده على الكنز.

المسألة 29:

إذا ادعى المالك السابق أن الكنز له صدّقه واجد الكنز في دعواه و دفعه إليه، و لا يتوقف وجوب تصديقه على أن يقيم بيّنة على صحة دعواه، و كذلك إذا لم يعرفه هذا المالك و ادعاه السابق عليه، و إذا ادعاه اثنان من الملاك السابقين على الواجد، فالقول قول الأقرب منهما في اليد إلى الواجد مع يمينه، إلا أن يقيم الآخر السابق عليه في اليد بينة على صحة دعواه فيكون الكنز له.

المسألة 30:

إذا وجد الكنز في أرض مستأجرة من مالكها أو مستعارة منه، بحيث كان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 252

مستأجر الأرض أو مستعيرها صاحب يد عليها، وجب على الواجد تعريفه بالكنز كما يجب عليه تعريف مالك الأرض أيضا إذا كان صاحب يد عليها عرفا، فيعرّفهما معا، و لا ريب في ان الموارد مختلفة في صدق ذي اليد على المالك و المستأجر أو المستعير، عرفا و في قوة إحدى اليدين على الأخرى، فلا بد من مراعاة ذلك و ملاحظته، فإذا صدق على أحدهما انه هو صاحب اليد وحده و ادعى انه مالك الكنز، صدّق في دعواه و دفع الكنز اليه من غير بيّنة، و كذلك إذا صدق على كليهما عرفا انه صاحب اليد على الأرض، و ادعى الكنز أحدهما وحده و لم يدّعه الثاني، فيصدق المدعي في قوله و يدفع له الكنز، و إذا ادّعاه كلاهما قدّم قول من كانت يده أقوى.

المسألة 31:

يشترط في وجوب الخمس في الكنز أن يبلغ مقدار النصاب، و مقداره عشرون دينارا شرعيا إذا كان الكنز من الذهب، و مائتا درهم إذا كان من الفضة، و أقل الأمرين منهما على الأحوط إذا كان من جنس آخر غيرهما، و أحوط من ذلك ان يكتفى بأقل النصابين في الجميع.

المسألة 32:

إذا وجد الإنسان كنزا و تملكه، و كان الكنز يبلغ مقدار النصاب وجب فيه الخمس، سواء أخرجه واجده كله دفعة واحدة أم أخرجه في دفعات متعددة، أم لم يخرج منه شيئا، و لا يعتبر ان يبلغ ما يخرجه منه في المرة الواحدة مقدار النصاب.

المسألة 33:

إذا عثر الإنسان على كنوز متعددة، استقل كلّ واحد من الكنوز التي وجدها بحكمه و لم يرتبط بعضها ببعض، فإذا بلغ كنز منها مقدار النصاب وجب الخمس فيه، و لم يجب في الآخر إذا لم يبلغ مقداره و إذا كان كل واحد منها على انفراده لا يبلغ النصاب لم يجب الخمس فيها جميعا، و ان كان المجموع منها بمقدار النصاب أو يزيد عليه.

و إذا عثر على مال واحد مدفون في مكان واحد في ظروف متعددة، فهو كنز واحد، فإذا كان مجموع المال يبلغ مقدار النصاب وجب فيه الخمس، و ان تعدّدت ظروف المال، بل و ان تعدّد جنسه فكان كل ظرف مثلا يحوي جنسا من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 253

المال، و لا ينافي ذلك وحدة الكنز و وحدة الحكم فيه.

المسألة 34:

إذا بلغ الكنز مقدار النصاب قبل إخراج المئونة التي صرفها الإنسان على إخراج الكنز و تصفيته، تعلق به وجوب الخمس على الأحوط، و لكن الخمس يخرج منه بعد استثناء المئونة، و قد ذكرنا نظير هذا في حكم المعدن في المسألة الثانية عشرة.

المسألة 35:

إذا وجد جماعة من الناس كنزا واحدا، و اشتركوا في حيازته و تملكه، و كان مجموع ما أخرجوه منه يبلغ حد النصاب وجب الخمس فيه على الأحوط، و ان كانت حصة الفرد الواحد من الشركاء لا تبلغ النصاب.

المسألة 36:

إذا اشترى الرجل دابة أو حيوانا آخر فوجد في جوف ما اشتراه مالا، وجب عليه أن يعرّف بما وجده مالك الدابة أو الحيوان السابق عليه في الملك، فان هو لم يعرفه عرّف به المالك قبله، و هكذا، فإن لم يعرفه أحد منهم فهو للرجل الذي وجده، و إذا وجد المال في جوف حيوان قد ملكه بالحيازة و لم يجر عليه ملك أحد قبله، فالمال لواجده، و ليس المال في هذه الفروض من الكنز، فلا يجب فيه خمس الكنز، بل يكون من الفوائد و الأرباح المكتسبة، فيجري فيه حكمها، و يجب فيه الخمس بعد إخراج مئونة سنته من أرباحه و سيأتي تفصيل أحكامه و بيان شرائطه في الأمر السابع مما يجب فيه الخمس ان شاء الله تعالى.

و كذلك الحكم إذا وجد مالا في جوف سمكة قد اصطادها، فالمال له و يجري فيه حكم الأرباح أيضا، و إذا كان قد اشترى السمكة من مالك لها قبله، و احتمل ان المال لذلك المالك فعليه أن يعرفه بالمال و ان بعد الفرض، فإذا لم يعرفه فالمال ملك لواجده و هو من الأرباح فإذا توفرت فيه الشروط وجب فيه خمسها.

المسألة 37:

الرابع من الأشياء التي يجب فيها الخمس: ما يخرجه الإنسان من البحر بالغوص فيه من جوهر و لؤلؤ و نحوها، فيجب فيه الخمس، سواء كان معدنيا كاللؤلؤ، أم نباتيا كالمرجان، و لا يشمل الحكم مثل السمك و الحيوان، و ان أخرج بالغوص بل يكون من الأرباح و الفوائد المكتسبة فيكون فيه خمسها إذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 254

توفرت شروط وجوبه.

المسألة 38:

يجب الخمس في المال الذي يخرجه الإنسان بالغوص إذا بلغت قيمته دينارا شرعيا فصاعدا، سواء اتّحد نوع المال الذي أخرجه أم تعدّد، و سواء أخرجه دفعة واحدة أم في دفعات متعددة، فإذا بلغت قيمة المجموع النصاب المذكور وجب الخمس فيه، و لا يجب في ما دون ذلك.

المسألة 39:

إذا بلغ مال الغوص مقدار النصاب المتقدم ذكره و لو قبل إخراج المئونة التي تصرف عليه، تعلّق به وجوب الخمس على الأحوط، و لكن الخمس يخرج مما زاد على المئونة و لا يخرج من المئونة كما تقدم في المعدن و الكنز.

المسألة 40:

إذا اشترك جماعة في الغوص فأخرجوا من المال ما تبلغ قيمته مقدار النصاب أو تزيد عليه وجب فيه الخمس على الأحوط، و ان كان نصيب كلّ فرد من الجماعة لا يبلغ النصاب و قد سبق نظير ذلك في الكنز و المعدن.

المسألة 41:

ما يخرجه الإنسان من البحر بالآلات من غير غوص لا يلحقه حكم مال الغوص، فلا يجب فيه خمسه و لا يتقدر بنصابه و ان كان ذلك أحوط، و الأظهر انه من الفوائد و الأرباح المكتسبة فيجب فيه خمس الأرباح إذا توفرت فيه شروط ذلك، و إذا غاص الرجل على المال فشدّه في حبل أو جمعه في آلة ثم أخرجه بها، وجب فيه خمس الغوص إذا بلغ النصاب.

المسألة 42:

إذا وجد الرجل الجوهرة أو اللؤلؤة في الساحل، أو أخرجتها الأمواج إلى وجه الماء فحازها من غير غوص لم يلحقها حكم مال الغوص، و لحقها حكم الأرباح المكتسبة و اعتبرت فيها شروطها.

المسألة 43:

إذا غاص الرجل في البحر لا بقصد الحيازة، فصادف جوهرة أو لؤلؤة أو مالا آخر، فأخذ ذلك، وجب فيه الخمس إذا قصد الحيازة حين أخذه للمال و بلغ مقدار النصاب.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 255

المسألة 44:

ما يخرج بالغوص من الأنهار الكبرى من أمثال دجلة و الفرات و النيل- إذا فرض تكوّن الجواهر و اللئالي فيها- يكون حكمه حكم ما يخرج من البحر على الأحوط، فيجب فيه خمس مال الغوص و يعتبر فيه ان يبلغ مقدار النصاب في مال الغوص.

المسألة 45:

إذا غرق مال في البحر أو ألقاه مالكه في البحر عند خوفه من غرق السفينة و أعرض عنه كان مباحا، فإذا أخرجه أحد بالغوص ملكه، و الظاهر عدم إلحاقه بمال الغوص في الحكم و ان كان من اللؤلؤ أو المرجان، فلا يكون فيه خمسه و لا نصابه، بل يجري فيه حكم الأرباح و الفوائد المكتسبة، فيعتبر فيه ان تجتمع فيه شروط هذا النوع، فإذا توفرت فيه شروطه وجب فيه خمسه بعد إخراج مئونة السنة.

المسألة 46:

إذا عثر الغواص في قاع البحر على بعض المعادن، كمعدن ياقوت أو غيره فأخرجه ملكه بإخراجه، و حيازته، و وجب فيه خمس مال الغوص و تعلق به حكمه على الأظهر و لم يتعلق به حكم المعدن.

المسألة 47:

ما يخرج من العنبر بالغوص في البحر يجري عليه حكم مال الغوص من الخمس و مقدار النصاب، و ما يؤخذ منه مما يوجد على وجه الماء أو من ساحل البحر، فالأحوط إخراج خمسه و ان لم تبلغ قيمته مقدار النصاب.

المسألة 48:

الخامس من الأشياء التي يجب فيها الخمس: الأرض التي يشتريها الكافر الذمي من المسلم، سواء كانت أرضا خالية، أم أرض زرع أو غرس، أم أرض دار أو عقار، إذا وقع عقد البيع على نفس الأرض، بحيث كانت الأرض نفسها متعلقا للمعاملة الجارية بينه و بين المسلم البائع، و ان كان الشجر و النخيل و البناء الموجود فيها متعلّقا للمعاملة أيضا، فيتعلق الخمس بنفس الأرض دون ما فيها من البناء و الأشجار و النخيل و الزرع، و لا يجب الخمس إذا وقع البيع على المسكن و الدار و الدكان و الخان و العمارة و الحمّام مثلا بعناوينها الخاصة التي تقابل

كلمة التقوى، ج 2، ص: 256

عنوان الأرض، و ان كانت الأرض داخلة في المبيع.

المسألة 49:

لا يجب الخمس في الأرض التي تنتقل إلى الرجل الذمي من المسلم إذا كان انتقالها إلى ملكه بغير البيع من المعاوضات أو كان انتقالها إليه بالتمليك المجاني بغير عوض.

المسألة 50:

يتخير المالك الذمي إذا تعلق الخمس بأرضه المذكورة بين أن يدفع الخمس من رقبة الأرض نفسها و ان يدفع خمس قيمتها، و يجب قبول ذلك منه، و إذا دفع الخمس من الأرض نفسها فليس لولي الخمس ان يقلع الغرس و البناء و الزرع الموجود فيها، بل عليه أن يبقيه في الأرض بأجرة مثل ذلك على الذمي.

المسألة 51:

ليس في هذا القسم من الخمس نصاب معين، بل يجب الخمس في الأرض المذكورة سواء كانت قيمتها قليلة أم كثيرة، و لا تجب في هذا القسم من الخمس نية القربة، فلا ينوي الآخذ القربة حين يأخذ الخمس من الذمي، و لا حين يدفعه إلى المستحق، و ان تولّى الحاكم الشرعي ذلك، و مصرف هذا الخمس هو مصرف غيره من أقسام الخمس.

المسألة 52:

إذا اشترى الذمي الأرض من المسلم وجب فيها الخمس كما ذكرنا، و لا يسقط عنه وجوب الخمس إذا أسلم بعد ذلك على الأحوط، و لا يسقط وجوب الخمس كذلك إذا باع الذمي الأرض على غيره، سواء كان المشتري كافرا أم مسلما، و لا يسقط الخمس إذا انتقلت الأرض منه إلى غيره بمعاملة أخرى غير البيع أو بميراث، و لا يسقط الخمس إذا ردّ الأرض مالكها الذمي على بائعها المسلم بإقالة أو بيع، و لا يسقط الخمس أيضا إذا كان للبائع المسلم الذي باع الأرض على الذمي خيار الفسخ، ففسخ بيعه على الذمي و استردّ الأرض منه على الأحوط في هذا الفرض الأخير.

نعم، إذا اشترى الأرض المذكورة شيعي أو ملكها بغير الشراء من الأسباب المملّكة جاز له أن يتصرف في الأرض من غير إخراج الخمس.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 257

المسألة 53:

إذا اشترى الذمي الأرض من مسلم و تعلق بها الخمس، ثم انتقلت عن ملكه إلى مالك آخر ببيع أو غيره، ثم اشتراها الذمي الأول مرة أخرى من مسلم وجب في الأرض خمس آخر.

فان كان قد أدّى خمس الأصل من عين الأرض صح بيعه ثم صح شراؤه و وجب عليه تخميس الأربعة أخماس الباقية من الأرض بعد الشراء الثاني، و ان كان قد أدّى الخمس الأول من القيمة ثم باع جميع الأرض ثم اشتراها من مسلم وجب عليه خمس جميع الأرض ثانيا، و كذلك إذا اشترى خمس العين بعد ان دفعه في الخمس و تملكه المستحق، و إذا لم يكن قد أدّى خمس الأصل لا من العين و لا من القيمة ففي صحة بيعه ثم في شرائه إشكال.

المسألة 54:

لا يصح ان يشترط الذمي في شرائه للأرض من المسلم أن لا يكون عليه خمس في الأرض، أو يشترط في العقد أن يكون الخمس على البائع، و إذا اشترط أحد الشرطين كان الشرط باطلا و ان قبل به البائع، و لا يصح كذلك ان يشترط في العقد سقوط بعض الخمس عنه: نصفه أو ربعه مثلا، أو يشترط أن يكون بعضه على البائع، فيبطل الشرط في جميع هذه الصور، نعم، يصح له ان يشترط في العقد على البائع المسلم أن يدفع الخمس عنه تبرعا من ماله، فإذا قبل البائع بالشرط وجب عليه الوفاء به، و لا يسقط الخمس عن المشتري الذمي حتى يؤدي البائع الخمس عنه و يفي له بالشرط، و كذلك إذا شرط الذمي عليه في العقد أن يدفع عنه بعض الخمس: نصفه أو ثلثه مثلا، فيلزم البائع أن يفي له بالشرط كما في الفرض المتقدم، و لا

يسقط الوجوب عن المشتري إلا إذا وفى البائع المسلم له بالشرط.

المسألة 55:

يصح للبائع المسلم أن يشترط في البيع على الذمي الذي يشتري الأرض منه أن يبيع الأرض عليه بعد أن يتملكها، أو يشترط عليه أن يبيعها على مسلم آخر، و لا يسقط الخمس عن المشتري الذمي بذلك.

المسألة 56:

إذا اشترى الذمي أرض الطفل المسلم من وليه الشرعي أو اشترى أرض

كلمة التقوى، ج 2، ص: 258

المجنون المسلم من وليه الشرعي صح شراؤه و نفذت أحكام الشراء و آثاره و وجب الخمس على الذمي في الأرض المشتراة.

المسألة 57:

إذا دفع الذمي خمس الأرض التي اشتراها من المسلم من عين الأرض، أو أخذه ولي الخمس من عين الأرض كذلك و تملّك المستحق ذلك البعض منها ثم اشتراه الذمي تعلق به الخمس.

المسألة 58:

السادس من الأشياء التي يجب فيها الخمس: المال الحلال المختلط بالحرام، بحيث لا يمتاز أحد المالين عن الآخر، و لا يعرف المالك الحقيقي للمال الحرام و لا مقداره، فيجب الخمس في مجموع المال على ما سيأتي تفصيله، فإذا أخرج المكلف خمسه كذلك حلّ له الباقي.

المسألة 59:

اختلاط المال الحلال بالمال الحرام قد يكون على وجه الإشاعة التامة كما إذا كان المالان من جنس واحد و امتزجت أجزاء أحدهما بأجزاء الآخر على نحو لا يمكن التمييز بين الأجزاء، و من أمثلة ذلك: ان يمتزج المائع بالمائع أو الدقيق بالدقيق، أو الحنطة بالحنطة حتى لا تتبين أجزاء المال بعضها عن بعض، و قد يكون الاختلاط بين المالين لا على وجه الإشاعة، و مثال ذلك: ان يكون لدى الرجل مقدار من أكياس الحنطة المملوكة له و اختلط عليه أمرها بمثلها من الحرام، فلم يدر أيّها المملوك له و أيها المحرم المملوك لغيره، أو كان عنده عدد من الكتب و اشتبهت بكتب غيره، فلم يميز بين ما يملكه منها و ما يملكه غيره، و الحكم في كلا الفرضين واحد، فإذا هو لم يعرف مقدار الحرام و لا صاحبه وجب عليه إخراج خمس المال و بإخراجه يحلّ له الباقي، سواء كان المالان المشتبه عليه أمرهما من جنس واحد أم أكثر.

المسألة 60:

يشترط في وجوب الخمس في المال الحلال المختلط بالحرام المتقدم ذكره: أن لا يعرف المكلف مقدار الحرام المختلط بماله، فلا يدري انه يزيد على خمس مجموع المال أو يساويه أو ينقص عنه، و بحكمه أن يعلم بأن الحرام الموجود لا يزيد على الخمس، فهو اما بمقدار الخمس من المجموع أو ينقص عنه، أو يعلم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 259

كذلك بان الحرام الموجود لا ينقص عن مقدار الخمس، فهو اما بمقدار الخمس أو يزيد عليه، و على وجه الإجمال: أن يحتمل ان يكون الحرام الموجود في المال بمقدار الخمس منه، فيكون إخراج الخمس من مجموع المال موجبا لحل الباقي منه.

المسألة 61:

إذا علم المكلف على وجه الإجمال بأن قدر المال الحرام الموجود في مجموع المال يزيد على خمسه، فالظاهر وجوب التصدّق بجميع المقدار المعلوم بالإجمال، و الأحوط لزوما ان يكون التصدق بالمقدار المذكور بإذن الحاكم الشرعي، و أحوط من ذلك أن يصرف جميع المقدار مصرف الخمس بنية التصدق بمجهول المالك أو الخمس بعد استئذان الحاكم الشرعي بذلك.

المسألة 62:

إذا علم المكلف إجمالا بأن الحرام الموجود في مجموع المال أقل من خمسه، فالظاهر وجوب التصدق بالمقدار المعلوم، و الأحوط لزوما ان يكون التصدق بإذن الحاكم الشرعي كما تقدم، و الأحوط إخراج الخمس و صرفه مصرف الخمس بنية الصدقة بمجهول المالك أو الخمس بعد استئذان الحاكم الشرعي بذلك.

المسألة 63:

إذا علم الشخص بمقدار المال الحرام الذي اختلط بماله و لم يعرف مالك ذلك المال وجب عليه التصدّق بالمقدار الحرام عن مالكه، و لا يترك الاحتياط بأن يكون التّصدق به عن مالكه المجهول بإذن الحاكم الشرعي، و إذا عرف المكلف مقدار المال الحرام و عرف مالكه وجب على المكلف دفعه إليه و لم يكفه دفع الخمس و ان كان مساويا له.

المسألة 64:

إذا جهل الشخص مقدار المال الحرام الذي اختلط مع ماله و عرف مالكه، صالحه عن المقدار الذي يملكه في المال المختلط، و إذا لم يرض المالك بالمصالحة، و دار الأمر في مقدار ماله بين الأقل و الأكثر جاز أن يدفع إليه الأقل إذا كان المال في يد الشخص المكلف، فإن لم يرض المالك بالقسمة تعيّن الرجوع إلى الحاكم الشرعي في حسم أصل الدعوى بينهما لا في القسمة، و إذا دار الأمر بين المتباينين، أو دار الأمر بين الأقل و الأكثر و لم يكن المال في يد الشخص المكلّف

كلمة التقوى، ج 2، ص: 260

تعين الرجوع إلى الحاكم في حسم أصل الدّعوى، و المسألة موضع إشكال، و لذلك فالمصالحة بينهما أحوط و أبرأ للذمم من الجانبين.

المسألة 65:

إذا تردد مالك المال الحرام بين افراد محصورين في العدد، فالأحوط وجوب التخلص من الحرام بإرضائهم جميعا، و خصوصا إذا كان اختلاط المال الحلال بالحرام بتقصير من المكلف نفسه، فإذا تعذّر عليه استرضاؤهم جميعا، أو لزم منه الضرر أو الحرج اللذان يرفعان التكليف، رجع في تعيين المالك منهم إلى القرعة.

المسألة 66:

إذا كان المال الحرام في ذمة الشخص المكلف و ليس مختلطا في عين ماله، فلا موضع للخمس، فإذا علم بجنس المال الحرام الذي في ذمته و علم مقداره و عرف صاحبه على التعيين، وجب عليه رد المال إليه، و إذا علم بوجود مالك المال بين أفراد محصورين في عددهم وجب عليه إرضاء الجميع على الأحوط، فإذا تعذّر عليه ذلك، أو لزم منه الحرج أو الضرر الرافع للتكليف رجع إلى القرعة، و إذا علم بوجود صاحب المال في جماعة أو بلد غير محصور في عدد الأفراد، تصدّق بالمال عنه، و الأحوط ان تكون الصدقة بالمال بإذن الحاكم الشرعي عن المالك المجهول، أو يدفع المال إلى الحاكم ليتصدّق به عنه.

و إذا علم جنس المال الحرام و تردد في مقداره بين الأقل و الأكثر، جاز له ان يكتفي بدفع الأقل، فيدفعه إلى المالك إذا عرفه على التعيين، و إذا تردد المالك عنده بين جماعة محصورين في عددهم كان عليه ان يسترضي الجميع كما تقدم، و إذا تعذّر ذلك أو لزم منه الضرر أو الحرج رجع إلى القرعة.

و إذا علم بوجود المالك بين أشخاص أو قبيلة غير محصورة في العدد، تصدّق بالمال عن المالك المجهول بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط، أو دفع المال إليه ليتصدّق به عنه على نهج ما تقدّم.

و في المسألة فروض أخرى ذكرناها في تعليقتنا على

كتاب الخمس من العروة الوثقى، فليرجع إليها من أراد.

المسألة 67:

يتخير المكلف في إخراج هذا القسم من الخمس، فيجوز له ان يدفع مقدار خمسه من مال آخر غير المال المخلوط نفسه، و يجوز له أن يخرجه من نفس المال

كلمة التقوى، ج 2، ص: 261

المخلوط الذي تعلّق به الحكم بعد ان يستأذن من الحاكم الشرعي في إخراجه منه و تعيينه على الأحوط.

المسألة 68:

إذا أخرج المكلف خمس مجموع المال الحلال المختلط بالحرام، على الوجه المطلوب و صرف الخمس في مصارفه ثم عرف مالك المال الحرام بعد ذلك، فلا يكون ضامنا للمالك ماله على الأقوى، و ليس للمالك أن يطالبه بشي ء، و كذلك الحكم في المال المجهول المالك إذا تصدّق به المكلف عن صاحبه ثم استبان له مالك المال بعد الصدقة به فلا ضمان على المكلّف على الأقوى، و ان كان الضمان أحوط له استحبابا في كلا الفرضين.

المسألة 69:

إذا أخرج المكلف الخمس من المال المختلط بالحرام و دفعه للمستحق، ثم علم بعد دفع الخمس ان المقدار الحرام الموجود في المال أقل من مقدار الخمس، لم يسترجع الزائد الذي دفعه إلى المستحق على الأحوط، إن لم يكن ذلك هو الأقوى.

و إذا دفع الخمس إلى المستحق، ثم علم ان الحرام الموجود في المال يزيد على مقدار الخمس الذي دفعه، فالأحوط له لزوما ان يتصدّق بما زاد منه على الخمس، و ان تكون الصدقة به بإذن الحاكم الشرعي.

المسألة 70:

إذا كان لدى الرجل مال معين مجهول المالك فخلطه عامدا بماله ليحلّله بدفع الخمس خوفا من زيادة ذلك المال على مقدار الخمس، فالظاهر ان المال لا يزال على حكم مجهول المالك فلا يحلّ له بالتخميس.

المسألة 71:

إذا كان المال الحلال الذي اختلط بالحرام مما وجب فيه الخمس، لانه من أرباح المكاسب أو من المعادن مثلا، ثم اختلط بالحرام، فالأحوط للمكلّف أن يخمس أولا مجموع المال المختلط ليحلّ بالتخميس مما فيه من الحرام، ثم يخمس الباقي من المال بعد ذلك، و ان كان يكفيه على الأقوى أن يخمس في أول الأمر المقدار الذي يستيقن بوجوب الخمس فيه من المال الحلال، ثم يخمس الباقي بعد ذلك خمس التحليل، و الفارق بين الطريقين واضح لا خفاء فيه.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 262

فإذا كان مجموع المال المختلط من الحلال و الحرام يبلغ مائة دينار مثلا، و كان المقدار الذي يتيقن وجوب الخمس فيه من المال الحلال ستين دينارا، فالباقي للمكلف من المال بعد إخراج الخمس الأول و الخمس الثاني على الطريقة الأولى أربعة و ستون دينارا لا غيرها، و الباقي له بعد إخراج الخمسين على الطريقة الثانية سبعون دينارا و ستمائة فلس.

المسألة 72:

إذا كان المال الحرام الذي اختلط بمال المكلف من المال المأخوذ بغير حق من الزكاة أو من الخمس أو من مال الوقف العام أو الخاص، لم يجب فيه الخمس بسبب الاختلاط، و لا يحلّ للمكلف أخذ الباقي منه إذا أخرج خمسه، بل يجري عليه حكم المال الحرام الذي يعرف مالكه، فيجب على المكلف ان يراجع الولي الشرعي لمال الزكاة أو مال الخمس، و ان يراجع ولي الوقف على الوجوه التي سبق ذكرها في المال المعلوم مالكه و قد بيّناها في المسائل الماضية.

المسألة 73:

إذا أتلف المكلف المال المختلط من الحلال و الحرام قبل ان يخرج الواجب من خمسه لم يسقط عنه وجوب الخمس بإتلاف المال، فان هو عرف مقدار مجموع المال المذكور، فهو مشغول الذمة بخمس ذلك المقدار، و يجب عليه أن يؤديه، و ان لم يعرف مقدار المال و تردّد فيه بين الأقل و الأكثر، جاز له ان يكتفي بدفع خمس الأقل، و الأحوط له استحبابا أن يدفع خمس الأكثر، و يتأكد الاحتياط و الاستحباب فيه إذا علم بمقدار المال في أول الأمر ثم قصّر و أخر دفع الخمس حتى نسي مقدار المال.

المسألة 74:

إذا باع المكلف المال المخلوط من الحلال و الحرام قبل أن يخرج خمسه، جاز لولي الخمس ان يرجع عليه بمقدار الخمس من المال، و صح له ان يرجع على مشتري المال المذكور فيأخذ منه خمس عين المال، و كذلك الحكم إذا نقل المكلف المال إلى مالك آخر بغير البيع من المعاملات، فيتخير ولي الخمس بين الأمرين، و يصح للحاكم الشرعي أن يمضي المعاملة التي أجراها المكلف على المال المذكور، فيأخذ منه خمس العوض الذي انتقل إليه ببيع المال أو بالمعاوضة الأخرى التي أجراها عليه، و إنما يصح هذا الإمضاء إذا لم يكن مخالفا لمصلحة الخمس.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 263

و مثال ذلك: ان يبيع المكلف المال بقيمته المتعارفة له بين الناس أو بما يزيد عليها، فيصح للحاكم في هذه الصورة إمضاء المعاملة كما قلنا، و إذا باع المال بأقل من قيمته لم يصح له إمضاء البيع لانه مخالف لمصلحة الخمس.

المسألة 75:

السابع من الأشياء التي يجب فيها الخمس: ما يزيد عن مئونة الإنسان لنفسه و لعياله في مدة سنة كاملة من فوائده التي تدخل عليه من الصناعات و الزراعات و الأعمال و التجارات و الإجارات و سائر وجوه المهن و الحرف و المكاسب، بل الأقوى وجوب الخمس في كل فائدة تدخل على الإنسان و ان لم تحصل بالتكسب و المعاوضة، كالهبات و الهدايا و الجوائز التي ينالها من بعض المتبرعين، و المكافاة التي قد تصل إليه لقيامه ببعض الأعمال، و ما يوصى به له من الأموال، و الميراث الذي يحصل له من غير احتساب، و النذور، و المهر للزوجة، و عوض الخلع، و حاصل الوقف الخاص، و حاصل الوقف العام إذا قبضه و تملكه، فيجب عليه

الخمس في جميع ذلك إذا زاد عن مئونة الرجل له و لعياله في مدة سنته.

المسألة 76:

المدار في وجوب الخمس في المال الذي يحصل للرجل بسبب الإرث ان يكون الميراث غير محتسب، سواء كان الوارث عالما بالرحم التي أوجبت له استحقاق الميراث أم كان جاهلا بها، و سواء كانت الرحم قريبة أم بعيدة.

المسألة 77:

إذا وجب على الإنسان الخمس في ماله و لم يؤدّه ثم مات، وجب على وارثه من بعده إخراج الخمس، سواء كان المال الذي تركه نفس العين التي تعلّق بها الخمس أم كان عوضها، و كذلك إذا أخرج بعض الخمس في حياته و ترك بعضه حتى مات، فيجب على الوارث إخراج بقية الخمس.

و إذا علم الوارث بأن مورّثه مات و قد انتقل الخمس إلى ذمته فاشتغلت ذمته به بعد ان كان متعلقا بعين المال، وجب عليه وفاؤه من أصل تركة الميت كسائر الديون التي تشتغل بها ذمة الميت.

المسألة 78:

إذا كان الرجل ممن يتعيش في حياته من الحقوق الشرعية الواجبة أو المندوبة، كالزكاة أو الخمس و ردّ المظالم و الصدقات الواجبة الأخرى أو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 264

المندوبة، و اتفق ان زاد ما ملكه منها على مئونة السنة له و لعياله، وجب عليه الخمس في المقدار الزائد على المئونة، و إذا ملكها و نمت في ملكه نماءا متصلا أو منفصلا وجب عليه الخمس في نمائها، و سيأتي ان شاء الله تعالى بيان هذا في المسألة الثمانين.

المسألة 79:

إذا باع المكلف شيئا من الأشياء التي يملكها و قد تعلق وجوب الخمس بذلك الشي ء و لم يؤد المالك خمسه قبل البيع، كان البيع في مقدار الخمس من ذلك الشي ء فضوليا، لا يصح إلا بإجازة ولي الخمس و هو الحاكم الشرعي، فإذا هو أمضى البيع فيه و أجازه نفذ و صح، و أخذ الحاكم ثمن مقدار الخمس من البائع، و يجوز له ان يأخذ ثمن ذلك المقدار من المشتري، فإذا كان المشتري قد دفعه من قبل رجع به المشتري على البائع بعد ان يدفعه للحاكم، و إذا لم يمض الحاكم البيع فيه لم ينفذ و لم يصح، و جاز له ان يأخذ الخمس من عين المبيع سواء كانت بيد البائع أم بيد المشتري.

و كذلك الحكم إذا نقل المكلف عين المال الذي وجب فيه الخمس إلى ملك شخص آخر بمعاوضة أخرى غير البيع فتكون المعاملة فضولية في مقدار الخمس على النهج الذي ذكرناه في البيع، و إذا ملّكه المكلف لغيره بغير عوض لم يصح التمليك في مقدار الخمس.

المسألة 80:

يجب الخمس في النماء المنفصل للأعيان التي يملكها الإنسان، كالولد و اللبن من الحيوان المملوك، و كالبيض و الفراخ من الدجاج و الطيور المملوكة، و كالفسيل من النخيل و الودي من الشجر و ان كان الأصل مما لم يتعلق به وجوب الخمس بعد، أو كان الخمس قد تعلق به و ادّاه.

و يجب الخمس في ما هو كالمنفصل من النماء المتصل للعين المملوكة، كالصوف و الوبر من الحيوان، و كالحبوب و الثمر و التمر في الزرع و الشجر و النخيل، فيجب الخمس في هذين النوعين من النماء إذا تمّت فيهما شروط الوجوب المعتبرة في الأرباح و الفوائد.

و اما النماء

المتصل غير ذلك، فإنما يجب الخمس فيه على الأحوط، في ما إذا كان المقصود المتعارف بين الناس من ذلك الشي ء هو الانتفاع بنفس العين، و من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 265

أمثلة ذلك: بعض الشجر الذي لا يثمر فالمقصود المتعارف بين الناس من ذلك البعض هو الانتفاع بخشبه و أغصانه، فإذا نمت الشجرة منه و كبرت ازدادت فائدتها بذلك و تعلّق الخمس بهذا النماء، و الشجر الذي يتعارف بين الناس الانتفاع بورقه كالحنّاء، فإذا نمت شجرته و كثر ورقها كبرت فائدتها و تعلق الخمس بنمائها، و الحيوان الذي يقصد منه الانتفاع بلحمه و سمنه، فإذا سمنت البقرة أو الشاة أو المعزاة تعلق الخمس بنمائها على الأحوط.

و لا يجب الخمس في ما عدا ذلك من النماء المتصل إذا زاد، و ان كان الأحوط استحبابا إخراج خمسه إذا كانت لزيادة ذلك النماء مالية في نظر أهل العرف بحيث تصدق عليه الفائدة، و لكن صدق الفائدة على ذلك ممنوع و ان زادت المالية عرفا.

و لا يجب الخمس في النماء المتصل للعين المملوكة و لا في النماء المنفصل إذا كان مما يحتاج إليه المكلف في مئونته.

المسألة 81:

إذا ارتفعت قيمة السّلعة التي يملكها الإنسان من غير زيادة في عين السلعة و زادت ماليتها بسبب هذا الارتفاع، لم يجب الخمس في هذه الزيادة السوقية، إلا إذا باع المكلف السلعة بتلك القيمة و حصل بالفعل على الزيادة، فيجب عليه الخمس فيها، و هذا بشرط ان يكون الرجل قد ملك تلك السلعة بمعاوضة و كان العوض الذي أخذ السلعة به من جنس الثمن الذي باعها به، و مثال ذلك: ان يشتري الرجل السلعة بخمسين دينارا مثلا، ثم يبيعها عند ارتفاع قيمتها في السوق

بخمسة و سبعين دينارا، فيجب عليه الخمس في الفائدة التي حصلت له و هي مقدار التفاوت بين الثمنين.

و لا يجب الخمس في غير هذه الصورة، كما إذا ملك السلعة بالإرث، أو بهبة غير معوضة، أو ملكها بمعاوضة و كان العوض من غير جنس الثمن الذي باع به العين، و هذا كلّه إذا كان قد تملك العين للاقتناء، و سنتعرض في ما يأتي لحكم العين إذا كانت للتجارة.

المسألة 82:

إذا كانت السلعة التي يملكها المكلف من مال التجارة، بحيث كان قصده من تملكها ان يتّجر بها، و كان قد ملك السلعة بمعاوضة، سواء كان العوض الذي

كلمة التقوى، ج 2، ص: 266

دفعه في تملكها من جنس الثمن الذي يبيعها به أم من جنس آخر، فالظاهر وجوب الخمس في زيادة قيمتها بعد تمام السنة، إذا أمكن له ان يبيعها و ان لم يبعها بالفعل، و إذا لم يمكن له بيعها إلا في السنة التالية، كانت الزيادة من أرباح السنة التالية التي أمكن له البيع فيها، لا من أرباح السنة المتقدمة التي لم يمكن فيها البيع.

المسألة 83:

إذا ملك الشخص سلعة ليكتسب بها و يتّجر، فارتفعت قيمة السلعة في السوق و لم يبعها مالكها في حال ارتفاعها، ثم هبطت القيمة بعد تمام السنة أو في أثنائها، فإن كان الرجل مفرطا في عدم بيع السلعة بتلك الفرصة ضمن خمس زيادة القيمة في تلك الأيام فيجب عليه دفع بدله، و ان كان معذورا غير مفرط في نظر العقلاء، كما إذا ترك بيع السلعة لغيبته عن البلد في تلك الفرصة، أو لغفلته عن ارتفاع القيمة أو لعدم وجود المشتري بالفعل و كما إذا ترك البيع لانه يرجو زيادة السعر أكثر من القيمة الموجودة، أو لعذر آخر مقبول، فلا ضمان عليه للخمس المذكور.

المسألة 84:

ما يكون من سلع التجارة أو من قيمتها دينا في ذمة بعض الناس المتعاملين مع المكلف كالأشياء التي يشتريها سلفا، و الأشياء التي يبيعها نسيئة و ما يشبه ذلك، ان كان مما يمكن حصوله للمكلف إذا طالب المدين به و تيسّر ذلك له، بحيث يكون المال كالموجود لديه، لحلول الأجل في المعاملة و سهولة الوفاء بها متى طلب، فيجب على المكلف خمسه، و إذا اتفق ان زادت قيمة تلك السلع و أمكن له أخذها من المدين و بيعها قبل انتهاء السنة وجب عليه خمس الزيادة أيضا، و كانت من أرباح تلك السنة، و ان لم يمكن له تحصيلها بالفعل صبر إلى وقت تحصيلها، و تكون الزيادة من أرباح السنة المتقدمة على الأحوط.

المسألة 85:

إذا أقرض الرجل أحدا بعض أرباحه أو بعض فوائده في أثناء سنته، و لم يكن قرضه المبلغ لذلك الرجل وجها من وجوه التكسب و الاسترباح، فالظاهر وجوب الخمس في ما أقرضه إيّاه من المال.

المسألة 86:

من أرباح الإنسان ما يدخل عليه من سرقفلية أملاكه و دكاكينه و محلّاته

كلمة التقوى، ج 2، ص: 267

إذا هو آجرها لغيره و أخذ من المستأجر قيمة السرقفلية ليختص المستأجر بتلك الاملاك التي استأجرها، فلا يخرج منها إلا باختياره و رضاه، فيملك المؤجر تلك القيمة (السرقفلية) من المال، و يملك المستأجر ذلك الحق بالعين المستأجرة بحسب الشرط الذي اتفقا عليه في ضمن عقد الإجارة بينهما، و جرى عليه الإيجاب و القبول.

و من الأرباح للمستأجر ما يدخل عليه من سرقفلية المحل أو الدكّان الذي استأجره هو من مالكه، و دفع له سرقفليته التي تقدم ذكرها، فأصبح المستأجر صاحب الحق بموجب الشروط المتبعة، فإذا أراد أن يؤجر المحل لشخص غيره و أخذ منه المبلغ (السرقفلية) لينتقل حق الاختصاص بالمحل منه إلى المستأجر الجديد كان هذا المبلغ من أرباحه الخاصة به.

بل حق الاختصاص هذا و هو (السرقفلية) إذا كان المستأجر قد دفع عوضها للمالك كما بيّنا في ما تقدم أو دفعه للمستأجر السابق عليه، فأصبحت حقّا ثابتا من حقوقه بحسب الشروط المتبعة التي جرى عليها العقد في أصل الإجارة، فإنها تكون من أرباح المستأجر في تلك السنة و يجب الخمس في قيمتها بعد إخراج المئونة، و ان لم يقبض عوضها من مستأجر بعده، و تراجع المسألة الثانية عشرة من رسالتنا في المسائل المستحدثة.

المسألة 87:

الحقوق التي تدفعها الحكومات أو الشركات للموظف عندها أو العامل لديها بعد أن تستغني عن وظيفته، أو عن عمله، فائدة من جملة فوائده التي تدخل عليه، و لذلك فيجب فيها الخمس إذا زادت عن مئونة سنته، و بحكمها ما يدفع لعائلة الموظف و العامل و ورثتهما من الحقوق بعد موتهما فيجب فيه الخمس إذا زاد

على مئونة السنة.

المسألة 88:

إذا ربح الإنسان أو استفاد مبلغا من المال من بعض الجهات، و أراد أن يجعل ذلك المبلغ رأس مال ليتجر به و يكتسب، فالأحوط له أن يؤدي خمس ذلك المبلغ قبل أن يتجر به.

و إذا كان الرجل- بحسب شرفه و منزلته في المجتمع و بين نظرائه من الناس- ممن لا بدّ له من رأس مال، و لا بدّ له من التجارة به، أو كان وجود رأس

كلمة التقوى، ج 2، ص: 268

المال عنده ضرورة له في تحصيل مئونة سنته بما يليق بحاله، بحيث لا يستطيع تحصيل المئونة بغير ذلك، فلا يبعد عدم وجوب الخمس عليه في رأس المال في هاتين الحالتين.

و كذلك الحكم في الآلات التي يحتاج إليها الرجل في صناعته أو حرفته التي يكتسب بها كآلات النجارة للنجار و أدوات الزراعة للزارع و أدوات النساجة للحائك، و أمثال ذلك، فالأحوط له وجوبا أن يخرج خمس الآلات و الأدوات أولا قبل ان يعمل بها و يكتسب، و إذا كان وجود هذه الآلات ضرورة له فلا يمكنه تحصيل مئونته بدونها، أو كان إخراج الخمس منها يوجب تنزّله إلى مكسب لا يليق بحاله أو لا يفي بمئونته فلا يبعد القول بعدم وجوب الخمس فيها كما قلنا في رأس المال لانه يكون من مئونته التي يحتاج إليها.

المسألة 89:

إذا اشترى الرجل من أرباح كسبه أو من بعض فوائده الداخلة عليه بستانا أو دارا أو عقارا، أو اشترى بعض وسائل النقل أو الحمولة أو نحو ذلك، ليستفيد من حاصل ما اشتراه و منافعه، أو ليحصل على الفائدة ببيعه و المعاوضة عليه، وجب عليه إخراج خمس ثمن تلك المشتريات إذا لم يكن قد أدّى خمسه قبل ذلك.

و كذلك ما ينفقه من

الأرباح و الفوائد في تعمير البستان أو الدار أو العقار الذي اشتراه و في غرس ما يحتاج إلى الغرس منه، فيجب إخراج خمس تلك النفقات إذا لم يكن قد أدّاه، و مثله ما ينفقه من الأرباح في تعمير البستان و غيره من الأشياء المذكورة إذا كانت مما لا خمس في أصله كما إذا دخل عليه بميراث محتسب.

المسألة 90:

إذا كان ثمن البستان أو الدار أو العقار أو الشي ء الآخر الذي اشتراه المكلّف دينا في ذمته، وجب عليه إخراج خمس الشي ء المشتري بعد وفاء ذلك الدين، و إذا وفى بعض الدين و بقي بعضه، وجب عليه إخراج خمس البعض الذي أدّى ثمنه من العين، فإذا وفى نصف ثمن البستان أو الدار وجب عليه خمس النصف الذي دفع ثمنه، و بقي النصف الآخر حتى يؤدي ثمنه فيخمسه.

و كذلك إذا اشترى من الأرباح و الفوائد غنما أو بقرا أو إبلا، ليبيعها

كلمة التقوى، ج 2، ص: 269

و يربح من ارتفاع قيمتها، أو ليكتسب ببيع لحمها أو بيع نتاجها من صوف و وبر و لبن و دهن و ولد، فيجب عليه خمس الثمن إذا لم يكن أدّى خمسه من قبل، و إذا باعها أو باع لحمها أو نتاجها، فحصل على زيادة كان عليه خمس الزيادة التي حصلت له، و قد سبق ذكر هذا.

و إذا اشترى البقر أو الغنم أو السيارة لحاجته و حاجة أهله كانت من المئونة فلا يجب الخمس في ثمنها.

المسألة 91:

إذا ملك الرجل بستانا و عمّره للانتفاع بثمره و تمره حتى نمت نخيله و أشجاره و زراعته كانت حاصلات النخيل و الشجر و البستان و الأرض من الفوائد التي تدخل عليه، فإذا زادت هذه الحاصلات على مئونة سنته له و لعياله وجب عليه الخمس في الزيادة، و قد ذكرنا في المسألة التاسعة و الثمانين و ما بعدها انه لا بدّ من تخميس الثمن الذي يشترى به البستان و النفقات التي تصرف في تعميره، و يجب كذلك تخميس الشجر و النخيل التي تغرس فيه، و ان أخذها وديا أو فسيلا من الشجر و النخيل الذي أخرج

خمسه، أو نبت بنفسه لا بفعل أحد كالشجر و فسيل النخل الذي ينبت في الأرض صغارا من سقوط بعض النوى و البذور فيها ثم ينمو و يكبر، فإذا عدّ مالا وجب فيه الخمس.

و اما نماء الشجر و النخيل المنفصل و المتصل فقد تقدّم بيان الحكم فيه في المسألة الثمانين فلتراجع.

و لا يجب الخمس في ارتفاع القيمة للبستان و نحوه في السوق، إلا إذا باعه المالك بأكثر من ثمنه الذي ملك به العين و مما صرفه فيه من ثمن الفسيل و أجرة الفلاح و غير ذلك فيجب الخمس في الزيادة.

و إذا كان الرجل قد تملّك البستان و عمره بقصد التكسب به و تحصيل الفائدة ببيعه، وجب الخمس في زيادة قيمته، و في نمو أشجاره و نخيله إذا زادت قيمته بذلك على الثمن الذي ملكه به، و المال الذي صرفه في تعميره.

المسألة 92:

إذا تعددت مكاسب الإنسان و مصادر فائدته من الأموال، وجب عليه أن يضبط في آخر سنته مجموع ما يحصل له من أرباح و فوائد، و ان يؤدي الخمس مما يزيد عن مئونة سنته من ذلك كله.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 270

المسألة 93:

إذا كان الوجه الذي اتخذه الإنسان في كسبه من الوجوه التي تأتي فوائدها و أرباحها متدرجة في الحصول من أول الشروع فيها، فمبدأ السنة لهذا الشخص هو أول شروعه في الاكتساب، فيكون ذلك الوقت هو أول سنته التي يجب عليه الخمس بعد إخراج مئونتها من مجموع ما اكتسب في السنة من أولها إلى انتهائها، سواء كان الوجه الذي يكتسب به من التجارات أم من الصناعات أم من الأعمال التي تكون لها هذه الصفة.

و إذا كان الوجه الذي يكتسب به الرجل من الوجوه التي تتأخر أرباحها عن وقت الشروع فيها، كالزراعة و الغرس و الفلاحة، فمبدأ السنة له هو وقت ظهور الربح، سواء استمر ظهور الربح مدة بعد ذلك، أم ظهر دفعة ثم انقطع، و كان ما ظهر منه يكفي لمئونة السنة.

و إذا لم تكن للرجل مهنة خاصة يكتسب بها، و حصلت له بعض الفوائد التي تكفيه لمئونته، فمبدأ السنة هو وقت حصول الفائدة.

و إذا تعدّدت وجوه الاكتساب عند الشخص فمبدأ سنته هو أول السنة في أسبق وجوه اكتسابه لتحصيل الفائدة، سواء كان من القسم الأول أم من القسم الثاني، و سواء كان أسبق وجوه اكتسابه أكثرها فائدة أم أقلها، و يجب عليه في آخر سنته أن يضبط مجموع ما حصل له من الفوائد، و يخمس ما يزيد عن مئونة سنته من ذلك كلّه، كما قلنا في المسألة المتقدمة.

المسألة 94:

من الفوائد التي يتعلق بها وجوب الخمس إذا زادت على مئونة الإنسان لسنته، ما يدخل عليه من نماء الغنم التي يملكها، فإذا ملك الرجل قطيعا من الغنم مثلا، و أنتج القطيع من الصوف و اللبن و الدهن و الجبن و أولد سخالا، و باع هذا النتاج، و

حصل منه على أثمان كان ذلك من الفوائد و الأرباح، فإذا زادت الأثمان على مئونته في السنة وجب عليه الخمس في الزائد منها، سواء كانت الغنم التي ملكها مما لا خمس فيه، كما إذا انتقلت إليه بميراث محتسب، أم كانت مما فيه الخمس كما إذا كانت نتاجا وجب فيه الخمس و لم يؤدّه، أم كانت نتاجا قد أدّى خمسة، أو مشتراة بثمن قد خمسه، و كذلك الحكم في غير الغنم من الأنعام أو سائر الحيوان.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 271

المسألة 95:

إذا ظهرت الأرباح و الفوائد من كسب الرجل و مصادر رزقه، بدأ بإخراج مئونته التي يحتاج إليها في تحصيل الربح أو في معيشته و معيشة من يعول به لسنة تامة، فإذا فضل من الأرباح التي اكتسبها شي ء بعد المئونة وجب فيه الخمس و قد تكرر منا ذكر هذا.

و تنحصر المئونة المذكورة في قسمين:

القسم الأول من المئونة ما يصرفه الرجل من المال في تحصيل الربح و ضبطه و حفظه، كأجرة الدكان أو المحل الذي تودع فيه البضاعة و سلع الاكتساب و تحفظ فيه، أو تعرض فيه للراغبين، أو يكون موضعا للعمل و مخزنا للأدوات، و عوض السرقفلية الذي يلزمه ان يدفعه لمالك الدكان أو المحل، أو للمستأجر السابق عليه، و أجور النقل و التحميل و الكتابة و الحساب و الحراسة في ما يحتاج إلى ذلك، و ضرائب الدولة و أجور العامل و الفلاح و الزارع و الراعي و نحو ذلك.

القسم الثاني من المئونة ما يحتاج الإنسان إلى صرفه من المال في الإنفاق على نفسه و عياله على الوجه اللائق بشأنه بحسب شرفه و منزلته في مجتمعة و بلده، من المأكل و الملبس و موضع السكنى، و

الزوجة المناسبة لمكانته، و الأثاث و الفرش و الأواني و الأدوات الكافية، و وسائل الراحة، بل و الخدم و الكتب إذا كان ممن يحتاج إلى ذلك.

و من المئونة ما يحتاج إليه من المال لصدقاته و هداياه و جوائزه التي تناسبه، و زيارته لبعض المشاهد، و ضيافة أضيافه و تكريم بعض الوافدين إليه، و ما يحتاج إليه لاداء الحقوق التي تلزمه من ديون أو نذور، أو كفّارات أو فديات أو أروش جنايات، أو غرامات بسبب إتلاف و شبهه.

و من المئونة ما يحتاج إليه من النفقات و المصارف و الإطعام في بعض المناسبات، و عند ولادة أولاده، و في تربيتهم و تعليمهم، و في ختانهم و تزويجهم، و في مرضه أو مرض بعض أولاده و عياله و في أسفاره للعلاج و غيره، و على وجه الإجمال كل ما يتعارف للإنسان صرف المال فيه على الوجه الذي يحتاج إليه أو الوجه الذي يليق بحاله.

فلا يستثنى ما يزيد من النفقات على ما يليق بحاله، مما يعدّ عند العقلاء

كلمة التقوى، ج 2، ص: 272

و أهل العرف سفها أو سرفا بالنسبة إليه، و لا يستثنى كذلك ما يزيد منها على ما يليق بحاله و ان كان مما لا يعدّ سفها و لا سرفا، و ان كان من المئونة، فالمدار في الاستثناء على المئونة المتعارفة التي تليق بحاله كما ذكرنا.

المسألة 96:

من المئونة ما يكون الانتفاع به بإتلاف عينه و إذهابها، و من هذا القسم:

المأكولات و المشروبات، و الصابون للغسل و التنظيف و ما أشبهها، و من المئونة ما ينتفع به مع بقاء عينه، و من هذا القسم: المسكن و الأجهزة المنزلية للإنارة و التبريد و التدفئة، و الظروف و الأمتعة و

نحوها، فيجوز للمكلف أن يشتري من ذلك في أثناء سنته ما يحتاج إليه من ربح سنته، فيشتري من ربحه دارا يسكنها بالفعل، و أجهزة و ظروفا يحتاج إليها، و يكفي في الحاجة ان يعدّ الشي ء منها لوقت الحاجة بحسب ما يتعارف له فيشتري الفرش و الأواني لمن يقدم عليه من ضيوف و زوار و ان لم يكن محتاجا إليه بالفعل، و يشتري لنفسه و لأولاده و عياله ملابس الشتاء أو ملابس الصيف قبل ان يحين وقتها.

المسألة 97:

يجوز للإنسان أن ينفق مئونته من أرباح سنته، و ان كان يملك مالا آخر قد اخرج خمسه، أو يملك مالا آخر لا يجب الخمس فيه كالمال الذي انتقل إليه بالميراث، و ان كان الأحوط له استحبابا أن يوزّع مئونته على المالين.

المسألة 98:

إذا كان المكلف يملك دارا للسكنى و أثاثا للمنزل و أدوات للحاجة و نحو ذلك قبل سنة الربح اكتفى بذلك، و لم يعد محتاجا إلى هذه الأشياء التي يملكها من قبل، فلا يسقط الخمس عن مقدار قيمة هذه الأشياء من الربح.

المسألة 99:

لا يسقط وجوب الخمس عن مقدار المئونة من الربح حتى يصرفها المكلف بالفعل، فلا تحسب له إذا قتر على نفسه فلم ينفقها، و لا يستثنى له مقدار المئونة إذا تبرع له بها متبرع من الناس، فيجب عليه أداء خمسها في الصورتين.

المسألة 100:

إذا اشترى الإنسان من الربح لمئونته مقدارا من الحبوب أو الدهن أو السكر أو غيرها مما تصرف عينه فزاد بعضه على المئونة وجب على المكلف

كلمة التقوى، ج 2، ص: 273

إخراج خمس ما زاد منه، و كذلك إذا اشترى أقمشة لملابسه و ملابس أهله و أولاده في أثناء السنة، ففضل بعض الأقمشة التي اشتراها عن الحاجة في السنة فيجب عليه إخراج خمس ما فضل منها.

و اما الأشياء التي تبقى أعيانها مع الانتفاع بها في السنة، فلا يجب الخمس فيها إذا كان من شأنها أن تدّخر للانتفاع بها في السنين الآتية، كالمسكن و الأمتعة و الأواني، و ان استغنى عنها في بعض السنة كملابس الصيف في أيام الشتاء و ملابس الشتاء في أيام الصيف.

المسألة 101:

إذا استغنى الإنسان عن بعض الأعيان التي اشتراها من الربح لمئونته و كانت الأشياء المذكورة من شأنها أن تدّخر للسنين الآتية لم يجب الخمس فيها، سواء كان الاستغناء عنها بعد انتهاء السنة التي اشترى الأشياء من ربحها أم كان الاستغناء عنها في أثناء سنة الربح، و قد ذكرنا هذا في المسألة المتقدمة في ملابس الصيف في الشتاء و ملابس الشتاء في الصيف، بل و لا يجب فيها الخمس إذا استغنى عنها في جميع أيام السنة الثانية إذا كانت مما يحتاج إليه في ما بعدها من السنين.

و إذا استغنى عن الأشياء التي اشتراها من الربح في أثناء السنة أو بعد انتهائها استغناء تاما، فلا يحتاج إليها في السنين المقبلة، فالظاهر وجوب الخمس فيها، و كذلك الحكم في حلي المرأة فيجري فيها التفصيل المذكور.

المسألة 102:

إذا اشترى الرجل بعض الأشياء لمئونته في السنة من مال قد أخرج خمسه، و بقي بعض الأشياء التي اشتراها من ذلك المال إلى السنة اللاحقة لم يجب عليه الخمس في ما بقي و ان زادت قيمته السوقية على الثمن الذي اشتراه به، و إذا نقصت قيمته لم يجبر نقصه من ربح السنة.

المسألة 103:

إذا مات الرجل في أثناء سنة اكتسابه بعد ان حصل على الربح أو على شي ء منه، وجب على الوارث أن يخرج الخمس من الربح الذي حصل له بعد استثناء مئونته و مئونة عياله في المدة التي كان فيها حيّا، و يسقط اعتبار مئونة ما بعد موته.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 274

المسألة 104:

إذا لم يربح الشخص في كسب سنته، ثم ربح في السنة الثانية، لم يجز له أن يخرج مئونته في السنة الأولى من ربحه في السنة الثانية.

المسألة 105:

من مئونة الإنسان التي تخرج من أرباح سنته قبل الخمس ما يصرفه من المال في نفقة الحج إذا أتى به في سنة المئونة نفسها، فإذا وجب على المكلّف حج الإسلام بسبب الاستطاعة المالية له، سواء تحققت للمكلف الاستطاعة من ارباحه في تلك السنة أم كان وجوب الحج مستقرّا في ذمته من قبل، و خرج في تلك السنة لأداء الفريضة لم يجب عليه الخمس في نفقة الحج إذا هو لم يتجاوز في الصرف ما يتعارف من النفقة لأمثاله.

و ان لم يحج في سنته تلك لم يستثن له المقدار المذكور من الربح فيجب عليه الخمس فيه، سواء كان معذورا في تركه الحج في تلك السنة أم كان عاصيا فيه، فإذا حج في السنة الثانية أو في ما بعدها كانت نفقته من مئونة سنة حجة.

و إذا حج حجّا مندوبا و كان من شأنه أن يأتي بالحج المندوب كانت نفقته في حجه من المئونة إذا هو أخذها من ربح تلك السنة لا من أرباح السنين الماضية فلا يجب عليه الخمس فيها، و إذا أخذ النفقة من أرباح السنين السابقة وجب فيها الخمس إذا لم يكن قد أدّى خمسها من قبل.

المسألة 106:

إذا كانت استطاعة المكلف للحج مجتمعة من أرباح سنين متعددة وجب عليه الخمس في أرباح السنين المتقدمة إذا لم يكن قد أدّى خمسها من قبل، و لا يجب عليه الخمس في المقدار المتمم لاستطاعته من ربح السنة الحاضرة التي حج فيها، و يجوز له أن يأخذ نفقة حجه كلّها من ربح السنة الحاضرة وحدها إذا كان ربحها وافيا بالنفقة، و إذا أخذ النفقة منها وحدها لم يجب فيها الخمس، و إذا كان قد أدّى خمس أرباح السنين السابقة فلا

يجب فيها الخمس مرة أخرى إذا أراد الحج منها.

المسألة 107:

و من المئونة- التي تخرج من فوائد الإنسان و ربحه من مكاسبه قبل إخراج الخمس- ما يصرفه في نفقة العمرة إذا هو اعتمر في سنة ذلك الربح، سواء كانت

كلمة التقوى، ج 2، ص: 275

العمرة التي يأتي بها واجبة عليه أم مندوبة، و من المئونة ما يصرفه في نفقة زيارة الرسول (ص)، و زيارات المشاهد المشرفة الأخرى، و ان تعددت منه في عامه.

و هذا إذا كان من شأن ذلك الشخص أن يأتي بمثل هذه المندوبات كما قلنا في الحج المندوب. و المدار في ذلك كلّه على أن يكون صرف نفقات الحج و العمرة و المندوبات المذكورة في عام الربح.

فإذا انقضى الحول وجب الخمس في ما يبقى بعد انقضائه من زاد و نقود و غيرها من الأعيان التي تذهب بالانتفاع بها و ان كان لا يزال في أثناء السفر، و لا يجب الخمس في مثل الراحلة و الأثاث، و الأمتعة و نحوها من الأشياء التي تبقى أعيانها مع الانتفاع بها، و ان انقضى الحول، و كان قد اشتراها أو استأجرها من المال للسفر.

المسألة 108:

الظاهر أن وفاء الديون التي تكون على الإنسان يعدّ من مئونته في السنة، فإذا أدّى الدين من أرباح كسبه في السنة لم يجب الخمس في المبلغ الذي وفى به، سواء كانت الاستدانة في عام الربح أم كانت سابقه عليه، و سواء كان الدين لمئونته أم لغيرها، و سواء تمكن من وفائه قبل عام الربح أم لم يتمكن، فلا يجب الخمس في مال الربح الذي يفي به الدين في جميع الصّور.

نعم، إذا كان للدين ما يقابله من الأشياء المملوكة لذلك الإنسان في الخارج، و مثال ذلك: أن يشتري الرجل بالدين ضيعة أو عقارا أو

غيرهما من الأشياء فيتملكه، فإذا أدّى ذلك الدين من مال الربح كانت الضيعة أو العقار الذي يقابل الدين من فوائد ذلك العام، فيجب فيه الخمس، سواء كان الدين و المعاوضة على ذلك الشي ء في عامه أم في عام سابق.

المسألة 109:

إذا أراد الشخص المدين أن يؤدّي الدين من ربح العام بعد انقضائه، فإن كان ذلك الدين لمئونة سنة ذلك الربح فلا خمس عليه في ذلك، و ان كان الدين لغيرها من السنين الماضية وجب عليه ان يخرج خمس الربح قبل أن يؤدّي منه ذلك الدين، فإن أداء الديون السابقة انما تكون من مئونة السنة الحاضرة إذا تحقق الأداء في أثنائها، و ليس منها أن يؤدّي الدين السابق من ربح السنة بعد انقضائها.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 276

المسألة 110:

النذور و الكفارات التي تجب على الرجل و سائر الديون الشرعية التي تشتغل بها ذمته أو يتعلّق وجوبها بأعيان ماله، كالزكاة و الخمس و قيم الأشياء التي يتلفها أو يدخل النقص أو العيب فيها، و أروش الجنايات التي يجنيها و شروط المعاملات التي تلزمه، يكون شأن هذه الأمور شأن الديون العرفية، فيكون وفاؤها من المئونة، و يجري فيها الكلام الذي قدّمنا ذكره في الديون العرفية بجميع فروضه، فإذا هو أدّاها من ربح مكاسبه في أثناء السنة لم يجب الخمس في المقدار الذي تؤدّى به من المال و ان كان لزومها له قبل ذلك العام، و كذلك إذا أدّاها من ربحه في السنة بعد انقضاء السنة و كان لزومها له في تلك السنة، فلا يجب الخمس في المقدار الذي تؤدّى به من ربحها.

و إذا أراد أداءها من ربح السنة بعد انقضائها، و كان لزوم هذه الديون له قبل تلك السنة فلا بدّ من إخراج الخمس قبل أدائها.

المسألة 111:

ما يستقرضه الإنسان أو يستدينه لمئونته قبل أن يظهر الربح من كسبه لا يكون من مئونة سنة الربح فقد سبق منّا ان مبدأ السنة لا ينفك عن ظهور الربح، نعم، يكون ذلك من الدين السابق، فيجري فيه الكلام المتقدم في أداء الدين، و تلاحظ المسألة المائة و الثامنة.

المسألة 112:

إذا اعتقد الرجل في شي ء من الأشياء انه مما يحتاج إليه في مئونته فاشتراه من ربح السنة، ثم علم بعد شرائه ان الشي ء مما لا يحتاج إليه و انه قد أخطأ في اعتقاده، وجب عليه ان يخرج خمس ذلك الشي ء، و لا يترك الاحتياط في أن يلاحظ في تخميسه أكثر الأمرين من قيمة ذلك الشي ء في الوقت الحاضر و رأس المال الذي اشتراه به، و يتأكد هذا الاحتياط في الأشياء التي يشتريها و هو يعلم في حين شرائه إياها بعدم الحاجة إليها في الوقت الحاضر، كالفراش الزائد على الحاجة في المنزل و الكتب التي يعلم بعدم الحاجة إليها، و الجواهر التي تدّخر لوقت الحاجة، و كذلك الحكم إذا اشترى ذلك الشي ء بمبلغ في الذمة ثم وفاه من الربح، فيجري فيه كل ما بينّاه في المسألة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 277

المسألة 113:

إذا حصل الربح للإنسان من كسبه و كان زائدا على مئونته في السنة تعلّق به وجوب الخمس، و يجوز له أن يؤخر دفع الخمس إلى آخر السنة احتياطا للمئونة، لاحتمال أن تزيد على المقدار الذي يعتقد بكفايته، و احتمال ان تتجدد له مئونة اخرى لا يعلمها.

و من النتائج التي تترتب على ذلك، ما إذا علم المكلف بأنه لن توجد له مئونة تزيد على المقدار الذي اعتقد بالحاجة إليه، فالأحوط له استحبابا أن يعجل دفع الخمس و لا يؤخره، و من نتائج ذلك أنه إذا أتلف المال كان ضامنا للخمس، و كذلك إذا أسرف في صرف المال في المئونة، أو وهب المال لغيره، و كانت الهبة لا تعدّ من مئونته عرفا، أو كانت هبة غير لائقة بحاله، أو اشترى بالمال أو باعه على وجه المحاباة و

كانا غير لائقين بشأنه، فيكون ضامنا للخمس في جميع هذه الصور.

المسألة 114:

إذا احتاج المكلف إلى دار يسكنها، و لم يمكن له شراء الدار إلا بربح سنين متعددة من كسبه وجب عليه الخمس في أرباح السنين الماضية من قيمة الدار إذا لم يكن قد دفع خمسها من قبل، و لم يجب عليه الخمس في المقدار المتمم للثمن من ربح السنة التي يشتري فيها الدار، و هذا إذا اشترى الدار في أثناء السنة الأخيرة، و إذا اشتراها بعد انقضاء السنة الأخيرة وجب الخمس في الجميع، حتى في ربح السنة الأخيرة منها.

و كذلك الحكم إذا اشترى في السنة الأولى أرض الدار مثلا و اشترى في السنة الثانية أخشابها و حديدها و في السنة الثالثة حجارتها و آجرها، و هكذا حتى أتم المادة و البناء، فيجب الخمس في تلك الأعيان المشتراة، و لا يجب في ما يصرفه فيها من ربح السنة الأخيرة، إذا كان الصّرف في أثناء السنة و تمّ له سكنى الدار فيها.

و إذا كان الصرف من ربح السنة الأخيرة و السكنى في الدار بعد انتهاء السنة الأخيرة وجب فيه الخمس كما في السنين السابقة، و كذلك إذا كان الصرف في أثناء السنة و لم تحصل السكنى في الدار إلا بعد انتهاء السنة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 278

المسألة 115:

إذا اشترى المكلف دارا لسكناه بثمن بقي دينا في ذمته و سكن الدار، ثم وفى ثمنها من أرباح كسبه في السنة الثانية أو ما بعدها، لم يجب عليه الخمس في الدار و لا في الرّبح الذي وفى به الدين، و كذلك إذا وفى الدين اقساطا من أرباح سنين متعددة بعد شراء الدار و السكنى فيها، فلا يجب فيه الخمس، و كذلك الحكم في غير الدار من أعيان المئونة التي يحتاج إليها

في سنته إذا اشتراه بالدين ثم وفاه من الأرباح اللاحقة.

المسألة 116:

إذا دفع المكلف في أثناء سنته مقدارا من خمس أرباحه في تلك السنة، و كان المبلغ الذي دفعه من الربح فيها، و بعد أن تم حول الاكتساب شرع في حساب الباقي من أرباحه ليتعرّف مقدار خمسه، فعليه أن يدخل المبلغ الذي دفعه من الخمس في حساب الفاضل من الربح، و يتعرّف مقدار خمس الجميع، ثم يسقط ما دفعه من مقدار الخمس الواجب.

المسألة 117:

إذا تلف بعض أشياء المكلف غير المال الذي يكتسب به أو يتجر، أو سرق ذلك الشي ء منه أو غصب، فقد يكون ذلك الشي ء التالف من المئونة التي يحتاج إليها، كما إذا تلف أو سرق بعض فرشه أو أوانيه، فيحتاج إلى شراء غيره من الربح و يكون الشي ء الذي يشتريه بدلا عن التالف من المئونة، و لذلك فلا يجب فيه الخمس، و كذلك إذا كان تلف ذلك الشي ء من أموال المكلف يعدّ في نظر أهل العرف مانعا من صدق الفائدة على الربح الموجود، و مثال ذلك: ان تتلف منه جوهرة عزيزة المنال لا يعوض باقي الربح عنها، بحيث لا يصدق عليه بعد تلفها منه انه ربح في كسبه، فلا يجب فيه الخمس، و في غير هاتين الصورتين فالظاهر وجوب الخمس في الباقي.

المسألة 118:

إذا كان للإنسان أنواع متعددة من التجارة أو من الزراعة أو من وجوه المكاسب الأخرى، و اتفق له ان خسر في بعض تلك الأنواع في سنته أو تلف بعض رأس ماله في البعض و ربح في البعض الآخر، فان كان تلف التالف من أمواله أو خسارته في تجارته تلك يكون في نظر أهل العرف مانعا من صدق الربح

كلمة التقوى، ج 2، ص: 279

أو الفائدة على الربح الذي حصل له من الجهة الأخرى لم يجب الخمس في ذلك الربح كما ذكرنا في المسألة المتقدمة، و إذا منع من صدق الفائدة في المقدار الذي يسدّ النقص الذي طرأ له في النوع الثاني من كسبه لم يجب الخمس في ذلك المقدار، و ان لم يكن في نظرهم مانعا من صدق الربح أو الفائدة عليه فالظاهر وجوب الخمس في ذلك الربح.

و لا فرق في الحكم بين ان

يقع ذلك في تجارة واحدة أو زراعة واحدة، و ان يكون في تجارات أو زراعات متعددة، و أن يكون في تجارة و زراعة أو غيرها من المكاسب و الفوائد.

و كذلك الحال إذا صرف الإنسان بعض تلك الأموال في نفقاته و بعد ذلك ظهر الربح، فيلاحظ المقياس المذكور من نظر أهل العرف، و لا يبعد أن لاستقلال التجارات و وجوه الاكتساب بعضها عن بعض، و صغرها و كبرها دخلا في حكم العرف بذلك.

و إذا كان الشخص لشرفه و منزلته الاجتماعية الخاصة ممن يكون وجود رأس المال بيده للتجارة مئونة من مؤنة التي لا بدّ له منها، أو ضرورة لا يستطيع التكسب اللائق بشرفه إلا بوجوده، ثم تلف رأس ماله أو طرأت له خسارة أو نقصان فيه، عوّض ما تلف منه أو نقص من الربح الموجود، و لا يجب عليه الخمس في العوض، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثامنة و الثمانين، و كذلك آلات الصناعة إذا كانت ضرورية له في العمل فلا يقدر على التكسب إلا بها و قد ذكرناها أيضا في المسألة المشار إليها.

المسألة 119:

إذا انهدمت الدار التي يسكنها الرجل فليس له أن يأخذ هذه النقيصة التي دخلت عليه في ماله بسبب انهدام داره فيجبر نقصه في المال من الربح، نعم يجوز له أن يعمّر الدار من ربح سنته، فإذا عمرها و أنفق عليها كانت نفقة تعمير الدار من المئونة فلا يجب فيها الخمس، و إذا انهدمت له دار قد أعدّها للاكتساب بإجارتها و أراد عمارتها من الربح وجب عليه أن يخرج الخمس من نفقة التعمير.

المسألة 120:

إذا تعلّق وجوب الخمس بمال الشخص من الأرباح أو الفوائد، ثم أتلف أحد ذلك المال بعد تعلّق الخمس به كان المتلف ضامنا للخمس، سواء كان المتلف

كلمة التقوى، ج 2، ص: 280

هو مالك المال أم غيره، فيأخذ الحاكم الشرعي منه مثل الخمس إذا كان المال مثليّا و قيمته إذا كان قيميّا، و قد ذكرنا في المسألة التاسعة و السبعين حكم ما إذا باع المالك المال الذي تعلّق به الخمس أو اشترى به شيئا، أو نقله إلى ملك مالك غيره بمعاوضة أخرى غير البيع كالهبة المعوّضة و المصالحة بعوض، أو ملّكه غيره بغير عوض فلتلاحظ المسألة المذكورة.

المسألة 121:

إذا أجرى المالك معاملة البيع على الشي ء بثمن في الذمة، ثم دفع عين المال الذي تعلّق به الخمس وفاء عن الدين الذي اشتغلت به ذمته كانت المعاملة صحيحة غير فضولية فلا تحتاج في نفوذها إلى إمضاء الحاكم الشرعي كما هو الحكم في المسألة المشار إليها في المسألة المتقدمة، و بقيت ذمة المالك مشغولة بمقدار الخمس، فإذا كانت عين المال موجودة أخذ الحاكم الخمس من العين، و إذا كانت تالفة رجع بعوض الخمس من المثل أو القيمة و كان مخيّرا بين ان يرجع بالعوض على المالك و الآخذ.

و كذلك الحكم إذا كان النقل إلى الغير بمعاوضة أخرى غير البيع بعوض في الذمة ثم دفع المال وفاء عن الدين فيجري فيه البيان المذكور.

المسألة 122:

الأقوى ان تعلّق الخمس بالمال الذي يجب فيه من الأرباح أو غيرها، من قبيل تعلّق الحق بالعين نظير ما تقدم تفصيله في حق الزكاة، و لذلك فيشكل القول بجواز تصرف المالك في بعض مال الربح قبل أن يدفع خمس المال، و ان كان مقدار الخمس منه باقيا في يد المالك و كان من نيته ان يخرج الخمس من البقية، و يجوز له ذلك إذا صالحه الحاكم الشرعي بحسب ولايته فنقل الخمس من عين المال إلى ذمته.

المسألة 123:

إذا ظهر ربح الاكتساب في أول السنة أو في أثنائها، جاز للمالك أن يتصرف في الربح من حين ظهوره و أن يتجر به و يكتسب، و إذا حصل من الاتجار و التكسب بالربح ربح آخر أو فائدة، فالظاهر ان جميع ما يحصل منه مملوك لمالك المال، و ليس لأرباب الخمس منه شي ء، و يكون شأن هذا الربح كشأن سائر الأرباح التي تحصل للمالك، فإذا أخرجت منها المئونة و بقيت منها بقية وجب

كلمة التقوى، ج 2، ص: 281

الخمس في الباقي.

و إذا ظهر الربح في أول السنة أو في أثنائها كما قلنا في أول المسألة، و لم يتصرف المالك بالربح و لم يتجر به حتى تمّ الحول، تعلّق به وجوب الخمس، و أشكل الحكم بجواز أن يتجر به المالك بعد ذلك إذا هو لم يؤد خمسه، و إنما يصح له الاتجار به و التصرف إذا أجاز الحاكم الشرعي معاملته، و لا يصح للحاكم ان يجيز له المعاملة و يمضيها إلا إذا احتاط للخمس بأن يشترط عليه دفع الخمس و لو من مال آخر.

المسألة 124:

إذا حصل للمكلف بعض الربح من كسبه في أول السنة، فقدّر مئونته التي يحتاج إليها في سنته و أخرجها من الربح الذي حصل له و خمّس الباقي في أثناء السنة، ثم ظهر له بعد دفع الخمس ان ما دفعه أكثر مما يجب عليه، جاز له أن يرجع على المستحق الذي قبضه منه فيأخذ منه ما زاد على المقدار الواجب إذا كانت عين الخمس الذي دفعه موجودة، و يأخذ منه العوض إذا كانت تالفة و كان المستحق عالما بالحال، و لا يرجع عليه بشي ء في صورة التلف إذا كان جاهلا مغرورا من قبل المالك،

و كذلك الحكم إذا دفع المالك الخمس في أثناء السنة أو بعد انقضائها، ثم تبيّن له ان الخمس لم يجب عليه في ماله، فيجري فيه التفصيل المذكور.

المسألة 125:

إذا اشترى الرجل لنفسه من الربح جارية، فإن كان شراؤه للجارية في أثناء الحول و هو محتاج إليها، فهي من المئونة و لا يجب عليه الخمس في قيمتها، و إذا اشتراها بعد انقضاء الحول على ظهور الربح، و استقرار وجوب الخمس عليه في ماله، و كان شراؤه للجارية بعين الربح، لم يجز له التصرف في الجارية و لا وطؤها حتى يؤدي خمس قيمتها.

و إذا اشترى الجارية بثمن في ذمته ثم دفع الربح وفاء لما في ذمته من الثمن كان الشراء صحيحا و جاز له وطء الجارية، و يرجع الحاكم الشرعي بالخمس إذا كانت العين موجودة و ببدله من المثل أو القيمة إذا كانت عينه تالفة، و يتخير في رجوعه بذلك بين المشتري و البائع فيأخذه من أيهما أراد.

و كذلك إذا اشترى المكلف له من ربح ماله ثيابا، فلا يجوز له لبسها و لا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 282

تصح صلاته فيها إذا كان شراؤها بعد انقضاء الحول على ظهور الربح في المال و استقرار الخمس فيه و كان الشراء بعين الربح، و يجوز له لبس الثياب و الصلاة فيها إذا كان شراؤها في أثناء الحول، أو كان بعد انقضاء الحول و كان الشراء بثمن في الذمة، ثم دفع الربح وفاء لذلك.

المسألة 126:

إذا اتخذ الإنسان مهنة الغوص في البحر أو استخراج المعادن من الأرض مكسبا له، كفاه في أداء الواجب عنه، أن يخرج خمس مال الغوص و المعدن، فلا يجب عليه بعد ان يؤدي خمسهما ان يخمّس ما يزيد على مئونته من أرباح ذلك، و لا يكفيه أن يخمّس فاضل هذه الأرباح عن خمس الغوص و المعدن، و لا الكنز إذا اتفق له ذلك.

و إذا أدخل

على ما أخرجه من مال الغوص أو المعدن بعض العمل فارتفعت بذلك قيمته، كما إذا حك الجواهر فجعلها فصوصا، و نظم اللئالي فصيّرها عقودا أو قلائد و ارتفعت بذلك قيمتها، وجب عليه أداء خمس المادة في أصل الغوص و المعدن، و وجب عليه خمس الفوائد و الأرباح التي تحصل له بسبب تلك الأعمال بعد إخراج المئونة، و قد تقدم ذكر هذا في مبحث المعدن و الغوص.

المسألة 127:

سنة الربح- كما سبق منا إيضاحه- محدودة الأول و الآخر، فهي تبدأ من أول ظهور الربح في مكسب الإنسان، و تنتهي إلى ما قبل ذلك اليوم من العام في السنة القمرية، و هي أيضا سنة المئونة لذلك الإنسان، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثالثة و التسعين.

فكل ما يصيبه الرجل من الفوائد من نتاج الزرع، أو من نتاج العمل، أو من نتاج التجارة أو الصناعة في أثناء هذا الحول و قبل انتهائه فهو من ربح السنة، و ان حصل له في اليوم الأخير من العام، فيجب الخمس في ما يفضل عن المئونة من مجموع ذلك، و ما يتأخر من النتاج عن آخر يوم من العام يكون من أرباح السنة المقبلة، و ان كان الزرع أو العمل أو المكسب واحدا.

فنتاج المزرعة الواحدة في اليوم الأخير من السنة يكون من ربح السنة الأولى، و نتاجها في اليوم الثاني بعده يكون من ربح السنة الثانية، و كذلك أجرة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 283

الأجير على عمله في اليوم الأول و اليوم الثاني المذكورين.

و إذا بذر الزارع حنطة أو شعيرا في الأرض فنما الزرع و سنبل بعضه قبل انتهاء السنة كان جميع ذلك من ربح تلك السنة حتى القصيل الذي لم يسنبل، فعلى

المكلف أن يقوّم السنبل الموجود و يقوّم القصيل إذا كانت له قيمة و يخرج خمسه بعد المئونة، فإذا سنبل الباقي من الزرع بعد ذلك كان هذا السنبل من نتاج السنة اللاحقة.

المسألة 128:

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

كلمة التقوى؛ ج 2، ص: 283

إذا آجر الرجل نفسه للعمل عند أحد أياما معلومة و اشترط أن تكون لكل يوم من الأيام على انفراده أجرة، و كانت لهذا الأجير سنة معيّنة لكسبه، كانت أجرته للعمل في اليوم الأخير من العام من ربح سنته الأولى، و أجرته في اليوم الثاني بعده من ربح سنته الثانية كما قلنا آنفا.

و إذا استؤجر للعمل شهرا كاملا مثلا و اشترط المستأجر عليه أنه لا يستحق مجموع الأجرة حتى يتم العمل في مدّة الشهر، كان جميع الأجرة من ربح السنة الثانية و ان كان بعض أيام العمل من السنة الأولى، سواء دفع المستأجر له مال الإجارة سابقا أم لم يدفعه حتى أتمّ العمل في الشهر.

المسألة 129:

يمكن للمكلف أن يغير رأس سنته للأرباح من يوم معيّن إلى يوم غيره و من شهر إلى شهر آخر، فيدفع خمس ما ربحه في المدة الماضية من السنة، ثم يجعل له رأس سنة للأرباح من أول ظهور الربح الجديد، و لا بد و ان يكون ذلك بنظر الحاكم الشرعي و مراجعته على الأحوط لزوما، فيصالحه و يعين له رأس سنة آخر لأرباحه.

المسألة 130:

يجب على المكلف في آخر سنة ربحه ان يؤدّي خمس كل ما فضل عن مئونته و مؤنة عياله من أرباح السنة، و منه ما فضل عنده من الأشياء التي اشتراها للمئونة من حبوب أو دقيق أو دهن، أو سكّر أو شاي، أو نفط أو غاز، أو غيرها من الأشياء التي تذهب عينها بالانتفاع بها.

و إذا كان في ذمته دين قد حضر وقت وفائه، و هو يساوي قيمة تلك الأعيان الزائدة من مئونته أو يزيد عليها لم يجب عليه الخمس في تلك الأعيان،

كلمة التقوى، ج 2، ص: 284

و إذا كان الدين أقل من قيمة الأعيان، وجب الخمس في ما زاد منها على الدين، و إذا حلّت عليه السنة الثانية و وفى الدين من أرباحها، لم يجب الخمس في تلك الأعيان إذا كانت موجودة إلا إذا زادت على المئونة.

المسألة 131:

إذا اشترى الرجل في أثناء سنته أعيانا لغير المئونة، كبستان أو دار للإجارة أو نحو ذلك، و كان عليه دين يجب وفاؤه في السنة يساوي قيمة تلك الأعيان المشتراة أو يزيد عليها، لم يجب عليه خمس تلك الأعيان التي اشتراها، فإذا وفى الدين في السنة، وجب عليه خمس تلك الأشياء في السنة نفسها، و إذا وفى الدين في السنة الثانية عدّت تلك الأشياء من أرباح السنة الثانية و وجب على المكلف أداء خمسها فيها، سواء كان ذلك الدين من اثمان تلك الأشياء أم كان سابقا عليها.

و إذا وفى من الدّين بعضا وجب الخمس في ما يقابل ذلك البعض من الأعيان، فإذا وفى نصف الدين وجب الخمس في نصف الأعيان، و هكذا.

المسألة 132:

إذا اكتسب الرجل في سنته الأولى و أصاب من كسبه فيها ربحا، ثم اكتسب في سنته الثانية و أصاب فيها ربحا، و أراد ان يدفع خمس سنته الأولى من ربحه في سنته الثانية، و كانت عين ربحه في السنة الأولى موجودة، وجب عليه أن يخمس المبلغ الذي يريد دفعه من ربح السنة الثانية لأنه من فاضل ربحها ثم يدفع باقي المبلغ وفاء عن مقداره من خمس السنة الأولى، و هكذا حتى يفي جميع ما عليه من خمسها.

و إذا أتلف ربح السنة الأولى و استقر الخمس بسبب الإتلاف دينا في ذمته، فأراد وفاء هذا الدين من ربح السنة الثانية كان ذلك من المئونة و لم يجب فيه الخمس إذا كان الوفاء في أثناء السنة، و كذلك إذا صالحه الحاكم الشرعي بمبلغ يكون في ذمته عوضا عن الخمس بعد أن تلفت أعيان المال.

المسألة 133:

إذا استفادت المرأة بعض الفوائد أو اكتسبت بعض الأرباح من عمل أو صناعة أو غيرهما وجب عليها الخمس في ما يفضل من ربحها أو فوائدها عن مئونتها كما هو الحكم في الرجل، و إذا كانت ممن يقوم زوجها أو أبوها أو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 285

ولدها أو غيرهم بنفقاتها و مئونتها وجب الخمس في جميع الربح و الفوائد التي تدخل عليها بعد استثناء ما تنفقه على تحصيل الربح، و إذا قام المنفق ببعض نفقاتها دون بعض أخرجت بقية مئونتها من الربح و خمّست الباقي منه، و كذلك إذا نالت بعض الهبات و الهدايا من زوجها أو اقربائها أو غيرهم.

المسألة 134:

لا يشترط في تعلق الخمس بالمعدن و الكنز و ما يخرج بالغوص من البحر و المال الحلال المختلط بالحرام و الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم أن يكون صاحبه بالغا أو عاقلا أو حرّا، فإذا دخل على الطفل أو على المجنون أو على العبد المملوك شي ء من ذلك وجب على ولي الطفل و المجنون، و على سيّد المملوك إخراج الخمس منه، و كذلك الحكم في أرباح مكاسب الطفل، فعلى الولي إخراج خمس أرباحه بعد استثناء المئونة، فإن لم يخرجه الولي في حال طفولة الطفل و ولاية الولي عليه أخرجه الطفل بعد ان يكبر و يبلغ الحلم.

المسألة 135:

يجوز للمؤمن أن يشتري الأموال من الأشخاص الذين لا يعتقدون بوجوب الخمس كالكفّار و المخالفين في المذهب من فرق المسلمين، و ان يقبل الهبة و الجائزة منهم و ان علم ان المال المبيع أو الموهوب له مما تعلّق به وجوب الخمس، و يجوز له التصرف في ذلك المال و لا يجب عليه إخراج خمسه، سواء كان من ربح التجارة أم من المعادن أم غيرهما مما يجب فيه الخمس، و سواء كان المنتقل إليه من المساكن و المناكح و المتاجر أم من غيرها، فإن الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم)، قد أباحوا ذلك لشيعتهم.

و كذلك كل ما ينتقل إلى المؤمن من أولئك بغير البيع و الهبة من المعاملات، فيجوز له أن يستأجر الدار و العقار و العمارة و الضيعة و غير ذلك من أموالهم التي تعلّق بها الخمس، و لا يجب عليه أداء خمسه.

و كذلك ما ينتقل إليه ممن يقول بإباحة الخمس في حال الغيبة من الشيعة الإمامية، و من يقول بإباحة حق الإمام (ع) منهم، فيجوز للمؤمن أن يتصرف في

الأموال المنتقلة إليه من هؤلاء بالبيع أو بالهبة أو بغيرهما من المعاملات، و لا يجب عليه إخراج خمسها، بل و ما ينتقل إليه ممن لا يخمّس من الإمامية تهاونا أو عصيانا، فلا يجب على المؤمن الذي انتقل إليه المال إخراج خمسه، و يكون

كلمة التقوى، ج 2، ص: 286

الخمس في العوض الذي اشتراه به أو دفعه بدلا في المعاوضة، و يكون في ذمة من انتقل عنه المال إذا كان نقله إليه بغير عوض.

و أولى من ذلك بالإباحة أن يدخل المؤمن البيت أو المحلّ أو الضيعة و غيرها من المواضع التي تعلّق بها الخمس من أملاك أحد من هؤلاء الذين تقدم ذكرهم في المسألة، فيأكل هذا المؤمن الداخل و يشرب و يمكث و ينام و يصلي في الموضع، و لا يلزمه شي ء، لإباحة المعصومين (ع) ذلك لشيعتهم.

المسألة 136:

يجوز للمكلف من المؤمنين أن يدخل في الشركة مع من لا يعتقد بوجوب الخمس من الأصناف التي تقدم ذكرها، فيدخل معه بمضاربة أو بمعاملة أخرى توجب الشركة في المال، و لا إثم عليه في الدخول معه، و يجب عليه أداء الخمس في حصته من المال إذا تعلّق بها الخمس، و يجوز له الدخول في الشركة مع من يقول بإباحة الخمس حال الغيبة كذلك، و عليه أن يؤدي خمس حصته إذا تعلّق بها.

المسألة 137:

إذا أغفل المكلّف المكتسب أمر الخمس سنين متعددة، فلم يحاسب نفسه عمّا ربح في كسبه و ما استفاده في تلك السنين، و كان قد ربح فيها و استفاد أموالا، و اشترى من أرباحه و فوائده أملاكا و أشياء لمئونته و لغير مئونته، ثم تنبّه لوجوب الخمس عليه في ذلك، فيجب عليه إخراج الخمس من كل ما اشتراه من أملاك و أشياء لغير المئونة، كما إذا كان قد اشترى من ارباحه و فوائده بستانا أو عقارا أو دارا لغير السكنى، أو اشترى أثاثا و أمتعة و حيوانا لغير المئونة، فيلزمه أداء خمسها.

و يجب عليه أداء خمس ما صرفه من الأموال و النفقات في تعمير البستان و غرس النخيل و الأشجار فيه، و تعمير الدار و العقار المتقدم ذكرهما، و للإحاطة بعلم ذلك على التفصيل تراجع المسائل المتعلّقة به من هذا الفصل.

و اما الأعيان و الأشياء التي اشتراها من الأرباح لمئونته، فان كان قد اشتراها من ربح السنة التي اشترى الأشياء فيها ثم صرفها في المئونة في أثناء السنة نفسها، فلا خمس عليه في ثمنها، كما إذا اشترى له من ربح تلك السنة دارا ليسكنها ثم سكنها بالفعل قبل ان ينقضي الحول، أو اشترى لمنزله

فرشا و أمتعة و أواني من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 287

فوائده في السنة و استعملها في أثنائها.

و كذلك إذا اشترى هذه الأعيان للمئونة بثمن في ذمته و جعله أقساطا، ثم وفى كل قسط من ربحه في السنة التي وفى بها ذلك القسط من دينه فلا يجب عليه الخمس في ذلك، و مثله ما إذا عمّر دار سكناه من أرباح سنة التعمير أو استدان لذلك مبلغا و جعل الدين اقساطا ثم وفى الأقساط على النهج الذي تقدم ذكره.

و إذا كان قد اشترى الأشياء لمئونته من ربح سنين سابقه وجب عليه الخمس في ثمنها إذا لم يكن قد أدّى خمس تلك الأرباح من قبل، و مثله إذا عمّر دار سكناه من ربح سنين سابقه فيجري فيه ذلك الحكم.

و إذا قسم الرجل الثمن الذي اشترى به المئونة أو النفقة التي عمّر بها دار سكناه، فأدّى بعض ذلك من ربح السنة الحاضرة و وفى بعضه من أرباح سنين متقدمة، ترتب على كل واحد منهما حكمه، فلا يجب الخمس في ما أدّاه و صرفه من ربح سنته الحاضرة إذا صرف المئونة في نفس السنة، و لزمه الخمس في ما أدّاه من أرباح السنين الماضية، و إذا كان قد خمّس تلك الأرباح من قبل، فلا يجب عليه الخمس مرة أخرى.

و إذا التبس عليه الأمر فلم يدر انه اشترى الأشياء أو عمّر دار سكناه من اي الربحين ليجري فيه حكمه فالأحوط له المصالحة مع الحاكم الشرعي.

المسألة 138:

يجري في النفقات التي يصرفها الرجل في مئونة تحصيل الربح جميع ما ذكرناه في مئونة الشخص لنفسه و لعياله، فإذا أغفل أمر الخمس و صرف فيها من الأرباح و الفوائد الحاضرة أو المتقدمة، جرى فيها

التفصيل الذي ذكرناه في تلك المئونة، و إذا لم يربح الشخص في بعض السنين فصرف في نفقاته الخاصة أو في نفقة تحصيل الربح من أرباح السنين الماضية وجب عليه الخمس في تلك النفقات، فان المفروض انه قد أغفل خمس الأرباح و لم يؤدّه من قبل، و إذا علم ان بعض الأرباح قد تلف في يده أو حدث له فيها بعض موجبات الضمان غير التلف كالتصرف غير المأذون فيه شرعا و شبهه، كان ضامنا لخمس ذلك الربح.

المسألة 139:

إذا اشترى المكلف من أرباح سنته بعض السلع ليكتسب بها، و ارتفعت قيمة السلعة و لم يبعها حتى حلّ آخر سنته للتكسب كانت السلعة المشتراة بنفسها

كلمة التقوى، ج 2، ص: 288

من الأرباح، فيجب عليه إخراج خمسها عينا أو بحسب قيمتها الموجودة حين الأداء.

الفصل الثاني في مستحق الخمس و مصرفه

المسألة 140:

يقسم الخمس في زمان غيبة الإمام المعصوم (ع) نصفين، نصف منه لإمام العصر (صلوات الله و سلامه عليه و على آبائه الطاهرين)، و هذا النصف يشمل سهم الله (سبحانه) و سهم الرسول (ص) و سهم ذوي القربى، و هي السهام التي ذكرتها الآية الكريمة من سورة التوبة، و النصف الثاني: لليتامى من بني هاشم و المساكين و أبناء السبيل منهم خاصة و لا تعم غيرهم.

المسألة 141:

يشترط في الأصناف الثلاثة الذين يستحقون النصف الثاني من الخمس من بني هاشم: أن يكونوا مؤمنين فلا يستحق الخمس كافر و لا مسلم غير مؤمن، و ان صحّ نسبه إلى بني هاشم و كان فقيرا، و الأطفال بحكم آبائهم الشرعيين، فطفل الأب الهاشمي المؤمن، هاشمي مؤمن، و طفل غير المؤمن بحكم أبيه.

و يشترط في اليتامى أن يكونوا فقراء، فلا يستحق اليتيم الهاشمي من الخمس إذا كان غنيّا، و يشترط في ابن السبيل أن يكون فقيرا محتاجا في بلد التسليم و ان كان غنيا في بلده، و يشترط فيه ان يكون غير قادر على سدّ حاجته في سفره بقرض أو تحويل أو نحوهما، أو ببيع بعض ما يملكه، و يشترط فيه على الأحوط ان لا يكون سفره في معصية.

و لا يشترط في مستحق الخمس من الأصناف الثلاثة ان يكون عادلا، نعم، لا يترك الاحتياط لزوما بمنع شارب الخمر و من تجاهر بارتكاب المحرمات الكبيرة الأخرى أو بترك الواجبات، فلا يعطى من الخمس، و قد تقدم نظير هذا في مستحق الزكاة، بل يقوى عدم جواز إعطاء الخمس للمستحق إذا كان في دفعه إليه إعانة له على الإثم أو إغراء بالقبيح، و خصوصا إذا كان في منعه من الخمس ردع له عن ارتكاب

ذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 289

المسألة 142:

الهاشمي هو الذي ينتسب إلى هاشم بن عبد مناف بأبيه، و لا يحلّ الخمس لمن انتسب إليه من قبل امه، و كان أبوه من قبيلة أخرى، بل يصح له أخذ الزكاة الواجبة من الهاشمي و غير الهاشمي، و يجوز إعطاء الخمس لجميع بني عبد المطلب بن هاشم، و لجميع بني أبي طالب و ان لم يكونوا علويّين أو فاطميين، و ان كان هؤلاء أولى بالتقديم على غيرهم.

المسألة 143:

يثبت نسب الشخص إلى بني هاشم أو إلى غيرهم بإقامة البينة العادلة على صحة نسبه، و بالشياع المفيد للعمل بصحته و بأي أمارة أخرى توجب العلم به، و يصدّق قول من يدّعي النسب إذا حصل للمكلف الوثوق بصدق قوله، أو عضدته امارة توجب الوثوق بصدقه فيعطى من الخمس، و لا يصدق قوله إذا تجرّد عن جميع ذلك.

المسألة 144:

إذا وكّل المكلف بالخمس شخصا في أن يوصل الخمس الواجب عليه إلى من يستحقه و كان الوكيل ممن يوثق بأمانته و ان لم يكن عدلا، فأوصل الوكيل الخمس إلى من يعلم بصحة نسبه، برئت ذمة المكلف بأدائه و ان كان المكلف نفسه لا يعلم بصحة نسب ذلك المستحق، فيكون المدار على علم الوكيل بذلك لا على علم الموكل به.

و من النتائج المتفرعة على هذا الحكم أن الوكيل إذا أخذ الخمس لنفسه و كان يعلم بصحة نسبه، و كانت وكالة المكلّف له عامة تشمل أخذ المال لنفسه إذا كان مستحقا، فتبرأ ذمة المكلف الموكل من الخمس و ان كان لا يعلم بصحة نسب الوكيل.

المسألة 145:

لا يجب على المالك المكلف بالخمس ان يقسم النصف الثاني من خمسه على جميع الأصناف الثلاثة من المستحقين بل يجوز له أن يخصّ به صنفا واحدا منهم فيدفع نصف خمسه جميعا لليتامى خاصة أو للمساكين أو لابن السبيل، و لا يجب عليه ان يستوعب بالعطاء جميع الأفراد الموجودين من ذلك الصنف الذي أراده، بل يصح له ان يدفع جميع النصف إلى فرد واحد من الصنف، و يجوز له أن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 290

يفضّل بعض الأصناف على بعض، و بعض الأفراد من الصنف على بعض.

المسألة 146:

لا يجوز على الأحوط أن يعطى المستحق الواحد من الخمس ما يزيد على كفايته في مئونة سنته و ان أعطاه مالك الخمس ذلك دفعة واحدة، بخلاف الحكم في الزكاة، فقد ذكرنا ان الأقرب جواز ذلك إذا كان الإعطاء في دفعة واحدة.

المسألة 147:

يجوز للمالك المكلف بالخمس أن يدفع من خمسه لابن السبيل من بني هاشم مقدار كفايته بحسب شرفه و منزلته في بلده و في مجتمعة من الأشياء التي يحتاج إليها و التي تليق بمثله من المأكولات و المشروبات و غيرها، أو من الأثمان التي يشتري بها ذلك، و من أجرة المنازل و أجرة وسائل النقل في تنقّله في سفره من موضع إلى موضع حتى يصل إلى بلده، أو إلى موضع يمكنه فيه الحصول على سدّ حاجته من ماله و لو بالاستدانة أو التحويل، و لا يدفع له أكثر من ذلك.

المسألة 148:

لا يجوز للمكلف بالخمس على الأحوط، أن يدفع من خمسه إلى مستحق تجب نفقته عليه في شريعة الإسلام من أبيه و أمه و جدّه لأبيه، و ولده و زوجته، بل القول بالمنع من ذلك لا يخلو من قوة، و يصح له أن يعطيهم من الخمس لغير النفقة الواجبة عليه، من الأمور التي يحتاجون إليها، فيدفع لأبيه أو ولده مثلا مبلغا من مال الخمس ليتزوج، أو ليفي به ديونه، و يعطي أحدهم نفقة لزياراته و للسفر للعلاج من مرض، و للنفقة على من يعول به إذا لم يكن هذا العيال واجب النفقة على المكلف أيضا، و يجوز له أن يدفع إليهم خمس غيره إذا كانوا لا يزالون مستحقين للخمس و مثال ذلك: ان يوكله مالك المال في أن يوصل خمس ماله إلى المستحق فيجوز له أن يطبق الخمس عليهم و يدفعه إليهم بالوكالة عن صاحب المال.

المسألة 149:

يجوز أن يعطى الخمس للفقير المستحق من الهاشميين و ان كان يسأل الناس بكفه، و لا يمنع من الخمس بسبب سؤاله، و قد تقدم نظير هذا الحكم في من يستحق الزكاة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 291

المسألة 150:

يجوز لمالك المال المكلف أن يتولّى بنفسه دفع النصف الثاني من الخمس- و هو حق الهاشميين- للأصناف الثلاثة المتقدم ذكرهم، و الأحوط له استحبابا أن يدفع المال إلى الفقيه الجامع للشرائط ليتولى صرفه في مصارفه، أو يكون الدفع إليهم بإذنه، أو بإرشاده و توكيله.

المسألة 151:

يصرف النصف الأول من الخمس، و هو النصف الذي يختص به الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه و فرج المؤمنين به و جعل أرواحنا فداه) في زمان غيبته (ع) في ما يعلم برضا الإمام صاحب الحق بصرف حقه فيه، من تشييد دعائم الإسلام و إقامة أعلامه و نشر أحكامه و ترويج الشريعة و تثبيت أسس المذهب الحق و إيضاح معالمه و تعليم الجاهلين من المؤمنين و إرشادهم إلى سبيل الحق، و تربية طلاب العلم الجادّين في حفظه و نشره بين الناس، الباذلين أعمارهم و أوقاتهم و قواهم في إعلاء كلمة الله و نصح المؤمنين و دلالتهم على التمسك بالعمل الرضي و الخلق الزكي و إصلاح ذات البين، و إعانة هؤلاء المرشدين على أداء مهمتهم، و تيسير وسائلهم الصحيحة إلى ذلك، و ما يتصل بهذه المضامين العالية التي توجب لهم و للمسترشدين بهم رضا الله و تضمن لهم القرب منه سبحانه.

و يكفي في جواز صرف حق الإمام أيضا أن يوثق برضاه (ع) به وثوقا تامّا، و مما يعلم برضا الإمام في صرف حقه فيه أو يوثق به وثوقا تامّا، أن يدفع بعضه في إعانة المحتاجين المنكوبين من المؤمنين، و خصوصا إذا ضاقت عليهم و على عائلاتهم سبل المعيشة.

المسألة 152:

إذا أحرز المكلف المالك للمال رضا الإمام (ع) قطعا أو وثوقا، جاز له ان يتولى بنفسه صرف الحق في ذلك المورد، و ان كان الأحوط له ان يراجع الفقيه الجامع للشرائط في ذلك، و لا سيما إذا احتمل المالك ان بعض الجهات أو الخصوصيات مما يخفى عليه أو يلتبس عليه أمرها، و الأحوط في صرف الحق مع إحراز الرضا قطعا أو وثوقا كما ذكرنا ان يقصد الدافع بإعطاء

المبلغ من الحق للشخص الذي يطبقه عليه الصدقة عن الإمام (ع).

كلمة التقوى، ج 2، ص: 292

المسألة 153:

إذا لم يوجد في البلد بالفعل من يستحق الخمس، جاز لمالك المال ان ينقل الخمس الواجب عليه إلى بلد آخر، بل الظاهر جواز نقل الخمس إلى بلد آخر مع وجود المستحق في بلد المال إذا لم يكن النقل ينافي فورية إخراج الحق، و يشكل الحكم بجوازه إذا وجد المستحق في البلد و كان النقل ينافي الفورية.

و إذا لم يوجد في البلد بالفعل من يستحق الخمس، و لم يتوقع أن يوجد فيه بعد ذلك، وجب على المكلف نقل الخمس إلى بلد يمكن له فيه أداء الواجب و لو لوكيل المستحق في قبض الحق، و كذلك الحكم إذا لم يوجد المستحق في البلد و لا وكيله، و لم يمكن حفظ المال إلى حين وجوده أو وجود وكيله، فيجب على المكلف نقل الخمس.

المسألة 154:

إذا وجب على مالك المال نقل الخمس إلى بلد آخر كما هو الحكم في الفرضين الأخيرين من المسألة السابقة، صح له عزل الخمس عن بقية ماله، و إذا عزله في هذه الصورة ثم تلف بعد عزله من غير تفريط من المالك فلا ضمان عليه، سواء تلف قبل النقل أم بعده.

و كذلك الحكم إذا جاز للمالك نقل الخمس كما في الصورة الاولى، و استأذن الحاكم الشرعي في ان يعزل الخمس عن بقية ماله لينقله بعد العزل، فعزله لذلك باذنه، فإذا تلف الخمس بعد عزله من غير تفريط من المالك فلا يكون ضامنا، و إذا جاز له نقل الخمس كما في الصورة المذكورة فنقل جميع المال و تلف الجميع بغير تفريط منه فلا ضمان عليه، و مثله ما إذا نقل مقدار الخمس بعد أن تلف باقي المال في موضعه، فإذا تلف الخمس قبل وصوله إلى المستحق من

غير تفريط من المالك فلا ضمان عليه، و يشكل الحكم في ما عدا هذه الفروض، بل الأحوط الضمان في غيرها إذا حصل التلف و ان لم يكن مفرطا.

المسألة 155:

إذا أذن الفقيه العادل لمالك المال في أن ينقل الخمس إلى بلد آخر، فنقله و تلف الخمس بسبب نقله لم يسقط الضمان عن المالك لمجرد اذن الفقيه له بالنقل، إلا إذا كان قد اذن له بالعزل و النقل، فإذا اذن له بهما فلا ضمان على المالك إذا تلف الخمس معهما بغير تفريط و قد ذكرنا هذا في المسألة المتقدمة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 293

المسألة 156:

إذا جعل الفقيه العادل مالك المال وكيلا عنه في أن يقبض خمس ماله، فقبضه المالك بالوكالة عن الفقيه، ثم أذن له بعد قبضه بالوكالة في أن ينقله إلى بلد آخر، فإذا تلف الخمس في نقله بغير تفريط من المالك فلا ضمان عليه.

و كذلك إذا وكّل مستحق الخمس مالك المال في أن يقبض له الخمس من ماله بالوكالة و أذن له في أن ينقله إليه في بلده، فإذا تلف الخمس في هذه الصورة بعد قبضه و نقله بغير تفريط من المالك فلا ضمان عليه.

المسألة 157:

إذا نقل مالك المال خمس ماله إلى بلد آخر، فان كان نقله واجبا فمئونة النقل تكون من الخمس، و ان كان النقل جائزا فمئونة النقل على المكلف، و تلاحظ المسألة المائة و الثالثة و الخمسون، فقد ذكرنا فيها الموارد التي يكون النقل فيها جائزا و التي يكون فيها واجبا.

المسألة 158:

إذا كان للمكلّف بالخمس مال في بلد آخر، جاز له أن يدفع ذلك المال عوضا عن الخمس الواجب عليه الموجود عنده في بلده، و لا يكون ذلك من نقل الخمس، و كذلك إذا نقل بمقدار الخمس من بعض أمواله الخاصة إلى بلد آخر، ثم دفع ذلك المال بعد وصوله عوضا عن الخمس الموجود في بلده، فيصح ذلك و لا يكون من نقل الخمس.

و يجوز للمكلف أن يدفع خمس ماله في البلد إلى وكيل الفقير و ان كان الفقير نفسه في بلد آخر فإذا قبضه وكيل الفقير برئت ذمة المكلف من الخمس الواجب، و جاز للوكيل أن ينقل المال الذي قبضه إلى موكله الفقير في بلده.

و كذلك الحكم في وكيل الحاكم الشرعي، فيجوز الدفع إليه بوكالته عن الحاكم الشرعي، و تبرأ ذمة المالك بالدفع إليه و ان كان الحاكم الشرعي في بلد آخر.

المسألة 159:

إذا كان المال الذي تعلق به الخمس في غير بلد مالك المال، جاز للمالك ان ينقل الخمس إلى بلده الذي هو فيه مع ضمان الخمس إذا تلف في نقله، و هذا إذا كان نقل الخمس إلى بلده لا ينافي فورية دفع الحق إلى أهله، و الأولى له أن يدفع

كلمة التقوى، ج 2، ص: 294

الخمس في بلد المال، و يشكل الحكم بجواز نقل الخمس إلى بلده في الصورة المذكورة إذا كان النقل يستدعي مضي مدة تنافي الفورية.

المسألة 160:

إذا كان للمالك المكلف بالخمس دين في ذمة الفقير المستحق، ففي جواز أن يحتسب ذلك الدين على الفقير خمسا، إشكال. و الأحوط للمالك أن يدفع للفقير مقدار الخمس و ينوي به إيتاء الخمس، فإذا قبضه الفقير و ملكه أخذه المالك منه و قبضه وفاء لدينه إذا شاء، و كذلك في حصة الإمام (ع).

المسألة 161:

تقدم منّا ان المدار في جواز التصرف في حق الإمام (ع) من الخمس على حصول العلم أو الوثوق برضاه (ع) بصرف حقه في ذلك الوجه المراد، فإذا قطع مالك المال أو احتمل ان لمراجعة الفقيه الجامع لشرائط الإفتاء دخلا في رضا الإمام (ع) في صرف حقه في مصارفه المعينة، أو كان ذلك أمكن في إحراز رضاه (ع) تعين نقل الحق إلى الفقيه، و كذلك إذا عيّنت المرجحات فقيها معينا من الفقهاء، فيتعين الرجوع به إلى ذلك الفقيه، و إذا تساوت المحتملات في إحراز رضاه (ع) تخير المالك إذا لم يلزم من النقل تأخير في دفع الحق ينافي وجوب الفورية.

المسألة 162:

تبرأ ذمة المالك المكلّف بالخمس إذا قبضه الفقير المستحق، أو قبضه وكيله المفوض منه، و تبرأ ذمته إذا قبضه الحاكم الشرعي بحسب ولايته على أرباب الحق، أو قبضه وكيله المفوض منه، سواء كان الخمس مستقرّا في ذمة المالك أم كان متعلقا بعين المال، و تبرأ ذمته إذا وكله الحاكم الشرعي في ان يقبض الخمس من ماله بالنيابة عن الحاكم، فقبضه كذلك، و تبرأ ذمته إذا وكّله الفقير المستحق في ان يقبض له الخمس من ماله، فإذا قبضه المالك الوكيل بالوكالة عن الفقير برئت ذمته، و لا تبرأ ذمته من التكليف بغير الوجوه المذكورة.

المسألة 163:

إذا عزل المالك الخمس من بقية ماله و نواه خمسا، ففي صحة عزله إياه بحيث يتعين الخمس في ذلك المال المخصوص إشكال، فلا يترك الاحتياط في ان يراجع الحاكم الشرعي إذا أراد ذلك.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 295

و إذا عزل خمس ماله بغير مراجعة الحاكم الشرعي، ثم نقله إلى بلد آخر لعدم وجود المستحق في بلده فتلف من غير تفريط أشكل الحكم ببراءة ذمته.

المسألة 164:

إذا وجب الخمس على المالك في بعض أمواله، تخيّر بين ان يعطي الخمس من عين المال الذي تعلّق به الوجوب، و ان يدفع ذلك المقدار من مال آخر يملكه فيجعل ذلك عوضا عن العين، سواء كان المال المدفوع نقدا أم غيره، و سواء رضي المستحق أو الحاكم بهذا التعويض أم لا، نعم يجب ان يكون الشي ء أو الأشياء التي يدفعها عوضا عن الخمس مساوية له بقيمتها السوقية، فلا تبرأ ذمة المالك إذا احتسبها بأكثر من قيمتها و ان رضي بها المستحق.

المسألة 165:

إذا وجب على المكلف أداء مبلغ كبير من الخمس و أعسر عن أدائه، و لم يرج زوال العذر و التمكن من امتثال الواجب، و أراد تفريغ ذمته منه، جاز له أن يدفع للفقير الذي يستحق الخمس مبلغا صغيرا من المال و ينوي بدفعه للمستحق أداء ذلك المقدار من الخمس الواجب عليه، فإذا قبله المستحق و قبضه و تملكه منه بالقبض، وهبه المستحق للمالك المكلّف ليكون مملوكا له بالهبة، ثم يدفعه المكلف للفقير مرة ثانية و ينوي به وفاء مقداره من الخمس، ثم يهبه المستحق للمالك بعد قبضه و يتكرّر الأخذ و الرد بينهما على هذا النهج حتى يفي المالك جميع ما عليه من الخمس.

و شرط صحة ذلك أن ينوي المكلّف بدفعه في كل مرة أداء الخمس متقربا به إلى الله، و ان يقصد المستحق بردّه المال في كل مرّة الهبة المملكة للمكلف، بحيث لا يكون ذلك من مجرد الأخذ و الرّد بحسب الصورة فقط، و أن يكون المستحق راضيا بالتسلم للحق من المالك و الدفع بالهبة له.

و لا يجوز إجراء هذه المعاملة في غير مورد استنقاذ المكلف من الخطيئة بعد توبته إلى الله من

تفريطه.

و إذا كان المكلف ممن يرجى زوال إعساره و تمكنه من أداء الواجب بعد ذلك، فالأحوط للمستحق و المكلف أن يجريا المعاملة على نحو القرض، فيقصد المستحق برد المبلغ إقراض المكلف على أن يؤديه إلى المستحقين على سبيل التدريج و يأخذه المكلف منه بهذا القصد، و كذلك الحكم في الزكاة الواجبة إذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 296

تكثرت على المكلف و لم يمكنه أداؤها.

الفصل الثالث في الأنفال

المسألة 166:

الأنفال هي الأموال التي يختص بها الرسول (ص) في حياته و أيام زعامته الإلهية على الأمة، ثم يختص بها خليفته الإمام المعصوم (ع) من بعد موته، و اختصاص هذه الأموال بهما من شؤون منصبهما الإلهي المجعول لهما من الله سبحانه، و زعامتهما الكبرى للمسلمين، و لذلك فهي لا تنتقل إلى ورثتهما بعد الموت، بل تنتقل بعد الرسول إلى الإمام، ثم تنتقل إلى الإمام بعد الإمام، صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين، و الأنفال المبحوث عنها هي عدة أمور:

(الأول): أراضي الكفار التي يملكها الإسلام من غير قتال، و هي تشمل الأرض التي ينجلي أهلها الكفار عنها خوفا من جيش المسلمين و سطوته، فيملكها الإسلام بعد جلاء أهلها و انصرافهم عنها، و الأرض التي يسلمها أهلها للمسلمين باختيارهم من غير قتال، سواء خرجوا من الأرض بعد أن سلّموها للمسلمين أم لم يخرجوا منها، و لا فرق في الصورتين بين ان تكون الأرض معمورة و ان تكون غير معمورة.

المسألة 167:

لا يختص الحكم الذي ذكرناه في ما يملك من غير قتال بالأراضي، بل يشمل غير الأراضي من الأموال على الأقوى، فإذا ترك الكفار أموالهم المنقولة و غير المنقولة و ملكها الإسلام من غير قتال كانت من الأنفال، و اختص بها الإمام (ع) و ان لم تكن من الأراضي.

المسألة 168:

(الثاني): الأرض الموات، سواء كان خرابها لانقطاع الماء عنها أم لغلبته عليها، أم لاستيلاء الرمل الناعم الكثير أو السبخ على الأرض فلم تعمر لذلك، أم لغير ذلك من أسباب موت الأرض و خرابها، و سواء كانت خرابا بالأصل فلم يملكها أحد و لم يعمرها، كالمفاوز و الصحاري، أم كانت مملوكة لقبائل من الناس

كلمة التقوى، ج 2، ص: 297

ثم باد أهلها أو انجلوا عنها فلم يعرفوا، و يلحق بها في الحكم القرى التي جلا عنها ساكنوها أو بادوا فخربت و درست.

و لا فرق في الأرض الميتة أو القرية الدارسة بين ان تكون في بلاد المسلمين أو بلاد الكفرة، و المفتوحة عنوة من جيش المسلمين و غيرها، فجميعها من الأنفال المختصة بإمام المسلمين (ع).

المسألة 169:

إذا كانت الأرض معمورة ثم طرأ لها بعض العوارض فأصبحت خرابا لا انتفاع بها، فان كان لتلك الأرض مالك معلوم و قد ملكها بالإرث أو بالشراء من مالك آخر قبله أو بغير ذلك من المعاملات التي توجب التملك و الانتقال إلى المالك من الغير، فالأرض المذكورة لا تزال مملوكة لصاحبها و لوارثه من بعد موته، و لا تصبح بسبب خرابها الطارئ من الأنفال.

و إذا كان مالك تلك الأرض قد ملكها بالتعمير و الإحياء ثم تركها فأصبحت خرابا لا انتفاع بها إلا بإحيائها و تعميرها، عادت الأرض بسبب خرابها من الأنفال كما كانت و جرت عليها أحكامها، و كذلك إذا كانت معمورة سابقا ثم باد أهلها و لم يكن لمالكها الأول وارث فتصبح من الأنفال.

المسألة 170:

الأرض التي يفتحها جيش المسلمين من بلاد الكفار بالقتال و القوة، إذا كانت في حال فتحها معمورة، فهي ملك لعامة المسلمين، و قد ذكرنا هذا في كثير من المناسبات و في عدّة من المباحث في هذه الرسالة، فإذا أهملت الأرض بعد ذلك حتى خربت، فهي لا تزال مملوكة لعامة المسلمين و لا تكون من الأنفال.

و ان كانت في حال الفتح مواتا غير معمورة فهي من الأنفال كما ذكرنا في المسألة المائة و الثامنة و الستين، فتجري عليها أحكامها.

المسألة 171:

(الثالث) من الأنفال: كل أرض لا ربّ لها و ان لم تكن مواتا، و منها أسياف البحار و شواطئ الأنهار، و الجزر التي تتكون في البحر و في الأنهار الكبيرة مثل دجلة و الفرات و النيل.

المسألة 172:

(الرابع) من الأنفال: رؤوس الجبال و بطون الأودية، و الآجام، و حكم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 298

رؤوس الجبال يشمل ما يخرج فيها أو يوجد في قممها و أعاليها من نبات و شجر و حجر و غير ذلك، و كذلك بطون الأودية، سواء كانت متسعة أم ضيّقة، و الآجام هي الأرض التي يلتف فيها القصب و نحوه، أو التي تمتلئ بالأشجار و الدوح غير المثمر من غير فرق في الثلاثة بين أن تكون في أراضي الإمام (ع) و الأرض المفتوحة عنوة و غيرهما.

و إذا كانت الأرض مملوكة لمالك معين ثم اتفق لها ان صارت أجمة أو واديا، ففي عدّها من الأنفال إشكال.

المسألة 173:

(الخامس) من الأنفال: القطائع الخاصة لملوك الكفار الذين يفتح جيش المسلمين بلادهم، و صفاياهم التي تختص بهم، فتصبح بعد الفتح من الأنفال التي يختص بها إمام المسلمين (ع).

و القطائع هي الأراضي و الأملاك و الدور التي يختص بها ملك الكفار، و الصفايا هي الأموال الأخرى التي تكون له، و هذا إذا لم تكن قطائعه و صفاياه مغصوبة من مسلم أو من كافر ذمي أو معاهد للإسلام، فإذا كانت كذلك وجب ردّها إلى مالكها الذي غصبت منه.

المسألة 174:

(السادس) من الأنفال: ما يصطفيه الإمام المعصوم (ع) لنفسه من غنيمة الحرب قبل أن تقسم، فيأخذ من الغنيمة سلاحا خاصا أو مركبا معينا، أو جارية أو عبدا، أو ما يشبه ذلك، فيختص بالشي ء الذي يصطفيه و يكون من الأنفال.

المسألة 175:

(السابع) من الأنفال: الغنيمة التي يأخذها المقاتلون المسلمون من الكفار المحاربين إذا كان قتالهم إياهم بغير إذن من الإمام المعصوم (ع) فتكون الغنيمة كلها من الأنفال الخاصة بالإمام (ع)، سواء كان غزو المسلمين للكفار لأنهم امتنعوا عن الدخول في الإسلام بعد عودتهم إليه أم لا، و سواء حدث ذلك في زمان حضور إمام المسلمين (ع) أم في وقت غيبته، و قد ذكرنا هذا في المسألة الأولى من كتاب الخمس.

المسألة 176:

(الثامن) من الأنفال: ميراث الميت الذي لا وارث له، و الأحوط في هذا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 299

القسم من أعيان الأنفال في زمان غيبة الإمام (ع) أن يصرف في الفقراء المحتاجين، و أحوط من ذلك أن يختص به فقراء بلد الميت، و أن يكون الصرف بمراجعة الفقيه الجامع للشرائط.

المسألة 177:

(التاسع) من أعيان الأنفال: المعادن التي لا تكون متعلقا لحق خاص لشخص معين، و مثال هذا: أن يكون المعدن في أرض مملوكة لمالك معلوم، أو يكون موردا لحيازته و إحيائه، فان المعدن في هاتين الصورتين يختص به ذلك المالك و يجب عليه أداء خمسه، و قد سبق بيان أحكامه في الأمر الثاني من الأشياء التي يجب فيها الخمس، فإذا كان المعدن مما لم يتعلق به حق خاص كذلك فهو من الأنفال.

المسألة 178:

قد أباح الأئمة المعصومون (صلوات الله و سلامه عليهم) لشيعتهم في زمان الغيبة أن يتصرفوا في أراضي الأنفال و في أعيان غير الأراضي منها، على وجه يجري عليها الملك، و لذلك فيجوز لهم تملّك أرض الأنفال بإحيائها، و تملك أشجارها و سائر أعيانها بالحيازة، من غير فرق بين الفقير منهم و الغني. و قد تقدم في المسألة المائة و السادسة و السبعين حكم ميراث من لا وارث له.

و الحمد لله رب العالمين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 301

كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

اشارة

كلمة التقوى، ج 2، ص: 303

كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هما السبيل الذي يسّره الله لعباده، و أمر أنبياءه و رسله أن يتخذوه نهجا في دعوتهم إلى الحق، و تبيين معارفه للناس و نشر كلمات الله و أديانه التي أنزلها لهدايتهم، فيبينوا للناس معالم الرشد، و يأمروهم باتباعه، و يوضحوا لهم مراسم الغي و ينهوهم عن اقتفائه، و ان يأمروا حفظة الدين من أتباعهم بأن يلتزموا هذا السبيل و يسيروا على هذا الهدي في ما يقولون و ما يعملون، فيأمرون الناس بالمعروف و ينهونهم عن المنكر و يعلنون كلمة الله كما أمر و يتبعون نهجه كما شرع.

و قد ورد في الكتاب الكريم و في أحاديث الرسول (ص) و أخبار المعصومين من عترته أهل بيته (ع) ما يوضح ذلك، و قد قال الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر (ع): (ان الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الأنبياء و منهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض و تأمن المذاهب و تحلّ المكاسب و تردّ المظالم و تعمر الأرض و ينتصف من الاعداء و يستقيم الأمر).

و قد أثنى الله سبحانه في كتابه على طائفة من اتباع

الأنبياء و حفظة الأديان المتقدمة بالتزامهم هذه القاعدة فقال فيهم لَيْسُوا سَوٰاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ أُمَّةٌ قٰائِمَةٌ يَتْلُونَ آيٰاتِ اللّٰهِ آنٰاءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ، وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ يُسٰارِعُونَ فِي الْخَيْرٰاتِ وَ أُولٰئِكَ مِنَ الصّٰالِحِينَ، و قال في ذم طائفة أخرى منهم سارت على العكس من ذلك، فاستحقت المقت من الله و اللعنة الشديدة من أنبياء الله لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ عَلىٰ لِسٰانِ دٰاوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذٰلِكَ بِمٰا عَصَوْا وَ كٰانُوا يَعْتَدُونَ، كٰانُوا لٰا يَتَنٰاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ مٰا كٰانُوا يَفْعَلُونَ.

و من الناس من تنقلب عنده الموازين الصحيحة، و تكون له موازين أخرى تتقلب مع الهوى، و تسير في ظلّ الباطل، و الكتاب الكريم يسمي هؤلاء بالمنافقين، لاندفاعهم مع الغايات الدنيئة، و ان كانوا قد ينتسبون إلى بعض الأديان، فيقول عنهم الْمُنٰافِقُونَ وَ الْمُنٰافِقٰاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ، وَ يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ، نَسُوا اللّٰهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ.

و كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يحتوي على ثلاثة فصول.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 304

الفصل الأول في الأمر بالمعروف الواجب، و النهي عن المنكر المحرم

المسألة الأولى:

يقول الله سبحانه في محكم كتابه وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، و يقول في آية كريمة أخرى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ. و في آية ثالثة وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ يُطِيعُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ، أُولٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّٰهُ إِنَّ اللّٰهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، و الآيات

الكريمة المذكورة واضحة الدلالة على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في دين الإسلام، و على ثبوت الولاية بين المؤمنين بعضهم على بعض لالتزام هذه القاعدة في التعريف بالحق و اتباع هذا السبيل لإظهار دعوة الله في الأرض و نشر حكمته و بث أحكامه بين الناس.

و عن أمير المؤمنين (ع) في بعض خطبه: (فأمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر، و اعلموا أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لن يقرّبا أجلا و لن يقطعا رزقا)، و عنهم (ع): (ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر)، و عن النبي (ص): (ان الله ليبغض المؤمن الضعيف الذين لا دين له، فقيل له: و ما المؤمن الضعيف الذي لا دين له، قال (ص): الذي لا ينهى عن المنكر).

المسألة الثانية:

في الحديث عن الرسول (ص): (لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و تعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات و سلّط بعضهم على بعض و لم يكن لهم ناصر في الأرض و لا في السماء)، و عن الإمام أبي الحسن علي الرضا (ع): (لتأمرن بالمعروف و لتنهنّ عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم)، و عن الرسول (ص): (كيف

كلمة التقوى، ج 2، ص: 305

بكم إذا فسدت نساؤكم و فسق شبابكم، و لم تأمروا بالمعروف و لم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: و يكون ذلك يا رسول الله؟ فقال: نعم، و شر من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف؟. فقيل له: يا رسول الله و يكون ذلك؟

فقال: نعم، و شر من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا، و

المنكر معروفا؟).

و الفارق الكبير بين هذه الذنوب و غيرها: ان هذه الذنوب جرائم اجتماعية عامة توجب فساد المجتمع من أصله و فساد قيمه و ركائزه و انحلال أصوله العامة المشتركة، و لذلك فلا تختص آثارها و سوؤها بفرد خاص من أفراده، و يكون المقت و العقاب عليها عامّا للعامل و غير العامل إذا هو أغضى و تسامح في الأمر، أو سكت عن الإنكار، بل و للكبير و الصغير، و الذنوب الأخرى إنما هي مخالفات شخصية فتختص آثارها و عقابها بالعامل نفسه و لا تعم غيره من الناس، و قد أشارت الأحاديث المتقدمة إلى ذلك، بل صرحت به تصريحا تاما، و لذلك فيجب التنبه كل التنبه و يجب الحذر كل الحذر، و في الحديث: (كان يقال لا يحلّ لعين مؤمنة ترى الله يعصى فتطرف حتى تغيره).

المسألة الثالثة:

المراد بالمعروف هنا ما كان معروفا على سبيل الوجوب في شريعة الإسلام، فيكون الأمر به واجبا عند اجتماع الشرائط الآتي ذكرها، و يقابله ما كان معروفا في الشريعة على سبيل الاستحباب، فيكون الأمر به مستحبا، و سيأتي تفصيل القول فيه، و يقابله أيضا ما كان معروفا يحكم العقل بحسنه و رجحان الإتيان به و ان كان مباحا في الشريعة يجوز فعله و تركه، فيكون الأمر به حسنا.

و المراد بالمنكر ما كان منكرا يحرم الإتيان به في الشريعة سواء كان من المحرمات الكبيرة أم الصغيرة في حكم الإسلام، و يقابله ما كان مرجوحا يكره فعله في الشريعة، و ان لم يكن محرّما كبيرا و لا صغيرا.

المسألة الرابعة:

يجب الأمر بالمعروف إذا كان من القسم الأول الذي ذكرناه في المسألة المتقدمة، و هو ما يجب الإتيان به في حكم الشرع، و يجب النهي عن المنكر إذا كان مما يحرم فعله في حكم الشرع، و وجوب الأمر و النهي فيهما على وجه الكفاية، فهما فرضان واجبان على كل مكلف يعلم بوجوب الشي ء على الشخص

كلمة التقوى، ج 2، ص: 306

الذي يراد أمره و أنه يترك ما وجب عليه، و يعلم بحرمة الشي ء الآخر على الفرد الذي يراد نهيه و انه يرتكب ما يحرم عليه، فيجب على المكلف الأمر و النهي في الموردين. و إذا قام بعض المكلفين بالأمر و النهي، و كان قيامه يفي بالغرض المقصود من تشريعهما، فيتحقق به حصول الواجب من الشخص المأمور، و يحصل ترك المحرم من الفرد المنهي عنه، كفى ذلك في حصول الامتثال، و سقط وجوب الأمر و النهي عن المكلفين الآخرين، فلا إثم عليهم و لا عقاب إذا لم يأمروا و لم ينهوا.

و

إذا ترك جميعهم الأمر و النهي أثم الجميع و استحقوا بتركهم العقاب، و هذا هو ما يقتضيه الجمع بين الأدلة الواردة في المسألة.

المسألة الخامسة:

يشترط في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على الشخص (أولا):

أن يكون عالما بالمعروف الذي يأمر به و عالما بالمنكر الذي ينهى عنه، فلا يجب عليه الأمر أو النهي إذا كان جاهلا لا يعلم بحكم ما يأمر به أو ينهى عنه، و يكفي في حصول هذا الشرط ان يكون المكلف عالما بالحكم بحسب اجتهاده أو تقليده إذا كانا صحيحين، فيجب عليه الأمر بما يعلم بأنه واجب بمقتضى تقليده الصحيح و يجب عليه النهي عما يعلم بأنه محرم كذلك، بل و يجب الأمر بالمعروف إذا علم على وجه الإجمال بان الشخص قد ترك أحد شيئين واجبين عليه في الشريعة، و يجب عليه النهي عن المنكر إذا علم بان الشخص فعل أحد شيئين يحرم فعلهما و ان لم يعلم به على وجه التعيين، و سيأتي بيان الحكم في ما إذا كان الشخص الذي يأمره أو ينهاه مخالفا له في الاجتهاد أو التقليد.

المسألة السادسة:

يشترط (ثانيا) في وجوب الأمر و النهي على المكلف: ان يقطع أو يحتمل على الأقل بأن أمره و نهيه يؤثران في الشخص المأمور، فيفعل الواجب الذي يأمره به و يرتدع عن المحرم الذي ينهاه عنه، فإذا علم أو اطمأن بأن أمره و نهيه لا يؤثران في الفاعل شيئا، فالظاهر سقوط الوجوب عنه، فإذا ترك الأمر و النهي في هذه الصورة، و ان علم بعدم الأثر لقوله إذا لم تترتب عليه مفسدة أخرى، و من أمثلة وجود المفسدة: إن يتمادى الرجل في غيّه بسبب الأمر و النهي فيترك واجبا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 307

أو واجبات أخرى أو يفعل منكرا أو منكرات أخرى.

و لا يعتبر في هذا الشرط أن يكون تأثير الأمر و النهي بالفعل

فيكفي في الوجوب أن يكون أمر الآمر و نهيه مؤثرين في الفاعل و لو بعد حين و تفكير مدة مثلا.

المسألة السابعة:

يشترط (ثالثا) في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على المكلف:

أن يكون تارك الواجب مصرّا على تركه، و فاعل المنكر مصرّا على فعله، فإذا علم ذلك من حاله و لو بسبب وجود قرينة تدل على إصراره وجب على المكلف أمره و نهيه، و إذا وجدت امارة قطعية أو ظنية تدل على رجوعه إلى الرشد بعد الغي و على إقلاعه عن ترك ما يجب و ارتكاب ما يحرم، لم يجب على المكلف أمره و نهيه، و خصوصا إذا كان أمره و نهيه في هذه الصورة يعدّ توبيخا له و تأنيبا لا يستحقه بعد رجوعه عن الإصرار و عودته إلى التوبة.

و إذا عزم الرجل على ترك المعروف الواجب أو على ارتكاب المنكر و لم يرتكب بالفعل، فلا يبعد وجوب أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر على الآمر، و ان ظهر من بعض الامارات انه غير مصرّ على فعل المخالفة، و على أنه يرجع إلى رشده قبل أن يرتكب، فلا يسقط وجوب الأمر و النهي في هذه الحالة ما لم يقلع عن عزمه بالفعل و تتحقق منه الإنابة إلى الحق.

المسألة الثامنة:

يشترط في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (رابعا): ان يكون وجوب ذلك الواجب و حرمة ذلك المحرم منجّزين على الفاعل ثابتين في حقه، فلا يجب على المكلف أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر إذا كان معذورا في مخالفته، و مثال ذلك: ان يعتقد مخطئا ان ذلك الشي ء مباح في الشريعة، فيفعله و هو محرم عليه في الواقع، أو ترك فعله و هو واجب، فيكون معذورا في مخالفته، و لا يجب على المكلف أمره و نهيه، و من أمثلة ذلك: أن يكون الفاعل مخالفا للآمر في

اجتهاده أو في تقليده، فإذا فعل ما يراه الآمر محرما، أو ترك ما يراه الآمر واجبا لأنه يخالفه في الاجتهاد أو في التقليد كان معذورا في عمله و لم يجب على المكلف أمره و نهيه، و قد سبقت الإشارة إلى هذا في المسألة الخامسة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 308

المسألة التاسعة:

يشترط في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (خامسا): أن يأمن القائم بهما من دخول الضّرر عليه في نفسه أو في ماله أو في عرضه، أو على بعض المسلمين الآخرين الذين تحترم في الإسلام نفوسهم و أعراضهم و أموالهم، فإذا علم الرجل بأن أمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر، يوجب الضرر كذلك، أو ظن بوقوعه، أو احتمله احتمالا يوجب له الخوف من وقوعه سقط عنه التكليف به و لم يأثم بتركه، و كذلك إذا لزم منه العسر و الحرج الشديد.

المسألة العاشرة:

إذا علم المكلف بأن أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر يوجب له ضررا في نفسه أو في ماله كما ذكرنا، و علم أيضا ان أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر يؤثران أثرهما المطلوب و إن دخل عليه الضرر بسببهما، وجب عليه أن يقدّم ما هو أكثر جدوى لدين الله من الأمرين المذكورين و أشدّ أهمية في موازين الشريعة، فإن كان دفع الضرر عن نفسه و ماله أهمّ في حكم الشرع من تأثير أمره و نهيه في الشخص المأمور، سقط عنه وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لذلك الشخص و لم يأثم بتركهما، بل و لزمه أن يدفع الضرر عن نفسه بتركهما، و إن كان تأثير أمره و نهيه في ذلك الشخص أكثر فائدة و جدوى للإسلام، وجب عليه أن يأمره بالمعروف و ينهاه عن المنكر و ان أوجب ذلك الضرر الشديد، و كان ذلك من الجهاد في سبيل الله، و ليس من مجرّد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و في تأريخ الإسلام أمثلة معروفة و مشهورة لذلك.

المسألة 11:

وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر نوعان من التكليف، و لذلك فلا يتوجهان إلى غير المكلّف من الناس، فلا يجبان على الصبي غير البالغ، و لا على المجنون غير العاقل، و ان كانا عارفين ببعض مواردهما، و لا يؤمر بالمعروف و ينهى عن المنكر غير المكلف من صبي أو مجنون.

و انما يؤمر الصبي غير البالغ بالعبادات الشرعية ليتمرّن عليها قبل بلوغه، أو ليحصل منه بعض مراتب الطاعة، و عباداته و ان كانت شرعية على القول الأصح، فهي مندوبة و ليست واجبة، و انما يمنع عن المحرمات لئلا يعتاد على فعلها و يتساهل في أمرها، و

هذا غير الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 309

و لا يبعد القول بحرمة وقوع الكبيرة منه قبل بلوغه إذا كان مميزا، فيحرم عليه شرب الخمر و الزنا و غيرهما من كبائر المحرمات، و من نتائج هذا القول، فيجب أن ينهى عن مثل هذا المنكر إذا ارتكبه أو أراد ارتكابه.

المسألة 12:

يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على جميع المكلّفين من الناس العالمين به القادرين على امتثاله إذا اجتمعت في المكلف منهم شرائط الوجوب التي ذكرناها، و لا يختص وجوبهما بصنف من الناس دون صنف و طائفة دون طائفة، سواء كان الصنف من العلماء أم من غيرهم، و من السلطان و ولاة الأمور أم من الرعية، و من التجار و أصحاب الأموال أم من الفقراء، و من العدول و الثقات أم من الفسّاق أم سائر الأمة، و إذا قام بامتثال التكليف جماعة أو آحاد يتأدى بهم الغرض و يحصل بهم امتثال الواجب، سقط الوجوب عن الباقين من المكلفين، و إذا قصر القائمون عن إتمام الواجب، وجبت على الآخرين مساعدتهم حتى يتموه إلى الغاية المطلوبة شرعا، و إذا ترك الجميع أثم الجميع، و إذا قام بعضهم بما يمكنه و عجز عن الإتمام و لم يساعده الباقون على بلوغ الغاية، أثم التاركون، و سقط الوجوب عن القائمين فيه بمقدار استطاعتهم.

المسألة 13:

لا يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على الشخص حتى تتوفر فيه الشروط التي تقدم ذكرها، فإذا شك في وجود بعض الشروط لم يجب عليه أن يأمر و ينهى، و خصوصا إذا كان أمره و نهيه يوجب أذى أو انتقاصا للفاعل الذي يأمره و ينهاه.

المسألة 14:

إذا اجتمعت للرجل شروط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و وجب عليه ذلك وجبت عليه المبادرة للامتثال و لم يجز له التأخير، و إذا أخر ذلك لعذر أو لغير عذر لم يسقط عنه الوجوب، و أثم إذا كان غير معذور في تأخيره، و وجبت عليه المبادرة، و هكذا فكلما تأخر وجب عليه الفور و يتكرر عليه الإثم إذا كان لغير عذر.

المسألة 15:

إذا وجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على الإنسان و علم أنه لا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 310

يستطيع التأثير في الفاعل إلا بالاستعانة عليه بشخص غيرهما وجب عليه أن يعلم ذلك الشخص و يستعين به أو يوكل الأمر إليه إذا علم منه القدرة عليه منفردا، و يكون المكلف معذورا في التأخير حتى يستعين بذلك الشخص أو يوكل الأمر إليه.

المسألة 16:

إذا اجتمعت للمكلف شروط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و لم يأمر و لم ينه، أثم بتركه إذا كان غير معذور في تركه، و قد ذكرنا هذا أكثر من مرة، فإذا انتقص بعد ذلك بعض الشروط ارتفع عنه الوجوب، و مثال ذلك: ان يحصل له العلم بوقوع الضرر عليه في نفسه أو ماله، أو يخاف وقوع الضّرر عليه بعد ان كان آمنا منه، أو يحصل له العلم بعدم تأثير أمره و نهيه في المخاطب بعد ما كان عالما بوجود الأثر لقوله، فيسقط عنه وجوب الأمر و النهي.

و إذا علم بعدم وجود بعض الشروط أو شك في وجود بعضها، فترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لذلك كان معذورا و قد بيّنا هذا في ما تقدم، فإذا اتفق أن توفّرت له الشروط بعد ذلك وجب عليه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فالمدار في الصورتين على إحراز وجود الشرائط في حال قيامه بالأمر و النهي و تصدّيه للامتثال.

المسألة 17:

إذا وجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على المكلف أمكن أن يقع امتثاله لهذا الوجوب على ثلاث مراتب.

(المرتبة الأولى): أن ينكر المكلّف على الشخص تركه لفعل الواجب أو ينكر عليه فعله للمنكر، و يكون إنكاره عليه بقلبه، و من الواضح جدا ان مجرّد إنكاره عليه بالقلب و كراهته ان يقع ذلك منه لا يعدّ أمرا بمعروف و لا نهيا عن منكر إذا لم يعلم الشخص المأمور بإنكار الآمر عليه، و لم يعلم بأن الإنكار و الكراهة قد استحقهما من الآمر بسبب تركه للواجب و فعله للمحرم، و لذلك فلا بد و ان ينضم إلى الإنكار في القلب ما يدلّ المأمور على ذلك، فيعرض الآمر عنه بوجهه

إذا لقيه أو اجتمع به مثلا، و يهجره فلا يزوره، و يحتجب عنه إذا أراد المأمور زيارته أو لقاءه، و ما يشبه ذلك من الأفعال الدالة على المقصود في نظر أهل العرف، و لا ريب أيضا في ان لذلك درجات متفاوتة في الخفة و الشدّة، و لا بدّ للآمر أن يقتصر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 311

على المقدار اللازم له في أداء الواجب، فلا يلجأ إلى الأشدّ إذا كان ما هو أخفّ نافعا و مؤديا للمقصود، و لا ينتقل إلى المرتبة الثانية إذا كان الإنكار في القلب على الوجه المذكور كافيا.

(المرتبة الثانية): أن ينكر الآمر عليه تركه للواجب أو فعله للمحرم، و يكون إنكاره عليه بلسانه، و للإنكار باللّسان أيضا درجات مختلفة، من التعريض بالقول، و الكلمة الظاهرة في المعنى المراد، و الكلمة الصريحة به، و اللين و الشدّة، و الكلمة المؤنبة، و الموبّخة و المزعجة إذا احتاج إليها، و على الآمر أن يعالج الداء بمقدار ما يحتاج إليه من الدواء، على النهج الذي ذكرناه في المرتبة الأولى و ليس له ان ينتقل إلى المرتبة الثالثة إذا كان الإنكار باللسان مجديا.

(المرتبة الثالثة): ان ينكر المكلف الآمر عليه فعله أو تركه بيده، من لكز، و دفع خارجي و ضرب خفيف أو مؤلم و شبه ذلك، و لا ينتقل إلى الشديد أو إلى الأشد إلا بمقدار الضرورة و الحاجة.

و لا يحق له أن يقتل أو يجرح، أو يشلّ، أو يكسر عضوا من أعضائه، أو يعيب جارحة من جوارحه، أو يعطّل حاسة من حواسه أو جهازا من أجهزة بدنه، فان أمر ذلك يختص بالإمام المعصوم (ع) أو نائبه الخاص.

المسألة 18:

يجب على المؤمن إذا رأى من يترك فعل الواجب

أو من يرتكب المنكر المحرّم أن ينكر ذلك بقلبه، سواء استطاع أن يظهر إنكاره القلبي فيأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ببعض المراتب التي ذكرناها أم لم يستطع أن يفعل شيئا، و هذا المقدار من الإنكار في القلب واجب على المؤمن في جميع الحالات و هو من لوازم الإيمان و اتباع الحق، و ان لم يكن أمرا بمعروف و لا نهيا عن منكر، و لا يكفي عنهما مع القدرة عليهما.

المسألة 19:

من المنكر المحرم على الإنسان أن يتهتّك في دينه فلا يبالي أخطأ أم أصاب في فعله، و وافق حكم الشرع أم خالفه في عمله، فيجب على المكلّفين العارفين بحاله نهيه عن هذا المنكر و زجره عن اقترافه، و من المنكر أن يأتي بالشي ء متجرئا، فيفعل الفعل و هو يعتقد حرمته عليه في الدين، فيستحق العقاب بجرأته و ان كان الفعل الذي أتى به غير محرّم عليه في واقع الأمر.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 312

و من أمثلة ذلك: أن يأكل الرجل أو يتصرف في شي ء و هو يعتقد انه مال مغصوب من غيره، ثم يتبين له بعد ذلك أن المال الذي تصرف فيه ماله، و من أمثلته: أن يشرب مائعا و هو يوقن أن ذلك المائع خمر مسكر، ثم يعلم بعد شربه انه خلّ مباح، و أن يجامع امرأة و هو يرى أنها أجنبية عنه يحرم عليه وطؤها، ثم يعلم بعد الجماع أنها زوجته أو أمته، و من أمثلته: أن يفطر اليوم مختارا و هو يقطع بوجوب صيام ذلك اليوم، ثم يعلم بأنه يوم عيد، فيستحق المكلف العقاب على الفعل في جميع هذه الفروض لتجرئه على مخالفة أمر الله و نهيه، و يجب على المكلفين العالمين

بحاله نهيه عن هذا المنكر و ان لم يكن الفعل محرما عليه في الواقع.

المسألة 20:

من التهافت الصريح في سلوك المكلّف و المنافاة البينة للوازم الإيمان و مقتضيات العقل و الاتزان في الأمور، بل و من الهدم الشديد لبناء الشخصية المؤمنة المتماسكة، أن يأمر الإنسان غيره بالمعروف و هو يترك فعله، أو أن ينهى سواه عن ارتكاب المنكر و هو لا يرتدع عنه، و قد جاء في بعض الخطب لأمير المؤمنين (ع): (لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، و الناهين عن المنكر العاملين به)، و عن الرسول (ص) في وصيته لأبي ذر: (يطّلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار، فيقولون: ما أدخلكم النار و انما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم و تأديبكم؟ فيقولون: انا كنّا نأمركم بالخير و لا نفعله).

المسألة 21:

تشتد حرمة الشي ء المحرم في الشريعة إذا ارتكبه فاعله في الأوقات الشريفة أو في الأمكنة المقدّسة، و من أمثلة ذلك: ان يفعل الشخص الشي ء المحرم في أيام شهر رمضان، أو يترك الواجب في أيامه و لياليه، و أن يفعل ذلك في مكة أو في المدينة أو في أحد المشاعر المقدّسة و أيام الحج، فتشتد حرمة الحرام و يتضاعف العقاب عليها بسبب ذلك، و يتأكد وجوب أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر على المكلفين العالمين بحاله، بل و تشتد الحرمة و يتأكد وجوب الأمر و النهي إذا كان المرتكب من أهل العلم و الدين ممن يتظاهر بالتقوى و يكون التكليف فيها بالأمر و النهي أشدّ تأكدا كما تقدم، و قد يصبح الأمر في ذلك أعظم خطورة و أبلغ أثرا، و لا حول و لا قوة إلا بالله.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 313

المسألة 22:

إذا علم ان تارك المعروف أو فاعل المنكر لا يرتدع عن غيّه حتى تجتمع جماعة من الناس على امره و نهيه، وجب على المكلفين العالمين بالحال إعلام بعضهم بعضا بحال ذلك الإنسان، و وجب عليهم التعاون و التآزر على أداء الواجب معه حتى يتحقق لهم الغرض المقصود من زجره، و يأثم من لا يشترك منهم في أداء الواجب إذا توقف حصول الغرض على اشتراكه، أو كان امتناعه عن الاشتراك سببا في شدة إصرار الفاعل على فعل المحرم و ترك الواجب.

المسألة 23:

إذا علم المكلّف من حال أحد أنه تارك للمعروف الواجب أو مرتكب للمنكر المحرم، فأظهر المكلف عزمه على أمره و نهيه و تصديه لذلك و ارتدع الفاعل عن صفته بمجرّد علمه بذلك و فعل المعروف الذي كان تاركا له، و ترك المحرم الذي كان مرتكبا له من قبل أن يواجهه الآمر بشي ء، سقط الوجوب عن المكلف بالأمر و النهي، و ان كان ترك الفاعل للمنكر حياءا من المكلف و خجلا من مواجهته بالحقيقة.

المسألة 24:

لا يحق للإنسان أن يتطلع إلى غيره في داره و في مخابئه، و يتعقبه في المواضع التي يتردد إليها ليطلع على امره هل يرتكب المنكر في الخفاء أو يترك الواجب فيأمره و ينهاه، بل عليه ان يتبع معه الخطوات المتعارفة بين الناس و بين المؤمنين و المسلمين، و يقبل عذره إذا اعتذر و لا يهتك ستره إذا تستر، و يحمل عمله على الصحة ما أمكن، فإذا علم من حاله شيئا يقتضي الأمر و النهي بأحد الطرق المتعارفة، عامله بما علم، و إذا كشف الفاعل ستر نفسه و تجاهر بالمنكر و ترك الواجب عامله بمقتضى ذلك.

المسألة 25:

إذا ترك الرجل فعل المعروف الذي يجب عليه فعله، أو فعل الشي ء المحرّم الذي يجب تركه، و علم المكلف بذلك، و لكنه شك في أن الفاعل كان عالما بالحكم في حال مخالفته فيجب أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر، أو كان جاهلا بالحكم أو بالموضوع، فلا يجب أمره و لا نهيه لأنه معذور في مخالفته بسبب جهله، وجب على المكلف ان يعلمه الحكم من باب إرشاد الجاهل.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 314

المسألة 26:

إذا ترك الفاعل واجبات متعدّدة أو فعل محرمات متعددة، و لم يستطع المكلف أن يأمره بجميع الواجبات التي تركها، أو ينهاه عن جميع المحرّمات التي فعلها، وجب عليه أن يأمره بما يستطيع امره به من الواجبات و ان ينهاه عما يمكنه النهي عنه من المحرمات، و سقط عنه الوجوب في الباقي لعدم قدرته عليه.

و كذلك الحكم إذا احتمل تأثير أمره و نهيه في بعض الواجبات و المحرمات، و علم بعدم التأثير في الباقي، فيجب عليه أمره و نهيه في الموارد التي يحتمل فيها تأثير قوله و يسقط عنه الوجوب في غيره.

و إذا استطاع أن يقسّم امره و نهيه على فترات من الزمان، فيأمر الفاعل في وقت ببعض الواجبات التي تركها و ينهاه عن بعض المحرمات التي فعلها، ثم يأمره و ينهاه في وقت آخر عن بعض آخر منها، و هكذا حتى يتم الجميع، فيلزمه أن يفعل كذلك فلعل اجتماع عدد كثير من الأوامر و النواهي عليه في وقت واحد هو الذي يوجب عدم قدرته على القيام بالجميع أو يوجب عدم التأثير في المأمور فإذا قسّم الأمر و النهي على فترات متفرقة من الزمان أمكن له استيفاؤها جميعا، و أثرت.

المسألة 27:

الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر علاج شرعي لبعض المنحرفين في أعمالهم و سلوكهم عن الاستقامة التي أرادها اللّه للمؤمنين، و عن لزوم العمل الصحيح الذي حددته شريعة الحق و بينته في أحكامها و من أجل ذلك فلا بد من أن يأخذ الآمر و الناهي في أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر بمقدار ما تتأدّى به الضرورة، و يحصل به العلاج النافع، و لا يجوز له أن يأخذ بالمرتبة الشديدة إذا أمكن العلاج بما هو أخفّ

و أيسر منها، و قد تكرّر منّا بيان هذا و ذكرنا له عدّة من الأمثلة و الفروض.

فإذا فعل الفاعل المنكر و أصرّ على فعله أو ترك المعروف الواجب و أصرّ على تركه، و لم يمكن علاجه الا بإظهار أمره بين الناس و تعريف حاله للآخرين، جاز إعلان أمره إذا كان متجاهرا بارتكابه في ما يقول و ما يفعل، و لا يبالي بكشف ستره، و جاز إعلان أمره على الأقوى إذا كان تأثير الأمر و النهي في إصلاحه يتوقف على تبيين حاله و التشهير به، فإذا كف عن فعله و ارتدع عن منكره و عن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 315

إصراره عليه، وجب ترك ذلك، بل وجب اكباره و إجلاله لسيطرته على نفسه، و إحلاله الموضع اللائق به من المجتمع المسلم السليم.

و لا يجوز إعلان أمره و التشهير به إذا كان متسترا بفعله، و أمكن علاجه بما هو أيسر و أخفّ و ألين، و من الله التوفيق و العون للآمر و المأمور، و لنا و للمؤمنين على الأخذ بأحكامه و اتباع منهاجه و هداه في ما نقول و ما نعمل.

المسألة 28:

يمكن للمكلف أن يعتمد في أمره لصاحبه بالمعروف و نهيه إياه عن المنكر على المكاتبة، فيبسط له فيها من الحديث معه ما لا يقدر على بيانه باللسان، و يكشف له ما لا يمكن كشفه بالقول و ينصب له من القرائن ما يوضح المراد، و يضع النقاط على الحروف كما يقول المثل الدارج، و يتخذ الأسلوب النافع، فإذا كان المكلف في اتباع هذه الطريقة أقدر على التأثير و أكثر ضمانا للعلاج الواجب، وجب عليه ذلك.

المسألة 29:

إذا ترك الفاعل معروفا واجبا أو ارتكب منكرا محرما، وجب على المكلف العالم بحاله أمره بالمعروف الذي تركه و نهيه عن المنكر الذي فعله، مع اجتماع شروط الوجوب كما تقدم، و وجب عليه أمره بالتوبة من تلك الخطيئة التي فعلها، إذا كان عازما على عدم التوبة منها، فان ترك التوبة من الخطيئة احدى كبائر الذنوب، و هما واجبان مستقلان، فيجب على المكلف الأمر بالمعروف في كليهما، و لا يكفي أداء أحدهما عن أداء الآخر، فإذا أمر الفاعل بالمعروف و نهاه عن المنكر من الجهة الأولى ففعل المعروف و ارتدع عن المنكر، و لم يتب من خطيئته وجب على المكلف أمره بالتوبة و لم يسقط عنه وجوب الأمر بها بامتثال الفاعل لأمره الأول.

المسألة 30:

تجب مقاطعة فاعلي الشر و السوء و مرتكبي المنكر و تاركي الواجبات من الناس، و تحرم مجالستهم، و مخالطتهم و الركون إليهم مهما أمكن، و قد قال سبحانه في كتابه وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ، وَ مٰا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ ثُمَّ لٰا تُنْصَرُونَ و في الخبر عن أمير المؤمنين (ع): (من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يقوم مكان ريبة)، و عن الإمام جعفر بن محمد (ع): (من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 316

جالس أهل الريب فهو مريب) و في خبر صفوان بن يحيى، عن الإمام أبي الحسن موسى (ع): (من أحبّ بقاءهم فهو منهم، و من كان منهم كان ورد النار)، و قد تصبح مقاطعتهم و مجانبتهم احد الطرق النافعة في علاجهم من الغيّ و ردعهم عن السوء و رجوعهم إلى الرشد.

المسألة 31:

يجب على الفرد المؤمن أن يأمر أهل بيته و عياله و أولاده بالمعروف و ينهاهم عن المنكر، و يتأكد عليه الوجوب في حقهم، و قد قال سبحانه يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً وَقُودُهَا النّٰاسُ وَ الْحِجٰارَةُ.، فإذا علم من حال بعض أهله أنه يترك بعض الواجبات من صلاة أو صيام أو غيرهما، أو يتساهل في أدائه، أو يتسامح في تأدية ما يعتبر فيه من شروط و أجزاء و واجبات أو يأتي به على غير الوجه الشرعي المطلوب، وجب عليه أن يأمره بالمعروف و يستعمل معه المراتب التي قدّمنا بيانها للأمر و النهي، و يلين معه في مورد اللين و يشتد معه في موضع الشدة، حتى يستكمل الواجب و يستوفي الغاية و يتم العلاج، و يأتي المأمور بالواجب الذي تركه و يتم

اجزاءه و شروطه على الوجه الصحيح المراد.

و كذلك إذا علم أن بعضهم يفعل بعض المنكرات المحرّمة من غيبة أو نميمة أو كذب أو غير ذلك من المحرمات الصغيرة أو الكبيرة، فيجب عليه أن ينهاه عن المنكر، و يتخذ معه المراتب التي ذكرناها للنهي و الإنكار حتى يرتدع و يثوب إلى الحق، و أن يأمره بالتوبة في موارد وجوب التوبة كما سبق بيانه في الآخرين، فحق الأهل في ذلك أعظم من حقوق غيرهم، و لعل الولاية ما بين الرجل و بينهم على تأدية هذا الواجب معهم أشدّ من الولاية ما بينه و بين غيرهم، و في الآية الكريمة المتقدمة دلالة على ذلك.

المسألة 32:

لا يختص الحكم المتقدم بربّ العائلة، فإذا علم بعض أفراد أهل البيت بأن بعضهم يترك المعروف أو يفعل المنكر شمله التكليف و وجب عليه الأمر و النهي كما تقدم.

و كذلك الحكم في المرأة المؤمنة إذا علمت ذلك من بعض أهلها، و توفّرت فيها شروط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فيجبان عليها، و إذا قام بعض افراد العائلة بالواجب و كان أمره و نهيه كافيين في التأثير و حصول الغاية

كلمة التقوى، ج 2، ص: 317

المقصودة سقط الوجوب عن ربّ العائلة و عن الأفراد الآخرين.

المسألة 33:

إذا علم المكلف ان أحد الشخصين المعينين أو الأشخاص المعلومين قد ترك معروفا واجبا أو ارتكب منكرا محرّما، و علم بأن أمره و نهيه لهم يؤثر في ردعهم عن المنكر، وجب عليه أمرهم و نهيهم جميعا، و كذلك إذا احتمل أن أمره و نهيه يؤثر الأثر المطلوب شرعا، فيجب عليه أمرهم و نهيهم جميعا، و مثله ما إذا علم أو احتمل أن أمره و نهيه يؤثر في ردع بعضهم من غير تعيين، فيجب عليه أمرهم و نهيهم جميعا.

و إذا علم أو احتمل ان قوله يؤثر في البعض المعيّن منهم خاصة، و لا يؤثر في الباقين، وجب عليه أن يأمر ذلك البعض المعيّن، و يسقط عنه الوجوب في الآخرين.

المسألة 34:

إذا توقف تأثير الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في تارك المعروف و فاعل المنكر على ان يزوره المكلف في بيته مثلا، أو على أن يطنب معه في الحديث، أو على بيان بعض المحاذير و الآثار السيئة التي يتركها فعل ذلك المنكر أو ترك ذلك الواجب في نفس الفاعل و في عاقبته، أو على قراءة بعض النصوص و الأحاديث التي تحذّره من غضب الله و شدة مقته و أليم أخذه للمجرمين، وجب عليه ذلك مع قدرة المكلف عليه أو الاستعانة بغيره من العارفين.

المسألة 35:

إذا توقف تأثير الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على أن يدخل المكلف في بيت الرجل أو على أن يأكل من طعامه مثلا، و كان البيت مغصوبا أو كان الطعام محرما، كان ذلك من التزاحم بين الأمرين المذكورين، فيقدّم منهما ما هو أكثر أهمية و أعظم فائدة في حكم الإسلام، فإن كان اجتناب المكلف دخول بيت الرجل و الأكل من طعامه أكبر أهمية، وجب عليه ترك الدخول و الأكل، و سقط عنه وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و إذا انعكس الأمر جاز له الدخول و وجب عليه الأمر و النهي، فيدخل البيت المغصوب مثلا و يأكل الطعام الحرام إذا كان المراد تخليص نفس محترمة من القتل، أو كشف شدة كبيرة عن طائفة من المؤمنين، و يجتنب الدخول و الأكل إذا كان المراد أن يأمر الرجل

كلمة التقوى، ج 2، ص: 318

بأداء فريضة من صلاة أو صوم أو ينهاه عن ترك محرم صغير يريد ارتكابه، و يرجع إلى الفقيه الجامع للشرائط في تعيين ما هو الأهم الأكبر من الأمرين المتزاحمين و ما هو محتمل الأهمية منهما، و في تعيين موارد التساوي

و التخيير بينهما.

المسألة 36:

يجب على المؤمن- و خصوصا إذا كان من أهل العلم و الدين، و المتصدّين لنصيحة الناس و إرشادهم و أمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر- أن يأمر نفسه بالمعروف الواجب، و ان ينهى نفسه عن المنكر المحرم، الصغير منه و الكبير، و أن يكون من أشد الناس التزاما بذلك و أثبتهم على إطاعته و تطبيقه على نفسه، و قد ورد في وصية الإمام أمير المؤمنين (ع) لولده محمد بن الحنفية: (كن آخذ الناس بما تأمر به و أكفّ الناس عما تنهى عنه، و أمر بالمعروف تكن من أهله)، و عنه (ع) في بعض خطبه: (و انهوا عن المنكر و تناهوا عنه، فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي)، و عن علي بن الحسين (ع) في حديث له وصف فيه المؤمن و المنافق، قال: (و المنافق ينهى و لا ينتهي، و يأمر بما لا يأتي).

و يستحب له ان يأمر نفسه بالمعروف المندوب و ان يكون من المواظبين عليه، و ان ينهى نفسه عن المكروهات و يكون من التاركين لها، و ان يأخذ نفسه باكتساب الأخلاق و الفضائل الحميدة و التمسك بها، و يجاهدها بنبذ الأخلاق و الرذائل المذمومة و الابتعاد عنها، حتى يصبح من أهل المعروف في الدنيا و أهل المعروف في الآخرة، كما نطقت به النصوص الواردة عن أدلة الهدى (ع)، فإذا هو تحلّى بجميع ذلك و استكمل محامده و اجتنب مذامه في القول و العمل، ثم أمر الناس الآخرين بالمعروف و نهاهم عن المنكر و دعاهم إلى ذلك بالحكمة و الموعظة الحسنة، فقد قام بالامتثال بأرفع مرتبة من الأمر و النهي في الأداء و أضمنها في التأثير، و أكبرها مقاما عند الله و

أقربها زلفة لديه، و قد ورد في بعض أقوال أمير المؤمنين (ع): (من نصب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره و ليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، و معلّم نفسه و مؤدّبها أحق بالإجلال من معلّم الناس و مؤدبهم). و من الله التوفيق و العون لنيل هذه المرتبة و غيرها من مراتب الكمال النفساني و الخير الأعلى المقصود لأهل الدين.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 319

المسألة 37:

يجب التآمر بالمعروف و التناهي عن المنكر بين الأفراد و الجماعات من المؤمنين، فكل فرد منهم يأمر نفسه و يأمر الآخرين بفعل المعروف الواجب، و ينهى نفسه و ينهى الآخرين عن ارتكاب المنكر المحرم، و يجب عليهم التواصي بالحق و إقامته، و التواصي بالصبر على الطاعات و الصبر عن المعاصي، و خصوصا إذا اعتيد بين الناس ترك المعروف و ارتكاب المنكر فيجب على المؤمنين ان يتآزروا على محو ذلك ما استطاعوا في أفعالهم و أقوالهم.

و تحرم المجاهرة بين الأفراد و الجماعات بترك المعروف و التظاهر بفعل المنكرات أو استسهال أمرها و التغاضي عن حدوثها، و المجاهرة بترك المعروف جرأة كبيرة على الله و إعلان من العبد بترك واجباته، و التظاهر بالمنكر تجرؤ شديد على الله و إعلان من العبد بفعل محرماته، و من أجل ذلك يكونان أشدّ حرمة و تماديا في الغي و العتو عليه سبحانه و محاربة صريحة له، و يجب تآزر الأفراد و الجماعات المسلمة على نبذ ذلك، و الحيلولة عن وقوع هذا الداء العضال، و قد ذكرنا في أول الكتاب بعض النصوص المحذّرة عن حصوله و المخوفة من سوء عاقبته، و عن الإمام الرضا (ع): (كان رسول الله (ص) يقول: إذا أمتي تواكلت الأمر

بالمعروف و النهي عن المنكر، فليأذنوا بوقاع الهلاك من الله)، و المراد ان يترك كل فرد و كل فريق من الأمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر اتكالا على غيره فلا يقيمهما منهم احد، و في حديث طويل للإمام محمد بن علي الباقر (ع) ذكر فيه رفض الناس لهذه الفريضة في آخر الزمان و ابتغاءهم المعاذير في تركها، ثم قال (ع): (هنالك يتم غضب الله عز و جل عليهم فيعمهم بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الأشرار و الصغار في دار الكبار) و تلاحظ المسألة الثانية.

المسألة 38:

يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على الجماعات كما يجب على الأفراد فإذا كان الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر لا يتأدى إلا بقيام جماعة متعددين به و لا يكفي فيه أن يتصدى له فرد واحد، وجب على الجماعة أن يجتمعوا و يدعو بعضهم بعضا إلى ذلك، فيأمروا بالمعروف و ينهوا عن المنكر متعاونين بينهم متآزرين على امتثال التكليف به، سواء كان المعروف الذي يأمرون به و المنكر الذي ينهون عنه من فعل شخص واحد، فلا يأتمر ذلك

كلمة التقوى، ج 2، ص: 320

الشخص و لا يفعل المعروف الذي تركه إلا إذا اجتمع جماعة من الناس على أمره و لا ينتهي و لا يرتدع عن المحرّم إلا إذا اجتمعوا على نهيه و زجره، أم كان المعروف و المنكر من فعل أشخاص متعددين، فلا يأتمرون و لا ينتهون إلا بتعاون جماعة على أمرهم و نهيهم، و لا يسقط الوجوب عن الجماعة بقيام فرد واحد بالأمر و النهي، لأنه لا يكفي في الأداء بحسب الفرض.

و إذا ترك الجماعة و لم يؤدّوا التكليف أثموا جميعا، و إذا استجاب آحاد لا يكفون بامتثال

التكليف و ترك الباقون، سقط الوجوب عمّن استجاب، و أثم الآخرون الذين لم يستجيبوا.

المسألة 39:

إذا وجب الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، و قام به بعض الأفراد أو الجماعات من المكلفين به، لم يسقط الوجوب عن المكلّفين الآخرين بمجرد تصدي أولئك النفر القائمين، حتى يعلم أن القائمين بالأمر قد أتموا الغرض و تحققت بفعلهم الغاية المطلوبة و العلاج المقصود، أو يثبت ذلك بالبينة الشرعية أو الاطمئنان العقلائي الكافي.

و أولى من ذلك ما إذا اطمأن المكلف بقيام الآخرين بالأمر و النهي أو اطمأن بان القائمين يكفون في تحصيل الواجب، ثم استبان له خلاف ذلك، فيجب عليه التصدي و القيام بالأمر و النهي.

المسألة 40:

إذا تناول الصائم بعض المفطرات فأكل أو شرب أو جامع زوجته و هو ناس للصّوم، أو ناس لكون الشي ء الذي تناوله من المفطرات، لم يضرّ ذلك بصحة صومه، و إذا علم أحد بأن الرجل قد تناول المفطّر ناسيا لم يجب عليه أن يعلمه و أن ينهاه، و لا يكون ذلك من النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف، سواء كان في صيام شهر رمضان أم في غيره من الصيام الواجب أو المندوب، و قد ذكرنا هذا في المسألة الثلاثين من كتاب الصوم.

المسألة 41:

إذا أكل الرجل شيئا نجسا أو متنجسا أو شربه و هو لا يعلم بنجاسته، و علم شخص آخر بوجود النجاسة في طعام الرجل أو شرابه أو ثوبه الذي صلّى فيه، لم يجب على ذلك الشخص إعلام الرجل بالنجاسة و نهيه عن أكل ذلك الشي ء أو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 321

شربه أو الصلاة فيه، و لا يكون ذلك من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و يستثنى من ذلك ما إذا كان ذلك الشخص هو السبب في أكل الرجل و شربه و صلاته في الشي ء النجس أو المتنجس، كما إذا باعه ذلك الشي ء النجس أو وهبه إياه و لم يخبره بأنه نجس أو متنجس، فيجب عليه إعلامه في هذه الصورة و نهيه عن أكل ذلك الشي ء و شربه و استعماله في ما تشترط فيه الطهارة كالصلاة و الطواف، و قد ذكرنا هذا في المسألة المائة و الثالثة و السبعين و ما قبلها من كتاب الطهارة.

المسألة 42:

إذا أراد الرجل أن يشرب مائعا خاصا و هو يعتقد بأنه شراب محلّل و كان المائع خمرا مسكرا يحرم شربه في الإسلام، أو أراد أن يجامع امرأة و هو يرى انها زوجته أو أمته، و كانت المرأة أجنبية عنه يحرم عليه وطؤها، أو أراد أن يقتل شخصا، و هو يوقن أنه مهدور الدم و كان الشخص مسلما محترم النفس و الدم، و علم شخص آخر بحقيقة الحال وجب عليه أن يعلم الرجل و ينهاه عن ارتكاب الأمور المذكورة، و ذلك لأن شرب الخمر، و التعدّي على الأعراض و الفروج، و قتل النفوس المحترمة أمور يعلم من دين الله و من شريعته المطهّرة المنع عنها و عدم جواز الوقوع فيها من أحد

أبدا و ان كان الفاعل جاهلا أو ناسيا.

الفصل الثاني في الأمر بالمعروف المندوب و النهي عن المكروه

المسألة 43:

القسم الثاني من المعروف في دين الإسلام ما كان مندوبا يستحب فعله كالنوافل من الصلاة، و المندوب من الصوم و الزكاة و الحج و العمرة و الزيارة، و المستحب من الطّهارات و الصدقات، و الأمر بهذا القسم من المعروف مندوب، و لا ريب في ثبوت هذا الحكم، ففي الخبر عن الإمام أبي عبد الله (ع): (لا يتكلم الرجل بكلمة حق يؤخذ بها إلا كان له مثل أجر من أخذ بها، و لا يتكلم بكلمة ضلال يؤخذ بها إلا كان عليه مثل وزر من أخذ بها)، و عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (من علّم خيرا فله مثل أجر من عمل به، قلت فان علّمه

كلمة التقوى، ج 2، ص: 322

غيره يجري ذلك له؟ قال: ان علّمه الناس كلهم يجري له، قلت فان مات، قال و ان مات).

فيستحب الأمر بالمعروف المستحب، و يتأكد الاستحباب في الأمر بالمستحب المؤكد، و يشمل الحكم على الأظهر للمستحب الذي يثبت استحبابه بدليل ضعيف، فيستحب الأمر به، و لا بدّ و ان يقيد هذا القسم من المستحب إذا أمر به بأن يأتي المأمور به برجاء المطلوبية.

و يستحب النهي عن المنكر الذي ثبتت كراهة فعله في الشريعة على النهج الذي بيّناه في الأمر بالمندوب من غير فرق بينهما، فلا اثم و لا عقوبة على المكلف إذا تركهما.

المسألة 44:

يحسن الأمر بالمعروف العقلي و هو الشي ء الذي ثبت حسن الإتيان به في حكم العقل و ان لم يثبت استحبابه في الشرع، فيحسن الأمر به و الإرشاد إلى فعله إذا تركه الفاعل، و لا يعاقب المكلف إذا ترك الأمر به.

المسألة 45:

إذا أقام الرجل لنفسه سنة حسنة أو أجرى له عادة طيبة من عوائد الخير، فاتبعه عليها أولاده أو أهل بيته أو غيرهم، كتب له أجر تلك السنة ما دام عاملا بها، و مثل أجور من عمل بها من الناس، و لا ينقص ذلك من أجور العاملين بسنته شيئا، و مثال ذلك: ان يطعم المحتاجين من أهل قريته أو يكسوهم في أوقات معينة من السنة أو من الشهر، و يتخذ ذلك دأبا له يجري عليه في عمله، ثم يتبع الآخرون سنته في عملهم.

و إذا جعل له سنة سيئة فعمل عليها و اتّبعه غيره على تلك السنة كتب عليه وزرها كاملا ما دام عاملا بها، و كتب عليه مثل أوزار المقتدين بها، و لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، و قد ذكرنا في ما تقدم بعض النصوص الدالة على ذلك.

المسألة 46:

يستحب للمكلف الذي يأمر بالمعروف المندوب و ينهى عن المنكر المكروه، ان يرفق بالمأمور و يلطف معه بأساليب أمره و نهيه، و خصوصا إذا كان المدعوّ ضعيف المعرفة ضعيف التحمل، أو كان جديد عهد بالإسلام أو بالإيمان، فيأمره و ينهاه بالمقادير التي يسهل عليه اتباعها، و بالأساليب التي تزيد في رغبته و في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 323

معرفته و لا يثقل عليه و يحمله أكثر مما يحتمل، فيكون ذلك سببا في انصرافه عن الغاية التي يرجوها له، و قد ينزجر بسببها عن الهدى و الإيمان بالحق.

المسألة 47:

يستحب للمؤمن أن يفعل الخير جهده، و يصنع المعروف الذي يقدر على صنعه مع المؤمنين، من الصدقات المستحبة، و الهدايا و الهبات المندوبة، و إسقاط حقوقه اللازمة لهم، و مساعدتهم في الأعمال التي يستطيع عملها، و الاستجابة لطلباتهم إذا طلبوا، و ما يشبه ذلك من أفعال الخير، و يستحب له أن يكثر من فعل ذلك، و يتخذه دأبا له و عادة، و يكون من أهل المعروف و اصطناع الخير مع الأفراد و الجماعات و في المجتمع، و لا يبتغي بذلك عوضا و لا مكافأة، ففي الخبر عن أبي جعفر محمد الباقر (ع): (صنائع المعروف تقي مصارع السوء، و كل معروف صدقة، و أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، و أهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، و أول أهل الجنة دخولا إلى الجنة أهل المعروف).

المسألة 48:

تستحب إشاعة فعل الخير و صنع المعروف و التزام العادات الحميدة في المجتمع المسلم و بين الأفراد و الجماعات من المؤمنين، و دلالتهم عليها و ترغيبهم فيها، فان (كل معروف صدقة، و الدال على الخير كفاعله) كما يقول الرسول (ص) في الحديث الشريف، و ان (فاعل الخير خير منه و فاعل الشر شر منه)، و ان (من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة) كما يقول أمير المؤمنين (ع) في بعض كلماته المأثورة، (و ان من بقاء المسلمين و بقاء الإسلام ان تصير الأموال عند من يعرف فيها الحق و يصنع المعروف، و ان من فناء الإسلام و فناء المسلمين ان تصير الأموال في أيدي من لا يعرف فيها الحق و لا يصنع فيها المعروف) كما يقول الإمام جعفر بن محمّد (ع).

المسألة 49:

يستحب للإنسان استحبابا مؤكدا إذا فعل أحد معه معروفا أو صنع له خيرا على احد الوجوه التي سبقت الإشارة إليها أن يكافئ الفاعل على معروفه، ففي الحديث عن أبي عبد الله (ع): (من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، و ليست المكافاة أن يصنع كما صنع به، بل يرى مع فعله لذلك ان له الفضل المبتدأ)، و في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 324

رواية أخرى: (و ليس المكافاة أن يصنع كما صنع به حتى يربي عليه، فان صنعت كما صنع كان له الفضل بالابتداء) و عن الرسول (ص): (من سألكم بالله فأعطوه، و من آتاكم معروفا فكافئوه، و ان لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا الله له حتى تظنوا انكم قد كافأتموه).

و أشد تأكيدا من استحباب المكافاة أن يشكر لصاحب المعروف فعله فيزيد في مقدار المعروف الذي يكافئه به أو في الثناء عليه و

الدعاء له.

و يجب على العبد أن يشكر الله سبحانه على نعمة التي لا ينتهي مدّها و لا يحصى عدّها سواء كانت خاصة به أم عامة له و لغيره، و من متممات شكر الله على نعمته ان يشكر العبد الذي ساق الله إليه النعمة على يديه، و قد دلت على هذا نصوص عديدة، و في الشكر على النعمة أمان لها عن الزوال و ضمان من الله للعبد الشاكر بالمزيد.

المسألة 50:

يحرم على الإنسان أن يكفر المعروف الذي يصل إليه من المخلوقين، و الكفران هو أن يجحد المعروف الذي يسديه إليه صانع المعروف و يغمط حقه فلا يشكر له فعله و لا يكافئه عنه بشي ء و لا يذكره بثناء و لا بدعاء، و أشدّ من ذلك ان يقابل معروفه بالذم و الجحود و الكنود، و أعظم من ذلك في التحريم ان يكفر العبد نعمة ربه، و قد توعّد- سبحانه- من كفر نعمته بالعذاب الشديد، و ورد في أحاديث الرسول (ص) و أوصيائه المعصومين ان كفران النعمة من الذنوب التي تعجل عقوبتها و لا تؤجل إلى الآخرة.

و لذلك فيكون شكر نعمة الله من موارد وجوب الأمر بالمعروف إذا أوتي العبد النعمة من الله فلم يشكر، و يكون كفران نعمته من موارد وجوب النهي عن المنكر.

المسألة 51:

ينبغي إعظام فاعل المعروف الواجب و المندوب، سواء كان ذلك بأمر نفسه و التزامه بأحكام الله و مناهج شريعته، أم كان فعله و التزامه بعد أن أمره الآمرون بالمعروف و دلّوه عليه، فتاب إلى ربه و أناب، فعن أبي عبد الله (ع):

(أقيلوا لأهل المعروف عثراتهم و اغفروها لهم، فان كف الله عز و جل عليهم هكذا، و أومأ بيده كأنه بها يظل شيئا)، و عنه (ع): (أهل المعروف في الدنيا هم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 325

أهل المعروف في الآخرة، يقال لهم ان ذنوبكم قد غفرت لكم فهبوا حسناتكم لمن شئتم).

و يجب تحقير مرتكب المنكر المحرّم فعن أمير المؤمنين (ع) قال: (أمرنا رسول الله (ص) أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة)، و هذا هو أدنى مراتب الإنكار للمنكر، و قد سبق ذكر مراتبه في المسألة السابعة عشرة.

المسألة 52:

يجب على المؤمن العالم بالحق القادر على بيانه و التعريف به بين الناس أن يظهر العلم و يجهر بالحق و يبينه للناس إذا ظهرت البدع و الضلالات المخالفة للحق و كان العالم آمنا من المخاوف و المحاذير، و قد ورد في الحديث عن النبي (ص): (إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله) و في حديث آخر عن الصادقين (ع): (إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه فان لم يفعل سلب نور الإيمان).

و عن الرسول (ص): (إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبّهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به

الدرجات في الآخرة).

و المراد ان يعرّف العلماء الناس ببدع المبتدعين و أهل الريب، و يبينوا لهم أعلام الحق و يوضحوا لهم منارة، و يظهروا لهم بهتان المبتدعين و كذبهم و ان ما يقولونه بهتان و بدعة سبيلها إلى النار، و هذا كله مع الأمن من المحاذير.

المسألة 53:

من متممات فعل المعروف و صنعه للآخرين ان يعتبره فاعل المعروف شيئا صغيرا و ان كبر، يسيرا و ان كثر، و أن يتستر بفعله و دفعه إذا كان من الأموال عن انظار الناس، فإذا أمكنه ان لا يعلم به أحد إلا الله فهو أفضل، و ان يعجّل صنعه و دفعه، فعن الإمام أبي عبد الله (ع): (رأيت المعروف لا يتم إلا بثلاث: تصغيره و ستره و تعجيله، فإنك إذا صغّرته عظّمته عند من تصنعه إليه، و إذا سترته تمته، و إذا عجّلته هنّأته، و إذا كان غير ذلك سخّفته و نكدته).

المسألة 54:

إذا أراد الرجل ان يفعل لأخيه خيرا أو يصنع له معروفا مستحبا، فلا

كلمة التقوى، ج 2، ص: 326

ينبغي له ان يبذل له من المال أو غيره ما تكون مضرته على الباذل أكثر من منفعته للمبذول له، ففي الحديث عن أحدهما (ع): (و لا تدخل في شي ء مضرته عليك أعظم من منفعته لأخيك) و في خبر آخر: (و لا تعط أخاك من نفسك ما مضرته لك أكثر من منفعته له).

و من أمثلة ذلك: ان يكون على أخيه دين، فيدفع له من ماله مبلغا ليسدّد به دينه أو يوفي قسطا منه، و يكون ضرر ذلك بحال دافع المبلغ أكبر و أبلغ من منفعته لأخيه المدين لفقر الدافع و ضيق ما في يده، و من أمثلته: ان يكون له على أخيه بعض الحقوق اللازمة، فيسقط حقه عن أخيه و يصيب الباذل بسبب إسقاطه للحق ضرر أشد من نفع أخيه، أو يقوم له بعمل كذلك.

المسألة 55:

من المعروف المستحب المؤكد للرجل أن يقرض أخاه المؤمن عند حاجته إلى القرض، و قد روي عن الإمام الصادق (ع): (ما من مؤمن أقرض مؤمنا يلتمس به وجه الله إلا حسب له أجره بحساب الصدقة حتى يرجع إليه ماله)، و عن الرسول (ص): (الصدقة بعشرة، و القرض بثمانية عشر، و صلة الإخوان بعشرين، و صلة الرحم بأربعة و عشرين).

و يجب انظار المدين إذا كان معسرا، و يستحب للدائن إبراء ذمته من الدين و أن يحلّله منه أو من بعضه، سواء كان المدين المعسر حيا أم ميتا.

المسألة 56:

يجب على المكلف إذا أنعم الله عليه بنعمائه في الدنيا، أن يشكر المنعم العظيم على ما آتاه و يعترف له بالفضل و أن يؤدي الحقوق التي تجب عليه في تلك النعمة من زكاة أو خمس أو خراج أو غيرها، و الحقوق التي يوجبها المكلف على نفسه من نذور و أيمان و كفارات و شبهها.

و يستحب له ان يحافظ على دوام نعمته و بقائها، بأن يقوم باصطناع المعروف لأهل المعروف و قضاء حوائج المؤمنين من اخوانه و تفريج كربهم و إغاثة ملهوفهم، و ان يحصّن بذلك نعمته عن الزوال و النفور، و يضمن لنفسه من الله المزيد ففي خبر إبراهيم بن محمد عن أبي عبد الله (ع): (ما من عبد تظاهرت عليه من الله نعمة إلا اشتدت مئونة الناس عليه، فمن لم يقم للناس بحوائجهم فقد عرّض النعمة للزوال، قال: فقلت: جعلت فداك و من يقدر أن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 327

يقوم لهذا الخلق بحوائجهم؟ فقال: انما الناس في هذا الموضع و الله المؤمنون)، و عن أمير المؤمنين (ع) في بعض كلماته: (يا جابر من كثرت نعم الله عليه

كثرت حوائج الناس إليه، من قام لله فيها بما يجب عرّضها للدوام و البقاء و من لم يقم فيها بما يجب عرّضها للزوال و الفناء).

المسألة 57:

ينبغي للرجل ان لا يوجب على نفسه باختياره حقوقا غير واجبة عليه في أصل الشريعة، فينذر على نفسه أن يؤدي حقّا أو مبلغا من المال أو يفعل فعلا مستحبّا، أو يوجب على نفسه مثل ذلك بعهد أو يمين، فإذا نذر الشي ء أو حلف أو عاهد الله على فعله وجب عليه الوفاء به و نال المثوبة على أدائه إذا كان راجحا، و حنث إذا خالفه باختياره و أثم و لزمته الكفارة، و قد فصّلنا أحكام ذلك في كتاب النذر و اليمين، و قد ورد في حديث إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (ع): (لا تتعرضوا للحقوق، فإذا لزمتكم فاصبروا لها).

المسألة 58:

من جوامع الصفات و المعاني الحميدة الباعثة على ملازمة فعل الخير و صنع المعروف العام و الخاص ان يكون المسلم ممن يهتم جهد طاقته بأمور المسلمين، بل يظهر من بعض الأدلة لزوم الاتصاف بذلك، ففي الحديث المشهور أو المتواتر عن الرسول (ص): (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) و عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع): (ان المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه و لا تكون عنده، فيهتم بها قلبه، فيدخله الله تبارك و تعالى بهمه الجنة)، و من الجوامع المذكورة ان ينصح للمسلمين و يحسن القول فيهم فعن الرسول (ص): (أنسك الناس نسكا أنصحهم حبّا، و أسلمهم قلبا لجميع المسلمين)، و عنه (ص): (ان أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه) و عن أبي عبد الله (ع):

(عليكم بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه)، و عن أبي جعفر (ع)- في قول الله عز و جل وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً-: (قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم)

و عن أبي عبد الله (ع)- في هذه الآية الكريمة-: و لا تقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ما هو.

المسألة 59:

من صنائع المعروف الراجحة للمؤمن، بل المؤكد عليه استحبابها: ان

كلمة التقوى، ج 2، ص: 328

يرحم الضعيف المحتاج من اخوانه و يؤوي اليتيم من أطفال المؤمنين، و يكسو العاري و يغيث الملهوف و يعالج المريض، و ان يصلح طريق المسلمين و يبني القنطرة، و الملجإ للفقراء و الغرباء، و أن يقضي حاجة أخيه المؤمن و يهتم بها و يسعى جهده في قضائها، و ان يشفع له في أمر أو حاجة عند بعض الناس، سواء طلب المؤمن منه الشفاعة أم لم يطلب، و سواء نجح في شفاعته أم لم ينجح، و الروايات في كل أولئك وافرة ظاهرة، و ان يسعى بمقدار طاقته في نفع المؤمنين ففي الخبر عنه (ص): (الخلق عيال الله فأحبّ الخلق إلى الله من نفع عيال الله و أدخل على أهل بيت سرورا)، و عن الإمام علي بن الحسين (ع): (من قضى لأخيه حاجة، فبحاجة الله بدأ، و قضى الله بها مائة حاجة في إحداهن الجنة، و من نفّس عن أخيه كربة نفّس الله عنه كرب الدنيا و كرب القيامة بالغا ما بلغت، و من اعانه على ظالم له اعانه الله على إجازة الصراط عند دحض الاقدام) و الحديث طويل يحتوي على الحث على كثير من المندوبات و صنائع الخير، و بمضمونه أحاديث كثيرة رواها في كتاب وسائل الشيعة، و في جوامع الحديث الأخرى، فليرجع إليها من أراد الاطلاع عليها.

المسألة 60:

يحرم على الإنسان ان يسخط الله فيترك شيئا من واجباته أو يفعل شيئا من معاصيه أو يغيّر شيئا من احكامه فيستوجب بذلك مقت الله و غضبه، و يحرم عليه ان يسخط الله بشي ء ليرضي أحدا من خلقه، و ان كان أبا أو امّا،

أو زوجا أو مالكا أو رحما قريبا أو بعيدا، و قد استفاض عن الرسول (ص): (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، و في الحديث عن علي (ع): (لا دين لمن دان بطاعة مخلوق في معصية الخالق)، و عن أبي عبد الله (ع): (لا تسخطوا الله برضى احد من خلقه و لا تتقربوا إلى الناس بتباعد من الله)، و عنه (ع) في قول الله عز و جل:

وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا، كَلّٰا سَيَكْفُرُونَ بِعِبٰادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا، قال (ع): (ليس العبادة هي السجود و الركوع، انما هي طاعة الرجال، من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده).

المسألة 61:

يجب على المسلم أن يغضب لله سبحانه إذا رأى واجباته تترك، أو رأى محرماته ترتكب، أو رأى شريعته تغيّر أو أحكامه تعطّل، فإذا غضب لله أمر

كلمة التقوى، ج 2، ص: 329

و نهى و زجر بما يستطيع من مراتب الإنكار التي تقدم بيانها في مسائل الفصل الأول، و ان يكون غضبه لله بمقدار ما غضب الله لنفسه.

و هذا الحكم مع وجود الشرائط و القدرة على إنفاذه من أهم مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في المجتمع السليم، و وجوب هذه المرتبة و انتشارها في المجتمع من أكبر الأدلة على سلامة المجتمع و بعده عن الأدواء و المؤثرات، و قد سبق في المسألة الثانية و المسألة الثلاثين و السابعة و الثلاثين ما يدل على الحكم، و سبق في المسألة الحادية و الخمسين قول أمير المؤمنين (ع): (أمرنا رسول الله أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة).

و في الخبر عن أبي جعفر (ع): (أوحى الله إلى شعيب النبي (ع): إني معذب من قومك مائة ألف، أربعين

ألفا من شرارهم، و ستين ألفا من خيارهم، فقال: يا ربّ هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز و جل إليه، داهنوا أهل المعاصي و لم يغضبوا لغضبي).

المسألة 62:

ينبغي للمؤمنين أن يؤسّسوا العلاقات في ما بينهم و يقيموها على الحب في الله و البغض لأعدائه، فان الحب إذا أقيم على الايمان الخالص بالله و العمل الزكي بمرضاته، خلص و زكا و ثبت و دام، و أنتج النتائج الطيبة المحمودة للمتحابين في دنياهم و أخراهم، و إذا أقيم على غير ذلك لم يخلص و لم يدم، و سقط بسقوط غاياته، و عن أبي عبد الله (ع): (من أوثق عرى الإيمان ان تحب في الله و تبغض في الله و تعطي في الله و تمنع في الله)، و عنه (ع): (من وضع حبه في غير موضع فقد تعرّض للقطيعة).

المسألة 63:

يستحب استحبابا مؤكدا ان يتزاور المؤمنون في منازلهم الخاصة و في مجامعهم، و يتداولوا فيها النصيحة من بعضهم لبعض في لزوم الحق و الدلالة على سبل الخير، و التذاكر في ما بينهم في ما يثبت العقيدة الصحيحة في قلوبهم، و يبعث الإيمان المشرق في نفوسهم، و التواصي بالحق و التواصي بالصبر و الثبات عليه و على مناهجه، و الصبر و الثبات على ولاء الطيبين الطاهرين محمد و أهل بيته المعصومين (ع) و على محبتهم و الاستنارة بنور أحاديثهم، و الاستشفاء من أدواء النفوس و القلوب بطبهم، و الاستمداد الدائم من عطاء ذلك كلّه، فإنهم وسائل

كلمة التقوى، ج 2، ص: 330

الرحمة التي لا تنقطع، و ينابيع الخير التي لا تنقص و لا تغيض، و أدلة الهدى التي لا تشذ و لا تنحرف و مشارق النور الذي لا ينطفي، و بإحياء أمرهم حياة النفوس و بذكر فضائلهم جلاء الظلمات و بلوغ الغايات، و أن يكثروا من الصلاة عليهم إذا جرى ذكرهم فإن الصلاة عليهم تحطّ الذنوب و

تدفع الكروب و تثبت الإيمان في القلوب.

الفصل الثالث في مجاهدة النفس

المسألة 64:

إذا رأى الإنسان نفسه تاركة وجهة الدين الصحيح في الأعمال الواجبة أو المحرمة أو في بعضها، أو في الالتزام بالأخلاق الحميدة أو الارتكاب للرذائل المذمومة أو في بعض ذلك، وجب عليه أن يجاهد نفسه و يوجهها وجهة الحق الصحيح و يلزمها به و ان يردعها عن المخالفة، و يقف منها موقف الغريم المحاسب حتى يردّها إلى امتثال أمر الله و نهيه، و لا يتسامح معها و لا يتساهل، فان الإصرار على الذنب ذنب آخر، و ان الاستمرار على الجريمة جريمة ثانية قد تكون أكبر منها، و ان البقاء على الرذيلة رذيلة أخرى تضاعف الانحراف و تناقض الاستقامة، و قد تمنع من الحصول عليها، و هذا هو الجهاد مع النفس الذي تكاثرت النصوص الدالة على وجوبه على الإنسان و سمته الجهاد الأكبر، لطوله و استمراره و وجوب اتخاذ اليقظة و الحذر في جميع مراحله، ففي الحديث عن أمير المؤمنين (ع): (ان رسول الله (ص) بعث سرية فلما رجعوا، قال: مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر و بقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله و ما الجهاد الأكبر؟ فقال: جهاد النفس)، و عنه (ص): (الشديد من غلب نفسه)، و في كتاب المجازات النبوية عنه (ص): (المجاهد من جاهد نفسه)، و عنه (ص): (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و زنوها قبل ان توزنوا، و تجهّزوا للعرض الأكبر).

و ليست الكلمات المذكورة مواعظ قيلت لمجرّد التذكير و التنبيه القصير الأمد، و لكنها مناهج واجبة الاتباع، تلقى للعمل الدائم الواجب مدى الحياة.

كلمة التقوى، ج 2، ص: 331

المسألة 65:

يحرم على الإنسان أن يتبع هوى نفسه و رغباتها، إذا كان هواها و رغباتها مخالفة لما يريد الله، فإن الإنسان إذا ترك نفسه و

ما تهوى تمادت في الغي و أوصلته إلى ما لا يحمد، و جرّأته على فعل المنكرات و ترك الواجبات، و لذلك فيجب عليه ان يغالب هوى نفسه و رغباتها ما استطاع، و عن أحدهم (ع): (جاهد هواك كما تجاهد عدوك) و عن أمير المؤمنين (ع): (ان أخوف ما أخاف عليكم اثنتان:

اتباع الهوى و طول الأمل، أما اتباع الهوى فإنه يصدّ عن الحق، و اما طول الأمل فينسي الآخرة). فإذا اجتمعت العلّتان في المرء، فصده الهوى عن اتباع الحق و نسي الآخرة لطول أمله، لم يؤمل فيه خير و لم يرج له صلاح، و عن أبي عبد الله (ع): (احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم، فليس شي ء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم و حصائد ألسنتهم).

المسألة 66:

(رأس الحكمة مخافة الله)- كما يقول الرسول (ص) في الحديث المعروف بين جميع المسلمين-، فيجب على المؤمن ان يخاف الله ربه، المطلع على أمره في سره و علانيته خوفا شديدا يبعثه على طاعته، و يردعه عن جميع معاصيه، و يمنعه عن اتباع الشهوات التي تبعده عن مرضاته، و توجب له استحقاق غضبه و مقته، و يجب عليه ان يرجو الله و رحمته و عفوه و ان سبقت منه المعاصي و كثرت، ففي الخبر عن أبي عبد الله (ع): (ارج الله رجاء لا يجرئك على معصيته، و خف الله خوفا لا يؤيسك من رحمته)، و عن أبي جعفر (ع): (ليس من عبد مؤمن إلا و في قلبه نوران: نور خيفة و نور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا، و لو وزن هذا لم يزد على هذا)، و يجب عليه ان يكون عاملا لما يخاف و لما يرجو، و قد قيل لأبي

عبد الله (ع): (قوم يعملون بالمعاصي و يقولون: نرجو، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت، فقال (ع): هؤلاء قوم يترجحون في الأماني، كذبوا ليسوا براجين، من رجا شيئا طلبه، و من خاف من شي ء هرب منه) فإذا خاف العبد ربه و رجاه، و توازن الخوف و الرّجاء في قلبه، و عمل لهما،- كما ذكرته الأحاديث- و استقام في عمله و لم ينحرف أنتج ذلك له نتيجة معلومة محتومة، و هي تقوى الله، فالتقوى هي حصيلة اجتماع الخوف و الرجاء الشديدين المتوازنين في قلب المؤمن، و العمل الدائب لخوفه و رجائه، و الحفاظ عليهما حتى تكون ملكة ثابتة في

كلمة التقوى، ج 2، ص: 332

نفسه، و قد أشارت إلى ذلك الآية الكريمة وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زٰادَهُمْ هُدىً وَ آتٰاهُمْ تَقْوٰاهُمْ.

المسألة 67:

من متممات هذه المنزلة، و مقربات الوصول إلى هذه الغاية أن يشتد الخوف في قلب المؤمن، فيبكي خشية من الله لما اقترف من الذنوب، أو يبكي ندما على ما قابل به ربه الكريم العظيم من العصيان، أو خجلا ممّا تفضل عليه من النعم و الأيادي، فعن الإمام أبي محمد الحسن العسكري (ع) عن آبائه (ع) عن الصادق (ع): (ان الرجل ليكون بينه و بين الجنة أكثر مما بين الثرى إلى العرش لكثرة ذنوبه، فما هو إلا ان يبكي من خشية الله (عز و جل) ندما عليها حتى يصير ما بينه و بينها أقرب من جفنه إلى مقلته).

المسألة 68:

إذا توازن الخوف و الرجاء في قلب المؤمن، و أثمر اجتماعهما له ملكة التقوى- كما ذكرنا في ما سبق-، قبل الله منه عمله، و ان كان يسيرا، كما قال سبحانه إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، و بوأه المقام الرفيع من رضاه في الدنيا و الآخرة، و آتاه العزة و الكرامة، كما يقول تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ، و عن أمير المؤمنين (ع): (لا يقلّ عمل مع تقوى، و كيف يقلّ ما يتقبل)، و عن الصادق (ع): (من أخرجه الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه الله بلا مال، و أعزّه بلا عشيرة، و آنسه بلا أنيس، و من خاف الله أخاف الله منه كل شي ء، و من لم يخف الله أخافه الله من كل شي ء) و كلما ازدادت ملكة التقوى في نفس المؤمن ثباتا و رسوخا ازداد عطاؤها و عظم نتاجها.

المسألة 69:

يجب على العبد المكلف ان يجتنب الذنب و ان كان صغيرا فضلا عن كبائر الذنوب، ففي خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع): (اتقوا المحقّرات من الذنوب فإنها لا تغفر، قلت: و ما المحقّرات؟ قال (ع): الرجل يذنب الذنب، فيقول طوبى لي ان لم يكن لي غير ذلك) و عن الرسول (ص): (إياكم و المحقّرات من الذنوب فان لكل شي ء طالبا، الا و ان طالبها يكتب ما قدّموا و آثارهم و كل شي ء أحصيناه في إمام مبين)، و عن أمير المؤمنين (ع): (أشد الذنوب ما استهان به صاحبه).

كلمة التقوى، ج 2، ص: 333

و يحرم على العبد ان يصرّ على شي ء من معاصي الله، صغيرة كانت المعصية أم كبيرة، فعن أبي عبد الله (ع): (لا و الله لا يقبل الله شيئا من

طاعته على الإصرار على شي ء من معاصيه)، و عنه (ع): (لا صغيرة مع الإصرار، و لا كبيرة مع الاستغفار)، و عن أبي جعفر (ع) في قول الله عز و جل وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ، قال (ع): (الإصرار أن يذنب و لا يستغفر الله و لا يحدّث نفسه بالتوبة، فذلك الإصرار).

المسألة 70:

تجب التوبة على العبد إذا هو ترك واجبا من واجبات الله- سبحانه-، صغيرا كان أم كبيرا، أو اقترف ذنبا، أو أصرّ على ذنب صغير، أو فعل كبيرة من كبائر الذنوب و أصرّ على فعلها، بل و ان تمادى به الغي فارتكب عدة من الكبائر و أصرّ على فعلها مدة من حياته، فإذا ندم على ما فعل، و تاب إلى الله توبة نصوحا مما اقترف، و كملت له شروط التوبة و أخلص لله فيها، قبل الله منه توبته، فان الله يحب التوابين و يحب المتطهرين كما يقول في كتابه الكريم، و كما يقول سبحانه في آية أخرى وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّٰاسِ عَلىٰ ظُلْمِهِمْ، و كما وعد سبحانه به أهل السيئات من عباده، و ان كانت سيئاتهم موبقة، فقال يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ تَوْبَةً نَصُوحاً، عَسىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهٰارُ، و في الحديث عن الرسول (ص): (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، و عنه (ص): (لا كبير مع الاستغفار و لا صغير مع الإصرار)، و عن أمير المؤمنين (ع): (لا شفيع أنجح من التوبة)، و عن أبي جعفر (ع): (فاما الظلم الذي بينه و بين الله فإذا تاب غفر له).

المسألة 71:

يجب على العبد المذنب ان يندم على معصيته ندامة يأسى بها على ما فرّط، و يستحيي مما واجه به ربه من جرم، و خصوصا إذا كان ما عمله كبيرة أو إصرارا على معصية، و الندم أول شؤون التوبة، بل هو أول الواجبات المقوّمة لها، و عن الرسول (ص): (كفى بالندم توبة)، و عن أمير المؤمنين (ع): (ان الندم على الشي ء يدعو إلى تركه)،

فإذا ندم الرجل و استحيا من سيئ عمله، و عزم في نفسه عزما صادقا على ان لا يعود إلى فعله ما بقي في الحياة، فقد حصل منه الركن الأساس من توبته، و هو التوبة النصوح، كما ورد عن أبي عبد الله (ع) و عن

كلمة التقوى، ج 2، ص: 334

ولده أبي الحسن موسى (ع) في تفسير الآية الكريمة.

و من دلائل شدة الندم على الذنب ان يعترف المذنب على نفسه بالإساءة و التقصير، و انه يستحق العقاب على ما فرط، فعن أبي جعفر (ع): (و الله ما ينجو من الذنب إلا من أقرّ به)، و عنه (ع): (لا و الله ما أراد الله من الناس الا خصلتين: ان يقرّوا له بالنعم فيزيدهم، و بالذنوب فيغفرها لهم).

المسألة 72:

يجب على النادم التائب من ذنوبه أن يؤدي كلّ فريضة واجبة تركها قبل توبته إذا كانت الفريضة مما يجب قضاؤها، و يلزمه دفع كفارتها إذا كانت مما تجب فيه الكفارة، و يجب عليه أداء الكفارات الأخرى التي اشتغلت بها ذمته ككفارات النذور و العهود و الأيمان و المخالفات التي ارتكبها، و تراجع أحكامها التي فصّلناها عند القدرة و عند العجز في المسائل و الفصول المتعلقة بها من كتاب الصوم و كتاب الحج و كتاب الكفارات.

و يجب عليه أن يؤدي للناس حقوقهم و أموالهم التي استولى عليها بغير حق، فيؤديها إلى أصحابها، أو يستبرئ ذمته منهم بوجه شرعي آخر، و لا تصح توبته بغير ذلك مع القدرة و التمكن، و إذا عجز عن ذلك و لم يمكنه ان يرد المظالم إلى أهلها، وجب عليه الاستغفار للمظلومين.

المسألة 73:

يجب على العبد أن يجدّد التوبة كلما تجدّد منه الذنب، و تصح منه توبته إذا اجتمعت الشروط التي ذكرناها و ان تكررت، و لا يجوز له أن ييأس من روح الله أو يقنط من رحمته، فعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: (يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة و المغفرة، اما و الله انها ليست إلا لأهل الإيمان، قلت: فان عاد بعد التوبة و الاستغفار من الذنوب و عاد في التوبة؟ قال (ع): يا محمد بن مسلم أ ترى العبد المؤمن يندم على ذنبه و يستغفر منه و يتوب ثم لا يقبل الله منه توبته؟! قلت: فان فعل ذلك مرارا يذنب ثم يتوب و يستغفر، فقال: كلما عاد المؤمن بالاستغفار و التوبة عاد الله عليه بالمغفرة، و

ان الله غفور رحيم يقبل التوبة و يعفو عن السيئات، فإياك أن تقنط المؤمنين من رحمة الله).

كلمة التقوى، ج 2، ص: 335

المسألة 74:

يجب على المكلف أن يحاسب نفسه على عمله في كل يوم يمر عليه، فان وجد ما عمله صالحا حمد الله على توفيقه و هدايته، و سأل منه المزيد من الهداية و العون، و ان وجده سيئا ندم عليه و استغفر الله منه، و تداركه بالتوبة، و الروايات الدالة على هذا كثيرة بل مستفيضة.

المسألة 75:

يستحب للإنسان أن يتذكر ذنوبه السابقة، و ان كان قد تاب منها، و يكرّر الندم على فعلها و الاستغفار منها كلما تذكّرها، و ان لا تشغله النعم التي تجدّدت عليه من الله عن ذلك، ففي الخبر عن أبي عبد الله (ع): (ان المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له، و ان الكافر لينساه من ساعته)، و إذا شغلته النعم المتجددة عليه فلم يذكر ذنوبه و لم يتب إلى الله منها كان ذلك من الاستدراج كما يقول سبحانه سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لٰا يَعْلَمُونَ.

المسألة 76:

يستحب للإنسان أن يتفكر في الأمور التي توجب له العبرة و تفيده الموعظة، و التوجه مع الانتباه الكامل إلى أعمال الخير و البرّ و الانصراف عن أضدادها، و ان يكون كثير التفكر في ذلك، فعن الإمام أبي عبد الله (ع): (التفكر يدعو إلى البر و العمل به) و عن الرسول (ص): (تفكر ساعة خير من قيام ليلة) و عن أبي الحسن الرضا (ع): (ليس العبادة كثرة الصلاة و الصوم، إنما العبادة التفكر في أمر الله (عز و جل))، فيتذكر أصحابا له درجوا قبله، فسبقوه في الأعمال الصالحة، أو في الابتعاد عن المعاصي أو في ملازمة الخصال المحمودة و الأخلاق الفاضلة، أو في نفع الناس و برّهم و إرشادهم، فيفيد من تفكره بهم اعتبارا قويا و شعورا حيّا بالمسؤولية، و اندفاعا للاقتداء بأعمالهم أو السبق عليهم، و عن أبي عبد الله (ع): (كان أكثر عبادة أبي ذر رحمه الله التفكر و الاعتبار).

و يجب على الإنسان التفكر في ملكوت الله، و في مجالي عظمته في خلقه، و مظاهر قدرته، و في شدة بطشه و قوة سلطانه، فيصحح بذلك معرفته بالله، و

يثبت بها عقيدته و يزكي عمله، و لا يجوز له أن يفكر في ذات الله، فالتفكر في ذلك لا يزيده إلا حيرة و تيها، و كيف يحيط الفكر المتناهي المحدود في وجوده و في طاقته

كلمة التقوى، ج 2، ص: 336

و في أبعاده، بموجود تستحيل عليه النهايات في كل جهة من كماله، و عن أبي جعفر (ع): (إياكم و التفكر في الله و لكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظم خلقه)، و عن أبي عبد الله (ع): (من نظر في الله كيف هو، هلك)، و عن أبي جعفر (ع): (اذكروا من عظمة الله ما شئتم و لا تذكروا ذاته، فإنكم لا تذكرون منه شيئا إلا و هو أعظم منه).

المسألة 77:

يجب على العبد أن يتوكل على الله وحده في جميع أموره كلها و يفوضها إليه، و قد قال سبحانه وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّٰهَ بٰالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللّٰهُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ قَدْراً، و قال تعالى أَ لَيْسَ اللّٰهُ بِكٰافٍ عَبْدَهُ، و روي عن أبي الحسن موسى (ع): (التوكل على الله درجات، منها أن تتوكل على الله في أمورك كلّها، فما فعل بك كنت عنه راضيا، تعلم انه لا يألوك إلا خيرا و فضلا، و تعلم ان الحكم في ذلك له، فتوكل على الله بتفويض ذلك إليه، وثق به فيها و في غيرها)، و في حديث لأبي عبد الله (ع): (و من أعطي التوكل أعطي الكفاية، ثم قال: أ تلوت كتاب الله عز و جل وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، و عن أبي بصير عنه (ع) قال: (ليس شي ء إلا و له حد، قلت: جعلت فداك فما حدّ

التوكل؟

قال: اليقين، قلت: فما حدّ اليقين؟ قال: ان لا تخاف مع الله شيئا).

المسألة 78:

تجب على العبد طاعة الله في ما أمره به و نهاه عنه، فعن الرسول (ص): (انه لا يدرك ما عند الله الا بطاعته)، و عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال قال لي: (يا جابر أ يكتفي من ينتحل التشيع أن يقول: يحبّنا أهل البيت، فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله و أطاعه، و ما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع و التخشع و الأمانة و كثرة ذكر الله و الصوم و الصلاة و البرّ بالوالدين. إلى أن قال (ع)- أحبّ العباد إلى الله أتقاهم و أعملهم بطاعته، يا جابر و الله ما يتقرب إلى الله عز و جل إلا بالطاعة، و ما معنا براءة من النار، و لا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، و من كان له عاصيا فهو لنا عدوّ، و ما تنال ولايتنا إلا بالعمل و الورع)، و الأحاديث بهذا المضمون كثيرة واضحة الدلالة.

المسألة 79:

يجب على العبد أن يجتنب حرمات الله كافة، و ان يدرع عن الوقوع فيها

كلمة التقوى، ج 2، ص: 337

أو في بعضها بتقوى الله، و الخوف الشديد من عقابه، فعن زيد الشحام قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: (احذروا سطوات الله بالليل و النهار، فقلت:

و ما سطوات الله؟ قال: أخذه على المعاصي)، و عنه (ع): (من أشدّ ما فرض الله على خلقه، ذكر الله كثيرا، ثم قال (ع): لا اعنى سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر، و ان كان منه، و لكن ذكر الله عند ما أحلّ و حرّم فان كان طاعة عمل بها، و ان كان معصية تركها)، و عن

أبي بصير عنه (ع) قال: (من أشد ما عمل العباد انصاف المرء من نفسه، و مواساة المرء أخاه، و ذكر الله على كل حال، قال قلت: أصلحك الله و ما وجه ذكر الله على كل حال؟ قال (ع): يذكر الله عند المعصية يهم بها، فيحول ذكر الله بينه و بين تلك المعصية، و هو قول الله إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذٰا مَسَّهُمْ طٰائِفٌ مِنَ الشَّيْطٰانِ تَذَكَّرُوا فَإِذٰا هُمْ مُبْصِرُونَ).

المسألة 80:

يجب على المكلف أن يتدبر عاقبة كلّ عمل يهمّ به قبل أن يبدأ بفعله، فان وجده خيرا فعله، و ان كان شرّا اجتنبه، ففي وصية أمير المؤمنين (ع) لولده محمد بن الحنفية: (من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، و من تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرّض لمفظعات النوائب، و التدبر قبل العمل يؤمنك من الندم)، و عن أبي عبد الله (ع): (ان رجلا أتى النبي (ص) فقال له يا رسول الله أوصني فقال له: فهل أنت مستوص إن أنا أوصيتك؟، حتى قال له ذلك ثلاثا، و في كلها يقول الرجل: نعم يا رسول الله، فقال له رسول الله (ص):

فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته، فان يك رشدا فأمضه، و ان يك غيّا فانته عنه).

المسألة 81:

(الغضب مفتاح كل شر) كما ورد عن الإمام الصادق (ع)، و (ان الغضب ليفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل) كما عن الرسول (ص)، (و ان الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار) كما يقول الإمام محمد بن علي الباقر (ع)، و كما يقول أيضا: (أي شي ء أشدّ من الغضب؟، ان الرجل ليغضب فيقتل النفس التي حرم الله، و يقذف المحصنة).

فيجب على الرجل أن يسكن غضبه فلا يفعل محرما و لا يرتكب سوءا بسبب غضبه، و لا يتجاوز على الآخرين بشي ء لا حق له فيه، من قول أو فعل أو

كلمة التقوى، ج 2، ص: 338

مال أو انتهاك حرمة أو عرض أو غير ذلك مما يتجاوز فيه الحدّ، ففي الخبر عن أبي عبد الله (ع): (إنما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق، و ان رضي لم يدخله رضاه في باطل، و إذا

قدر لم يأخذ أكثر مما له) و عنه (ع): (ان رسول الله (ص) أتاه رجل فقال: يا رسول الله علمني عظة اتعظ بها، فقال: انطلق فلا تغضب، ثم عاد إليه، فقال: انطلق فلا تغضب، ثلاث مرات)، و عنه (ص):

(من كفّ غضبه عن الناس كف الله (تبارك و تعالى) عنه عذاب يوم القيامة).

و عن أبي جعفر (ع): (أيما رجل غضب على قوم و هو قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنه يذهب عنه رجز الشيطان، و أيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسّه، فان الرحم إذا مسّت سكنت).

المسألة 82:

لا يعذر الغاصب في ما يفعله من المحرمات و المحاذير بسبب غضبه و ان كان شديدا، أو توهمت له نفسه الثائرة وجود المعاذير، و يجب عليه ان يتذكر غضب الله عليه في مجاوزته للحدود، فعن أبي عبد الله (ع) قال: (أوحى الله عز و جل إلى بعض أنبيائه، يا بن آدم اذكرني في غضبك أذكرك في غضبي، لا أمحقك في من أمحق، و إذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك، فإن انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك).

المسألة 83:

يحرم على الإنسان ان يتعصّب على غير حق، و عن أبي عبد الله (ع): (من تعصّب أو تعصّب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه) و روى ذلك في حديث له عن الرسول (ص)، و المراد بمن تعصّب له ان يتعصب له بعض الناس في غير الحق فيرضى بفعله و يقرّ له ذلك في اعماله فيكون شريكا له في التعصب، و شريكا له في الإثم، و سئل علي بن الحسين (ع) عن العصبية، فقال: (العصبية التي يأثم عليها صاحبها: ان يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، و ليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، و لكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم).

المسألة 84:

يحرم على الرجل أن يكون سيئ الخلق، ففي حديث الإمام الرضا (ع) عن الرسول (ص): (عليكم بحسن الخلق، فان حسن الخلق في الجنة لا محالة، و إياكم

كلمة التقوى، ج 2، ص: 339

و سوء الخلق فان سوء الخلق في النار لا محالة)، و عن أبي عبد الله (ع): (من ساء خلقه عذّب نفسه)، و عنه (ص): (أبى الله لصاحب الخلق السي ء بالتوبة، قيل:

و كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه)، و الروايات الدالة على ذلك عديدة.

المسألة 85:

يحرم على المكلف أن يكون سفيها، فعن الصادق (ع): (ان السفه خلق لئيم يستطيل على من دونه و يخضع لمن فوقه)، و يحرم عليه أن يكون ممن يتّقى شره، فعنه (ص): (شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرّهم)، و عن أبي عبد الله (ع): (من خاف الناس لسانه فهو في النار)، و يحرم عليه أن يكون فاحش القول، و ان يكون بذيئا، فعن أبي جعفر (ع): (ان الله يبغض الفاحش المتفحش)، و عنه (ص): (ان من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه)، و عن أبي عبد الله (ع): (ان الفحش و البذاء و السلاطة من النفاق)، و عنه (ع):

(الحياء من الإيمان و الإيمان في الجنة، و البذاء من الجفاء، و الجفاء في النار).

المسألة 86:

يحرم على الإنسان أن يبغي على غيره بقول أو بفعل، و قد قال أمير المؤمنين (ع): (ان البغي يقود أصحابه إلى النار)، و كتب أبو عبد الله (ع) إلى مسمع أبي سيّار، (أنظر أن لا تكلّمنّ بكلمة بغي أبدا، و ان أعجبتك نفسك و عشيرتك)، و عن النبي (ص): (ان أعجل الشر عقوبة البغي)، و ورد في وصية الإمام أبي عبد الله (ع) لأصحابه: (و إياكم أن يبغي بعضكم على بعض، فإنها ليست من خصال الصالحين، فإنه من بغى صيّر الله بغيه على نفسه، و صارت نصرة الله لمن بغى عليه، و من نصره الله غلب و أصاب الظفر من الله).

المسألة 87:

يستحب للمؤمن أن ينتهز الفرصة لعمل الخير إذا أوتيت له، و ان يبادر إلى فعله مهما أمكن له، و في وصية النبي (ص) لعلي (ع): (يا علي بادر بأربع قبل أربع:

شبابك قبل هرمك، و صحتك قبل سقمك، و غناك قبل فقرك، و حياتك قبل موتك)، و عن أمير المؤمنين في قول الله عز و جل (وَ لٰا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيٰا) قال (ع): (لا تنس صحتك و قوّتك و فراغك و شبابك و نشاطك ان تطلب بها الآخرة)، و عنه (ع): (الفرصة تمر مرّ السحاب فانتهزوا فرص الخير)، و عن أبي

كلمة التقوى، ج 2، ص: 340

عبد الله (ع): (من استوى يوماه فهو مغبون، و من كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، و من كان آخر يوميه شرّهما فهو ملعون، و من لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، و من كان الى النقصان، فالموت خير له من الحياة).

المسألة 88:

يجب على العبد المؤمن ان يحسن ظنه بالله انه ينجيه من عذابه، و لا يؤاخذه بسيئ عمله، و يحرم عليه ان يسي ء ظنه به، فعن أبي الحسن الرضا (ع): (أحسن الظن بالله فان الله (عز و جل) يقول: انا عند ظن عبدي المؤمن إن خيرا فخيرا، و إن شرّا فشرّا)، و عن الرسول (ص) انه قال على منبره: (و الذي لا إله إلا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا و الآخرة إلا بحسن ظنه بالله، و رجائه له، و حسن خلقه، و الكف عن اغتياب المؤمنين، و الذي لا إله إلا هو لا يعذّب الله مؤمنا بعد التوبة و الاستغفار إلا بسوء ظنه، و تقصير من رجائه له، و سوء خلقه و اغتياب المؤمنين،

و الذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله، إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن، لأن الله كريم بيده الخير، يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه و رجاءه، فأحسنوا بالله الظن و ارغبوا إليه)، و عن أبي عبد الله (ع): (حسن الظن بالله ان لا ترجو إلا الله و لا تخاف إلا ذنبك).

المسألة 89:

من زكي الأعمال ان يشتغل المرء بعيوب نفسه عن عيوب الآخرين، فعن الرسول (ص): (طوبى لمن شغله خوف الله عز و جل عن خوف الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين من اخوانه) و عن أبي جعفر (ع): (كفى بالمرء عيبا ان يتعرف من عيوب الناس ما يعمى عليه من أمر نفسه، أو يعيب على الناس امرا هو فيه لا يستطيع التحول عنه إلى غيره، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه).

المسألة 90:

و من زكي الأعمال و الأخلاق ان يكون العبد المؤمن متواضعا، ففي الخبر عن أبي عبد الله (ع)، قال: (في ما أوحى الله عز و جل إلى داود، يا داود كما ان أقرب الناس من الله المتواضعون، كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون)، و سأل الحسن بن الجهم الإمام أبا الحسن الرضا (ع): ما حدّ التواضع؟ فقال: (ان تعطي الناس من نفسك ما تحب ان يعطوك مثله)، و عن أبي عبد الله (ع) عن آبائه (ع): (ان من التواضع أن يرضى بالمجلس دون المجلس، و ان يسلّم على من

كلمة التقوى، ج 2، ص: 341

يلقى، و ان يترك المراء و ان كان محقّا، و لا تحب ان تحمد على التقوى)، و عن النبي (ص) انه قال لأصحابه: (ان الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدقوا يرحمكم الله، و ان التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرفعكم الله، و ان العفو يزيد صاحبه عزا، فاعفوا يعزكم الله).

المسألة 91:

ينبغي للمؤمن أن يتنزه عن الطمع و عن الرغبات الملحّة، ففي الخبر عن أبي جعفر (ع): (بئس العبد عبد يكون له طمع يقوده، و بئس العبد عبد له رغبة تذلّه)، و عنه (ع): (ان رجلا اتى رسول الله (ص) فقال له: علمني يا رسول الله شيئا، فقال: عليك باليأس مما في أيدي الناس فإنه الغنى الحاضر، قال: زدني يا رسول الله، قال: إياك و الطمع فإنه الفقر الحاضر)، و أوصى أمير المؤمنين (ع) محمد بن الحنفية فقال له: (إذا أحببت أن تجمع خير الدنيا و الآخرة فاقطع طمعك مما في أيدي الناس) و عن أبي عبد الله (ع): (ما أقبح بالمؤمن ان تكون له رغبة تذله).

المسألة 92:

يستحب للعبد المؤمن ان يكون حليما، ففي الحديث عن الرسول (ص):

(ان الله يحب الحيي الحليم، العفيف المتعفف) و عنه (ص): (ما أعز الله بجهل قط و لا أذلّ بحلم قط) و المراد بالجهل هنا ما يقابل الحلم، و عنه (ص): (ما جمع شي ء إلى شي ء أفضل من حلم إلى علم)، و عن أمير المؤمنين (ع): (أول عوض الحليم من حلمه ان الناس أنصاره على الجاهل)، و عن أبي عبد الله (ع): (كفى بالحلم ناصرا، و إذا لم تكن حليما فتحلّم).

و يستحب له أن يكون رفيقا في أموره فعن الرسول (ص): (ان الله رفيق يحب الرفق و يعين عليه)، و عنه (ص): (ان في الرفق الزيادة و البركة، و من يحرم الرفق يحرم الخير)، و عن أبي عبد الله (ع): (من كان رفيقا في أمره نال من الناس ما يريد) و عنهم (ع): (ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا، و أحبّهما إلى الله أرفقهما بصاحبه).

و الحمد لله رب العالمين،

و الصلاة و السلام على خيرته و صفوته من الخلق محمد و آله الطاهرين.

________________________________________

بصرى بحرانى، زين الدين، محمد امين، كلمة التقوى، 7 جلد، سيد جواد وداعى، قم - ايران، سوم، 1413 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.